أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-04-2015
2410
التاريخ: 10-10-2014
2037
التاريخ: 14-11-2014
1854
التاريخ: 27-04-2015
4064
|
مما يجدر التنبه له ان للأخذ بدلائل الكلام ـ سواء اكانت جلية ام خفية ـ شرائط ومعايير ، لا بد من مراعاتها للحصول على الفهم الدقيق فكما ان لتفسير الكلام ـ وهو الكشف عن المعاني الظاهرية للقرآن ـ قواعد واصول مقررة في علم الاصول والمنطق ، كذلك كانت لتأويل الكلام ـ وهو الحصول على المعاني الباطنية للقرآن ـ شرائط ومعايير ، لا ينبغي اعفاؤها والا كان تأويلا بغير مقياس ، بل كان من التفسير بالراي الممقوت .
وليعلم ان التأويل ـ وهو من الدلالات الباطنية للكلام ـ داخل في قسم الدلالات الإلزامية غير البينة ، فهو من دلالة الالفاظ لكنها غير البينة ، ودلالة الالفاظ جميعا مبتنية على معايير يشرحها علم الميزان ، فكان التأويل ـ وهو دلالة باطنة ـ بحاجة الى معيار معروف كي يخرجه عن كونه تفسيرا بالراي .
فمن شرائط التأويل الصحيح ـ اي التأويل المقبول في مقابلة التأويل المرفوض
ـ اولا: رعاية المناسبة القريبة بين ظهر الكلام وبطنه (1) ، اي بين الدلالة الظاهرية وهذه الدلالة الباطنية للكلام ، فلاتكون اجنبية ، لا مناسبة بينها وبين اللفظ ابدا فاذا كان التأويل ـ كما عرفناه ـ هو المفهوم العام المنتزع من فحوى الكلام ، كان لا بد ان هناك مناسبة لفظية او معنوية استدعت هذا الانتزاع .
مثلا: لفظة (الميزان ) وضعت لالة الوزن المعروفة ذات الكفتين ، وقد جاء الامر بإقامتها وعدم البخس فيها ، في قوله تعالى : {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} [الرحمن: 9].
لكنا اذا جردنا اللفظ من قرائن الوضع وغيره واخلصناه من ملابسات الانس الذهني ، فقد اخذنا بمفهومه العام :كل ما يوزن به الشي ، اي شيء كان ماديا ام معنويا ، فانه يشمل كل مقياس او معيار كان يقاس به او يوزن به في جميع شؤون الحياة ، ولا يختص بهذه الالة المادية فحسب .
قال الشيخ ابو جعفر الطوسي : فالميزان آلة التعديل في النقصان والرجحان ، والوزن يعدل في ذلك ولولا الميزان لتعذر الوصول الى كثير من الحقوق ، فلذلك نبه تعالى على النعمة فيه والهداية اليه وقيل : المراد بالميزان : العدل ، لان المعادلة موازنة الاسباب (2) .
وروى محمد بن العباس المعروف بماهيار (ت ح330 ) ـ في كتابه الذي وضعه لبيان تأويل الآيات ـ بإسناده الى الامام الصادق (عليه السلام)قال : الميزان الذي وضعه اللّه للأنام ، هو الامام العادل الذي يحكم بالعدل ، وبالعدل تقوم السماوات والارض ، وقد امر الناس ان لا يطغوا عليه ويطيعوه بالقسط والعدل ، ولا يبخسوا من حقه ، او يتوانوا في امتثال اوامره (3).
و هكذا قوله تعالى : {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ} [الملك: 30] كانت دلالة الآية في ظاهر تعبيرها واضحة ، ان نعمة الوجود ووسائل العيش والتداوم في الحياة ، كلها مرهونة بإرادته تعالى وفق تدبيره الشامل لكافة انحاء الوجود.
واللّه تعالى هو الذي مهد هذه البسيطة لامكان الحياة عليها ، ولولا فضل اللّه ورحمته لعباده لضاقت عليهم الارض بما رحبت .
هذا هو ظاهر الآية الكريمة ، حسب دلالة الوضع والمتفاهم العام .
وللإمام ابي جعفر الباقر(عليه السلام) بيان يمس جانب باطن الآية ودلالة فحواها العام ، قال : (اذا فقدتم امامكم فلم تروه فماذا تصنعون ).
و قال الامام على الرضا (عليه السلام) : (ماؤكم : ابوابكم الائمة ، والائمة : ابواب اللّه فمن يأتيكم بما معين ، اي يأتيكم بعلم الامام ) (4) .
لا شك ان استعارة (الماء المعين ) للعلم النافع ، ولا سيما المستند الى وحي السماء ـ من نبي او وصي نبي ـ امر معروف ومتناسب لا غبار عليه .
فكما ان الما اصل الحياة المادية والمنشأ الاول لامكان المعيشة على الارض ، كذلك العلم النافع وعلم الشريعة بالذات ، هو الاساس لامكان الحياة المعنوية التي هي سعادة الوجود والبقا مع الخلود.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24].
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [آل عمران: 164].
فهنا قد لوحظ الما ـ وهو اصل الحياة ـ في مفهومه العام المنتزع منه الشامل للعلم ، فيعم الحياة المادية والمعنوية .
و ايضا قوله تعالى : {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} [عبس: 24] ، اي فليمعن النظر في طعامه ، كيف عملت الطبيعة في تهيئته وتمهيد امكان الحصول عليه ، ولم يأته عفوا ، ومن غير سابقة مقدمات وتمهيدات لو امعن النظر فيها ، لعرف مقدار فضله تعالى عليه ، ولطفه ورحمته ، وبذلك يكون تناول الطعام له سائغا ، ومستدعيا للقيام بالشكر الواجب .
هذا ، وقد روى ثقة الاسلام الكليني بإسناده الى زيد الشحام ، قال : سالت الامام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)قلت : ما طعامه ؟ قال : (علمه الذي يأخذه عمن يأخذه ) (5).
والمناسبة هنا ـ ايضا ـ ظاهرة ، لان العلم غذا الروح ، ولا بد من الاحتياط في الاخذ من منابعه الاصيلة ، ولاسيما علم الشريعة واحكام الدين الحنيف .
و ثانيا: مراعاة النظم والدقة في الغاء الخصوصيات المكتنفة بالكلام ، ليخلص صفوه ويجلو لبابه في مفهومه العام ، الامر الذي يكفله قانون (السبر والتقسيم ) من قوانين علم الميزان (علم المنطق ) والمعبر عنه في علم الاصول : بتنقيح المناط ، الذي يستعمله الفقها للوقوف على الملاك القطعي لحكم شرعي ، ليدور التكليف او الوضع معه نفيا واثباتا ، ولتكون العبرة بعموم الفحوى المستفاد ، لا بخصوص العنوان الوارد في لسان الدليل وهذا امر معروف في الفقه ، وله شرائط معروفة .
ومثال تطبيقه على معنى قرآني ، قوله تعالى ـ حكاية عن موسى (عليه السلام)ـ : {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص: 17].
هذه قولة نبي اللّه موسى (عليه السلام)قالها تعهدا منه للّه تعالى ، تجاه ما انعم عليه من البسطة في العلم والجسم : {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص: 14] قضى على عدوله بوكزة وكزه بها ، فحسب انه قد فرط منه ما لا ينبغي له ، فاستغفر ربه فغفر له فقال ذلك تعهدا منه للّه ، ان لا يستخدم قواه وقدره الذاتية ، والتي منحه اللّه بها ، في سبيل الفساد في الارض ، ولا يجعل ما آتاه اللّه من امكانات معنوية ومادية في خدمة اهل الاجرام .
هذا ما يخص الآية في ظاهر تعبيرها بالذات .
وهل هذا امر يخص موسى (عليه السلام)لكونه نبيا ومن الصالحين ، ام هو حكم عقلي بات يشمل عامة اصحاب القدرات ، من علما وادبا وحكما وارباب صنائع وفنون ، وكل من آتاه اللّه العلم والحكمة وفصل الخطاب ؟ لا ينبغي في شريعة العقل ان يجعل ذلك ذريعة سهلة في متناول اهل العبث والاستكبار في الارض ، بل يجعلها وسيلة ناجحة في سبيل اسعاد العباد واحيا البلاد {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61] .
وهذا الفحوى العام للآية الكريمة انما يعرف وفق قانون (السبر والتقسيم ) والغاء الخصوصيات المكتنفة بالموضوع ، فيتنقح ملاك الحكم العام .
وفي القرآن كثير من هذا القبيل ، انما الشأن في امعان النظر والتدبر في الذكر الحكيم ، وبذلك يبدو وجه استفادة فرض الاخماس من آية الغنيمة ، ودفع الضرائب من آية الانفاق في سبيل اللّه .
___________________________________
1- بحيث يكون المفهوم العام من بطن الآية صالحا للانطباق على ظهرها انطباق الكلي على مصاديقه ، حسبما بينا في موارده من امثلة ، ومنها :آية السؤال من اهل الذكر حيث كان وجوب الرجوع الى العالم ، هي الكبرى الكلية المستخرجة من بطن الآية وقد انطبقت على مورد نزولها بالمناسبة .
2- التبيان ، ج9 ، ص 463.
3- نقلا بالمعنى ، راجع : تأويل الآيات الظاهرة للسيد شرف الدين الاسترابادي ، ج2 ، ص 632 ـ 633.
4- تفسير الصافي ، الفيض الكاشاني ، ج2 ، ص 727 ، وراجع : تأويل الآيات الظاهرة ، ج2 ، ص 708.
5- تفسير البرهان ، ج4 ، ص 429.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|