المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16679 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
مملكة «متني» في خطابات تل العمارنة.
2024-07-04
مملكة آشور وخطابات «تل العمارنة»
2024-07-04
آلاشيا «قبرص» في خطابات تل العمارنة.
2024-07-04
لمحة عن ممالك الشرق التي جاء ذكرها في خطابات تل العمارنة (بابل)
2024-07-04
معنى الازدراء
2024-07-04
معنى الخبت
2024-07-04

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تفسير الاية(183-185) من سورة البقرة  
  
14332   05:06 مساءً   التاريخ: 15-2-2017
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الباء / سورة البقرة /


قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُو خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَو عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [البقرة: 183 - 185].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

بين سبحانه فريضة أخرى فقال {يا أيها الذين آمنوا} أي يا أيها المصدقون وروي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال : لذة ما في الندا أزال تعب العبادة والعنا وقال الحسن : إذا سمعت الله عز وجل يقول {يا أيها الذين آمنوا } فارع لها سمعك فإنها لأمر تؤمر به أو لنهي تنهى عنه {كتب عليكم الصيام } أي فرض عليكم العبادة المعروفة في الشرع وإنما خص المؤمنين بالخطاب لقبولهم لذلك ولأن العبادة لا تصح إلا منهم ووجوبه عليهم لا ينافي وجوبه على غيرهم.

وقوله {كما كتب على الذين من قبلكم } فيه أقوال (أحدها) أنه شبه فرض صومنا بفرض صوم من تقدمنا من الأمم أي كتب عليكم صيام أيام كما كتب عليهم صيام أيام وليس فيه تشبيه عدد الصوم المفروض علينا ولا وقته بعدد الصوم المفروض عليهم أو وقته وهو اختيار أبي مسلم والجبائي.

 (وثانيها) أنه فرض علينا صوم شهر رمضان كما كان فرض صوم شهر رمضان على النصارى وكان يتفق ذلك في الحر الشديد والبرد الشديد فحولوه إلى الربيع وزادوا في عدده عن الشعبي والحسن وقيل كان الصوم علينا من العتمة إلى العتمة ثم اختلف فيه فقال بعضهم كان يحرم الطعام والشراب من وقت صلاة العتمة إلى وقت صلاة العتمة وقال بعضهم كان يحرم من وقت النوم إلى وقت النوم ثم نسخ ذلك فالمراد بقوله {الذين من قبلكم } النصارى على قول الحسن والشعبي وأهل الكتاب من اليهود والنصارى على قول غيرهما وقوله {لعلكم تتقون } أي لكي تتقوا المعاصي بفعل الصوم عن الجبائي وقيل لتكونوا أتقياء بما لطف لكم في الصيام فإنه أقوى الوسائل والوصل إلى الكف عن المعاصي كما روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال : خصاء أمتي الصوم وسأل هشام بن الحكم أبا عبد الله عن علة الصيام فقال إنما فرض الصيام ليستوي به الغني والفقير وذلك لأن الغني لم يكن ليجد مس الجوع فيرحم الفقير فأراد الله سبحانه أن يذيق الغني مس الجوع ليرق على الضعيف ويرحم الجائع .

{أياما معدودات} أي معلومات محصورات مضبوطات كما يقال أعطيت مالا معدودا أي محصورا متعينا ويجوز أن يريد بقوله {معدودات} أنها قلائل كما قال سبحانه دراهم معدودة يريد أنها قليلة واختلف في هذه الأيام على قولين (أحدهما) أنها غير شهر رمضان وكانت ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ عن معاذ وعطا وعن ابن عباس وروي ثلاثة أيام من كل شهر وصوم عاشوراء عن قتادة ثم قيل أنه كان تطوعا وقيل بل كان واجبا واتفق هؤلاء على أن ذلك منسوخ بصوم شهر رمضان والآخر أن المعني بالمعدودات شهر رمضان عن ابن عباس والحسن واختاره الجبائي وأبو مسلم وعليه أكثر المفسرين قالوا أوجب سبحانه الصوم أولا فأجمله ولم يبين أنها يوم أو يومان أم أكثر ثم بين أنها أيام معلومات وأبهم ثم بينه بقوله {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة: 185] قال القاضي وهذا أولى لأنه إذا أمكن حمله على معنى من غير إثبات نسخ كان أولى ولأن ما قالوه زيادة لا دليل عليه.

 {فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} عطف قوله {على سفر} وهو ظرف على قوله {مريضا } وهو اسم مع أن الظرف لا يعطف على الاسم لأنه وإن كان ظرفا فهو بمعنى الاسم وتقديره فمن كان منكم مريضا أو مسافرا فالذي ينوب مناب صومه عدة من أيام أخر وفيه دلالة على أن المسافر والمريض يجب عليهما الإفطار لأنه سبحانه أوجب القضاء بنفس السفر والمرض ومن قدر في الآية فأفطر فقد خالف الظاهر.

 وقد ذهب إلى وجوب الإفطار في السفر جماعة من الصحابة كعمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن عوف وأبي هريرة وعروة بن الزبير وهو المروي عن أئمتنا فقد روي أن عمر بن الخطاب أمر رجلا صام في السفر أن يعيد صومه وروى يوسف بن الحكم قال سألت ابن عمر عن الصوم في السفر فقال أ رأيت لو تصدقت على رجل صدقة فردها عليك أ لا تغضب فإنها صدقة من الله تصدق بها عليكم وروى عبد الرحمن بن عوف قال: قال رسول الله الصائم في السفر كالمفطر في الحضر وروي عن ابن عباس أنه قال الإفطار في السفر عزيمة .

وروى أصحابنا عن أبي عبد الله أنه قال الصائم في شهر رمضان في السفر كالمفطر فيه في الحضر وعنه (عليه السلام) قال لو أن رجلا مات صائما في السفر لما صليت عليه وعنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال من سافر أفطر وقصر إلا أن يكون رجلا سفره إلى صيد أوفي معصية الله وروى العياشي بإسناده مرفوعا إلى محمد بن مسلم عن أبي عبد الله قال لم يكن رسول الله يصوم في السفر تطوعا ولا فريضة حتى نزلت هذه الآية بكراع الغميم عند صلاة الهجير فدعا رسول الله بإناء فيه ماء فشرب وأمر الناس أن يفطروا فقال قوم قد توجه النهار ولو تممنا يومنا هذا فسماهم رسول الله العصاة فلم يزالوا يسمون بذلك الاسم حتى قبض رسول الله .

{وعلى الذين يطيقونه} الهاء يعود إلى الصوم عند أكثر أهل العلم أي يطيقون الصوم خير الله المطيقين الصوم من الناس كلهم بين أن يصوموا ولا يكفروا وبين أن يفطروا ويكفروا عن كل يوم بإطعام مسكين لأنهم كانوا لم يتعودوا الصوم ثم نسخ ذلك بقوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وقيل أن الهاء يعود إلى الفداء عن الحسن وأبي مسلم وأما المعني بقوله {الذين يطيقونه } ففيه ثلاثة أقوال (أولها) أنه سائر الناس كما قدمنا ذكره من التخيير والنسخ بعده وهو قول ابن عباس والشعبي (وثانيها) أن هذه الرخصة كانت للحوامل والمراضع والشيخ الفاني ثم نسخ من الآية الحامل والمرضع وبقي الشيخ الكبير عن الحسن وعطاء.

 (وثالثها) أن معناه وعلى الذين كانوا يطيقونه ثم صاروا بحيث لا يطيقونه ولا نسخ فيه عن السدي وقد رواه بعض أصحابنا عن أبي عبد الله أن معناه وعلى الذين كانوا يطيقون الصوم ثم أصابهم كبر أو عطاش وشبه ذلك فعليهم كل يوم مد وروى علي بن إبراهيم بإسناده عن الصادق (عليه السلام) وعلى الذين يطيقونه فدية من مرض في شهر رمضان فأفطر ثم صح فلم يقض ما فاته حتى جاء شهر رمضان آخر فعليه أن يقتضي ويتصدق لكل يوم مدا من طعام .

وقوله {فدية طعام مسكين } اختلف في مقدار الفدية فقال أهل العراق نصف صاع عن كل يوم وقال الشافعي عن كل يوم مد وعندنا إن كان قادرا فمدان فإن لم يقدر أجزأه مد واحد وقوله {فمن تطوع خيرا فهو خير له } قيل معناه من أطعم أكثر من مسكين واحد عن عطا وطاووس وقيل أطعم المسكين الواحد أكثر من قدر الكفاية حتى يزيده على نصف صاع عن مجاهد ويجمع بين القولين قول ابن عباس من تطوع بزيادة الإطعام وقيل معناه من عمل برا في جمع الدين فهو خير له عن الحسن وقيل من صام مع الفدية عن الزهري.

 وقوله {وإن تصوموا خير لكم } أي وصومكم خير لكم من الإفطار والفدية وكان هذا مع جواز الفدية فأما بعد النسخ فلا يجوز أن يقال الصوم خير من الفدية مع أن الإفطار لا يجوز أصلا وقيل معناه الصوم خير لمطيقة وأفضل ثوابا من التكفير لمن أفطر بالعجز {إن كنتم تعلمون } إن الصوم خير لكم من الفدية وقيل إن كنتم تعلمون أفضل أعمالكم وفي قوله سبحانه {وعلى الذين يطيقونه } دلالة على أن الاستطاعة قبل الفعل .

ثم بين سبحانه وقت الصوم فقال {شهر رمضان} أي هذه الأيام المعدودات شهر رمضان أو كتب عليكم شهر رمضان أو شهر رمضان هو الشهر {الذي أنزل فيه القرآن} فبين أنه خصه بالصوم فيه لاختصاصه بالفضائل المذكورة وهو أنه {أنزل فيه القرآن} الذي عليه مدار الدين والإيمان .

ثم اختلف في قوله {أنزل فيه القرآن } فقيل أن الله أنزل جميع القرآن في ليلة القدر إلى السماء الدنيا ثم أنزل على النبي بعد ذلك نجوما في طول عشرين سنة عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وهو المروي عن أبي عبد الله وقيل إن الله تعالى ابتدأ إنزاله في ليلة القدر من شهر رمضان عن ابن إسحاق وقيل أنه كان ينزل إلى السماء الدنيا في ليلة القدر ما يحتاج إليه في تلك السنة جملة واحدة ثم ينزل على مواقع النجوم إرسالا في الشهور والأيام عن السدي يسنده إلى ابن عباس وروى الثعلبي بإسناده عن أبي ذر الغفاري عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال أنزلت صحف إبراهيم لثلاث مضين من شهر رمضان وفي رواية الواحدي في أول ليلة منه وأنزلت توراة موسى لست مضين من شهر رمضان وأنزل إنجيل عيسى لثلاث عشرة ليلة خلت من رمضان وأنزل زبور داود لثمان عشرة ليلة مضت من رمضان وأنزل الفرقان على محمد لأربع وعشرين من شهر رمضان وهذا بعينه رواه العياشي عن أبي عبد الله عن آبائه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وقيل المراد بقوله {أنزل فيه القرآن} أنه أنزل في فرضه وإيجاب صومه على الخلق القرآن فيكون فيه بمعنى في فرضه .

كما يقول القائل أنزل الله في الزكاة كذا يريد في فرضها ثم وصف سبحانه القرآن بقوله {هدى للناس} أي هاديا للناس ودالا لهم على ما كلفوه من العلوم {وبينات من الهدى } أي ودلالات من الهدى وقيل المراد بالهدى الأول الهدى من الضلالة وبالثاني بيان الحلال والحرام عن ابن عباس وقيل أراد بأول ما كلف من العلم وبالثاني ما يشتمل عليه من ذكر الأنبياء وشرائعهم وأخبارهم لأنها لا تدرك إلا بالقرآن عن الأصم والقاضي وقوله {والفرقان } أي ومما يفرق بين الحق والباطل وروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال القرآن جملة الكتاب والفرقان المحكم الواجب العمل به وروى الحسن بن محبوب عن أبي أيوب عن أبي الورد عن أبي جعفر قال خطب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) الناس في آخر جمعة من شعبان فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أيها الناس : إنه قد أظلكم شهر فيه ليلة خير من ألف شهر وهو شهر رمضان فرض الله صيامه وجعل قيام ليلة فيه بتطوع صلاة كمن تطوع بصلاة سبعين ليلة فيما سواه من الشهور وجعل لمن تطوع فيه بخصلة من خصال الخير والبر كأجر من أدى فريضة من فرائض الله فيما سواه ومن أدى فيه فريضة من فرائض الله كان كمن أدى سبعين فريضة [من فرائض](2) فيما سواه من الشهور وهو شهر الصبر وإن الصبر ثوابه الجنة وهو شهر المواساة وهو شهر يزيد الله فيه من رزق المؤمنين ومن فطر فيه مؤمنا صائما كان له بذلك عند الله عتق رقبة ومغفرة لذنوبه فيما مضى فقيل له يا رسول الله ليس كلنا نقدر على أن نفطر صائما قال فإن الله كريم يعطي هذا الثواب من لم يقدر منكم إلا على مذقة من لبن يفطر بها صائما أو شربة من ماء عذب أو تميرات لا يقدر على أكثر من ذلك ومن خفف فيه عن مملوكه خفف الله عليه حسابه وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره إجابة والعتق من النار ولا غنى بكم فيه عن أربع خصال خصلتين ترضون الله بهما وخصلتين لا غنى بكم عنهما فأما اللتان ترضون الله بهما فشهادة أن لا إله إلا الله وإني رسول الله وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله فيه حوائجكم والجنة وتسألون الله فيه العافية وتتعوذون به من النار وفي رواية سلمان الفارسي فاستكثروا فيه من أربع خصال خصلتان ترضون بهما ربكم وخصلتان لا غنى بكم عنهما فأما الخصلتان اللتان ترضون ربكم بهما فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه وأما اللتان لا غنى بكم عنهما فتسألون الله الجنة وتتعوذون به من النار وقال رسول الله نوم الصائم عبادة وصمته تسبيح ودعاؤه مستجاب وعمله مضاعف وقوله {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} فيه وجهان (أحدهما) فمن شهد منكم المصر وحضر ولم يغب في الشهر والألف واللام في الشهر للعهد والمراد به شهر رمضان فليصم جميعه وهذا معنى ما رواه زرارة عن أبي جعفر أنه قال لما سئل عن هذه ما أبينها لمن عقلها قال من شهد شهر رمضان فليصمه ومن سافر فيه فليفطر وقد روي أيضا عن علي وابن عباس ومجاهد وجماعة من المفسرين أنهم قالوا من شهد الشهر بأن دخل عليه الشهر وهو حاضر فعليه أن يصوم الشهر كله (والثاني) من شاهد منكم الشهر مقيما مكلفا فليصم الشهر بعينه وهذا نسخ للتخيير بين الصوم والفدية وإن كان موصولا به في التلاوة لأن الانفصال لا يعتبر عند التلاوة بل عند الإنزال والأول أقوى.

 وقوله { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] قد مضى تفسيره في الآية المتقدمة وحد المرض الذي يوجب الإفطار ما يخاف الإنسان معه الزيادة المفرطة في مرضه وروى أبو بصير قال سألت أبا عبد الله عن حد المرض الذي على صاحبه فيه الإفطار قال هو مؤتمن عليه مفوض إليه فإن وجد ضعفا فليفطر وإن وجد قوة فليصم كان المرض على ما كان وروي أيضا أن ذلك كل مرض لا يقدر معه على القيام بمقدار زمان صلاته وبه قال الحسن وفي ذلك اختلاف بين الفقهاء وأما السفر الذي يوجب الإفطار عندنا فما كان مباحا أو طاعة وكانت المسافة ثمانية فراسخ أربعة وعشرين ميلا وعند الشافعي ستة عشر فرسخا وعند أبي حنيفة أربعة وعشرين فرسخا واختلف في العدة من الأيام الأخر فقال الحسن وجماعة هي على التضييق إذا برأ المريض أو قدم المسافر وقال أبو حنيفة موسع فيها وعندنا موقت بما بين رمضانين وتجوز متتابعة ومتفرقة والتتابع أفضل فإن فرط حتى لحقه رمضان آخر لزمه الفدية والقضاء وبه قال الشافعي .

وقوله {يريد الله بكم اليسر} أي في الرخصة للمريض والمسافر إذا لم يوجب الصوم عليهما وقيل يريد الله بكم اليسر في جميع أموركم {ولا يريد بكم العسر} أي التضييق عليكم وفيه دلالة على بطلان قول المجبرة لأنه بين أن في أفعال المكلفين ما يريده سبحانه وهو اليسر وفيها ما لا يريده وهو العسر ولأنه إذا كان لا يريد بهم العسر فإن لا يريد تكليف ما لا يطاق أولى .

وقوله {ولتكملوا العدة} تقديره يريد الله لأن يسهل عليكم ولأن تكملوا أي تتموا عدة ما أفطرتم فيه وهي أيام السفر والمرض بالقضاء إذا أقمتم وبرأتم فتصوموا للقضاء بعدد أيام الإفطار وعلى القول الآخر. فتقديره ولإكمال العدة شرع الرخصة في الإفطار ويحتمل أن يكون معناه ولتكملوا عدة الشهر لأنه مع الطاقة وعدم العذر يسهل عليه إكمال العدة والمريض والمسافر يتعسر عليهما ذلك فيكملان العدة في وقت آخر .

ومن قال أن شهر رمضان لا ينقص أبدا استدل بقوله {ولتكملوا العدة } وقال بين تعالى أن عدة شهر رمضان محصورة يجب صيامها على الكمال ولا يدخلها نقصان ولا اختلال فالجواب عنه من وجهين ( أحدهما ) أن المراد أكملوا العدة التي وجب عليكم صيامها وقد يجوز أن يكون هذه العدة تارة ثلاثين وتارة تسعة وعشرين ( والآخر ) ما ذكرناه من أن المراد راجع إلى القضاء ويؤيده أنه سبحانه ذكره عقيب ذكر السفر والمرض .

وقوله {ولتكبروا الله على ما هداكم } المراد به تكبير ليلة الفطر عقيب أربع صلوات المغرب والعشاء الآخرة والغداة وصلاة العيد على مذهبنا وقال ابن عباس وجماعة التكبير يوم الفطر وقيل المراد به ولتعظموا الله على ما أرشدكم له من شرائع الدين {ولعلكم تشكرون } أي لتشكروا الله على نعمه .

_______________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص5-17.

2- ما بين المعقفتين انما هو في نسخة (صيدا) دون غيرها . وكذا ما سيأتي .

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :

{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ } .

الصوم من أهم العبادات ، وهو واجب بضرورة الدين ، تماما كوجوب الصلاة والزكاة ، وفي الحديث :(بني الإسلام على خمس : شهادة ان لا إله الا اللَّه ، واقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام شهر رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا ) .

وأفتى الفقهاء ان من أنكر وجوب الصوم فهو مرتد يجب قتله ، ومن آمن بوجوبه ، ولكن تركه تهاونا واستخفافا عزّر بما يراه الحاكم الشرعي ، فان عاد عزر ثانية ، فان عاد قتل ، وقيل : بل يقتل في الرابعة .

والصوم عبادة قديمة افترضها اللَّه سبحانه على من سبق من الأمم بصورة مختلفة عن صومنا نحن المسلمين كمّا وكيفا وزمنا ، فالتشبيه هنا تشبيه الفريضة بالفريضة بصرف النظر عن الصفة وعدد الأيام ، ووقتها . . فان تشبيه شيء بشيء لا يقتضي التسوية بينهما من كل وجه .

(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) . قال كثير من المفسرين : ان هذه الجملة تشير إلى الحكمة من وجوب الصوم ، وهي أن يتمرن الصائم على ضبط النفس ، وترك الشهوات المحرمة ، والصبر عنها ، فقد جاء في الحديث : (الصيام نصف الصبر ) .

وقال الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : لكل شيء زكاة ، وزكاة البدن الصيام . وقال :

فرض اللَّه الصيام ابتلاء لإخلاص الخلق . . وبديهة ان كل أوامر اللَّه ونواهيه هي ابتلاء لإخلاص الخلق ، ولكن الصوم أشق التكاليف ، لأن فيه مغالبة النفس ، وجهادها ، وضبطها عما تميل إليه من الطعام والشراب وشهوة الجنس .

{أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ } . هي أيام رمضان ، لأن اللَّه لم يكتب علينا غيرها .

{ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ } . ذكر اللَّه في هذه الآية ثلاث مسوغات للإفطار في رمضان : المرض ، والسفر ، والشيخوخة .

والمرض المسوغ للإفطار هو أن يكون الإنسان مريضا بالفعل ، وإذا صام ازداد مرضه ، بحيث تشتد آلامه ، أو تزيد أيامه ، أو كان صحيحا ، ولكن يخشى إذا هو صام أن يحدث له الصوم مرضا جديدا ، أما مجرد الضعف والهزال فلا يسوغ الإفطار ما دام محتملا ، والجسم سالما . وإذا أصر المريض على الصوم مع تحقق الضرر واقعا فسد صومه ، وعليه القضاء ، تماما كما لو أفطر بلا عذر .

وثبت عن طريق السنة والشيعة ان رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) قال : ليس من البر الصيام في السفر . وفي تفسير المنار انه اشتهر عن الرسول الأعظم قوله : {الصائم في السفر كالمفطر في الحضر } . وممن ذكر هذا الحديث ابن ماجة والطبري ، وقال الرازي : ذهب قوم من علماء الصحابة إلى انه يجب على المريض والمسافر أن يفطرا ، ثم يصوما عدة من أيام أخر ، وهو قول ابن عباس وابن عمر ، واختيار داود بن علي الأصفهاني .

وعلى هذا يكون الإفطار في السفر عزيمة ، لا رخصة ، أي لا يجوز للمسافر أن يصوم بحال ، لعدم الأمر بالصوم ، وأقوى الأدلة كلها على ذلك ان اللَّه سبحانه قد أوجب القضاء بنفس السفر والمرض ، حيث قال : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ، ولم يقل فأفطر فعدة من أيام أخر ، وتقدير أفطر خلاف الظاهر ، والكلام لا يوجبه ، لأنه يستقيم من غير تقدير .

أما المسوغ الثالث للإفطار ، وهو الشيخوخة فقد أشار إليه سبحانه بقوله :

{وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } . فقد نزل هذا الحكم في خصوص المسن الضعيف الهرم رجلا كان أو امرأة ، والطاقة اسم لمن كان قادرا على الشيء مع الشدة والمشقة ، وهذا هو المخير بين الصوم ، والإفطار مع الفدية ، وهي اطعام مسكين ، وفي ذلك روايات صحيحة عن أهل البيت ( عليه السلام ) .

{فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُو خَيْرٌ لَهُ }. أي من زاد في الإطعام على مسكين واحد ، أو أطعم المسكين الواحد أكثر من القدر الواجب فهو خير . . وله الخيار في أن يدعو المسكين المحتاج ، فيطعمه ، حتى يشبع ، أو يعطيه من الدقيق والحبوب التي يأكل منها أكثر من 800 غرام بقليل ، ويجوز أن يعطيه الثمن دراهم على شريطة أن يقول له : اجعله ثمن وجبة لك من الطعام .

{وأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ } . أي ان الشيخ والشيخة الضعيفين الهرمين ، وان كانا مخيرين بين الإفطار والصيام إلا ان تجشمهما الصيام أفضل عند اللَّه من الفطر مع الفدية .

{شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ }. قال صاحب مجمع البيان : لما خص اللَّه الصوم بشهر رمضان بيّن ان الحكمة في ذلك ان القرآن نزل فيه ، وعليه مدار الدين والايمان . . ثم نقل صاحب المجمع عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بطريق السنة والشيعة ان صحف إبراهيم ( عليه السلام ) نزلت لثلاث مضين من شهر رمضان ، وتوراة موسى ( عليه السلام ) لست مضين منه ، وإنجيل عيسى ( عليه السلام ) لثلاث عشرة خلت من رمضان ، وزبور داود لثمان عشرة ليلة مضت من رمضان ، والقرآن نزل على محمد (صلى الله عليه واله وسلم) لأربع وعشرين منه .

وتسأل : ان قوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} [البقرة: 185] يدل بظاهره ان القرآن نزل بكامله في شهر رمضان ، مع العلم بأنه نزل على دفعات في مدة البعثة كلها ، وهي ثلاث وعشرون سنة ؟ .

الجواب : ان المراد منه ان انزاله ابتدأ في شهر رمضان ، لا انه انزل كاملا فيه ، وسميت الليلة التي أنزل فيها ليلة القدر ، أي الشرف . قال تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ } . هذا ، إلى أن لفظة القرآن تطلق على ما بين الدفتين ، وعلى بعضه ، أما قول من قال : ان اللَّه أنزل القرآن من اللوح المحفوظ الموجود فوق السماوات السبع إلى سماء الدنيا جملة واحدة في ليلة القدر ، ثم أنزله على محمد (صلى الله عليه واله وسلم) بالتفريق ، أما هذا القول فلا دليل عليه .

{هُدىً لِلنَّاسِ وبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى والْفُرْقانِ}. الفرقان هو الذي يفرق بين الحق والباطل ، والخير والشر ، وتكلمنا في تفسير الآية 2 عن معنى الهدى ، وان القرآن لم يكن كتاب فلسفة ، أو تاريخ ، أو علوم طبيعية ، وانما هو بصائر وهدى ورحمة . . وقوله تعالى : {هُدىً لِلنَّاسِ } ، يدل على ما في القرآن من مواعظ وحكم ووعد ووعيد يفهمه جميع الناس ، ولا يختص علمه بالمجتهدين والمتخصصين .

{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } . أي حضر في بلده ، ولم يسافر في شهر رمضان فعليه أن يصوم أيامه ، ولا يجوز أن يفطر من غير عذر ، ويدل على ان المراد من شهد حضر قوله تعالى : {ومَنْ كانَ مَرِيضاً أَو عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } . . وأعاد ذكر المرض والسفر للتأكيد بأن شهر رمضان يجوز فيه الإفطار في حالات معينة ردا على المتزمتين الذين يظنون ان الإفطار لا يجوز بحال . .

{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ولا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} . ظاهر السياق ان هذه الجملة تعليل لجواز الإفطار حال المرض والسفر والشيخوخة ، ولكنها في الحقيقة تعليل لجميع الأحكام ، فقد جاء في الحديث : (يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا ) . . ومن قال : ان الإفطار في السفر عزيمة ، لا رخصة فسر قوله تعالى{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}  بأن اللَّه يريد منكم الإفطار في السفر والمرض ، ولا يريد منكم الصيام ، ومن قال ان الإفطار رخصة ، لا عزيمة فسره بأن اللَّه سبحانه يريد أن تكونوا في سعة من أمركم ، وتختاروا ما هو الأيسر لكم ، فان كان الإفطار أيسر فهو أفضل ، وان كان الصيام أيسر ، كمن يسهل عليه الصيام في رمضان ، ويشق عليه القضاء فالصيام أفضل ، وليس من شك ان الاعتبار ورعاية ظاهر اللفظ يرجحان هذا المعنى على المعنى الأول . . ولولا الروايات الصحيحة عن أهل البيت عن جدهم (صلى الله عليه واله وسلم) لجزمنا بأن الإفطار في السفر رخصة ، لا عزيمة .

{ولِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} . هذا تعليل للقضاء الذي أوجبه اللَّه تعالى بقوله : {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } أي عليكم أن تقضوا الصوم بعدد الأيام التي أفطرتم فيها من رمضان بسبب المرض والسفر لتتم عدة أيام الشهر كاملة ، وتارة تكون 30 يوما ، وتارة 29 يوما .

{ولِتُكَبِّرُوا اللَّهً عَلى ما هَداكُمْ ولَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} . أي ان اللَّه سبحانه بيّن لنا أحكام دينه لنعظمه ونشكره . قال صاحب مجمع البيان : (المراد بقوله لتكبروا اللَّه التكبيرات عقيب صلاة المغرب ليلة العيد ، وصلاة العشاء ، وصلاة الصبح ، وصلاة العيد على مذهبنا ) . يشير بالتكبيرات إلى هذه الصيغة التي يرددها المصلون جماعة بعد صلاة العيد ، وهي اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله الا اللَّه واللَّه أكبر اللَّه أكبر وللَّه الحمد ، اللَّه أكبر على ما هدانا .

______________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج1 ، ص282-285.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

سياق الايات الثلاث يدل أولا على انها جميعا نازلة معا فإن قوله تعالى : {أياما معدودات} ، في أول الآية الثانية ظرف متعلق بقوله : {الصيام} في لآية الاولى ، وقوله تعالى : {شهر رمضان} ، في الآية الثالثة إما خبر لمبتدأ محذوف وهو الضمير الراجع إلى قوله أياما معدودات ، والتقدير هي شهر رمضان أو مبتدء لخبر محذوف ، والتقدير شهر رمضان هو الذي كتب عليكم صيامه أو هو بدل من الصيام في قوله :  {كتب عليكم الصيام} ، في الآية الاولى وعلى أي تقدير هو بيان وإيضاح للأيام المعدودات التي كتب فيها الصيام فالآيات الثلاث جميعا كلام واحد مسوق لغرض واحد وهو بيان فرض صوم شهر رمضان.

وسياق الايات يدل ثانيا على أن شطرا من الكلام الموضوع في هذه الآيات الثلاث بمنزله التوطئة والتمهيد بالنسبة إلى شطر آخر ، أعني : أن الآيتين الاوليين سرد الكلام فيهما ليكون كالمقدمة التي تساق لتسكين طيش النفوس والحصول على اطمينانها واستقرارها عن القلق والاضطراب ، إذا كان غرض المتكلم بيان ما لا يؤمن فيه التخلف والتأبي عن القبول ، لكون ما يأي من الحكم أو الخبر ثقيلا شاقا بطبعه على المخاطب ، ولذلك ترى الآيتين الاوليين تألف فيهما الكلام من جمل لا يخلو واحدة منها عن هداية ذهن المخاطب إلى تشريع صوم رمضان بإرفاق وملائمة ، بذكر ما يرتفع معه الاستيحاش والاضطراب ، ويحصل به تطيب النفس ، وتنكسر به سورة الجماح والاستكبار ، بالإشارة إلى أنواع من التخفيف والتسهيل ، روعيت في تشريع هذا الحكم مع ما فيه من الخير العاجل والأجل.

ولذلك لما ذكر كتابة الصيام عليهم بقوله : {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام} أردفه بقوله : كما كتب على الذين من قبلكم أي لا ينبغي لكم أن تستثقلوه وتستوحشوا من تشريعه في حقكم وكتابته عليكم فليس هذا الحكم بمقصور عليكم بل هو حكم مجعول في حق الامم السابقة عليكم ولستم أنتم متفردين فيه ، على أن في العمل بهذا الحكم رجاء ما تبتغون وتطلبونه بإيمانكم وهو التقوي التي هي خير زاد لمن آمن بالله واليوم الآخر ، وأنتم المؤمنون وهو قوله تعالى : {لعلكم تتقون} ، على أن هذا العمل الذي فيه رجاء التقوى لكم ولمن كان قبلكم لا يستوعب جميع أوقاتكم ولا أكثرها بل إنما هو في أيام قلائل معينة معدودة ، وهو قوله تعالى : {أياما معدودات} ، فإن في تنكير ، أياما ، دلالة على التحقير ، وفي التوصيف بالعدل إشهار بهوان الأمر كما في قوله تعالى : {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ } [يوسف: 20] ، على أنا راعينا جانب من يشق عليه أصل الصيام كمن يطيق الصيام ، فعليه أن يبدلة من فدية لا تشقه ولا يستثقلها ، وهو طعام مسكين وهو قوله تعالى : {فمن كان منكم مريضا أو على سفر} إلى قوله ، {فدية طعام مسكين}.

 وإذا كان هذا العمل مشتملا على خيركم ومراعي فيه ما أمكن من التخفيف والتسهيل عليكم كان خيركم أن تأتوا به بالطوع والرغبة من غير كره وتثاقل وتثبط ، فإن من تطوع خيرا فهو خير له من ان يأتي به عن كره وهو قوله تعالى : {فمن تطوع خيرا فهو خير له} الخ ، فالكلام الموضوع في الآيتين كما ترى توطئة وتمهيد لقوله تعالى في الآية الثالثة : {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} الخ ، وعلي هذا فقوله تعالى في الآية الاولى : {كتب عليكم الصيام} ، إخبار عن تحقق الكتابة وليس بإنشاء للحكم كما في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] ، وقوله تعالى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] ، فإن بين القصاص في القتلى والوصية للوالدين والأقربين وبين الصيام فرقا ، وهو أن القصاص في القتلى أمر يوافق حس الانتقام الثائر في نفوس أولياء المقتولين ويلائم الشح الغريزي الذي في الطباع ان ترى القاتل حيا سالما يعيش ولا يعبا بما جنى من القتل ، وكذلك حس الشفقة والرأفة بالرحم يدعو النفوس إلى الترحم على الوالدين والأقربين ، وخاصة عند الموت والفراق الدائم ، فهذان أعني القصاص ، والوصية حكمان مقبولان بالطبع عند الطباع ، موافقان لما تقتضيها فلا يحتاج الانباء عنها بإنشائها إلى تمهيد مقدمة وتوطئة بيان بخلاف حكم الصيام ، فإنه يلازم حرمان النفوس من أعظم مشتهياتها ومعظم ما تميل إليها وهو الاكل والشرب والجماع ، ولذلك فهو ثقيل على الطبع ، كريه عند النفس ، يحتاج في توجيه حكمه إلى المخاطبين ، وهم عامة الناس من المكلفين إلى تمهيد وتوطئة تطيب بها نفوسهم وتحن بسببها إلى قبوله وأخذه طباعهم ، ولهذا السبب كان قوله : {كتب عليكم القصاص} ، وقوله : {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} ، إنشاء للحكم من غير حاجة الى تمهيد مقدمة بخلاف قوله : {كتب عليكم الصيام} فإنه إخبار عن الحكم وتمهيد لإنشائه بقوله : {فمن شهد منكم} ، بمجموع ما في الآيتين من الفقرات السبع.

قوله تعالى : {يا أيها الذين آمنوا} ، الإتيان بهذا الخطاب لتذكيرهم بوصف فيهم وهو الايمان ، يجب عليهم إذا التفتوا إليه أن يقبلوا ما يواجههم ربهم به من الحكم وإن كان على خلاف مشتهياتهم وعاداتهم ، وقد صدرت آية القصاص بذلك أيضا لما سمعت أن النصارى كانوا يرون العفو دون القصاص وإن كان سائر الطوائف من المليين وغيرهم يرون القصاص.

قوله تعالى : {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} ، الكتابة معروفة المعنى ويكنى به عن الفرض والعزيمة والقضاء الحتم كقوله : {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي } [المجادلة: 21] ، وقوله تعالى : {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ } [يس: 12] يس ـ 12 ، وقوله تعالى : { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] ، والصيام والصوم في اللغة مصدران بمعنى الكف عن الفعل : كالصيام عن الأكل والشرب والمباشرة والكلام والمشي وغير ذلك ، وربما يقال : انه الكف عما تشتهيه النفس وتتوق إليه خاصة ثم غلب استعماله في الشرع في الكف عن امور مخصوصة ، من طلوع الفجر إلى المغرب بالنية ، والمراد بالذين من قبلكم الامم الماضية ممن سبق ظهور الاسلام من امم الانبياء كامه موسى وعيسى وغيرهم ، فإن هذا المعنى هو المعهود من اطلاق هذه الكلمة في القرآن أينما اطلقت ، وليس قوله : {كما كتب على الذين من قبلكم} ، في مقام الاطلاق من حيث الاشخاص ولا من حيث التنظير فلا يدل على أن جميع امم الانبياء كان مكتوبا عليهم الصوم من غير استثناء ولا على أن الصوم المكتوب عليهم هو الصوم الذي كتب علينا من حيث الوقت والخصوصيات والأوصاف ، فالتنظير في الآية إنما هو من حيث اصل الصوم والكف لا من حيث خصوصياته.

والمراد بالذين من قبلكم ، الامم السابقة من المليين في الجملة ، ولم يعين القرآن من هم ، غير أن ظاهر قوله : {كما كتب} ، أن هؤلاء من أهل الملة وقد فرض عليهم ذلك ، ولا يوجد في التوراة والانجيل الموجودين عند اليهود والنصارى ما يدل على وجوب الصوم وفرضه ، بل الكتابان إنما يمدحانه ويعظمان أمره ، لكنهم يصومون أياما معدودة في السنة إلى اليوم بأشكال مختلفة : كالصوم عن اللحم والصوم عن اللبن والصوم عن الأكل والشرب ، وفي القرآن قصة صوم زكريا عن الكلام وكذا صوم مريم عن الكلام.

بل الصوم عبادة مأثوره عن غير المليين كما ينقل عن مصر القديم ويونان القديم والرومانيين ، والوثنيون من الهند يصومون حتى اليوم ، بل كونه عبادة قربية مما يهتدي  إليه الانسان بفطرته كما سيجئ.

وربما يقال : إن المراد بالذين من قبلكم اليهود والنصارى أو السابقين من الانبياء استنادا إلى روايات لا تخلو عن ضعف.

قوله تعالى : {لعلكم تتقون} ، كان أهل الاوثان يصومون لإرضاء آلهتهم أو لإطفاء نإئرة غضبها إذا أجرموا جرما أو عصوا معصية ، وأذا أرادوا إنجاح حاجة وهذا يجعل الصيام معاملة ومبادلة يعطي بها حاجة الرب ليقضي حاجة العبد أو يستحصل رضاه ليستحصل رضا العبد ، وإن الله سبحانه أمنع جانبا من أن يتصور في حقه فقر أو حاجة أو تأثر أو أذي ، وبالجملة هو سبحانه برئ من كل نقص ، فما تعطيه العبادات من الاثر الجميل ، أي عبادة كانت وأي أثر كان ، إنما يرجع إلى العبد دون الرب تعالى وتقدس ، كما ان المعاصي أيضا كذلك ، قال تعالى : { إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] ، هذا هو الذي يشير إليه القرآن الكريم في تعليمه بإرجاع آثار الطاعات والمعاصي الى الانسان الذي لا شأن له إلا الفقر والحاجة ، قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ } [فاطر: 15] ، ويشير إليه في خصوص الصيام بقوله : {لعلكم تتقون} ، وكون التقوي مرجو الحصول بالصيام مما لا ريب فيه فإن كل إنسان يشعر بفطرته أن من أراد الاتصال بعالم الطهارة والرفعة ، والارتقاء إلى مدرجة الكمال والروحانية فأول ما يلزمه أن يتنزه عن الاسترسال في استيفاء لذائذ الجسم وينقبض عن الجماح في شهوات البدن ويتقدس عن الاخلاد إلى الارض ، وبالجملة أن يتقي ما يبعده الاشتغال به عن الرب تبارك وتعالى فهذه تقوى إنما تحصل بالصوم والكف عن الشهوات ، وأقرب من ذلك وأمس لحال عموم الناس من أهل الدنيا وأهل الآخرة ان يتقي ما يعم به البلوى من المشتهيات المباحة كالأكل والشرب والمباشرة حتى يحصل له التدرب على اتقاء المحرمات واجتنابها ، وتتربى على ذلك إرادته في الكف عن المعاصي والتقرب إلى الله سبحانه ، فإن من أجاب داعي الله في المشتهيات المباحة وسمع وأطاع فهو في محارم الله ومعاصيه أسمع وأطوع.

قوله تعالى : {أياما معدودات} ، منصوب على الظرفية بتقدير ، في ومتعلق  بقوله {الصيام} ، وقد مر أن تنكير أيام واتصافه بالعدد للدلالة على تحقير التكليف من حيث الكلفة والمشقة تشجيعا للمكلف ، وقد مر ان قوله : {شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن} « الخ » بيان للأيام فالمراد بالأيام المعدودات شهر رمضان.

وقد ذكر بعض المفسرين : أن المراد بالأيام المعدودات ثلاث أيام من كل شهر وصوم يوم عاشوراء ، وقال بعضهم : والثلاث الايام هي الايام البيض من كل شهر وصوم يوم عاشوراء فقد كان رسول الله والمسلمون يصومونها ، ثم نزل قوله تعالى : {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن} الخ ، فنسخ ذلك واستقر الفرض على صوم شهر رمضان ، واستندوا في ذلك إلى روايات كثيرة من طرق أهل السنة والجماعة لا تخلو في نفسها عن اختلاف وتعارض.

والذي يظهر به بطلان هذا القول أولا : ان الصيام كما قيل : عبادة عامة شاملة ، ولو كان الامر كما يقولون لضبطه التاريخ ولم يختلف في ثبوته ثم في نسخه أحد وليس كذلك ، على أن لحوق يوم عاشوراء بالأيام الثلاث من كل شهر في وجوب الصوم أو استحبابه ككونه عيدا من الإعياد الإسلامية مما ابتدعه بنو أمية لعنهم الله حيث أبادوا فيه ذرية رسول الله وأهل بيته بقتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم ونهب أموالهم في وقعة الطف ثم تبركوا باليوم فاتخذوه عيدا وشرعوا صومه تبركا به ووضعوا له فضائل وبركات ، ودسوا أحاديث تدل على أنه كان عيدا إسلاميا بل من الأعياد العامة التي كانت تعرفه عرب الجاهلية واليهود والنصارى منذ بعث موسى وعيسى ، وكل ذلك لم يكن ، وليس اليوم ذا شأن ملي حتى يصير عيدا مليا قوميا مثل النيروز أو المهرجان عند الفرس ، ولا وقعت فيه واقعة فتح أو ظفر حتى يصير يوما إسلاميا كيوم المبعث ويوم مولد النبي ، ولا هو ذو جهة دينية حتى يصير عيدا دينيا كمثل عيد الفطر وعيد الاضحى فما باله عزيزا بلا سبب؟.

وثانيا : ان الآية الثالثة من الآيات اعني قوله : {شهر رمضان} الخ ، تأبى بسياقها ان تكون نازلة وحدها وناسخا لما قبلها فان ظاهر السياق ان قوله {شهر رمضان} خبر لمبتدأ محذوف أو مبتدء لخبر محذوف كما مر ذكره فيكون بيانا للأيام المعدودات  ويكون جميع الآيات الثلث كلاما واحدا مسوقا لغرض واحد وهو فرض صيام شهر رمضان ، وأما جعل قوله : {شهر رمضان} مبتدئا خبره قوله : {الذي انزل فيه القرآن} فانه وان اوجب استقلال الآية وصلاحيتها لان تنزل وحدها غير أنها لا تصلح حينئذ لان تكون ناسخة لما قبلها لعدم المنافات بينها وبين سابقتها ، مع ان النسخ مشروط بالتنافي والتباين.

وأضعف من هذا القول قول آخرين ـ على ما يظهر منهم ـ : ان الآية الثانية اعني قوله تعالى : {اياما معدودات} إلخ ، ناسخة للآية الاولى اعني قوله تعالى : {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} إلخ ، وذلك أن الصوم كان مكتوبا على النصارى ثم زادوا فيه ونقصوا بعد عيسى (عليه السلام) حتى استقر على خمسين يوما ، ثم شرعه الله في حق المسلمين بالآية الاولى فكان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)والناس يصومونها في صدر الاسلام حتى نزل قوله تعالى : أياما معدودات إلخ ، فنسخ الحكم واستقر الحكم على غيره.

وهذا القول أوهن من سابقه وأظهر بطلانا ، ويرد عليه جميع ما يرد على سابقه من الاشكال ، وكون الآية الثانية من متممات الآية الاولى اظهر واجلي ، وما استند إليه القائل من الروايات أوضح مخالفة لظاهر القرآن وسياق الآية.

قوله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من إيام أخر ، الفاء للتفريع والجملة متفرعة على قوله : {كتب عليكم} ، وقوله : {معدودات }، أي إن الصيام مكتوب مفروض ، والعدد مأخوذ في الفرض ، وكما لا يرفع اليد عن أصل الفرض كذلك لا يرفع اليد عن العدد ، فلو عرض عارض يوجب ارتفاع الحكم الفرض عن الايام المعدودات التي هي أيام شهر رمضان كعارض المرض والسفر ، فإنه لا يرفع اليد عن صيام عدة من أيام أخر خارج شهر رمضان تساوي ما فات المكلف من الصيام عددا ، وهذا هو الذي أشار تعالى إليه في الآية الثالثة بقوله : {ولتكملوا العدة} ، فقوله تعالى : {أياما معدودات} ، كما يفيد معنى التحقير كما مر يفيد كون العدد ركنا مأخوذا في الفرض والحكم.

ثم إن المرض خلاف الصحة والسفر مأخوذ من السفر بمعنى الكشف كأن المسافر ينكشف لسفره عن داره التي يأوي إليها ويكن فيها ، وكأن قوله تعالى : {أو على سفر} ، ولم يقل : مسافرا للاشارة إلى اعتبار فعليه التلبس حالا دون الماضي والمستقبل.

وقد قال قوم ـ وهم المعظم من علماء أهل ا لسنة والجماعة ـ إن المدلول عليه بقوله تعالى : {فمن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} ، هو الرخصة دون العزيمة فالمريض والمسافر مخيران بين الصيام والافطار ، وقد عرفت أن ظاهر قوله تعالى : {فعدة من ايام أخر} هو عزيمة الافطار دون الرخصة ، وهو المروي عن أئمة اهل البيت ، وهو مذهب جمع من الصحابة كعبد الرحمن بن عوف وعمر بن الخطاب وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وعروة بن الزبير ، فهم محجوجون ، بقوله تعالى : فعدة من أيام أخر.

وقد قدروا لذلك في الآية تقديرا فقالوا : ان التقدير فمن كان مريضا أو على سفر فأفطر فعدة من أيام اخر.

ويرد عليه أولا : أن التقدير كما صرحوا به خلاف الظاهر لا يصار إليه إلا بقرينة ولا قرينة من نفس الكلام عليه.

وثانيا : أن الكلام على تقدير تسليم التقدير لا يدل على الرخصة فإن المقام كما ذكروه مقام التشريع ، وقولنا : فمن كان مريضا أو على سفر فأفطر غاية ما يدل عليه أن الافطار لا يقع معصية بل جائزا بالجواز بالمعنى الاعم من الوجوب والاستحباب والاباحة ، وأما كونه جائزا بمعنى عدم كونه الزاميا فلا دليل عليه من الكلام ألبتة بل الدليل على خلافه فإن بناء الكلام في مقام التشريع على عدم بيان ما يجب بيانه لا يليق بالمشرع الحكيم وهو ظاهر.

قوله تعالى : {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } ، الا طاقة كما ذكره بعضهم صرف تمام الطاقة في الفعل ، ولازمه وقوع العل بجهد ومشقة(2) ، والفدية هي البدل وهي هنا بدل مالي وهو طعام مسكين أي طعام يشبع مسكينا جائعا من أوسط ما يطعم الانسان ، وحكم الفدية أيضا فرض كحكم القضاء في المريض والمسافر لمكان قوله : {وعلى الذين} ، الظاهر في الوجوب التعييني دون الرخصة والتخيير.

وقد ذكر بعضهم : ان الجملة تفيد الرخصة ثم نسخت فهو سبحانه وتعالى خير المطيقين للصوم من الناس كلهم يعني القادرين على الصوم من الناس بين أن يصوموا وبين أن يفطروا ويكفروا عن كل يوم بطعام مسكين ، لان الناس كانوا يومئذ غير متعودين بالصوم ثم نسخ ذلك بقوله : {فمن شهد منكم الشهر} ، فليصمه وقد ذكر بعض هؤلاء : أنه نسخ حكم غير العاجزين ، واما مثل الشيخ الهرم والحامل والمرضع فبقي على حاله ، من جواز الفديه.

ولعمري إنه ليس إلا لعبا بالقرآن وجعله لآياته عضين ، وأنت إذا تأملت الآيات الثلاث وجدتها كلاما موضوعا على غرض واحد ذا سياق واحد متسق الجمل رائق البيان ، ثم إذا نزلت هذا الكلام على وحدته واتساقه على ما يراه هذا القائل وجدته مختل السياق ، متطارد الجمل يدفع بعضها بعضا ، وينقض آخره أوله فتاره يقول كتب عليكم الصيام واخرى يقول يجوز على القادرين منكم الافطار والفدية ، واخرى يقول : يجب عليكم جميعا الصيام إذا شهدتم الشهر ، فينسخ حكم الفدية عن القادرين ويبقى حكم غير القادرين على حالة ، ولم يكن في الآية حكم غير القادرين ، اللهم إلا أن يقال : إن قوله : {يطيقونه} ، كان دالا على القدرة قبل النسخ فصار يدل بعد النسخ على عدم القدرة ، وبالجملة يجب على هذا ان يكون قوله : {وعلى الذين يطيقونه} في وسط الآيات ناسخا لقوله : {كتب عليكم الصيام} ، في أولها لمكان التنافي ، ويبقى الكلام وجهه تقييده بالاطاقة من غير سبب ظاهر ، ثم قوله : {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} في آخر الآيات ناسخا لقوله : {وعلى الذين يطيقونه في وسطها} ، ويبقى الكلام في وجه نسخه لحكم القادرين على الصيام فقط دون العاجزين ، مع كون الناسخ مطلقا شاملا للقادر والعاجز جميعا ، وكون المنسوخ غير شامل لحكم العاجز الذي يراد بقاءه وهذا من أفحش الفساد.

وإذا أضفت إلى هذا النسخ بعد النسخ ما ذكروه من نسخ قوله : {شهر رمضان} إلخ لقوله : {أياما معدودات} الخ ، ونسخ قوله : {اياماً معدودات} الخ ، لقوله {كتب عليكم الصيام} ، وتأملت معنى الآيات شاهدت عجبا.

قوله تعالى : {فمن تطوع خيرا فهو خير له} ، التطوع تفعل من الطوع مقابل  الكره وهو إتيان الفعل بالرضا والرغبة ، ومعنى باب التفعل الاخذ والقبول فمعنى التطوع التلبس في إتيان الفعل بالرضا والرغبة من غير كره واستثقال سواء كان فعلا إلزاميا أو غير إلزامي ، وإما اختصاص التطوع استعمالا بالمستحبات والمندوبات فمما حدث بعد نزول القرآن بين المسلمين بعناية ان الفعل الذي يؤتى به بالطوع هو الندب واما الواجب ففيه شوب كره لمكان الالزام الذي فيه.

وبالجملة التطوع كما قيل : لا دلاله فيه مادة وهيئه على الندب وعلى هذا فالفاء للتفريع والجملة متفرعة على المحصل من معنى الكلام السابق ، والمعنى والله أعلم : الصوم مكتوب عليكم مرعيا فيه خيركم وصلاحكم مع ما فيه من استقراركم في صف الامم التي قبلكم ، والتخفيف والتسهيل لكم فأتوا به طوعا لا كرهاً ، فإن من أتى بالخير طوعا كان خيرا له من ان يأتي به كرها.

ومن هنا يظهر : ان قوله : {فمن تطوع خيرا} من قبيل وضع السبب موضع المسبب أعني وضع كون التطوع بمطلق الخير خيرا مكان كون التطوع بالصوم خيرا نظير قوله تعالى : {قد نعلم أنك ليحزنك الذي يقولون فانهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}  اي فاصبر ولا تحزن فانهم لا يكذبونك.

وربما يقال : ان الجملة اعني قوله تعالى : {فمن تطوع خيرا فهو خير له} ، مرتبطة بالجملة التي تتلوها اعني قوله : {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} ، والمعنى أن من تطوع خيرا من فدية طعام مسكين بأن يؤدي ما يزيد على طعام مسكين واحد بما يعادل فديتين لمسكينين أو لمسكين واحد كان خيرا له.

ويرد عليه : عدم الدليل على اختصاص التطوع بالمستحبات كما عرفت مع خفاء النكتة في التفريع ، فأنه لا يظهر لتفرع التطوع بالزيادة على حكم الفدية وجه معقول ، مع ان قوله : {فمن تطوع خيرا} ، لا دلاله له على التطوع بالزيادة فإن التطوع بالخير غير التطوع بالزيادة.  قوله تعالى : {وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} ، جملة متممة لسابقتها  والمعنى بحسب التقدير ـ كما مر ـ تطوعوا بالصوم المكتوب عليكم فإن التطوع بالخير خير والصوم خير لكم ، فالتطوع به خير على خير.

وربما يقال : ان الجملة اعني قوله : {وأن تصوموا خير لكم} ، خطاب للمعذورين دون عموم المؤمنين المخاطبين بالفرض والكتابة فإن ظاهرها رجحان فعل الصوم غير المانع من الترك فيناسب الاستحباب دون الوجوب ، ويحمل على رجحان الصوم واستحبابه على أصحاب الرخصة من المريض والمسافر فيستحب عليهم اختيار الصوم على الافطار والقضاء.

ويرد عليه : عدم الدليل عليه أو لا ، واختلاف الجملتين اعني قوله : {فمن كان منكم} الخ ، وقوله : {وأن تصوموا خير لكم} ، بالغيبة والخطاب ثانيا ، وأن الجملة الاولى مسوقه لبيان الترخيص والتخيير ، بل ظاهر قوله : {فعدة من أيام أخر} ، تعين الصوم في أيام أخر كما مر ثالثا ، وأن الجملة الاولى على تقدير ورودها لبيان الترخيص في حق المعذور لم يذكر الصوم والافطار حتى يكون قوله : {وأن تصوموا خير لكم} بيانا لاحد طرفي التخيير بل إنما ذكرت صوم شهر رمضان وصوم عدة من أيام أخر وحينئذ لا سبيل إلى استفادة ترجيح صوم شهر رمضان على صوم غيره من مجرد قوله : {وأن تصوموا خير لكم} ، من غير قرينة ظاهرة .

رابعا : وأن المقام ليس مقام بيان الحكم حتى ينافي ظهور الرجحان كون الحكم وجوبيا بل المقام ـ كما مر سابقا ـ مقام ملاك التشريع وأن الحكم المشرع لا يخلو عن المصلحة والخير والحسن كما في قوله : {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 54] ، وقوله تعالى : {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الجمعة: 9] ، وقوله تعالى {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [الصف: 11] ، والآيات في ذلك كثيرة.

 خامسا :  قوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى} [البقرة: 185] ، شهر رمضان هو الشهر التاسع من الشهور القمرية العربية بين شعبان وشوال ولم يذكر اسم شيء من الشهور في القرآن الا شهر رمضان.

والنزول هو الورود على المحل من العلو ، والفرق بين الانزال والتنزيل أن الانزال دفعي والتنزيل تدريجي ، والقرآن اسم للكتاب المنزل على نبيه محمد(صلى الله عليه واله وسلم)باعتبار كونه مقروا كما قال تعالى : {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: 3] ، ويطلق على مجموع الكتاب وعلى ابعاضه.

والآية تدل على نزول القرآن في شهر رمضان ، وقد قال تعالى : {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا } [الإسراء: 106] ، وهو ظاهر في نزوله تدريجا في مجموع مدة الدعوة وهي ثلث وعشرون سنة تقريبا ، والمتواتر من التاريخ يدل على ذلك ، ولذلك ربما استشكل عليه بالتنافي بين الآيتين.

وربما أجيب عنه : بأنه نزل دفعة على سماء الدنيا في شهر رمضان ثم نزل على رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)نجوما وعلى مكث في مدة ثلث وعشرين سنة ـ مجموع مدة الدعوة ـ وهذا جواب مأخوذ من الروايات التي سننقل بعضها في البحث عن الروايات.

وقد أورد عليه : بأن تعقيب قوله تعالى : {أنزل فيه القرآن} بقوله : {هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} ، لا يساعد على ذلك إذ لا معنى لبقائه على وصف الهداية والفرقان في السماء مدة سنين.

وأجيب : بأن كونه هاديا من شأنه أن يهدي من يحتاج إلى هدايته من الضلال وفارقا أذا التبس حق بباطل لا ينافي بقائه مدة على حال الشأنية من غير فعليه التأثير حتى يحل أجله ويحين حينه ، ولهذا نظائر وأمثال في القوانين المدنية المنتظمة التي كلما حان حين مادة من موادها أجريت وخرجت من القوة إلى الفعل.

والحق ان حكم القوانين والدساتير غير حكم الخطابات التي لا يستقيم ان تتقدم على مقام التخاطب ولو زمانا يسيرا ، وفي القرآن آيات كثيرة من هذا القبيل كقوله تعالى : {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا } [المجادلة: 1] ، وقوله تعالى : {إِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] ، وقوله تعالى : { رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23] ، على أن في القرآن ناسخا  ومنسوخا ، ولا معنى لاجتماعهما في زمان بحسب النزول.

وربما أجيب عن الأشكال : إن المراد من نزول القرآن في شهر رمضان أن أول ما نزل منه نزل فيه ، ويرد عليه : أن المشهور عندهم إن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) إنما بعث بالقرآن ، وقد بعث اليوم السابع والعشرين من شهر رجب وبينه وبين رمضان اكثر من ثلثين يوما وكيف يخلو البعثة في هذه المدة من نزول القرآن ، على أن أول سورة اقرأ باسم ربك ، يشهد على أنها أول سورة نزلت وأنها نزلت بمصاحبة البعثة ، وكذا سورة المدثر تشهد أنها نزلت في أول الدعوة وكيف كان فمن المستبعد جدا أن تكون أول آية نزلت في شهر رمضان ، على أن قوله تعالى : أنزل فيه القرآن ، غير صريح الدلالة على أن المراد بالقرآن أول نازل منه ولا قرينة تدل عليه في الكلام فحمله عليه تفسير من غير دليل ، ونظير هذه الآية قوله تعالى : {وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ } [الدخان: 2، 3] ، وقوله : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ، فإن ظاهر هذه الآيات لا يلائم كون المراد من إنزال القرآن أول إنزاله أو إنزال أول بعض من أبعاضه ولا قرينة في الكلام تدل على ذلك.

والذي يعطيه التدبر في آيات الكتاب أمر آخر فإن الآيات الناطقة بنزول القرآن في شهر رمضان أو في ليلة منه إنما عبرت عن ذلك بلفظ الانزال الدال على الدفعة دون التنزيل كقوله تعالى : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى} [البقرة: 185]  وقوله تعالى : {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 1 - 3] ، و قوله تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ، واعتبار الدفعة أما بلحاظ اعتبار المجموع في الكتاب أو البعض النازل منه كقوله تعالى : {كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ } [يونس: 24] ، فإن المطر إنما ينزل تدريجا لكن النظر هيهنا معطوف إلى اخذه مجموعا واحدا ، ولذلك عبر عنه بالانزال دون التنزيل ، وكقوله تعالى : {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ } [ص: 29] ، وإما لكون الكتاب ذا حقيقة أخرى وراء ما نفهمه بالفهم العادي الذي يقضى فيه بالتفرق والتفصيل والانبساط والتدريج هو المصحح لكونه واحدا غير تدريجي ونازلا بالانزال دون التنزيل. وهذا الاحتمال الثاني هو اللائح من الآيات الكريمة كقوله تعالى : {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ } [هود: 1] ، فإن هذا الاحكام مقابل التفصيل ، والتفصيل هو جعله فصلا فصلا وقطعة قطعة فالأحكام كونه بحيث لا يتفصل فيه جزء من جزء ولا يتميز بعض من بعض لرجوعه إلى معنى واحد لا أجزاء ولا فصول فيه ، والآية ناطقة بأن هذا التفصيل المشاهد في القرآن إنما طرء عليه بعد كونه محكما غير مفصل.

وأوضح منه قوله تعالى : {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ} [الأعراف: 52، 53] ، وقوله تعالى : {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (34) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (36) وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} [يونس: 34 - 39] فإن الآيات الشريفة وخاصة ما في سورة يونس ظاهرة الدلالة على إن التفصيل أمر طار على الكتاب فنفس الكتاب شيء والتفصيل الذي يعرضه شيء آخر ، وأنهم إنما كذبوا بالتفصيل من الكتاب لكونهم ناسين لشيء يؤل إليه هذا التفصيل وغافلين عنه ، وسيظهر لهم يوم القيامة ويضطرون إلى علمه فلا ينفعهم الندم ولات حين مناص وفيها إشعار بأن أصل الكتاب تأويل تفصيل الكتاب.

وأوضح منه قوله تعالى : {حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2) إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (3) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ} [الزخرف: 1 - 4]. فإنه ظاهر في إن هناك كتابا مبينا عرض عليه جعله مقروا عربيا ، وإنما ألبس لباس القراءة والعربية ليعقله الناس وإلا فإنه ـ وهو في أم الكتاب ـ عند الله ، علي لا يصعد إليه العقول ، حكيم لا يوجد فيه فصل وفصل وفي الآية تعريف للكتاب المبين وأنه أصل القرآن العربي المبين وفي هذا المساق أيضا قوله تعالى : {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ } [الواقعة: 75، 77] ، فإنه ظاهر في أن للقرآن موقعا هو في الكتاب المكنون لا يمسه هناك أحد إلا المطهرون من عباد الله وإن التنزيل بعده ، وأما قبل التنزيل فله موقع في كتاب مكنون عن الاغيار وهو الذي عبر عنه في آيات الزخرف ، بأم  الكتاب وفي سورة البروج ، باللوح المحفوظ ، حيث قال تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21، 22] ، وهذا اللوح إنما كان محفوظا لحفظه من ورود التغير عليه ، ومن المعلوم إن القرآن المنزل تدريجا لا يخلو عن ناسخ ومنسوخ وعن التدريج الذي هو نحو من التبدل ، فالكتاب المبين الذي هو اصل القرآن وحكمه الخالي عن التفصيل أمر وراء هذا المنزل ، وإنما هذا بمنزله اللباس لذاك.

ثم إن هذا المعنى اعني : كون القرآن في مرتبة التنزيل بالنسبة إلى الكتاب المبين ـ ونحن نسميه بحقيقة الكتاب ـ بمنزلة اللباس من المتلبس وبمنزلة المثال من الحقيقة وبمنزلة المثل من الغرض المقصود بالكلام هو المصحح لان يطلق القرآن أحيانا على أصل الكتاب كما في قوله تعالى : { بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} [البروج: 21، 22] ، إلى غير ذلك وهذا الذي ذكرنا هو الموجب لان يحمل قوله : شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، وقوله : إنا أنزلناه في ليلة مباركة ، وقوله : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1] ، على إنزال حقيقة الكتاب والكتاب المبين إلى قلب رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)دفعة كما أنزل القرآن المفصل على قلبه تدريجا في مدة الدعوة النبوية.

وهذا هو الذي يلوح من نحو قوله تعالى : {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ } [طه: 114] ، وقوله تعالى : {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 16 - 19] ، فإن الآيات ظاهره في إن رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)كان له علم بما سينزل عليه فنهى عن الاستعجال بالقراءة قبل قضاء الوحي ، وسيأتي توضيحه في المقام اللائق به ـ إنشاء الله تعالى ـ.

وبالجملة فإن المتدبر في الآيات القرآنية لا يجد مناصا عن الاعتراف بدلالتها : على كون هذا القرآن المنزل على النبي تدريجا متكئا على حقيقة متعالية عن أن تدركها أبصار العقول العامة أو تناولها أيدى الافكار المتلوثة بألواث الهوسات وقذارات المادة ، وأن تلك الحقيقة أنزلت على النبي إنزالا فعلمه الله بذلك حقيقة ما عناه بكتابه ، وسيجيء بعض من الكلام المتعلق بهذا المعنى في البحث عن التأويل والتنزيل في قوله تعالى : {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ } [آل عمران: 7] . فهذا ما يهدي إليه التدبر ويدل عليه الآيات ، نعم أرباب الحديث ، والغالب من المتكلمين والحسيون من باحثي هذا العصر لما أنكروا اصالة ما وراء المادة المحسوسة اضطروا إلى حمل هذه الآيات ونظائرها كالدالة على كون القرآن هدى ورحمة ونورا وروحا ومواقع النجوم وكتابا مبينا ، وفي لوح محفوظ ، ونازلا من عند الله ، وفي صحف مطهره إلى غير ذلك من الحقائق على أقسام الاستعارة والمجاز فعاد بذلك القرآن شعرا منثورا.

ولبعض الباحثين كلام في معنى نزول القرآن في شهر رمضان :

قال ما محصله : إنه لا ريب أن بعثة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان مقارنا لنزول أول ما نزل من القرآن وأمره(صلى الله عليه واله وسلم)بالتبليغ والانذار ، ولا ريب أن هذه الواقعة إنما وقعت بالليل لقوله تعالى : {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ} [الدخان: 3] ، ولا ريب أن الليلة كانت من ليالي شهر رمضان لقوله تعالى : {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [البقرة: 185].

وجملة القرآن وإن لم تنزل في تلك الليلة لكن لما نزلت سورة الحمد فيها ، وهي تشتمل على جمل معارف القرآن فكان كأن القرآن نزل فيها جميعا فصح ان يقال : أنزلناه في ليلة ( على ان القرآن يطلق على البعض كما يطلق على الكل بل يطلق القرآن على سائر الكتب السماوية أيضا كالتوراة والانجيل والزبور باصطلاح القرآن )

قال : وذلك : أن أول ما نزل من القرآن قوله تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] إلخ ، نزل ليلة الخامس والعشرين من شهر رمضان ، نزل والنبي (صلى الله عليه واله وسلم) قاصد دار خديجة في وسط الوادي يشاهد جبرائيل فأوحى إليه : قوله تعالى : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] الخ ، ولما تلقى الوحي خطر بباله أن يسأله : كيف يذكر اسم ربه فتراءى له وعلمه بقوله : {بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين} إلى آخر سورة الحمد ، ثم علمه كيفية الصلوة ثم غاب عن نظره فصحا النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ولم يجد مما كان يشاهده أثرا إلا ما كان عليه من التعب الذي عرضه من ضغطة جبرائيل حين الوحي فأخذ في طريقه وهو لا يعلم أنه رسول من الله إلى الناس ، مأمور بهدايتهم ثم لما دخل البيت نام ليلته من شدة التعب فعاد إليه ملك الوحي صبيحة تلك الليلة وأوحى إليه قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 1، 2].

قال : فهذا هو معنى نزول القرآن في شهر رمضان ومصادفة بعثته لليلة القدر : وأما ما يوجد في بعض كتب الشيعة من أن البعثة كانت يوم السابع والعشرين من شهر رجب فهذه الاخبار على كونها لا توجد إلا في بعض كتب الشيعة التي لا يسبق تاريخ تأليفها أوائل القرن الرابع من الهجرة مخالفة للكتاب كما عرفت.

قال : وهناك روايات أخرى في تأييد هذه الاخبار تدل على أن معنى نزول القرآن في شهر رمضان : أنه نزل فيه قبل بعثة النبي من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور وأملاه جبرائيل هناك على الملائكة حتى ينزل بعد البعثة على رسول الله ، وهذه أوهام خرافية دست في الاخبار مردودة أولا بمخالفة الكتاب ، وثانيا أن مراد القرآن باللوح المحفوظ هو عالم الطبيعة وبالبيت المعمور هو كرة الأرض لعمرانه بسكون الانسان فيه ، انتهى ملخصا.

ولست أدرى أي جملة من جمل كلامه ـ على فساده بتمام اجزائه ـ تقبل الاصلاح حتى تنطبق على الحق والحقية بوجه؟ فقد اتسع الخرق على الراتق.

ففيه أولا أن هذا التقول العجيب الذي تقوله في البعثة ونزول القرآن أول ما نزل وأنه 6نزل عليه : {اقرأ باسم ربك} ، وهو في الطريق ، ثم نزلت عليه سورة الحمد ثم علم الصلوة ، ثم دخل البيت ونام تعبانا ، ثم نزلت عليه سورة المدثر صبيحة الليلة فأمر بالتبليغ ، كل ذلك تقول لا دليل عليه لا آية محكمة ولا سنة قائمة ، وإنما هي قصة تخيلية لا توافق الكتاب ولا النقل على ما سيجيء.

وثانيا : أنه ذكر ان من المسلم أن البعثة ونزول القرآن والامر بالتبليغ مقارنة زمانا ثم فسر ذلك بأن النبوة ابتدأت بنزول القرآن ، وكان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) نبيا غير رسول ليلة واحدة فقط ثم في صبيحة الليلة أعطي الرسالة بنزول سورة المدثر ، ولا يسعه ، أن يستند في ذلك إلى كتاب ولا سنة ، وليس من المسلم ذلك. أما السنة فلان لازم ما طعن به في جوامع الشيعة بتأخر تأليفها عن وقوع الواقعة عدم الاعتماد على شيء من جوامع الحديث مطلقا إذ لا شيء من كتب الحديث مما ألفته العامة أو الخاصة إلا وتأليفه متأخر عن عصر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قرنين فصاعدا فهذا في السنة ، والتاريخ ـ على خلوه من هذه التفاصيل ـ حاله أسوأ والدس الذي رمي به الحديث متطرق إليه أيضا.

وأما الكتاب فقصور دلالته على ما ذكره أوضح وأجلى بل دلالته على خلاف ما ذكره وتكذيب ما تقوله ظاهرة فإن سورة اقرأ باسم ربك ـ وهي أول سورة نزلت على النبي (صلى الله عليه واله وسلم) على ما ذكره أهل النقل ، ويشهد به الآيات الخمس التي في صدرها ولم يذكر أحد أنها نزلت قطعات ولا أقل من احتمال نزولها دفعة ـ مشتملة على أنه(صلى الله عليه واله وسلم)كان يصلي بمرئي من القوم وأنه كان منهم من ينهاه عن الصلوة ويذكر امره في نادي القوم ( ولا ندري كيف كانت هذه الصلوة التي كان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)يتقرب بها إلى ربه في بادئ أمره إلا ما تشتمل عليه هذه السورة من أمر السجدة ) قال تعالى فيها : ({ أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10) أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14) كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (15) نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ (16) فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (17) سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ } [العلق: 9 - 18] ، فالآيات كما ترى ظاهرة في أنه كان هناك من ينهي مصليا عن الصلوة ، ويذكر أمره في النادي ، ولا ينتهي عن فعاله ، وقد كان هذا المصلي هو النبي (صلى الله عليه واله وسلم) بدليل قوله تعالى بعد ذلك : {كَلَّا لَا تُطِعْهُ } [العلق: 19].

فقد دلت السورة على أن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) كان يصلي قبل نزول أول سورة من القرآن ، وقد كان على الهدى وربما أمر بالتقوى ، وهذا ه والنبوة ولم يسم امره ذلك انذارا ، فكان(صلى الله عليه واله وسلم)نبيا وكان يصلي ولما ينزل عليه قرآن ولا نزلت بعد عليه سورة الحمد ولما يؤمر بالتبليغ.

وأما سورة الحمد فإنها نزلت بعد ذلك بزمان ، ولو كان نزولها عقيب نزول سورة العلق بلا فصل عن خطور في قلب رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)كما ذكره هذا الباحث لكان حق الكلام أن يقال : قل بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين إلخ ، أو يقال : {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 1، 2] إلخ ولكان من الواجب أن يختم الكلام في قوله تعالى : مالك يوم الدين ، لخروج بقية الآيات عن الغرض كما هو الاليق ببلاغة القرآن الشريف.

نعم وقع في سورة الحجر ـ وهي من السور المكية كما تدل عليه مضامين آياتها ، وسيجيء بيانه ـ قوله تعالى : {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ } [الحجر: 87]. والمراد بالسبع المثاني سورة الحمد وقد قوبل بها القرآن العظيم وفيه تمام التجليل لشأنها والتعظيم لخطرها لكنها لم تعد قرآنا بل سبعا من آيات القرآن وجزئا منه بدليل قولة تعالى : { كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23].

ومع ذلك فاشتمال السورة على ذكر سورة الحمد يدل على سبق نزولها نزول سورة الحجر والسورة مشتملة أيضا على قوله تعالى : فأصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الآيات ) الحجر ـ 95 ، ويدل ذلك على ان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)كان قد كف عن إلانذار مدة ثم أمر به ثانيا بقولة تعالى : {فاصدع}.

وأما سورة المدثر وما تشتمل عليه من قوله : {قُمْ فَأَنْذِرْ} [المدثر: 2] ، فإن كانت السورة نازلة بتمامها دفعة كان حال هذه الآية قم فانذر ، حال قوله تعالى : {فاصدع بما تؤمر} الآية ، لاشتمال هذه السورة أيضا على قوله تعالى : { ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا } [المدثر: 11] ، وهي قريبة المضمون من قوله في سورة الحجر : {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ } [الأنعام: 106] الخ ، وإن كانت السورة نازلة نجوما فظاهر السياق أن صدرها قد نزل في بدء الرسالة.

وثالثا : أن قوله : إن الروايات الدالة على نزول القرآن في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى البيت المعمور جملة واحدة قبل البعثة ثم نزول الآيات نجوما على رسول الله اخبار مجعولة خرافية لمخالفتها الكتاب وعدم استقامة مضمونها ، وان المراد باللوح المحفوظ هو عالم الطبيعة ، وبالبيت المعمور كرة الارض خطأ وفرية.

أما اولا : فلانه لا شيء من ظاهر الكتاب يخالف هذه الاخبار على ما عرفت.

واما ثانيا : فلان الاخبار خالية عن كون النزول الجملي قبل البعثة بل الكلمة مما أضافها هو إلى مضمونها من غير تثبت.

واما ثالثا : فلان قوله : إن اللوح المحفوظ هو عالم الطبيعة تفسير شنيع ـ وإنه اضحوكة ـ وليت شعري : ما هو الوجه المصحح ـ على قوله ـ لتسمية عالم الطبيعة في كلامه تعالى لوحا محفوظا؟ ذلك لكون هذا العالم محفوظا عن التغير والتحول؟ فهو عالم الحركات ، سيال الذات ، متغير الصفات ! أو لكونه محفوظا عن الفساد تكوينا أو تشريعا؟ فالواقع خلافه ! أو لكونه محفوظا عن اطلاع غير أهله عليه؟ كما يدل عليه : قوله تعالى : {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ } [الواقعة: 77 - 79] ، فإدراك المدركين فيه على السواء !.

وبعد اللتيا والتي : لم يأت هذا الباحث في توجيهه نزول القرآن في شهر رمضان بوجه محصل يقبله لفظ الآية ، فإن حاصل توجيهه : أن معنى : أنزل فيه القرآن : كأنما أنزل فيه القرآن ، ومعنى : إنا أنزلناه في ليلة : كأنا أنزلناه في ليلة ، وهذا شيء لا يحتمله اللغة والعرف لهذا السياق !.

ولو جاز لقائل أن يقول : نزل القرآن ليلة القدر على رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم)لنزول سورة الفاتحة المشتملة على جمل معارف القرآن جاز أن يقال : إن معنى نزول القرآن نزوله جملة واحدة ، أي نزول إجمال معارفه على قلب رسول الله من غير مانع يمنع كما مر بيانه سابقا.

وفي كلامه جهات اخرى من الفساد تركنا البحث عنها لخروجه عن غرضنا في المقام.

قوله تعالى : {هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] ، الناس ، وهم الطبقة الدانية من الانسان الذين سطح فهمهم المتوسط أنزل السطوح ، يكثر إطلاق هذه الكلمة في حقهم كما قال تعالى : {وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 187] ، وقال تعالى : {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ } [العنكبوت: 43] ، وهؤلاء أهل التقليد لا يسعهم تمييز الامور المعنوية بالبينة والبرهان ، ولا فرق الحق من الباطل بالحجة إلا بمبين يبين لهم وهاد يهديهم والقرآن هدى لهم ونعم الهدى ، وأما الخاصة المستكملون في ناحيتي العلم والعمل ، المستعدون للاقتباس من أنوار الهداية الالهية والركون إلى فرقان الحق فالقرآن بينات وشواهد من الهدى والفرقان في حقهم فهو يهديهم إليه ويميز لهم الحق ويبين لهم كيف يميز ، قال تعالى : {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [المائدة: 16].

ومن هنا يظهر وجه التقابل بين الهدى والبينات من الهدى ، وهو التقابل بين العام والخاص فالهدى لبعض والبينات من الهدى لبعض آخر.

قوله تعالى : {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} ، الشهادة هي الحضور مع تحمل العلم من جهته ، وشهادة الشهر إنما هو ببلوغه والعلم به ، ويكون بالبعض كما يكون بالكل. وأما كون المراد بشهود الشهر رؤية هلاله وكون الانسان بالحضر مقابل السفر فلا دليل عليه إلا من طريق الملازمة في بعض الاوقات بحسب القرائن ، ولا قرينة في الآية.

قوله تعالى : {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام اخر} ، ايراد هذه الجملة في الآية ثانيا ليس من قبيل التكرار للتأكيد ونحوه لما عرفت أن الآيتين السابقتين مع ما تشتملان عليه مسوقتان للتوطئة والتمهيد دون بيان الحكم وأن الحكم هو الذي بين في الآية الثالثة فلا تكرار.

قوله تعالى : {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ } [البقرة: 185] ، كأنه بيان لمجموع حكم الاستثناء : وهو الافطار في شهر رمضان لمكان نفي العسر ، وصيام عدة من أيام اخر لمكان وجوب اكمال العدة ، واللام في قوله : لتكملوا العدة ، للغاية ، وهو عطف على قوله : يريد ، لكونه مشتملا على معنى الغاية ، والتقدير وانما أمرناكم بالافطار والقضاء لنخفف عنكم ولتكملوا العدة ، ولعل ايراد قوله : ولتكملوا العدة هو الموجب لا سقاط معنى قوله : وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ، عن هذه الآية مع تفهم حكمه بنفي العسر وذكره في الآية السابقة.

قوله تعالى : {ولتكبروا الله على ما هديكم ولعلكم تشكرون} ، ظاهر الجملتين على ما يشعر به لام الغاية (3) أنهما لبيان الغاية غاية اصل الصيام دون حكم الاستثناء فإن تقييد قوله : {شهر رمضان} بقوله : {الذي انزل فيه القرآن} إلى آخره مشعر بنوع من العلية وارتباط فرض صيام شهر رمضان بنزول القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فيعود معنى الغاية إلى ان التلبس بالصوم لاظهار كبريائه تعالى بما نزل عليهم القرآن واعلن ربوبيته وعبوديتهم ، وشكر له بما هداهم إلى الحق ، وفرق لهم بكتابه بين الحق والباطل. ولما كان الصوم انما يتصف بكونه شكرا لنعمه إذا كان مشتملا على حقيقة معنى الصوم وهو الاخلاص لله سبحانه في التنزه عن ألواث الطبيعة والكف عن اعظم مشتهيات النفس بخلاف اتصافه بالتكبير لله فإن صورة الصوم والكف سواء اشتمل على اخلاص النية أو لم يشتمل يدل على تكبيره تعالى وتعظيمه فرق بين التكبير والشكر فقرن الشكر بكلمة الترجي دون التكبير فقال : {ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون} كما قال : في اول الآيات : {لعلكم تتقون}.

_____________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج2 ، ص5-22.

2- قال الراغب بالمفردات : (والطاقة اسم لمقدار ما يمكن للانسان ان يفعله بمشقة وذلك تشبيه بالطوق المحبط بالشيء فقوله تعالى : {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] أي ما يصعب علينا مزاولته وليس معناه لا تحملنا ما لا قرة لنا به وذلك لانه تعالى  قد يحمّل الانسان ما يصعب عليه .. وقد يعبر بنفي الطاقة عن نفي القدرة وقوله : ({وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} ظاهره يقتضي ان المطيق له يلزمه فدية افطر او لم يفطر) انتهى.

ولم اجد فيما بين يدي من المعاجم ما يؤيد هذا المعنى ولكن استخدام القران لمادة (طوق) على اختلاف تصاريفها يشهد لما ذكره المحقق الراغب رحمه الله .

 3 ـ المراد بالغاية الغرض وهو اصطلاح ( منه ).

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 الصوم مدرسة التّقوى

في سياق طرح مجموعة من الأحكام الإِسلامية، تناولت هذه الآيات أحكام واحدة من أهم العبادات، وهي عبادة الصوم، وبلهجة مفعمة بالتأكيد قالت الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.

ثم تذكر الآية مباشرة فلسفة هذه العبادة التربوية، في عبارة قليلة الألفاظ، عميقة المحتوى، وتقول: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

نعم، الصوم ـ كما سيأتي شرح ذلك ـ عامل فعّال لتربية روح التقوى في جميع المجالات والأبعاد.

لما كانت هذه العبادة مقرونة بمعاناة وصبر على ترك اللذائد المادية، وخاصة في فصل الصيف، فانّ الآية طرحت موضوع الصوم بأساليب متنوعة لتهيّء روح الإِنسان لقبول هذا الحكم.

تبتدىء الآية أولا بأُسلوب خطابي وتقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} وهو نداء يفتح شغاف القلب، ويرفع معنويات الإِنسان، ويشحذ همته، وفيه لذة قال عنها الإِمام الصادق(عليه السلام): (لَذَّةُ مَا فِي النَّدَاءِ ـ أي يا أيّها الَّذينَ آمَنُوا ـ أَزَالَ تَعْبَ الْعِبَادَةِ وَالعَنَاءِ)(2).

ثمّ تبيّن الآية أن الصوم فريضة كتبت أيضاً على الأُمم السابقة.

ثم تبيّن الآية فلسفة الصوم وما يعود به على الإِنسان من منافع، لتكون هذه العبادة محبوبة ملتصقة بالنفس.

الآية التالية تتجه أيضاً إلى التخفيف من تعب الصوم وتقول:

{أَيَّاماً مَعْدُودَات} فالفريضة لا تحتل إِلاّ مساحة صغيرة من أيّام السنة.

ثم تقول {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَو عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ}، فالمريض والمسافر معفوان من الصوم، وعليهما أن يقضيا صومهما في أيّام اُخرى.

ثم تصدر الآية عفواً عن الطّاعنين في السنّ، وعن المرضى الذين لا يرجى شفاؤهم، وترفع عنهم فريضة الصوم ليدفعوا بدلها كفارة، فتقول: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184](3) ثم يقول الآية {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُو خَيْرٌ لَهُ} (4)أي من تطوع للإِطعام أكثر من ذلك فهو خيرٌ له.

وأخيراً تبين الآية حقيقة هي: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.

استدل بعض بهذه الآية على أن الصوم كان في بداية التشريع واجباً تخييرياً، وكان المسلمون مخيرين بين الصوم والفدية، ثم نسخ هذا الحكم بعد أن تعوّد المسلمون على الصوم وأصبح واجباً عينيّاً، ولكن ظاهر الآية يدلّ على تأكيد آخر على فلسفة الصوم، وعلى أن هذه العبادة ـ كسائر العبادات ـ لا تزيد الله عظمة أو جلالا، بل تعود كل فوائدها على النّاس.

الشاهد على ذلك ما جاء في القرآن من تعبير مشابه لذلك، كقوله سبحانه بعد ذكر وجوب صلاة الجمعة: {ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الجمعة: 9].

وقوله تعالى: { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 16].

بهذا تبين أن عبارة (وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) موجهة إلى كل الصائمين لا إلى مجموعة خاصة.

آخر آية في بحثنا تتحدث عن زمان الصوم وبعض أحكامه ومعطياته تقول: {شَهْرُ رَمَضَانَ} هو الشهر الذي فرض فيه الصيام.

وهو{الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدى وَالْفُرقَانِ}، أي معيار معرفة الحق والباطل.

ثم تؤكد ثانية حكم المسافر والمريض وتقول: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ، وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَو عَلى سَفَر فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ}(5).

تكرار حكم المسافر والمريض في هذه الآية والآية السابقة، قد يكون سبب كراهية بعض المسلمين أن لا يصوموا أيام شهر رمضان حتى ولو كانوا مرضى أو مسافرين. والقرآن بهذا التكرار يفهم المسلمين أن الصوم في حالة السلام والحضر حكم إلهي، والإِفطار في حال السفر والمرض حكم إلهي أيضاً لا تجوز مخالفته.

وفي آخر الآية إشارة اُخرى إلى فلسفة تشريع الصوم، تقول: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. فالصوم ـ وإن كان على الظاهر نوعاً من التضييق والتحديد ـ مؤدّاه راحة الإِنسان ونفعه على الصعيدين المادي والمعنوي، (وسيأتي تفصيل ذلك في بحث فلسفة الصوم).

ولعل هذه العبارة إشارة إلى أن الأوامر الإِلهية ليست كأوامر الحاكم الظالم، ففي الصوم رخص حيثما كان فيه مشقة على الصائم، لذلك رفع تكليف الصوم ـ على أهميته ـ عن المريض والمسافر والضعيف.

ثم تقول الآية: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} أي يلزم على كل إنسان سليم أن يصوم شهراً، فذلك ضروري لتربية جسمه ونفسه. لذلك وجب على المريض والمسافر أن يقضي ما فاته من شهر رمضان ليكمل العدّة، وحتى الحائض ـ التي أُعفيت من قضاء الصلاة ـ غير معفوّة عن قضاء الصوم.

والعبارة الأخيرة من الآية تقول: {وَلِتُكَبِّروُا اللهَ عَلى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} لتكبروه على ما وفّر لكم من سبل الهداية، ولتشكروه على ما أنعم عليكم.

الشكر في الآية مسبوق بكلمة {لَعَلَّ}، لكن التكبير مؤكد بشكل قاطع غير مسبوق بترجّ. وقد يعود الاختلاف في التعبير إلى أن عبادة (الصوم) هي على كل حال تكبير لله وتعظيم له سبحانه، أما الشكر ـ وهو إنفاق النعم في مواضعها والاستفادة من الآثار العملية للصوم ـ فله شروط أهمها الإِخلاص التام، وفهم حقيقة الصوم، والإطلاع على أبعاده وأعماقه.

___________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج1، ص425-428.

2 ـ مجمع البيان ، ذيل الاية مورد البحث ، وتفسير الصافي ، ج1 ، ص218.

3 ـ {يطيقونه} من (الطوق) وهو الحلقة التي تلقى على العنق، أو توجد عليه بشكل طبيعي (كطوق الحمام) ثم أطلقت الكلمة على نهاية الجهد والطاقة، والضمير في «يطيقونه} يعود على الصوم، أي الذين يبذلون غاية طاقتهم لدى الصوم، أو بعبارة اُخرى: الذين يجهدهم الصوم ويثقل عليهم، وهم الطاعنون في السنّ والمرضى الذين لا يرجى علاجهم، فهؤلاء معفوون من الصوم وعليهم أن يدفعوا الفدية بدل ذلك (وعلى المرضى الذين يشفون أن يقضوا صومهم).

وقيل (الَّذينَ يُطيقُونَه) يعني الذين كانوا يطيقونه، ولم يعودوا اليوم قادرين على الصوم (وهذا المعنى جاء في بعض الروايات).

4 ـ قيل في عبارة «تَطَوَّع خَيْراً} إنها إشارة إلى الصوم المستحب، وقيل أيضاً: إنها تأكيد على أن الصوم ينبغي أن يكون عن رغبة وطواعية، لا عن إجبار وإكراه.

5 ـ أي من كان في حضر فليصم شهر رمضان، وقيل إن جملة {مَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} تعني رؤية الهلال، وهو بعيد، والحق ما ذكرناه وروايات أئمة أهل البيت تؤيد ذلك.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .