المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 18053 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

خط الحمل ونقطة العمل للثنائي
12-8-2021
رسول الله (صلى الله عليه وآله) يعين أوصياءه
4-9-2019
أمراض وآفات الأراولا - الكريزانثيموم Chrysanthemum
2023-07-31
3D Delta Function
14-8-2016
Vowels and Diphthongs BATH
2024-02-24
الأحماض الدهنية Fattyacids R-COOH
11-1-2021


أوهام حول إعجاز القرآن  
  
2660   08:28 صباحاً   التاريخ: 23-09-2014
المؤلف : السيد ابو القاسم الخوئي
الكتاب أو المصدر : البيان في تفسير القران
الجزء والصفحة : ص79-95
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / مواضيع إعجازية عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-09-2014 2492
التاريخ: 23-04-2015 2187
التاريخ: 6-11-2014 6392
التاريخ: 7-11-2014 5819

 لقد تحدى القرآن جميع البشر ، وطالبهم أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطع أحد أن يقوم بمعارضته ، ولما كبر على المعاندين أن يستظهر القرآن على خصومه ، راموا أن يحطوا من كرامته بأوهام نسجتها الاخيلة حول عظمة القرآن ، تأييدا لمذاهبهم الفاسدة. ومن الحسن أن نتعرض لهذه الاوهام التي أتعبوا بها أنفسهم ليتبين مبلغهم من العلم ، وأن الاهواء كيف تذهب بهم يمينا وشمالا فترديهم في مهوى سحيق. قالوا :

1 ـ إن في القرآن امورا تنافى البلاغة لأنها تخالف القواعد العربية ، ومثل هذا لا يكون معجزا.

وهذا القول باطل من وجهين :

الاول : إن القرآن نزل بين بلغاء العرب وفصحائها ، وقد تحداهم إلى معارضته ، ولو بالإتيان بسورة واحدة ، وذكر أن الخلق لا يقدرون على ذلك ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ، فلو كان في القرآن ما يخالف كلام العرب فإن هؤلاء البلغاء العارفين بأساليب اللغة ومزاياها لأخذوه حجة عليه ، ولعابوه بذلك ، واستراحوا به عن معارضته باللسان أو السنان ، ولو وقع شيء من ذلك لاحتفظ به التاريخ ، ولتواتر نقله بين أعداء الاسلام ، كيف ولم ينقل ذلك ولا بخبر واحد؟.

الثاني : أن القرآن نزل في زمان لم يكن فيه للقواعد العربية عين ولا أثر ، وإنما اخذت هذه القواعد ـ بعد ذلك ـ من استقراء كلمات العرب البلغاء ، وتتبع تراكيبها. والقرآن لو لم يكن وحيا إلهيا ـ كما يزعم الخصم ـ فلا ريب في أنه كلام عربي بليغ ، فيكون أحد المصادر للقواعد العربية ، ولا يكون القرآن أقل مرتبة من كلام البلغاء الاخرين المعاصرين لنبي الاسلام. ومعنى هذا : أن القاعدة العربية المستحدثة إذا خالفت القرآن كان هذا نقضا على تلك القاعدة ، لا نقدا على ما استعمله القرآن. على أن هذا لو تم فإنما يتم فيما إذا اتفقت عليه القراءات ، فإنا سنثبت ـ فيما يأتي ـ أن هذه القراءات المعروفة إنما هي اجتهادات من القراء أنفسهم ، وليست متواترة عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) فلو ورد اعتراض على إحدى القراءات كان ذلك دليلا على بطلان تلك القراءة نفسها ، دون أن يمس بعظمة القرآن وكرامته. وقالوا :

2 ـ إن الكلام البليغ ـ وإن عجز البشر عن الاتيان بمثله ـ لا يكون معجزا ، فإن معرفة بلاغته تختص ببعض البشر دون بعض ، والمعجز لا بد وأن يعرف إعجازه جميع أفراد البشر ، لان كل فرد منهم مكلف بتصديق نبوة صاحب ذلك المعجز.

الجواب :

وهذه شبهة تشبه ما تقدمها في ضعف الحجة ، وتفكك القياس. فإن المعجز لا يشترط فيه أن يدرك إعجازه كل البشر ، ولو اشترطنا ذلك لم يسلم لنا معجز أصلا ، فإن إدراكه يختص بجماعة خاصة ، ويثبت لغيرهم بالنقل المتواتر. وقد ذكرنا امتياز القرآن عن غيره من المعجزات ، بأن التواتر قد ينقطع في مرور الزمان. وأما القرآن فهو معجزة باقية أبدية ببقاء الامة العربية ، بل ببقاء من يعرف خصائص اللغة العربية ، وإن لم يكن عربيا. وقالوا :

3 ـ إن العارف باللغة العربية قادر على أن يأتي بمثل كلمة من كلمات القرآن.

وإذا أمكنه ذلك أمكنه أن يأتي بمثل القرآن ، لان حكم الامثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد.

الجواب :

إن هذه الشبهة لا تليق بالذكر ، فإن القدرة على الاتيان بمثل كلمة من كلمات القرآن ، بل على الاتيان بمثل جملة من جمله لا تقتضي القدرة على الاتيان بمثل القرآن ، أو بمثل سورة من سوره ، فإن القدرة على المادة لا تستلزم القدرة على التركيب. ولهذا لا يصح لنا أن نقول : إن كل فرد من أفراد البشر قادر على بناء القصور الفخمة ، والصروح الضخمة ، لأنه قادر على وضع آجرة في البناء ، أو نقول : إن كل عربي قادر على إنشاء الخطب والقصائد ، لأنه قادر على أن يتكلم بكل كلمة من كلماتها ومفرادتها. وكأن هذه الشبهة هي التي دعت النظام وأصحابه إلى القول بأن إعجاز القرآن بالصرفة.

وهذا القول في غاية الضعف :

أولا : لان الصرفة التي يقولون بها ، إن كان معناها أن الله قادر على أن يقدر بشرا على أن يأتي بمثل القرآن ، ولكنه تعالى صرف هذه القدرة من جميع البشر ، ولم يؤتها لاحد منهم فهو معنى صحيح ، ولكنه لا يختص بالقرآن ، بل هو جار في جميع المعجزات. وإن كان معناها أن الناس قادرون على أن يأتوا بمثل القرآن ، ولكن الله صرفهم عن معارضته فهو واضح البطلان ، لان كثيرا من الناس تصدوا لمعارضة القرآن ، فلم يستطيعوا ذلك ، واعترفوا بالعجز.

ثانيا : لأنه لو كان إعجاز القرآن بالصرفة لوجد في كلام العرب السابقين مثله قبل أن يتحدى النبي البشر ، ويطالبهم بالإتيان بمثل القرآن ، ولو وجد ذلك لنقل وتواتر ، لتكثر الدواعي إلى نقله ، وإذ لم يوجد ولم ينقل كشف ذلك عن كون القرآن بنفسه إعجازا إلهيا ، خارجا عن طاقة البشر. وقالوا :

4 ـ إن القرآن ، وإن سلم إعجازه ، إلا أنه لا يكشف عن صدق نبوة من جاء به ، لان قصص القرآن تخالف قصص كتب العهدين التي ثبت كونها وحيا إلهيا بالتواتر.

الجواب :

إن القرآن بمخالفته لكتب العهدين في قصصها الخرافية قد أزال ريب المرتاب في كونه وحيا إلهيا ، لخلوه عن الخرافات والاوهام ، وعما لا يجوز في حكم العقل نسبته إلى الله تعالى ، وإلى أنبيائه ، فمخالفة القرآن لكتب العهدين بنفسها دليل على أنه وحي إلهي. وقد أشرنا فيما تقدم إلى ذلك ، وإلى جملة من الخرافات الموجودة في كتب العهدين. وقالوا :

5 ـ إن القرآن مشتمل على المناقضة فلا يكون وحيا إلهيا ، وقد زعموا أن المناقضة وقعت في موردين :

الاول : في قوله تعالى :

{قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا } [آل عمران: 41] .

فإنه يناقض قوله تعالى :

{قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } [مريم: 10] .

الجواب :

إن لفظ اليوم قد يطلق ويراد منه بياض النهار فقط كما في قوله تعالى :

{سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7] .

وقد يطلق ويراد منه بياض النهار مع ليله كما في قوله تعالى :

{ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ} [هود: 65] .

كما أن لفظ الليل قد يطلق ويراد به مدة مغيب الشمس واستتارها تحت الافق ، وعليه جاء قوله تعالى :

{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] . {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7] .

وقد يطلق ويراد منه سواد الليل مع نهاره ، وعليه جاء قوله تعالى :

{وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً} [البقرة: 51] .

واستعمال لفظي الليل والنهار في هذين المعنيين كثير جدا ، وقد استعملا في الآيتين الكريمتين على المعنى الثاني مجموع بياض النهار وسواد النهار فلا مناقضة. وتوهم المناقضة يبتني على أن لفظي الليل والنهار قد استعملا على المعنى الاول. وما ذكرناه بين لا خفاء فيه ، ولكن المتوهم كابر الحقيقة ليحط من كرامة القرآن بزعمه هذا. وقد غفل أو تغافل عما في إنجيله من التناقض الصريح عند إطلاقه لهاتين الكلمتين!!!.

فقد ذكر في الباب الثاني عشر من إنجيل متى : إخبار المسيح أنه يبقى  مدفونا في بطن الارض ثلاثة أيام أو ثلاث ليال. مع أن إنجيل متى بنفسه والاناجيل الثلاثة الاخر قد اتفقت على أن المسيح لم يبق في بطن الارض إلا يسيرا من آخر يوم الجمعة ، وليلة السبت ونهاره ، وليلة الاحد إلى ما قبل الفجر. فانظر أخريات الاناجيل ، ثم قل لكاتب إنجيل متى ، ولكل من يعتقد أنه وحي إلهي : أين تكون ثلاثة أيام وثلاث ليال. ومن الغريب جدا أن يؤمن علماء الغرب ومفكروه بكتب العهدين ، وهي مليئة بالخرافات والمناقضات ، وألا يؤمنوا بالقرآن ، وهو الكتاب المتكفل بهداية البشر ، وبسوقهم إلى سعادتهم في الدنيا والاخرة ، ولكن التعصب داء عضال ، وطلال الحق قليلون كما أشرنا إليه فيما تقدم.

الثاني : إن القرآن قد يسند الفعل إلى العبد واختياره. فيقول :

{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] .

والآيات بهذا المعنى كثيرة ، فيدل على أن العبد مختار في عمله. وقد يسند الاختيار في الافعال إلى الله تعالى. فيقول :

{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30] .

فزعموا أنه يدل على أن العبد مجبور في فعله. وقالوا : هذا تناقض واضح ، والتأويل في الايات خلاف الظاهر ، وقول بغير دليل.

الجواب :

إن كل أنسان يدرك بفطرته أنه قادر على جملة من الافعال ، فيمكنه أن يفعلها وأن يتركها ، وهذا الحكم فطري لا يشك فيه أحد إلا أن تعتريه شبهة من خارج. وقد أطبق العقلاء كافة على ذم فاعل القبيح ، ومدح فاعل الحسن ، وهذا برهان على أن الانسان مختار في فعله ، غير مجبور عليه عند إصداره. وكل عاقل يرى أن حركته على الارض عند مشيه عليها تغاير حركته عند سقوطه من شاهق إلى الارض ، فيرى أنه مختار في الحركة الاولى ، وأنه مجبور على الحركة الثانية. وكل إنسان عاقل يدرك بفطرته أنه وإن كان مختارا في بعض الافعال حين يصدرها وحين يتركها إلا أن أكثر مبادئ ذلك الفعل خارجة عن دائرة اختياره ، فإن من جملة مبادئ صدور الفعل نفس وجود الانسان وحياته ، وإدراكه للفعل ، وشوقه إليه ، وملاءمة ذلك الفعل لقوة من قواه ، وقدرته على إيجاده ، ومن البين أن هذا النوع من المبادئ خارج عن دائرة اختيار الانسان ، وأن موجد هذه الاشياء في الانسان هو موجد الانسان نفسه.

وقد ثبت في محله أن خالق هذه الاشياء في الانسان لم ينعزل عن خلقه بعد الايجاد ، وأن بقاء الاشياء واستمرارها في الوجود محتاج إلى المؤثر في كل آن ، وليس مثل خالق الاشياء معها كالبناء يقيم الجدار بصنعه ، ثم يستغني الجدار عن بانيه ، ويستمر وجوده وإن فني صانعه ، أو كمثل الكاتب يحتاج إليه الكتاب في حدوثه ، ثم يستغني عنه في مرحلة بقائه واستمراره. بل مثل خالق الاشياء معها ولله المثل الاعلى كتأثير القوة الكهربائية في الضوء. فإن الضوء لا يوجد إلا حين تمده القوة بتيارها ، ولا يزال يفتقر في بقاء وجوده إلى مدد هذه القوة في كل حين ، فإذا انفصل سلكه عن مصدر القوة في حين ، انعدم الضوء في ذلك الحين كأن لم يكن. وهكذا تستمد الاشياء وجميع الكائنات وجودها من مبدعها الاول في كل وقت من أوقات حدوثها وبقائها ، وهي مفتقرة إلى مدده في كل حين ، ومتصلة برحمته الواسعة التي وسعت كل شيء. وعلى ذلك ففعل العبد وسط بين الجبر والتفويض ، وله حظ من كل منهما. فإن إعمال قدرته في الفعل أو الترك وإن كان باختياره. إلا أن هذه القدرة وسائر المبادئ حين الفعل تفاض من الله ، فالفعل مستند إلى العبد من جهة والى الله من جهة اخرى والآيات  القرآنية المباركة ناظرة إلى هذا المعنى ، وأن اختيار العبد في فعله لا يمنع من نفوذ قدرة الله وسلطانه.

ولنذكر مثلا تقريبيا يتضح به للقارئ حقيقة الامر بين الامرين الذي قالت به الشيعة الامامية ، وصرحت به أئمتها ، وأشار إليه الكتاب العزيز.

لنفرض إنسانا كانت يده شلاء لا يستطيع تحريكها بنفسه ، وقد استطاع الطبيب أن يوجد فيها حركة إرادية وقتية بواسطة قوة الكهرباء ، بحيث أصبح الرجل يستطيع تحريك يده بنفسه متى وصلها الطبيب بسلك الكهرباء ، وإذا انفصلت عن مصدر القوة لم يمكنه تحريكها أصلا ، فإذا وصل الطبيب هذه اليد المريضة بالسلك للتجربة مثلا ، وابتدأ ذلك الرجل المريض بتحريك يده ، ومباشرة الاعمال بها ـ والطبيب يمده بالقوة في كل آن ـ فلا شبهة في أن تحريك الرجل ليده في هذه الحال من الامر بين الامرين ، فلا يستند إلى الرجل مستقلا ، لأنه موقوف على إيصال القوة إلى يده ، وقد فرضنا أنها بفعل الطبيب ولا يستند إلى الطبيب مستقلا ، لان التحريك قد أصدره الرجل بإرادته ، فالفاعل لم يجبر على فعله لأنه مريد ، ولم يفوض إليه الفعل بجميع مبادئه ، لان المدد من غيره ، والافعال الصادرة من الفاعلين المختارين كلها من هذا النوع. فالفعل صادر بمشيئة العبد ولا يشاء العبد شيئا إلا بمشيئة الله. والآيات القرآنية كلها تشير إلى هذا الغرض ، فهي تبطل الجبر ـ الذي يقول به أكثر العامة ـ لأنها تثبت الاختيار ، وتبطل التفويض المحض ـ الذي يقول به بعضهم ـ لأنها تسند الفعل إلى الله. وسنتعرض إن شاء الله تعالى للبحث تفصيلا ، ولأبطال هذين القولين حين تتعرض الآيات لذلك.

وهذا الذي ذكرناه مأخوذ عن إرشادات أهل البيت (عليهم السلام) وعلومهم وهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا. واليك بعض ما ورد منهم :

سأل رجل الصادق (عليه السلام)  فقال : قلت : أجبر الله العباد على المعاصي؟ قال : لا. قلت : ففوض إليهم الامر؟ قال : قال : لا. قال : قلت : فماذا؟ قال : لطف من ربك بين ذلك (1).

وفي رواية اخرى عنه :

( لا جبر ولا قدر ، ولكن منزلة بينهما ) (2).

وفي كتب الحديث للأمامية جملة من هذه الروايات. وقالوا :

6 ـ لو كان الاتيان بكتاب ما معجزا لعجز البشر عن الاتيان بمثله لكان كتاب اقليدس وكتاب المجسطي معجزا ، وهذا باطل فيكون المقدم باطلا أيضا.

الجواب :

أولا : إن الكتابين المذكورين لا يعجز البشر عن الاتيان بمثلهما ، ولا يصح فيهما هذا التوهم ، كيف وكتب المتأخرين التي وضعت في هذين العلمين أرقي بيانا منهما ، وأيسر تحصيلا ، وهذه الكتب المتأخرة تفضل عليهما في نواح اخرى ، منها وجود اضافات كثيرة لا أثر لها فيهما.

ثانيا : إنا قد ذكرنا للمعجز شروطا ، ومن هذه الشروط أن يكون الاتيان به في مقام التحدي. والاستشهاد به على صدق دعوى منصب إلهي. ومنها أن يكون خارجا عن نواميس الطبيعة ، وكلا هذين الشرطين مفقود في الكتابين المذكورين. وقد أوضحنا ذلك أتم إيضاح في أول بحثنا عن الاعجاز. وقالوا :

7 ـ إن العرب لم تعارض القرآن ، لا لكونه معجزا يعجز البشر عن الاتيان  بمثله ، ولكنهم لم يعارضوه لجهات اخرى لا تعود إلى الاعجاز. أما العرب الذين عاصروا الدعوة ، أو تأخروا عنها قليلا ، فقد كانت سيطرة المسلمين تمنعهم عن التصدي لذلك ، فلم يعارضوا القرآن خوفا على أنفسهم وأموالهم من هؤلاء المسيطرين ، ولما انقرضت سلطة الخلفاء الاربعة وآل الامر إلى الامويين الذين لم تقم خلافتهم على محور الدعوة الاسلامية ، صار القرآن مأنوسا لجميع الاذهان بسبب رشاقة ألفاظه ، ومتانة معانيه ، وأصبح من المرتكزات الموروثة خلفا عن سلف ، فانصرفوا عن معارضته لذلك.

الجواب :

أولا : إن التحدي بالقرآن ، وطلب المعارضة بسورة من مثله ، قد كان من النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) في مكة قبل أن تظهر شوكة الاسلام ، وتقوى سلطة المسلمين ، ومع ذلك لم يستطع أحد من بلغاء العرب أن يقوم بهذه المعارضة.

ثانيا : إن الخوف في زمان الخلفاء ، وسيطرة المسلمين ، لم يمنع الكافر من أن يظهره كفره ، وإنكاره لدين الاسلام. وقد كان أهل الكتاب يعيشون بين المسلمين في جزيرة العرب وغيرها بأهنأ عيش وأكرم نعمة ، وكان لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما عليهم. ولا سيما في عصر خلافة أمير المؤمنين 7 الذي اعترف بعدله ووفور علمه المسلمون وغيرهم. فلو كان أحد هؤلاء الكتابيين ، أو غيرهم قادرا على الاتيان بمثل القرآن ، لا ظهره في مقام الاحتجاج.

ثالثا : إن الخوف لو سلم وجوده فهو إنما يمنع عن إظهار المعارضة والمجاهرة بها ، فما الذي منع الكتابيين ، أو غيرهم من معارضته سرا في بيوتهم ومجامعهم؟ ولو ثبتت هذه المعارضة لتحفظ بها الكتابيون ليظهروها بعد زوال الخوف عنهم ، كما تحفظوا على قصص العهدين الخرافية ، وسائر ما يرتبط بدينهم.

رابعا : إن الكلام ـ وإن ارتفع مقامه من حيث البلاغة ـ إلا أن المعهود من الطباع البشرية أنه إذا كرر على الاسماع هبط عن مقامه الاول ، ولذلك نرى أن القصيدة البليغة إذا أعيدت على الانسان مرارا ملها ، واشمأزت نفسه منها ، فإذا سمع قصيدة اخرى فق يتراءى له في أول نظرة أنها أبلغ من القصيدة الاولى ، فإذا كررت الثانية أيضا ظهر الفرق الحقيقي بين القصيدتين. وهذا جار في جميع ما يلتذ به الانسان ، ويدرك حسنه من مأكول ، وملبوس ومسموع وغيرها. والقران لو لم يكن معجزا لكان اللازم أن يجري على هذا المقياس ، وينحط في نفوس السامعين عن مقامه الاول ، مهما طال به الزمان وطرأ عليه التكرار ، وبذلك تسهل معارضته ، ولكنا نرى القرآن على كثرة تكراره وترديده ، لا يزداد إلا حسنا وبهجة ، ولا يثمر إلا عرفانا ويقينا ، ولا ينتج إلا إيمانا وتصديقا ، فهو في هذه المزية على عكس الكلام مألوف. وإذن فهذا الوجه يؤكد إعجازه لا أنه ينافيه كما يتوهمه هذا الخصم.

خامسا : إن التكرار لو فرض أنه يوجب انس النفوس به ، وانصرافها عن معارضته ، فهو إنما يتم عند المسلمين الذين يصدقون به ، ويستمعون إليه برغبة واشتياق كلما تكررت تلاوته ، فلما ذا لا يعارضه غيره المسلمين من العرب الفصحاء؟ لتقع هذه المعارضة موقع القبول ولو من غير المسلمين. وقالوا :

8 ـ ذكر التاريخ أن أبا بكر لما أراد جمع القرآن ، أمر عمر وزيد بن ثابت أن يقعدا على باب المسجد ، وأن يكتبا ما شهد شاهدان على أنه من كتاب الله ، وفي هذا شهادة على أن القرآن ليس خارقا للعادة ، لأنه لو كان خارقا للعادة بنفسه لم يحتج إلى الشهادة عليه ، ولكان بنفسه شاهدا على نفسه.

الجواب :

أولا : إن القرآن معجزة في بلاغته واسلوبه ، لا في كل كلمة من كلماته ، وإذن فقد يقع الشك في تحريف بعض الكلمات المفردة ، أو في زيادتها ونقصانها. 

وشهادة الشاهدين ـ إذا صحت أخبارها ـ إنما هي لرفع هذه الاحتمالات التي تعرض من سهو القارئ أو من عمده ، على أن عجز البشر عن الاتيان بسورة من مثل القرآن لا ينافي قدرتهم على الاتيان بآية ، أو ما يشبه الآية ، فإن ذلك أمر ممكن ، ولم يدع المسلمون استحالة ذلك ، ولم يذكره القرآن عند التحدي بالمعارضة.

ثانيا : إن هذه الاخبار التي دلت على جمع القرآن في عهد أبى بكر بشهادة شاهدين من الصحابة ، كلها أخبار آحاد : لا تصلح أن تكون دليلا في أمثال ذلك.

ثالثا : إنها معارضة بأخبار كثيرة دلت على أن القرآن قد جمع في عهد النبي (صلى الله عليه واله وسلم ) وكان كثير من الصحابة يحفظ جميع القرآن. وأما الحافظون منهم لبعض سوره وأجزائه فلا يعلم عددهم إلا الله تعالى. على أن النظرة العقلية البسيطة تشهد بكذب تلك الاخبار التي استدل بها الخصم. فإن القرآن هو السبب الاعظم في هداية المسلمين ، وفي خروجهم من ظلمات الشقاء والجهل إلى نور السعادة والعلم ، وقد بلغ المسلمون في العناية بالقرآن الدرجة القصوى ، فقد كانوا يتلون آياته آناء الليل وأطراف النهار ، وكانوا يتفاخرون في حفظه واتقانه ويتبركون بسوره وآياته ، والنبي يحثهم على ذلك. فهل يحتمل عاقل بعد هذا كله أن يقع الشك فيه عندهم حتى يحتاج إثباته إلى شاهدين؟. وسنثبت ـ إن شاء الله تعالى ـ فيما يأتي ان القرآن كان مجموعا في عهد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) وقالوا :

9 ـ إن للقرآن اسلوبا يباين أساليب البلغاء المعروفة ، فقد خلط بين المواضيع المتعددة ، فبينا هو يتكلم في التاريخ إذا به ينتقل إلى الوعد والوعيد ، إلى الحكم والامثال ، إلى جهات اخرى. ولو كان القرآن مبوبا يجمع في كل موضوع ما يتصل به من الآيات ، لكانت فائدته أعظم ، وكانت الاستفادة منه أسهل.

الجواب :

إن القرآن أنزل لهداية البشر ، وسوقهم إلى سعادتهم في الاولى والاخرى ، وليس هو بكتاب تاريخ ، أو فقه ، أو أخلاق. أو ما يشبه ذلك ليعقد لكل من هذه الجهات بابا مستقلا. ولا ريب في أن اسلوبه هذا أقرب الاساليب إلى حصول النتيجة المقصودة ، فإن القارئ لبعض سور القرآن يمكنه أن يحيط بكثير من أغراضه ، وأهدافه في أقرب وقت وأقل كلفة ، فيتوجه نظره إلى المبدأ والمعاد ، ويطلع على أحوال الماضين فيعتبر بهم. ويستفيد من الاخلاق الفاضلة ، والمعارف العالية ، ويتعلم جانبا من أحكامه في عباداته ومعاملاته. كل ذلك مع حفظ نظام الكلام ، وتوفية حقوق البيان ، ورعاية مقتضى الحال. وهذه الفوائد لا يمكن حصولها من القرآن إذا كان مبوبا ، لان القارئ لا يحيط بأغراض القرآن إلا حين يتم تلاوة القرآن جميعه ، وقد يعوقه عائق عن الاتمام فلا يستفيد إلا من باب أو بابين.

ولعمري أن هذه إحدى الجهات المحسنة لأسلوب القرآن ، الذي حاز به الجمال والبهاء ، فإنه مع انتقاله من موضوع إلى موضوع يتحفظ على كمال الربط بينهما ، كأن كل جملة منه درة في عقد منتظم ، ولكن بغض الاسلام أعمى بصر هذا المستشكل وأصم سمعه ، حتى توهم الجمال قبحا ، والمحاسن مساوئ. على أن القرآن قد كرر بعض القصص مرارا بعبارات مختلفة ، حسب المناسبات المقتضية للتكرار ، فلو جمعت تلك العبارات كلها في باب واحد لا نتفت تلك الفائدة الملحوظة ، وكان التكرار لغير فائدة ملموسة للقارئ.

_____________________________

1 ـ الكافي : كتاب التوحيد. باب الجبر والقدر والامر بين الامرين.

2 ـ نفس المصدر.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .