المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16697 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية ( 102) من سورة البقرة  
  
6915   03:56 مساءً   التاريخ: 30-11-2016
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوكَانُوا يَعْلَمُونَ}  [البقرة: 102].

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسيرهذه الآية (1) :

عطف سبحانه على ما تقدم من أنه نبذ فريق من اليهود كتاب الله الذي في أيديهم وراء ظهورهم فقال {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} واختلف في المعنى بقوله {واتبعوا} على ثلاثة أقوال ( أحدها ) أنهم اليهود الذين كانوا على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الربيع وابن إسحاق والسدي ( وثانيها ) أنهم اليهود الذين كانوا في زمن سليمان عن ابن عباس وابن جريج ( وثالثها ) أن المراد به الجميع لأن متبعي السحر لم يزالوا منذ عهد سليمان إلى أن بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) وروي عن الربيع أن اليهود سألوا محمدا (صلى الله عليه وآله وسلّم) زمانا عن التوراة لا يسألونه عن شيء من ذلك إلا أنزل الله عليه ما سألوا عنه فيخصمهم فلما رأوا ذلك قالوا هذا أعلم بما أنزل علينا منا وأنهم سألوه عن السحر وخاصموه به فأنزل الله تعالى {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} الآية أي اقتدوا بما كانت تتلو الشياطين أي تتبع وتعمل به عن ابن عباس وقيل معناه تقرأ عن عطا وقتادة وقيل معناه تكذب عن أبي مسلم يقال تلا عليه إذا كذب قال سبحانه وتعالى ويقولون على الله الكذب أ تقولون على الله ما لا تعلمون فإذا صدق قيل تلا عنه وإذا أبهم جاز الأمران واختلف في قوله {الشياطين} فقيل هم شياطين الجن لأنه المستفاد من إطلاق هذه اللفظة وقيل هم شياطين الإنس المتمردون في الضلالة كما قال جرير :

أيام يدعونني الشيطان من غزلي ***  وكن يهوينني إذ كنت شيطانا

وقيل هم شياطين الجن والإنس وقوله {على ملك سليمان} قيل معناه في ملك سليمان كقول أبي النجم :

(فهي على الأفق كعين الأحول ) أي في الأفق ثم إن هذا يحتمل معنيين ( أحدهما ) في عهد ملك سليمان (والثاني) في نفس ملك سليمان كما يقال فلان يطعن في ملك فلان وفي نفس فلان وقيل معناه على عهد ملك سليمان وقال أبو مسلم معناه ما كانت تكذب الشياطين على ملك سليمان وعلى ما أنزل على الملكين وأما قوله {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} بين بهذا أن ما كانت تتلوه الشياطين وتأثره وترويه كان كفرا إذ برأ سليمان (عليه السلام) منه ولم يبين سبحانه بقوله {ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان} أنها أي شيء كانت تتلو الشياطين ثم لم يبين بقوله سبحانه {وما كفر سليمان} أن ذلك الكفر أي نوع من أنواع الكفر حتى قال {ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} فبين سبحانه أن ذلك الكفر كان من نوع السحر فإن اليهود أضافوا إلى سليمان السحر وزعموا أن ملكه كان به فبرأه الله منه وهو قول ابن عباس وابن جبير وقتادة واختلف في السبب الذي لأجله أضافت اليهود السحر إلى سليمان (عليه السلام) فقيل إن سليمان كان قد جمع كتب السحرة ووضعها في خزانته وقيل كتمها تحت كرسيه لئلا يطلع عليها الناس ولا يعلموا بها فلما مات سليمان استخرجت السحرة تلك الكتب وقالوا إنما تم ملك سليمان بالسحر وبه سخر الإنس والجن والطير وزينوا السحر في أعين الناس بالنسبة إلى سليمان (عليه السلام) وشاع ذلك في اليهود وقبلوه لعداوتهم لسليمان عن السدي وروي العياشي بإسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لما هلك سليمان وضع إبليس السحر ثم كتبه في كتاب واطواه وكتب على ظهره هذا ما وضع آصف بن برخيا من ملك سليمان بن داود من ذخائر كنوز العلم من أراد كذا وكذا فليقل كذا وكذا ثم دفنه تحت السرير ثم استثاره لهم فقال الكافرون ما كان يغلبنا سليمان إلا بهذا وقال المؤمنون هو عبد الله ونبيه فقال الله في كتابه {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} الآية وفي قوله {ولكن الشياطين كفروا} ثلاثة أقوال (أحدها) أنهم كفروا بما استخرجوه من السحر و( ثانيها) أنهم كفروا بما نسبوا إلى سليمان من السحر (وثالثها) أنهم سحروا فعبر عن السحر بالكفر وفي قوله {يعلمون الناس السحر} قولان ( أحدهما ) أنهم ألقوا السحر إليهم فتعلموه (والثاني) أنهم دلوهم على استخراجه من تحت الكرسي فتعلموه وقوله {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت} فيه وجوه .

( أحدها ) أن المراد أن الشياطين يعلمون الناس السحر والذي أنزل على الملكين وإنما أنزل على الملكين وصف السحر وماهيته وكيفية الاحتيال فيه ليعرفا ذلك ويعرفاه الناس فيجتنبوه غير أن الشياطين لما عرفوه استعملوه وإن كان المؤمنون إذا عرفوه اجتنبوه وانتفعوا بالاطلاع على كيفيته ( وثانيها ) أن يكون المراد على ما ذكرناه قبل من أن معناه واتبعوا ما كذبت به الشياطين على ملك سليمان وعلى ما أنزل على الملكين أي معهما وعلى ألسنتهما كما قال سبحانه ما وعدتنا على رسلك أي معهم وعلى ألسنتهم ( وثالثها ) أن يكون ما بمعنى النفي والمراد وما كفر سليمان ولا أنزل الله السحر على الملكين ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر ببابل هاروت وماروت ويكون قوله ببابل هاروت وماروت من المؤخر الذي معناه التقديم ويكون في هذا التأويل هاروت وماروت رجلين من جملة الناس ويكون الملكان اللذان نفى عنهما السحر جبرئيل وميكائيل (عليهما السلام) لأن سحرة اليهود فيما ذكر كانت تدعي أن الله عز وجل أنزل السحر على لسان جبرائيل وميكائيل على سليمان فأكذبهم الله في ذلك ويجوز أن يكون هاروت وماروت يرجعان إلى الشياطين كأنه قال ولكن الشياطين هاروت وماروت كفروا ويسوغ ذلك كما ساغ في قوله وكنا لحكمهم شاهدين يعني لحكم داود وسليمان ويكون على هذا قوله {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة} راجعا إلى هاروت وماروت ومعنى قولهما إنما نحن فتنة {فلا تكفر} يكون علي طريق الاستهزاء والتماجن(2) لا على سبيل النصيحة والتحذير ويجوز على هذا التأويل أيضا الذي يتضمن النفي والجحد أن يكون هاروت وماروت اسمين للملكين ونفى عنهما إنزال السحر ويكون قوله {وما يعلمان} راجعا إلى قبيلتين من الجن والإنس أو إلى شياطين الجن والإنس فيحسن التثنية لهذا وروي هذا التأويل في حمل ما على النفي عن ابن عباس وغيره من المفسرين وحكي عنه أيضا أنه كان يقرأ على الملكين بكسر اللام ويقول متى كان العلجان (3) ملكين إنما كانا ملكين وعلى هذه القراءة لا ينكر أن يرجع قوله {وما يعلمان من أحد} إليهما ويمكن على هذه القراءة في الآية وجه آخر وإن لم يحمل قوله {وما أنزل على الملكين} على الجحد والنفي وهو أن يكون هؤلاء الذين أخبر عنهم اتبعوا ما تتلوه الشياطين وتدعيه على ملك سليمان واتبعوا ما أنزل على الملكين من السحر ولا يكون الإنزال مضافا إلى الله تعالى وإن أطلق لأنه جل وعز لا ينزل السحر بل يكون أنزله إليهما بعض الضلال ويكون معنى أنزل وإن كان من الأرض حمل إليهما لا من السماء أنه أتي به من نجود البلاد وأعاليها فإن من هبط من النجد إلى الغور يقال نزل واختلف في بابل فقيل هي بابل العراق لأنه تبلبلت بها الألسن عن ابن مسعود وقيل هي بابل دماوند عن السدي وقيل هي نصيبين إلى رأس العين وهاروت وماروت قيل هما رجلان على ما تقدم بيانه وقيل هما ملكان من الملائكة أهبطهما الله إلى الأرض على صورة الإنس لئلا ينفر الناس منهما إذا كانا على صورة الملائكة واختلف في سبب هبوطهما فقيل إن الله أهبطهما ليأمرا بالدين وينهيا عن السحر ويفرقا بينه وبين المعجز لأن السحر كان كثيرا في ذلك الوقت ثم اختلف في ذلك فقال قوم كانا يعلمان الناس كيفية السحر وينهيان عن فعله ليكون النهي بعد العلم فإن من لا يعرف الشيء لا يمكنه اجتنابه وقال آخرون لم يكن لهما تعليم السحر لما في ذلك من الإغراء بفعله وإنما اهبطا لمجرد النهي إذ كان السحر فاشيا وقيل أيضا في سبب هبوطهما إن الملائكة تعجبت من معاصي بني آدم مع كثرة نعم الله عليهم فقال طائفة منهم يا ربنا أ ما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك ومما يفترون عليك من الكذب والزور ويرتكبونه من المعاصي وقد نهيتهم عنها وهم في قبضتك وتحت قدرتك فأحب الله سبحانه أن يعرفهم ما من به عليهم من عجيب خلقهم وما طبعهم عليه من الطاعة وعصمهم به من الذنوب فقال لهم اندبوا منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض واجعل فيهما من طبائع المطعم والمشرب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلت في ولد آدم ثم اختبرهما في الطاعة لي قال فندبوا لذلك هاروت وماروت وكانا من أشد الملائكة قولا في العيب لولد آدم واستجرار عتب الله عليهم قال فأوحى الله إليهما أن اهبطا إلى الأرض فقد جعلت فيكما من طبائع المطعم والمشرب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلت في ولد آدم وأنظر أن لا تشركا بي شيئا ولا تقتلا النفس التي حرم الله قتلها ولا تزنيا ولا تشربا الخمر ثم أهبطهما إلى الأرض على صورة البشر ولباسهم فرفع لهما بناء مشرف فأقبلا نحوه فإذا امرأة جميلة حسناء أقبلت نحوهما فوقعت في قلوبهما موقعا شديدا ثم إنهما ذكرا ما نهيا عنه من الزنا فمضيا ثم حركتهما الشهوة فرجعا إليها فراوداها عن نفسها فقالت إن لي دينا أدين به ولست أقدر في ديني على أن أجيبكما إلى ما تريدان إلا أن تدخلا في ديني فقالا وما دينك فقالت لي إله من عبده وسجد له كان لي السبيل إلى أن أجيبه إلى كل ما سألني قالا وما إلهك قالت هذا الصنم قال فائتمرا بينهما فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما فقالا لها نجيبك إلى ما سألت قالت فدونكما فاشربا الخمر فإنه قربان لكما عنده وبه تصلان إلى ما تريدان فقالا هذه ثلاث خصال قد نهانا ربنا عنها الشرك والزنا وشرب الخمر فائتموا بينهما ثم قالا لها ما أعظم البلية بك قد أجبناك قال فشربا الخمر وسجدا للصنم ثم راوداها عن نفسها فلما تهيأت لهما دخل عليهما سائل يسأل فلما رأياه فزعا منه فقال لهما إنكما لمريبان قد خلوتما بهذه المرأة الحسناء إنكما لرجلا سوء وخرج عنهما فقالت لهما بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل أن يفضحكما ويفضحني ثم دونكما فاقضيا حاجتكما وأنتما مطمئنان آمنان قال فقاما إلى الرجل فأدركاه فقتلاه ثم رجعا إليها فلم يرياها وبدت لهما سوآتهما ونزع عنهما رياشهما وسقط في أيديهما فأوحى الله تعالى إليهما إنما أهبطتكما إلى الأرض ساعة من نهار فعصيتماني بأربع معاص قد نهيتكما عنها وتقدمت إليكما فيها فلم تراقباني ولم تستحيا مني وقد كنتما أشد من ينقم على أهل الأرض من المعاصي فاختارا عذاب الدنيا أو عذاب الآخرة قال فاختارا عذاب الدنيا فكانا يعلمان الناس السحر بأرض بابل ثم لما علما الناس رفعا من الأرض إلى الهواء فهما معذبان منكسان معلقان في الهواء إلى يوم القيامة هذا الخبر رواه العياشي مرفوعا إلى أبي جعفر الباقر (عليه السلام) ومن قال بعصمة الملائكة (عليهم السلام) لم يجز هذا الوجه وقوله {وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر} يعني الملكين ما يعلمان أحدا والعرب تستعمل لفظة علم بمعنى أعلم أي لا يعرفان صفات السحر وكيفيته حتى يقلا أي الأبعد أن يقولا إنما فتنة أي محنة لأن الفتنة بمعنى المحنة والاختبار والابتلاء وإنما كانا محنة من حيث ألقيا إلى المكلفين أمرا لينزجروا عنه ويمتنعوا من مواقعته وهم إذا عرفوه أمكن أن يستعملوه ويرتكبوه فقالا لمن يطلعانه على ذلك لا تكفر باستعماله ولا تعدل عن الغرض في إلقائه إليك فإنه إنما ألقي إليك لتجتنبه لا لتفعله ولا يكون على هذا التأويل تعلم السحر كفرا ومعصية كما أن من عرف الزنا لم يأثم بأنه عرفه وإنما يأثم بالعمل وقيل إن المراد به نفي تعليمهما السحر والتقدير ولا يعلمان أحدا السحر فيقولان إنما نحن فتنة فعلى هذا يكون تعليم السحر من الشياطين والنهي عنه من الملكين وقوله {فلا تكفر} يعني به أحد ثلاثة أشياء ( أحدها ) فلا تكفر بالعمل بالسحر ( والثاني ) فلا تكفر بتعلم السحر ويكون مما امتحن الله عز وجل بالملكين الناس في ذلك الوقت وجعل المحنة في الكفر والإيمان أن يقبل القابل تعلم السحر فيكون بتعلمه كافرا وبتركه التعلم مؤمنا لأن السحر كان قد كثر وهذا ممكن أن يمتحن الله به كما امتحن بالنهر في قوله فمن شرب منه فليس مني ( والثالث ) فلا نكفر بكليهما وقوله {فيتعلمون منهما} أي من هاروت وماروت وقيل من السحر والكفر وقيل أراد بدلا مما علماهم ويكون المعنى أنهم يعدلون عما علمهم الملكان من النهي عن السحر إلى فعله واستعماله كما يقال ليت لنا من كذا وكذا أي بدلا منه وكقول الشاعر :

جمعت من الخيرات وطبا وعلبة *** وصرا لإخلاف المزممة البزل

ومن كل أخلاق الكرام نميمة *** وسعيا على الجار المجاور بالمحل (4).

وقوله {ما يفرقون به بين المرء وزوجه} فيه وجوه ( أحدها ) أنهم يوجدون أحدهما على صاحبه ويبغضونه إليه فيؤدي ذلك إلى الفرقة عن قتادة ( وثانيها ) أنه يغوون أحد الزوجين ويحملونه على الكفر والشرك بالله تعالى فيكون بذلك قد فارق زوجة الآخر المؤمن المقيم على دينه فيفرق بينهما اختلاف النحلة وتباين الملة ( وثالثها ) أنهم يسعون بين الزوجين بالنميمة والوشاية حتى يؤول أمرهما إلى الفرقة والمباينة وقوله {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله} أي لا يلحقون بغيرهم ضررا إلا بعلم الله فيكون على وجه التهديد وقيل معناه إلا بتخلية الله عن الحسن قال من شاء الله منعه فلا يضره السحر ومن شاء خلى بينه وبينه فيضره وقوله {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم} معناه يضرهم في الآخرة ولا ينفعهم وإن كان ينفعهم في الدنيا لأنهم لما قصدوا بتعلمه أن يفعلوه ويرتكبوه لا أن يجتنبوه صار ذلك بسوء اختيارهم ضررا عليهم وقوله {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق} يعني اليهود الذين نبذوا كتاب وراء ظهورهم علموا لمن استبدل السحر بدين الله فالهاء في اشتراه كناية عن السحر عن قتادة وجماعة من المفسرين فما له في الآخرة من نصيب وقوله {ولبئس ما شروا به أنفسهم} يعني بئس ما باعوا به حظ أنفسهم حيث اختاروا التكسب بالسحر وقوله {لو كانوا يعلمون} بعد قوله {ولقد علموا} ذكر فيه وجوه ( أحدها ) أن يكون الذين علموا غير الذين لم يعلموا أو يكون الذين علموا الشياطين أو الذين خبر تعالى عنهم بأنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم والذين لم يعلموا هم الذين تعلموا السحر ( وثانيها ) أن يكون الذين علموا هم الذين لم يعلموا إلا أنهم علموا شيئا ولم يعلموا غيره فكأنه تعالى وصفهم بأنهم عالمون بأنه لا نصيب لمن اشترى ذلك ورضيه لنفسه على الجملة ولم يعلموا كنه ما يصيرون إليه من العقاب الدائم ( وثالثها ) أن تكون الفائدة في نفي العلم بعد إثباته أنهم لم يعملوا بما علموا فكأنهم لم يعلموا كما قال كعب بن زهير يصف ذئبا وغرابا تبعاه ليصيبا من زاده :

إذا حضراني قلت لو تعلمانه *** أ لم تعلما أني من الزاد مرمل(5)

فنفى عنهما العلم ثم أثبته والمعنى في نفيه العلم عنهما أنها لم يعملا بما علماه فكأنهما لم يعلماه وفي هذه الآية دلالة على أن الأفعال تختلف باختلاف المقاصد ولذلك كان تعلم السحر لإزالة الشبهة والتحرز منه واجتنابه إيمانا ولتصديقه واستعماله كفرا واختلف في ماهية السحر على أقوال فقيل أنه ضرب من التخييل وصنعة من لطيف الصنائع وقد أمر الله تعالى بالتعوذ منه وجعل التحرز بكتابه وقاية منه وأنزل فيه سورة الفلق وهو قول الشيخ المفيد أبي عبد الله من أصحابنا وقيل أنه خدع ومخاريق وتمويهات لا حقيقة لها يخيل إلى المسحور أن لها حقيقة وقيل أنه يمكن الساحر أن يقلب الإنسان حمارا ويقلبه من صورة إلى صورة و ينشىء الحيوان على وجه الاختراع وهذا لا يجوز ومن صدق به فهولا يعرف النبوة ولا يأمن أن تكون معجزات الأنبياء من هذا النوع ولو أن الساحر والمعزم قدرا على نفع أوضر وعلما الغيب لقدرا على إزالة الممالك واستخراج الكنوز من معادنها والغلبة على البلدان بقتل الملوك من غير أن ينالهم مكروه وضرر فلما رأيناهم أسوء الناس حالا وأكثرهم مكيدة واحتيالا علمنا أنهم لا يقدرون على شيء من ذلك فأما ما روي من الأخبار أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سحر فكان يرى أنه فعل ما لم يفعله وأنه لم يفعله ما فعله فأخبار مفتعلة لا يلتفت إليها وقد قال الله سبحانه وتعالى حكاية عن الكفار إن تتبعون إلا رجلا مسحورا فلوكان للسحر عمل فيه لكان الكفار صادقين في مقالهم حاشا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) من كل صفة نقص تنفر عن قبول قوله فإنه حجة الله على خليقته وصفوته على بريته .

_____________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج1 ، ص326-334.

2- تماجن : تمازح .

3- العلج : الرجل الضخم من كفار العجم ، وبعضهم يطلقه على الكافر مطلقا.

4- الوطب : سقاء اللبن ، العلبة : اناء ضخم من جلد او خشب . الصرّ : شد الضرع . والاخلاف جمع الخلف : حلمة ضرع الناقة . المُزمّمة : من الزمام . البزل جمع البازل : وهو بعير انشق نابه . المحل : الكيد والسعاية .

5- أرمل الرجل : نفد زاده .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسيرهذه الآية (1) :

تكلم المفسرون هنا وأطالوا ، ولا مستند لأكثرهم سوى الإسرائيليات التي لا يقرها عقل ولا نقل ، وسوّد الرازي حوالي عشرين صفحة في تفسير هذه الآية ، فزادها غموضا وتعقيدا ، ونفس الشيء فعل صاحب مجمع البيان ، أما السيد قطب فأخذ يشرح التنويم المغناطيسي ، والأحلام ، والتأثير والانفعالات بالإيحاء وما إليه ، وهذا هو الهروب بعينه . وبقيت أمدا غير قصير أبحث وأنقب في الكتب والتفاسير ، فما شفى غليلي شيء منها ، حتى تفسير الشيخ محمد عبده وتلميذيه المراغي وصاحب المنار ، وخير ما قرأته في هذا الباب ما جاء في كتاب « النواة في حقل الحياة » للسيد العبيدي مفتي الموصل ، لأنه قد اعتمد على قول جماعة من علماء الآثار ، وهذا ما قاله بالحرف :

« ما زلت أجهل معنى الآية الكريمة ، لا يشفي غليلي فيها مفسر ، حتى وقفت على تاريخ جمعية البنائين ، فتبينت معناها . وحيث اضطربت كلمة المفسرين ، حتى عرضوا الآية للجمع بين النقيضين ، وحتى دخلها شيء من الأساطير التي تنبو عنها مغازي الشريعة الغراء رأيت من واجب الخدمة لكتاب اللَّه أن أثبت هنا كلمة في ذلك :

« لما عظم ملك سليمان ( عليه السلام ) استراب ملك بابل الطامع في سورية وفلسطين ، وحل منه الجزع محل الطمع ، فأوقد إلى بيت المقدس رجلين من دهاة بطانته ، يبثان من التعاليم ما عسى أن يفسد على سليمان ملكه ، فاعتنقا اليهودية ، وأظهرا الزهد باسم الدين ، فالتف من حولهما الناس ، كما هو شأن العامة ، واستهويا الرأي العام ، فشرعا يفسدان الأفكار ، ويوغران الصدور على سليمان ، حتى رمياه بالكفر ، فكان هذا الرجلان بظاهر حالهما من الزهد والتقشف كملكين - بفتح اللام - ، ولكنهما في الواقع شيطانان ، وكانت تعاليمهما كالسحر بما

يعضدها من حسن البيان ، وطالما استعمل لفظ الملك في الرجل الصالح ، ولفظ الشيطان في الرجل الطالح ، ولفظ السحر في العبارة الفاتنة . . من ذلك قوله تعالى عن يوسف حكاية عن صويحباته : {إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ } [يوسف: 31] وقوله سبحانه :

{ شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا } [الأنعام: 112] . . وقوله حكاية عن الوليد : { إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 24، 25] . . وفي الحديث : « ان من البيان لسحرا » .

« وقد أنبأنا التاريخ بما كان من شأن بختنصر ملك بابل من غزوه فلسطين بعد سليمان ، وتخريبه بيت المقدس ، ونرى القرآن يؤيد حوادث التاريخ بقوله في سورة الاسراء : {وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا} [الإسراء: 4، 5].

« إذا عرفت هذا فنقول : ان الضمير في قوله تعالى : ( واتبعوا ) عائد إلى يهود المدينة الذين تقدمت هذه الآية اثنتان وستون آية متتابعة في حقهم . . ومتى عرفت هذا ، ثم تدبرت الآيات المتصلة بآية سليمان ، ووقفت وقفة تدقيق وإمعان عند قوله : ( على ملك سليمان ) وما اكتنفها من مضامين ودلالات علمت ان معنى الآية الكريمة ان يهود الحجاز كانوا يكيدون للنبي العربي بالمكايد والدسائس المقنّعة ، والدعاية المزوقة اقتداء بالمارقين من أسلافهم الذين أعانوا رسل بابل في تقويض ملك سليمان » .

الإيضاح :

ونفسر الآية على أساس فهم العبيدي لها : ( واتبعوا ) . أي اتبع يهود المدينة الذين كانوا على عهد محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) . { ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ} . المراد بالشياطين المشعوذون ، ومنهم الرجلان البابليان اللذان ظهرا بمظهر القداسة ، وهما في الواقع من الأبالسة . ( عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ ) . أي ان يهود المدينة استعملوا الدسائس والمكائد ، ضد محمد ، تماما كما استعمل ذلك أسلافهم اليهود ضد ملك سليمان .

{وما كَفَرَ سُلَيْمانُ ولكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا}. أي كل ما كانوا ينسبونه إلى سليمان فهو بريء منه ، وانما هو من عند الدساسين واختراعاتهم .{ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ } . أي يلقنون الناس الأشياء الباطلة الكاذبة . {وما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} . أي الرجلين اللذين هما من بابل وتظاهرا بالقداسة والتقوى . . وليس المراد من الانزال الوحي من اللَّه ، كالوحي للأنبياء ، بل مجرد الإلهام أو التعلم ، وما إليه . { وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} . كانوا يقولون ذلك دجلا ونفاقا ، ليوهموا الناس ان علومهم إلهية ، وان صناعتهم روحانية ، وانهم صحيحوا النية ، تماما كما يقول الدجال لمن يعلمه كتابة البغض والمحبة : إياك أن تكتب هذا لتفريق الزوجين الشرعيين ، أو لمحبة امرأة متزوجة بغير زوجها .

{ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وزَوْجِهِ} . أي ما يحسبون انه يفرق بين المرء وزوجه على نحو ما يأخذ الإنسان من الدجال كتابة الحب والبغض معتقدا الصدق والتأثير . . وتجمل الإشارة إلى ان الآية لا تدل على ثبوت التأثير ولا نفيه ، لأن قوله : {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ } ليس حكما جازما بتحقق التفريق بين الزوجين على كل حال ، بل معناه يتعلمون ما وضع لأجل التفريق بين الزوجين ، تماما كقولك شرب الشفاء ، أي ما وضع لأجل الشفاء . . واختصارا ان الآية من حيث ترتّب الأثر مجملة سلبا وإيجابا . وكثيرا ما تقتضي الحكمة الإلهية البيان من جهة ، والإجمال من جهة ، بخاصة في غير العقائد .

{ وما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ }. أي لا يستطيعون إضرار واحد من الناس أيا كان بسبب القراءة والكتابة ، فإذا تضرر فإنما ذلك من باب الصدفة والاتفاق مع سبب من الأسباب الخارجية ، فالمراد بإذن اللَّه السبب الخارجي الذي يترتب عليه الضرر .

{ ويَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ ولا يَنْفَعُهُمْ} . لأنه مجرد شعوذة ، والشعوذة تضر ولا تنفع . {ولَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} . أي انهم عالمون بأن من اختار الشعوذة على الحق لا نصيب له عند اللَّه . {ولَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ} . أي انهم قد استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ومر تفسيره في الآية 61 .

______________________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص161-163.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسيرهذه الآية (1) :

 قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك}، إلخ، قد اختلف المفسرون في تفسير الآية اختلافا عجيبا لا يكاد يوجد نظيره في آية من آيات القرآن المجيد، فاختلفوا في مرجع ضمير قوله: {اتبعوا}، أ هم اليهود الذين كانوا في عهد سليمان، أو الذين في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الجميع؟ واختلفوا في قوله: {تتلوا}، هل هو بمعنى تتبع الشياطين وتعمل به أو بمعنى تقرأ، أو بمعنى تكذب؟ واختلفوا في قوله: {الشياطين}، فقيل هم شياطين الجن وقيل شياطين الإنس وقيل هما معا، واختلفوا في قوله: {على ملك سليمان}، فقيل معناه في ملك سليمان، وقيل معناه في عهد ملك سليمان وقيل معناه على ملك سليمان بحفظ ظاهر الاستعلاء في معنى على، وقيل معناه على عهد ملك سليمان، واختلفوا في قوله: {ولكن الشياطين كفروا}، فقيل إنهم كفروا بما استخرجوه من السحر إلى الناس وقيل إنهم كفروا بما نسبوه إلى سليمان من السحر، وقيل إنهم سحروا فعبر عن السحر بالكفر، واختلفوا في قوله: {يعلمون الناس السحر}، فقيل إنهم ألقوا السحر إليهم فتعلموه، وقيل إنهم دلوا الناس على استخراج السحر وكان مدفونا تحت كرسي سليمان فاستخرجوه وتعلموه، واختلفوا في قوله: {وما أنزل على الملكين} فقيل ما موصولة والعطف على قوله: {ما تتلوا}، وقيل ما موصولة والعطف على قوله: {السحر} أي يعلمونهم ما أنزل على الملكين، وقيل ما نافية والواو استئنافية أي ولم ينزل على الملكين سحر كما يدعيه اليهود، واختلفوا في معنى الإنزال فقيل إنزال من السماء وقيل بل من نجود الأرض وأعاليها، واختلفوا في قوله: {الملكين}، فقيل كانا من ملائكة السماء، وقيل بل كانا إنسانين ملكين بكسر اللام إن قرأناه، بكسر اللام كما قرئ كذلك في الشواذ، أو ملكين بفتح اللام أي صالحين، أو متظاهرين بالصلاح، إن قرأناه على ما قرأ به المشهور واختلفوا في قوله: {ببابل}، فقيل هي بابل العراق وقيل بابل دماوند، وقيل، من نصيبين إلى رأس العين، واختلفوا في قوله: {وما يعلمان}، فقيل علم بمعناه الظاهر، وقيل علم بمعنى أعلم، واختلفوا في قوله: {فلا تكفر}، فقيل، لا تكفر بالعمل بالسحر، وقيل لا تكفر بتعلمه، وقيل بهما معا، واختلفوا في قوله: {فيتعلمون منهما}، فقيل أي من هاروت وماروت، وقيل أي من السحر والكفر، وقيل بدلا مما علماه الملكان بالنهي إلى فعله، واختلفوا في قوله: {ما يفرقون به بين المرء وزوجه}، فقيل أي يوجدون به حبا وبغضا بينهما، وقيل إنهم يغرون أحد الزوجين ويحملونه على الكفر والشرك فيفرق بينهما اختلاف الملة والنحلة وقيل إنهم يسعون بينهما بالنميمة والوشاية فيئول إلى الفرقة، فهذه نبذة من الاختلاف في تفسير كلمات ما يشتمل على القصة من الآية وجمله، وهناك اختلافات أخر في الخارج من القصة في ذيل الآية وفي نفس القصة، وهل هي قصة واقعة أو بيان على سبيل التمثيل؟ أو غير ذلك؟ وإذا ضربت بعض الأرقام التي ذكرناها من الاحتمالات في البعض الآخر، ارتقى الاحتمالات إلى كمية عجيبة وهي ما يقرب من ألف ألف ومائتين وستين ألف احتمال!.

في المعارف والحقائق فلا يؤمنون ولا يؤمن من أمرهم أن يأتوا بالقصص التاريخية محرفة مغيرة على ما هو دأبهم في المعارف يميلون كل حين إلى ما يناسبه من منافعهم في القول والفعل وفيما يلوح من مطاوي جمل الآية كفاية، وكيف كان فيلوح من الآية أن اليهود كانوا يتناولون بينهم السحر ينسبونه إلى سليمان زعما منهم أن سليمان (عليه السلام) إنما ملك الملك وسخر الجن والإنس والوحش والطير، وأتى بغرائب الأمور وخوارقها بالسحر الذي هو بعض ما في أيديهم، وينسبون بعضه الآخر إلى الملكين ببابل هاروت وماروت فرد عليهم القرآن بأن سليمان (عليه السلام) لم يكن يعمل بالسحر، كيف والسحر كفر بالله وتصرف في الكون على خلاف ما وضع الله العادة عليه وأظهره على خيال الموجودات الحية وحواسها؟ ولم يكفر سليمان (عليه السلام) وهو نبي معصوم، وهو قوله تعالى: {وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر} وقوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتريه ما له في الآخرة من خلاق} فسليمان (عليه السلام) أعلى كعبا وأقدس ساحة من أن ينسب إليه السحر والكفر وقد استعظم الله قدره في مواضع من كلامه في عدة من السور المكية النازلة قبل هذه السورة كسورة الأنعام والأنبياء والنمل وسورة ص وفيها أنه كان عبدا صالحا ونبيا مرسلا آتاه الله العلم والحكمة ووهب له من الملك ما لا ينبغي لأحد من بعده فلم يكن بساحر بل هومن القصص الخرافية والأساطير التي وضعتها الشياطين وتلوها وقرءوها على أوليائهم من الإنس وكفروا بإضلالهم الناس بتعليم السحر.

ورد عليهم القرآن في الملكين ببال هاروت وماروت بأنه وإن أنزل عليهما ذلك ولا ضير في ذلك لأنه فتنة وامتحان إلهي كما ألهم قلوب بني آدم وجوه الشر والفساد فتنة وامتحانا وهومن القدر، فهما وإن أنزل عليهما السحر إلا أنهما ما كانا يعلمان من أحد إلا ويقولان له إنما نحن فتنة فلا تكفر باستعمال ما تتعلمه من السحر في غير مورده كإبطال السحر والكشف عن بغي أهله وهم مع ذلك يتعلمون منهما ما يفسدون به أصلح ما وضعه الله في الطبيعة والعادة، فيفرقون به بين المرء وزوجه ابتغاء للشر والفساد ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم، فقوله تعالى: {واتبعوا} أي اتبعت اليهود الذين بعد عهد سليمان بتوارث الخلف عن السلف ما تتلوا، أي تضع وتكذب الشياطين من الجن على ملك سليمان والدليل على أن تتلوا بمعنى تكذب تعديه بعلى وعلى أن الشياطين هم الجن كون هؤلاء تحت تسخير سليمان ومعذبين بعذابه، وبذلك كان (عليه السلام) يحبسهم عن الإفساد، قال تعالى: {وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ } [الأنبياء: 82] ، وقال تعالى: {فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } [سبأ: 14].

قوله تعالى: {وما كفر سليمان}، أي والحال أن سليمان لم يسحر حتى يكفر ولكن الشياطين كفروا، والحال أنهم يضلون الناس ويعلمونهم السحر.

قوله تعالى: {وما أنزل}، أي واتبعت اليهود ما أنزل بالإخطار والإلهام على الملكين ببابل هاروت وماروت، والحال أنهما ما يعلمان السحر من أحد حتى يحذراه العمل به ويقولا إنما نحن فتنة لكم وامتحان تمتحنون بنا بما نعلمكم فلا تكفر باستعماله.

قوله تعالى: {فيتعلمون منهما}، أي من الملكين وهما هاروت وماروت، ما يفرقون به أي سحرا يفرقون بعمله وتأثيره بين المرء وزوجه.

قوله تعالى: {وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}، دفع لما يسبق إلى الوهم أنهم بذلك يفسدون أمر الصنع والتكوين ويسبقون تقدير الله ويبطلون أمره فدفعه بأن السحر نفسه من القدر لا يؤثر إلا بإذن الله فما هم بمعجزين، وإنما قدم هذه الجملة على قوله: {ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم}، لأن هذه الجملة أعني: ويتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه، وحدها مشتملة على ذكر التأثير، فأردفت بأن هذا التأثير بإذن الله.

قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتريه ما له في الآخرة من خلاق}، علموا ذلك بعقولهم لأن العقل لا يرتاب في أن السحر أشأم منابع الفساد في الاجتماع الإنساني وعلموا ذلك أيضا من قول موسى فإنه القائل: {وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] .

قوله تعالى: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون}، أي إنهم مع كونهم عالمين بكونه شرا لهم مفسدا لآخرتهم غير عالمين بذلك حيث لم يعملوا بما علموا فإن العلم إذا لم يهد حامله إلى مستقيم الصراط كان ضلالا وجهلا لا علما، قال تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23].

فهؤلاء مع علمهم بالأمر ينبغي أن يتمنى المتمني لهم العلم والهداية.

____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج1 ، ص 195-198.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسيرهذه الآية (1) :

سليمان وسحرة بابل

يفهم من الأحاديث أن مجموعة من النّاس مارست السحر في عصر النّبي سليمان(عليه السلام)، فأمر سليمان بجمع كل أوراقهم وكتاباتهم، واحتفظ بها في مكان خاص. (لعل الإحتفاظ بها يعود إلى إمكان الإِستفادة منها في إبطال سحر  السحرة).

بعد وفاة سليمان عمدت جماعة إلى إخراج هذه الكتابات، وبدأوا بنشر السحر وتعليمه. واستغلت فئة هذه الفرصة فأشاعت أن سليمان لم يكن نبيّاً أصلا، بل كان يسيطر على مُلكه ويأتي بالأُمور الخارقة للعادة عن طريق السحر!

مجموعة من بني إسرائيل سارت مع هذه الموجة ولجأت إلى السحر، وتركت التوراة.

عندما ظهر النّبي الخاتم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وجاءت آيات القرآن مؤيدة لنبوة سليمان، قال بعض أحبار اليهود: ألا تعجبون من محمّد يقول: سليمان نبي وهو ساحر!

وجاءت الآية ترد على مزاعم هؤلاء وتنفي هذه التّهمة الكبرى عن سليمان(عليه السلام)(2).

الآية الاُولى إذن تكشف فضيحة اُخرى من فضائح اليهود وهي إتهامهم لنبي الله بالسحر والشعوذة، تقول الآية عن هؤلاء القوم: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمَانَ}.

والضمير في «وَاتَّبِعُوا» قد يعود إلى المعاصرين للنبي، أو إلى أولئك اليهود المعاصرين لسليمان، أو لكلا الفريقين.

والمقصود بكلمة «الشَّيَاطِينَ» قد يكون الطغاة من البشر أو من الجن أو من كليهما.

ثم تؤكد الآية على نفي الكفر عن سليمان: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ}.

فسليمان(عليه السلام) لم يلجأ إلى السحر، ولم يحقق أهدافه عن طريق الشعوذة: {وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ}.

هؤلاء اليهود لم يستغلوا ما تعلموه من سحر الشياطين فحسب، بل أساؤوا الإِستفادة أيضاً من تعليمات هاروت وماروت: {وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ}(1).

هاروت وماروت ملكان إلهيّان جاءا إلى النّاس في وقت راج السحر بينهم وابتلوا بالسحرة والمشعوذين، وكان هدفهما تعليم النّاس سبل إبطال السحر، وكما إن إحباط مفعول القنبلة يحتاج إلى فهم لطريقة فعل القنبلة، كذلك كانت عملية إحباط السحر تتطلب تعليم النّاس اُصول السحر، ولكنهما كانا يقرنان هذا التعليم بالتحذير من السقوط في الفتنة بعد تعلم السحر {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولاً إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ}.

وسقط أُولئك اليهود في الفتنة، وتوغلوا في إنحرافهم، فزعموا أن قدرة سليمان لم تكن من النّبوة، بل من السحر والسحرة. وهذا هو دأب المنحرفين دائماً، يحاولون تبرير إنحرافاتهم باتهام العظماء بالانحراف.

هؤلاء القوم لم ينجحوا في هذا الإختبار الإِلهي، فأخذوا العلم من الملكين واستغلّوه على طريق الإِفساد لا الإِصلاح، لكن قدرة الله فوق قدرتهم وفوق قدرة ما تعلموه: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، وَمَا هُمْ بِضَارّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ}.

لقد تهافتوا على إقتناء هذا المتاع الدّنيوي وهم عالمون بأنه يصادر آخرتهم {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَن اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الاْخِرَةِ مِنْ خَلاَق}(2). لقد باعوا شخصيتهم الإِنسانية بهذا المتاع الرخيص {وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}.

_______________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1 ، ص260-262.

2 ـ سيرة ابن هشام، ج 2، ص 192. ومجمع البيان في تفسير الآية، مع قليل من الاختلاف.

3 ـ بعض المفسرين عطفوا جملة «مَا أُنْزِلَ» على «مَا تَتْلُوا» وعلى هذا الأساس فسرنا الآية أعلاه، وبعضهم عطفوها على (السحر).

4 ـ الخَلاق يعني الخُلُق، وقد يعني الحظّ والنصيب وهذا هو معنى الكلمة في الآية.

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .