المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7573 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


دلالة النهي على فساد المنهي عنه  
  
8281   09:05 صباحاً   التاريخ: 16-10-2016
المؤلف : عبد الله بن محمّد البشروي الخراساني
الكتاب أو المصدر : الوافية في أصول الفقه
الجزء والصفحة : ص99
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

اختلفوا في دلالة النهي على فساد المنهي عنه ، على أقوال :

عدم الدلالة مطلقا ، نقله في المحصول عن أكثر الفقهاء (١) ، والآمدي عن أكثر المحققين (٢)

والدلالة مطلقا (٣) ، واختاره ابن الحاجب من العامة (٤) ، والسيد المرتضى منا لكن قال : إن دلالته على الفساد شرعا لا لغة (٥) ، واختاره الشهيد في قواعده (٦) ، والمحقق الشيخ علي في شرح القواعد (٧) ، بشرط عدم رجوع النهي إلى وصف غير لازم.

« واختاره بهذا الشرط الفخر الرازي في المعالم ، ونقله في الوجيز ، عن الشافعي ، ونقله الآمدي عن أكثر أصحاب الشافعي، واختاره هو » (٨).

والقول الثالث : التفصيل ، وهو الدلالة (9) في العبادات ، لا في المعاملات ، وهو مختار المحصول منهم (10) ، والعلامة (11) ، والمحقق (12) ، وكثير من المتأخرين منا (13).

والحق : أن النهي يقتضي فساد المنهي عنه مطلقا ، فههنا مقامان :

الاول : أن النهي يقتضي فساد ما تعلق به من العبادات.

والدليل عليه : أن المنهي عنه لا يكون مرادا ومطلوبا للمكلف ، والعبادة الصحيحة ـ واجبة أو مندوبة ـ تكون مرادة ومطلوبة للمكلف ، فلا يكون المنهي عنه عبادة صحيحة ، وهو ظاهر.

واعلم أن النهي : قد يرجع إلى نفس العبادة ، كالنهي عن صلاة الحائض.

وقد يرجع إلى جزئها ، كالنهي عن قراء‌ة العزائم في اليومية ، بناء‌ا على جزئية السورة.

وقد يرجع إلى وصف لازم ، كالنهي عن الجهر في الفرائض النهارية.

وقد يرجع إلى (14) أمر مقارن غير لازم ، كالنهي عن قول ( آمين ) بعد الحمد ، وعن التكفير ـ وهو وضع اليمين على الشمال في الصلاة ـ ونحو ذلك.

واقتضاء النهي الفساد في الثلاثة الاول ظاهر ، إذ صحة الكل والملزوم ، مع فساد الجزء واللازم(15) ، ظاهر الفساد.

وأما القسم الاخير : فقد وقع الخلاف فيه بين فقهائنا : فبعضهم يقول : إن النهي عن مثل (16) هذه الامور ، لا يوجب فساد العبادة الواقعة هي فيها ، أو المتصفة بها ، إذ هذه امور خارجة (17) ومغايرة للعبادة ، ولا دليل على استلزام فسادها لفساد العبادة ، والامر يقتضي الاجزاء إجماعا ممن يعتد به.

وبعضهم يقول بفساد العبادة بفسادها ، وكأن الوجه فيه : أنه يفهم من النهي أن عدم المنهي عنه من شرائط تحقق العبادة الشرعية ، ووجوده مانع منه ، فلا يمكن تحقق العبادة مع وجوده.

والحق أن يقال : إن العبادة إذا كانت بحيث قد علم من دليل شرعي جميع أجزائها وشرائطها وموانعها ، ولا يكون هذا المنهي عنه شيئا منها ، فالنهي حينئذ لا يقتضي فساد العبادة المقارنة للمنهي عنه ، لما مر ، وأما مع عدم ذلك فالظاهر أن المنهي عنه من موانع حقيقة العبادة شرعا، إذ جميع أجزاء العبادة وشرائطها وموانعها ، إنما يعلم من الاوامر والنواهي ، فليس لاحد أن يقول : إن النهي إنما يدل على حرمة المنهي عنه ، وهو لا يستلزم فساد العبادة.

كما أنه ليس له أن يقول : إن الامر إنما يدل على وجوب المأمور به في العبادة (18) ، ولا دلالة له (19) على جزئيته للعبادة، أو شرطيته.

ولو صح هذا القول ، لانسد طريق الاستدلال على بطلان الصلاة والصوم وغيرهما ، بترك جل أجزائها وشرائطها كما لا يكاد (20) يخفى.

ثم لا يخفى عليك : أن مانعية المنهي عنه ، إنما هو على تقدير اختصاص النهي بالعبادة ، فلو علم أن النهي عن الشيء في عبادة إنما هو لأجل حرمة ذلك الشيء مطلقا ، كالنهي عن النظر إلى الاجنبية في الصلاة ، فهو لا يقتضي فساد العبادة ، إذ حينئذ معلوم أن المنهي عنه لا ارتباط له بالعبادة في المانعية.

المقام الثاني : أن النهي يقتضي فساد ما تعلق به من المعاملات ، كأقسام البيوع والأنكحة والطلاق وغيرها ، سواء كان النهي يرجع إلى نفس الصيغة ، كلفظ التحليل في النكاح ، والكنايات في الطلاق ، ونحو ذلك ، أو إلى أحد العوضين ، كبيع الميتة والخمر ونكاح المحرمات ، أو إلى وصف لازم ، كبيع الملامسة والمنابذة والربا ونكاح الشغار ونحو ذلك ، ويمكن إدخال كثير من هذه في الاولين.

والدليل على اقتضاء النهي الفساد في هذا القسم ـ من وجهين :

الاول : استدلال العلماء :

فإن علماء الامصار في الاعصار ، لم يزالوا يستدلون على الفساد بالنهي ، في أبواب الربا ، والأنكحة والبيوع وغيرها (21).

وليس الفساد مدلولا للفظ النهي (٢2) ، إذ لا يفهم سلب (23) الاحكام من النهي المتعلق بشيء، ولا تلازم بين التحريم وسلب الاحكام ، إذ لا بعد (24) في أن تكون المصلحة في عدم شيء ، ولكن بعد وجوده تكون المصلحة في ترتب آثاره عليه (25) ، ولهذا حكم شرعا بالتطهير إذا وقعت إزالة النجاسة بالماء المغصوب ، ويترتب على الوطئ في الحيض آثاره من لحوق الولد، ووجوب المهر ، والتحليل للزوج الاول ، ونحو ذلك.

بل الفساد مما يحكم به العقل في المعاملات من ظاهر حال الناهي.

وقد وقع في الروايات ما يدل على اقتضاء النهي الفساد :

روى الشيخ في التهذيب ، في الصحيح : « عن محمد بن مسلم ، عن أحدهما عليهما ‌السلام ، أنه قال : لو لم يحرم على الناس أزواج النبي صلى ‌الله‌ عليه‌ وآله ‌وسلم ، لقول الله عز وجل {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا } [الأحزاب: 53] ـ حرم على الحسن والحسين عليهما‌ السلام ، لقوله عز وجل : {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: 22](26).

وروى في الموثق : « عن الحسن بن الجهم ، قال : قال أبو الحسن الرضا عليه‌ السلام : يا أبا محمد ، ما تقول في رجل تزوج بنصرانية على مسلمة؟ قلت : جعلت فداك ، وما قولي بين يديك؟!

قال : لتقولن ، فإن ذلك يعلم (27) به قولي.

قلت : لا يجوز تزويج النصرانية على المسلمة ، ولا على غير مسلمة.

قال : لم؟ قلت : لقول الله عز وجل : {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: 221].

قال : فما تقول في هذه الآية : {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ؟ فقلت : قوله تعالى : {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} نسخت هذه الآية ، فتبسم ثم سكت » (28).

وروى : « عن زرارة بن أعين ، عن أبي جعفر  عليه السلام ، قال : لا ينبغي نكاح أهل الكتاب.

قلت : جعلت فداك ، وأين تحريمه؟ قال : قوله {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ } [الممتحنة: 10] (29).

وفي الحسن ـ بإبراهيم بن هاشم ـ : « عن زرارة بن أعين ، قال : سألت أبا جعفر  عليه السلام عن قول الله عز وجل : {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} ؟ فقال : هي منسوخة بقوله : {وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ }» (30).

فإن الامام  عليه السلام استدل بالنهي عن التحريم ، ومعلوم أن المراد من التحريم في هذه الصور بطلان النكاح ، كما في قوله تعالى : {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ...} [النساء: 23] الآية.

وروى في الحسن ـ به ـ : « عن زرارة ، عن أبي جعفر  عليه السلام ، قال : سألته عن مملوك تزوج بغير إذن سيده؟ فقال : إن ذلك إلى سيده ، إن شاء أجازه ، وإن شاء فرق بينهما.

فقلت : أصلحك الله ، إن الحكم بن عتيبة (31) ، وإبراهيم النخعي ، وأصحابهما ، يقولون : إن أصل النكاح باطل ، فلا تحل إجازة السيد له.

فقال أبو جعفر  عليه السلام : إنه لم يعص الله ، إنما عصى سيده ، فإذا أجازه فهو له جائز » (32).

وفي حديث آخر عنه أيضا : « فقلت لأبي جعفر  عليه السلام فإن أصل النكاح كان عصيانا (33).

فقال أبو جعفر  عليه السلام : إنما أتى شيئا حلالا ، وليس بعاص لله ، وإنما عصى سيده ، ولم يعص الله ، إن ذلك ليس كإتيان ما حرم الله عليه من نكاح في عدة وأشباهه » (34).

فإنهما يدلان على فساد النكاح إذا كان معصية لله تعالى.

وفي الحسن : عن « محمد بن مسلم ، قال : قال أبو جعفر  عليه السلام : من طلق ثلاثا في مجلس على غير طهر ، لم يكن شيئا ، إنما الطلاق : الذي أمر الله عز وجل به ، فمن خالف لم يكن له طلاق » (35).

وجه الدلالة : أن الطلاق إذا كان منهيا عنه كان مخالفا لما أمر الله عز وجل به.

والروايات فيما يدل على المطلوب أكثر من أن تعد وتحصى ، فتدبرها (36).

الثاني : أن لزوم الآثار والاحكام للمعاملات ليس عقليا ، بل هو بمجرد جعل الشارع ، من قبيل الاحكام الوضعية الناقلة عن الاصل ، فلا يحكم به إلا مع العلم ، أو الظن الشرعي ، ومع تعلق النهي بمعاملة لا يحصل العلم ولا الظن بأن الشارع جعل تلك المعاملة المنهي عنها سببا ومعرفا لشيء من الاحكام ، نعم إن علم في معاملة أن الشارع جعلها معرفا لأحكام مخصوصة مطلقا ـ سواء أكانت منهيا عنها لنفسها أو لجزئها أو لوصفها أو لم تكن ـ أمكن الحكم بترتب آثارها عليها مع حرمتها ، بأحد الوجوه المذكورة ، لكن الظاهر أن مثل ذلك ليس واقعا في أحكامنا.

هذا ، ولو رجع النهي في المعاملة إلى أمر مقارن ، كالنهي عن البيع وقت النداء ، فهل يوجب الفساد أو لا؟

والحق فيه ـ أيضا ـ : مثل ما مر في مثله في النهي في العبادات ، بأن يقال ـ مع اختصاص النهي ، وعدم العلم بعدم مانعية المنهي عنه في صحة المعاملة ـ : الظاهر كون المنهي عنه مانعا من ترتب أحكامها عليها ، ويجري فيه الدليل المذكور ، فتأمل.

_______________

١ ـ المحصول : ١ / ٣٤٤.

٢ ـ الاحكام : ٢ / ٤٠٧ ، التمهيد : ٢٩٢.

٣ ـ العدة : ١ / ١٠١ ـ ١٠٢.

٤ ـ كذا حكى الإسنوي في التمهيد : ٢٩٢ ، ولكن ابن الحاجب قد فصل بين النهي عن الشيء لعينه فيدل على الفساد شرعا لا لغة ، وبين النهي عن الشيء لوصفه. وحكم في هذه الصورة بالفساد مطلقا : المنتهى : ١٠٠ ـ ١٠١ ، وشرح العضد على المختصر : ١ / ٢٠٩ ( المتن ).

٥ ـ الذريعة : ١ / ١٨٠.

٦ ـ القواعد والفوائد : ١ / ٩٩ قاعدة ٥٧.

٧ ـ المسمى ب‍ : جامع المقاصد : ٢ / ١١٦.

٨ ـ ما بين القوسين نص عبارة الإسنوي في التمهيد : ٢٩٣.

9 ـ زاد في ط كلمة ( مطلقا ) في هذا الموضع.

10 ـ المحصول : ١ / ٣٤٤.

11 ـ تهذيب الوصول : ٣٣.

12 ـ معارج الاصول : ٧٧.

13 ـ معالم الدين : ٩٦.

14 ـ زاد في ب في هذا الموضع كلمة : وصف.

15 ـ حرف العطف ساقط من أ وب.

16 ـ كذا في أ و ب ، وفي الاصل و ط : ان نهي مثل.

17 ـ كذا في أ و ط ، وفي الاصل و ب : خارجية.

18 ـ في الاصل : والعبادة. وما اثبتناه مطابق لسائر النسخ.

19 ـ كلمة ( له ) زيادة من أ.

20 ـ كلمة ( يكاد ) : زيادة من ط.

21 ـ في ب : ونحوها.

2٢ ـ هذا تعريض بالمحقق الحلّي ، والعلامة الحلّي ، والشيخ حسن حيث استدلوا على عدم دلالة النهي على الفساد في هذا القسم بعدم الدلالة اللفظية عليه : معارج الاصول : ٧٧ ، تهذيب الوصول : ٣٤ ، معالم الدين : ٩٦ ـ ٩٧.

23 ـ في أ : سبب.

24 ـ في أ : يبعد.

25 ـ هذا رد على دعوى المحقق الشيخ حسن : معالم الدين : ٩٧.

26 ـ الحديث في : التهذيب : ٧ / ٢٨١ ح ١١٩٠.

27 ـ كذا في المصدر ، وفي النسخ : تعلم.

28 ـ التهذيب : ٧ / ٢٩٧ ح ١٢٤٣.

29 ـ الحديث في : التهذيب : ٧ / ١٩٧ ح ١٢٤٤.

30 ـ التهذيب : ٧ / ٢٩٨ ح ١٢٤٥.

31 ـ في أ : عيينة. وهو تصحيف.

32 ـ التهذيب : ٧ / ٣٥١ ح ١٤٣٢.

33 ـ كذا في النسخ ، وفي المصدر : عاصيا.

34 ـ التهذيب ٧ / ٣٥١ ح ١٤٣١.

35 ـ التهذيب : ٨ / ٤٧ ح ١٤٦.

36 ـ كذا في أ ، وفي سائر النسخ : فليتدبرها.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.