أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-23
1576
التاريخ: 5-5-2017
2751
التاريخ: 16-10-2014
2418
التاريخ: 27-09-2015
1772
|
هل كان ابن عباس يراجع اهل الكتاب في فهم معاني القرآن ؟. سؤال اجيب عليه بصورتين : احداهما مبالغ فيها ، والاخرى معتدلة الى حد ما ، كانت مراجعته لأهل الكتاب ـكمراجعة سائر الاصحاب ـ في دائرة ضيقة النطاق ، في امور لم يتعرض لها القرآن ، ولا جـاءت في بيان النبي (صلى الله عليه واله ) ، حيث لم تعد حاجة ملحة الى معرفتها ، ولا فائدة كبيرة في العلم بها كعدد اصـحاب الكهف ، والبعض الذي ضرب به موسى من البقرة ، ومقدار سفينة نوح ، وما كان خشبها ، واسـم الغلام الذي قتله الخضر ، واسماء الطيور التي احياها اللّه لإبراهيم ، ونحو ذلك مما لا طريق الـى مـعـرفـة الصحيح منه فهذا يجوز اخذه من اهل الكتاب ، والتحدث عنهم ولا حرج ، كما ورد (حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج ) (1) ، المحمول على مثل هذه الامور.
قـال ابـن تيمية : وفي بعض الاحيان ينقل عنهم (عن بعض الصحابة مثل ابن مسعود وابن عباس وكثير من التابعين ) ما يحكونه من اقاويل اهل الكتاب التي اباحها رسول اللّه (صلى الله عليه واله) ، حيث قال : (بلغوا عـنـي ولو آية ، وحدثوا عن بنى اسرائيل ولا حرج ) رواه البخاري عن عبد اللّه بن عمرو بن الـعـاص ، ولـهـذا كـان عبد اللّه بن عمر وقد اصاب يوم اليرموك زاملتين (2) من كتب اهل الـكـتـاب ، فـكـان يـحـدث منهما ، بما فهمه من هذا الحديث من الاذن في ذلك ولكن هذه الاحاديث الاسـرائيلية انما تذكر للاستشهاد لا للاعتقاد ، فأنها من الامور المسكوت عنها ، ولم نعلم صدقها ولا كذبها مما بأيدينا ، فلا نؤمن به ولا نكذبه ، وتجوز حكايته ، وغالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود الى امـر ديـنـي ، وقـد ابـهـمـه اللّه في القرآن ، لا فائدة في تعيينه تعود على المكلفين في دنياهم ولا دينهم (3) .
و وافـقـه على هذا الراي الاستاذ الذهبي ، قال : كان ابن عباس يرجع الى اهل الكتاب ويأخذ عنهم ، بحكم اتفاق القرآن مع التوراة والانجيل ، في كثير من المواضع التي اجملت في القرآن وفصلت في كتب العهدين ولكن في دائرة محدودة ضيقة ، تتفق مع القرآن وتشهد له اما ما عدا ذلك مما يتنافى مع القرآن ولا يتفق مع الشريعة ، فكان لا يقبله ولا يأخذ به .
قـال : فابن عباس وغيره من الصحابة ، كانوا يسالون علما اليهود الذين اعتنقوا الاسلام فيما لا يمس العقيدة او يتصل بأصول الدين وفروعه ، كبعض القصص والاخبار الماضية .
قـال : وبـهـذا الـمسلك يكون الصحابة قد جمعوا بين قوله (صلى الله عليه واله): (حدثوا عن بني اسرائيل ولا حرج ) ، وقوله : (لا تصدقوا اهل الكتاب ولا تكذبوهم ) فان الاول محمول على ما وقع فيهم من الـحـوادث والاخبار ، لما فيها من العظة والاعتبار ، بدليل قوله بعد ذلك : (فان فيهم اعاجيب ) والـثاني محمول على ما اذا كان المخبر به من قبلهم محتملا ، ولم يقم دليل على صدقه ولا على كذبه قال : كما افاده ابن حجر ، ونبه عليه الشافعي (4) .
وامـا الـمـسـتشرقون فقد ذهبوا في ذلك مذاهب بعيدة ، بالغوا فيها الى حد ترفضه شريعة النقد والتمحيص يقول العلامة المستشرق اجنتس جولد تسيهر:
(وتـرى الـروايـة الاسـلامـية ان ابن عباس تلقى بنفسه ـ في اتصاله الوثيق بالرسول ـ وجوه الـتفسير التي يوثق بها وحدها (5) وقد اغفلت هذه الرواية بسهولة ـ كما في احوال اخرى مشابهة ـ ان ابن عباس عند وفاة الرسول كان اقصى ما بلغ من السن (10 ـ 13) سنة .
(واجـدر مـن ذلـك بالتصديق ، الاخبار التي تفيد ان ابن عباس كان لا يرى غضاضة ان يرجع ، في الاحوال التي يخامره فيها الشك ، الى من يرجو عنده علمها وكثيرا ما ذكر انه كان يرجع ـ كتابة ـ في تفسير معاني الالفاظ الى من يدعى (ابا الجلد) والظاهر انه (غيلان بن فروة الازدي ) الذي كان يثنى عليه بانه قرا الكتب (6) .
(و كـثيرا ما نجد بين مصادر العلم المفضلة لدى ابن عباس ، اليهوديين اللذين اعتنقا الاسلام : كعب الاحـبـار ، وعـبـد اللّه بـن سـلام ، كما نجد اهل الكتاب على وجه العموم ، اي رجالا من طوائف ورد الـتـحذير من اخبارها ـ عدا ذلك ـ في اقوال تنسب الى ابن عباس نفسه ومن الحق ان اعتناقهم للإسلام قـد سـمـا بـهـم عـلـى مـظـنـة الكذب ، ورفعهم الى مرتبة مصادر العلم التي لا تثير ارتيابا (7) .
(ولـم يـعـد ابن عباس اولئك الكتابيين الذين دخلوا في الاسلام ، حججا فقط في الاسرائيليات واخبار الكتب السابقة ، التي ذكر كثيرا عنها الفوائد (8) ، بل كان يسال ايضا كعب الاحبار مثلا عن التفسير الصحيح للتعبيرين القرآنيين : (ام الكتاب ) (9) و(المرجان ) (10) .
(كان يفترض عند هؤلاء الاحبار اليهود ، فهم ادق للمدارك الدينية العامة الواردة في القرآن وفي اقـوال الـرسـول ، وكان يرجع الى اخبارهم في مثل هذه المسائل ، على الرغم من ضروب التحذير الصادرة من جوانب كثيرة فيهم ) (11) .
هـذه هـي عـبـارة (جـولد تسيهر) البادي عليها غلوه المفرط بشان مسلمة اليهود ، ودورهم في الـتلاعب بمقدرات المسلمين ، الامر الذي لا يكاد يصدق في اجوا كانت السيطرة مع الصحابة النبهاء ، انما كان ذلك في عهد طغى سطو امية على البلاد وقد اكثروا فيها الفساد ، على ما سننبه .
وقد تابعه على هذا الراي الاستاذ احمد امين ، قال : ولم يتحرج حتى كبار الصحابة مثل ابن عباس مـن اخـذ قولهم روي ان النبي (صلى الله عليه واله) قال : (اذا حدثكم اهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم ) ولـكن العمل كان على غير ذلك ، وانهم كانوا يصدقونهم وينقلون عنهم ما حكاه الطبري وغيره عند تفسير قوله تعالى : {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: 210] .
وعقبه بقوله : وقد رأيت ابن عباس كان يجالس كعب الاحبار ويأخذ عنه (12) ، اشارة الى ما سبق من قوله : واما كعب الاحبار او كعب بن ماتع فيهودى من اليمن ، واكبر من تسربت منهم اخبار اليهود الى المسلمين ، اسلم في خلافة ابي بكر او عمر ـ على خلاف في ذلك ـ وانتقل بعد اسلامه الى المدينة ثم الى الشام وقد اخذ عنه اثنان ، هما اكبر من نشر علمه : ابن عباس ـ وهذا يعلل ما في تفسيره من اسرائيليات ـ وابو هريرة (13) .
نقد وتمحيص :
وانـا لـناسف كثيرا ان يغتر كتابنا النقاد ـ امثال الاستاذ احمد امين والاستاذ الذهبي ـ بتخرصات لفقها اوهام مستوردة ، فلنترك المستشرقين في ريبهم يترددون ، ولكن ما لنا ـ نحن معاشر المسلمين ـ ان نحذو حذوهم ونواكبهم في مسيرة الوهم والخيال ؟ لا شك ان نبها الصحابة امثال ابن عباس كانوا يتحاشون مراجعة اهل الكتاب ويستقذرون ما لديهم من اسـاطـيـر وقـصـص واوهـام ، وانما تسربت الاسرائيليات الى حوزة الاسلام ، بعد انقضا عهد الـصـحـابة ، وعند ما تسيطر الحكم الاموي على البلاد لغرض العيث في الارض وشمول الفساد ، الامر الذي احوجهم الى مراجعة الانذال من مسلمة اليهود ومن تبعهم من سفلة الاوغاد.
وسـنـذكـر ان مبدا نشر الاسرائيليات بين المسلمين كان في هذا العهد المظلم بالخصوص ، حاشا الـصـحـابـة وحاشا ابن عباس بالذات ان يراجع ذوي الاحقاد من اليهود ، ويترك الخلص من علما الاسـلام امثال الامام على بن ابي طالب (عليه السلام ) ، وكان سفط العلم ولديه علم الاولين والاخرين ، علما ورثه من رسول اللّه (صلى الله عليه واله ) في شمول وعموم .
وقد مر عليك انه كان يستطرق ابواب العلماء من الصحابة بغية العثور على اطراف العلم الموروث مـن الـرسـول الاكـرم (صلى الله عليه واله ) ، وقـد سـئل : انـى ادركـت هـذا الـعلم ؟ فقال : بلسان سؤول وقلب عقول (14) .
والـيـك من تصريحات ابن عباس نفسه ، يحذر مراجعة اهل الكتاب بالذات ، فكيف يا ترى ، ينهى عن شيء ثم يرتكبه ؟
_______________________________
70- مـسـند احمد ، ج2 ، ص 159 و202 و214 عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص وص 474 و502 عن ابي هريرة وج3 ، ص 13 و46 و56 عن ابي سعيد الخدري .
71- اي ملفتين ، من زمل الشي بثوبه او في ثوبه : لفه .
72- راجع : مقدمته في اصول التفسير ، ص 45 ـ 47.
73- الـتـفـسـيـر والمفسرون ، ج1 ، ص 70 ـ 71 و73 و170 ـ 173 وراجع : فتح الباري لابن حجر ، ج8 ، ص 129 وج13 ، ص 282.
74- هـنـا يـعـلـق المترجم الدكتور عبد الحليم النجار يقول : واين الرواية التي يزعمها ، وما قيمتها في نظر رجال النقد؟ (مذاهب التفسير الاسلامي ، ص 84). والـصـحـيـح ـ كـمـا اسلفنا ـ ان ابن عباس اخذ تفسيره من الصحابة ولا سيما من اميرالمؤمنين علي (ع ) ، فهو انما اخذ التفسير من الرسول بواسطة اصحابه الاخيار.
75- يـقـول فـيـه الـعـسـكـري فـي كـتاب التصحيف والتحريف : هو صاحب كتاب وجماع لأخبار الملاحم (مذاهب التفسير ، ص 85 الهامش رقم3 ).
76- سـتـرى ان الامر كان بالعكس ، كان هؤلاء موضع ارتياب المسلمين عامة ، سوى اهل المطامع كانوا قد استغلوا من مواضع هؤلاء غير النزيهة ، امثال معاوية وابن العاص ومن على شاكلتهما.
77- مثل ما اخرجه ابن سعد في الطبقات (ج1 ، ق2 ، ص 87) باسناده الى ابن عباس انه سال كعب الاحبار عن صفة الرسول (صلى الله عليه واله)في التوراة والانجيل . وكـذا مـا اسنده الى مولى عمر بن الخطاب ان كعبا اخبر بموته قبل ثلاثة ايام ، اذ وجد ذلك مكتوبا عندهم في التوراة (الطبقات ، ج3 ، ق2 ، ص 240).
78- من سورة الرعد/ 39 راجع الطبري ، ج13 ، ص 115.
79- من سورة الرحمان / 22 راجع : الطبري ، ج27 ، ص 76 ـ 77.
80- مذاهب التفسير الاسلامي ، ص 84 ـ 88.
81- فجر الاسلام ، ص 201.
82- المصدر نفسه ، ص 160.
14- التصحيف والتحريف للصاحبي ، ص 3.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|