التنظيم السياسي والرؤساء:

لقد أدى اجتماع الناس في مكة واستقرارهم في مكان واحد الى تنحية بعض مظاهر التكتل القبلي والى ظهور الفردية. كما يتجلى ذلك في انتشار الإسلام بين مختلف القبائل رغم معارضة المشركين، كما سنتحدث في الفصل الخاص بالدعوة الإسلامية. وقد أدى الاستقرار والمصالح المشتركة الى تكيف الناس مع المجتمع الجديد، خاصة في أوقات الشدائد والازمات التي تمس الغالبية العظمى، حيث كانوا يجتمعون ويتناقشون. ومع ان الناس انفوا من السلطة العليا ولم يرغبوا في الانصياع والخضوع في الاوقات العادية، الا انهم، عند الشدائد، كانوا لا يعارضون اتباع شخص او اشخاص تقدمهم مواهبهم وقابلياتهم الى الصف الأول ليقودوا الناس. وقد اشارت الأخبار الى بعض هؤلاء الرؤساء، كقصي، وعبد مناف، وعبد المطلب، وقد اشارت الأخبار الى هشام بن المغيرة الذي كان سيدا مطعاماً؛ ولما هلك، نادى مناد بمكة : اشهدوا جنازة ربكم(1)؛ كما اشارت الى قيس بن عدي بن سهم الذي كان سيد قريش في زمانه (2)؛ وعبدالله بن جدعان التيمي سيد قريش في الجاهلية، الذي كان، في داره، حلف الفضول (3)؛ وكان عتبة بن ربيعة (كبير قريش وسيدها المطاع)(4)؛ كما كان أبو سفيان شيخ قريش وكبيرها وسيدها المطاع الذي قاد القوافل وتزعم الحروب ضد الرسول (ص)(5). ويقول محمد بن حبيب السكري : (فلما هلك حرب بن امية، وكان حرب رئيسا بعد عبدالمطلب، تفرقت الرياسة والشرف في بني عبد مناف، فكان في بني هاشم : الزبير وابو طالب والحمزة والعباس بنو عبدالمطلب؛ وفي بني امية : أبو احيحة وهو سعيد بن العاص بن امية وهو ذو العمامة كان لا    يتعمم احد بمكة بلون عمامته اعظاما له. وله يقول الشاعر :

                   فتاة أبوها ذو العمامة منهم      ومروان ما اكفاؤها بكثير

وفي بني المطلب : عبد يزيد بن هاشم بن المطلب، وعبد يزيد هذا هو المحض لا قذى فيه؛ وفي بني نوفل المطعم بن عدي بن نوفل؛ وفي بني اسد بن عبد العزى : خويلد بن اسد، وعثمان بن الحويرث بن اسد)(6).

ولما لم يكن من السهل عمليا في الاوقات الاعتيادية جمع الناس كافة

ومناقشتهم في الأمور العامة، كان لابد من اختياري ذوي القابليات الخاصة، ليقوموا بامر بحث الأمور العامة ومناقشتها، وقد اشارا ليهم القرآن باسم الملأ.

___________

(1)     المحبر : ص139، 427؛ الاشتقاق : ص63، 94؛ المعارف : ص32؛ ولمحمد حميد الله مقالة قيمة عن إدارة مكة ونشرها في مجلة Islami Cultur سنة 1943 (بالانكليزية).

(2)     جمهرة النسب : ص156؛ الاشتقاق : ص57.

(3)     الاشتقاق : ص88؛ نسب قريش : ص291؛ الاغاني : ج8 ص2-3.

(4)     سيرة ابن هشام : ج2 ص262؛ الطبري : ج2 ص288.

(5)     الطبري : ج3 ص44، 77.

(6)     المحبر : 164.