أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-06-06
1173
التاريخ: 30-12-2020
3994
التاريخ: 2024-09-10
270
التاريخ: 2024-04-20
739
|
ذات مرة جاء رجل إلى الامام علي (عليه السلام) ، وطلب منه شيئا لقضاء حوائجه، فأعطاه الامام ما طلب منه، ثم بكى، فتعجب الاصحاب من ذلك، وتساءلوا :
ـ ما الداعي إلى البكاء؟
فقال لهم الإمام :
ـ أبكي لأنه أراق ماء وجهه باضطراره إلى السؤال ثم اردف قائلاً :
ـ اخاف ان لا يكون لي اجر عند الله، لان الاجر استلمته مقابل اراقة ماء وجهه !
وفي الاسلام لا يجوز للإنسان ان يريق ماء وجهه لأحد، فكيف به وهو يريق ماء وجه غيره؟
وفي الحقيقة فان مشاعر الإنسان ـ الصغير والكبير ـ ليست من الخرسانة المسلحة، بل هي من الزجاج، والزجاج ينكسر من صدمة حجر صغير، واذا انكسر فلا يمكن اعادته إلى وضعه السابق من دون ان يترك اثراً.
يقول الشاعر :
جراحات السنان لها التيام ولا يلتأم ما جرح اللسان
فلا يجوز ان تؤذي مشاعر طفلك، وتريق ماء وجهه أمام الاخرين، واعلم ان ذلك يصنع جرحا غائراً لا يندمل بسهولة.
وقد أثر على الرسول الاكرم انه كان (صلى الله عليه واله) يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة او ليسميه. فيأخذه فيضعه في حجره تكرمة لأهله. فربما بال الصبي عليه فيصبح بعض من رآه حين بال.
فيقول (صلى الله عليه واله) لا تزرموا بالصبي فيدعه حتى يقضي بوله، ثم يفرغ من دعائه او تسميته فيبلغ سرور اهله فيه، ولا يرون انه يتأذى ببول صبيهم، فاذا انصرفوا غسل ثوبه (1).
وروي عن ام الفضل زوجة العباس بن عبد المطلب ـ مرضعة الحسين (عليه السلام) ـ قالت : اخذ مني رسول الله (صلى الله عليه واله) حسينا ايام رضاعه فحمله فأراق ماء على ثوبه، فاخذته بعنف حتى بكى.
فقال (صلى الله عليه واله) : مهلا يا ام الفضل ان هذه الاراقة، الماء يطهرها فأي شيء يزيل هذا الغبار عن قلب الحسين؟(2).
اما نحن فنعمد إلى ايذاء مشاعر الاخرين، ننتقد الطفل علنا وأمام الاغراب، دون ان نقدر الجرح الغائر الذي نصيب كبرياءهم، بينما بضع دقائق من التفكير، وكلمة مهذبة او اثنتان واختيار الوقت المناسب للأمر والنهي والتقريع، كفيلة بأن تخفف من وطأة اللطمة وتكسر حدتها.
فدعنا نذكر هذا في المرة الثانية التي تواجهنا فيها نصح طفل او لومه.
وخير طريقة للمحافظة على ماء وجه ابنك هي ان لا تدعه يشعر بالغبن والتقصير امام الاخرين.
فاذا ما اعتلى ابنك الصغير ـ مثلا - دراجة كبيرة وخشيت عليه من السقوط، فلا تنظر اليه شزراً وتصرخ به، وتقول له امام الاخرين انزل!! أو تنزله بعنف.
هنا وفي حالات اخرى متشابهة عليك ان تتوسل بالطرق المهذبة، كأن تحاول جر ابنك إلى مكان اخر، وتقوم بإرشاده ونصحه هناك لوحده.
وخير نصيحة تقدم في هذا المجال هي : الجأ إلى التفكير الدائم ولا تتسرع، فانك ستظفر بأفضل الطرق
والاساليب التي تدع ابنك يحتفظ بماء وجهه، بل وربما يحس بالفرح والغبطة بما تفعل وتقول.
يذكر منذ سنوات مضت كانت احدى شركات الكهرباء تواجه مهمة دقيقة هي اقالة احد الاشخاص من رياسة احد اقسامها!
كان هذا الشخص عبقريا في الكهرباء، ولكنه ما ان عين رئيسا لقسم الحاسبات بالشركة حتى اظهر عجزا فاضحا، وبرغم ذلك لم تجرؤ الشركة على انتقاده او الاساءة اليه.
اذ لم يكن لها غنى عنه، وكان هو شديد الحساسية مرهف الشعور فكيف حسموا هذه المشكلة الدقيقة؟ لقد اضافوا عليه لقبا جديداً جعلوه (المهندس المستشار للشركة) ثم نصبوا شخصا اخر لرئاسة قسم الحاسبات.
وقد سر هذا الشخص الاول لهذا اللقب، وسر كذلك مدير الشركة فقد حلّو مشكلة دقيقة حساسة دون الاساءة إلى هذا الإنسان.
واليكم المثل الاخر :
بعد معارك طاحنة وقعت بين المسلمين واعدائهم انتصر الجيش الاسلامي، وجيء بالأسرى إلى رسول الله (صلى الله عليه واله)، وكانت فيهم (سفانة ابنة حاتم الطائي).
فلما وصلوا إلى المدينة المنورة وقفت سفانة امام النبي قائلة :
ـ يا محمد ! انا ابنة سيد قومي، وان ابي كان يحب مكارم الاخلاق، وما جاءه طالب حاجة الا ورده بها وبأحسن منها.
فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : من أبوك ؟
قالت : حاتم الطائي.
قال : حقا لو كان ابوك مسلما لترحمنا عليه.
ثم اردف قائلاً : اطلقوها كرامة لها!
فقالت : انا؟ ام انا ومن معي؟
قال : اطلقوا من معها كرامة لها.
ثم امر النبي بحمر النعم (الابل والبقر) فأعطى لها حتى سد ما بين جبلين.
فقالت : يا محمد هذا عطاء من لا يخاف الفقر !
فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : هكذا ادبني ربي فاحسن تأديبي.
ثم قال : أي محمد ! هل ادعوا لك؟
فرفع النبي يديه.
فقالت : اصاب الله ببرك مواقعة، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة قوم الا وجعلك سببا لردهم عليهم.
فقال النبي (صلى الله عليه واله) آمين. ثم ارسلها مع جماعة لإيصالها إلى اهلها ـ هي مشركة وابنة مشرك - وبعد ذلك التفت النبي إلى اصحابه وقال قولته الشهيرة : (ارحموا ثلاثة : وحق ان يرحموا- عزيزاً ذل من بعد عزه، وعالما ضاع بين جهال، وغنيا افتقر من بعد غناه).
وهكذا احتفظ (صلى الله عليه واله) بماء وجه هذه الاسيرة وساعدها واعطاها ما لم يخطر ببال.
فلماذا لا نتعلم من رسول الله ذلك؟.
وليكن في خلدك أنك حينما تحافظ على كرامة طفلك، وتتجنب إراقة ماء وجهه، فإنه سيكون إلى طاعتك اقرب من معصيتك.
وهكذا هو الحال مع كل الناس، لأنه من الطبيعي ان الذي تريق ماء وجهه يحاول ان يرد الاعتبار
لشخصه، فيمتنع عن الاستجابة لأوامرك، بل وربما يقوم بردة فعل مضادة، فيسبك او ينعتك بسوء مثلاً.
وقد اثبتت التجارب ان المدراء والاباء الخافقين في استحالة من هو تحت ايديهم هم الذين لا يؤدون اهتماما لمشاعر الناس واحاسيسهم.
بينما من يهتم بالحفاظ على كرامة الاخرين ينجح في تطويعهم اليه وبسهولة بالغة.
______________
1ـ بحار الانور : ج6، ص154.
2ـ هدية الاحباب: ص176.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|