المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16502 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ترجمة أبي يحيى البلوي
2024-05-28
قصيدتان للبلوي
2024-05-28
بين ابن الجياب ولسان الدين
2024-05-28
أبو الحسن الشامي
2024-05-28
رسالة من الفشتالي
2024-05-28
مقطعات وقصائد تكتب على المباني
2024-05-28

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


الإعجاز التشريعي في الزكاة  
  
3813   04:06 مساءاً   التاريخ: 6-11-2014
المؤلف : فضل حسن عباس ، سناء فضل عباس
الكتاب أو المصدر : إعجاز القرآن الكريم
الجزء والصفحة : ص 286-294 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / مواضيع إعجازية عامة /

العبادات في الإسلام ليست عبادات مجردة من روح الحياة ، بعيدة عن روح الجماعة ، ليست قضايا فردية يشبع الإنسان فيها رغبته الروحية فحسب ، إنما هي وسائل إصلاح ودعائم خير ، تسمو بها الروح ، وتصلح بها النفس ، وينمو بها الفكر ، ويقوم الإنسان بعناصره كلها ، ثم هي بعد ذلك تنتظم ما يصلح الفرد وما ينهض بالجماعة على السواء .

إن العبادات في الإسلام لا تركز على جانب واحد ، بل هي تجمع الى الجانب الروحي والنفسي و الجانب الجماعي والاجتماعي والجانب الخلقي ، لا أدل على ذلك من ان نتدبر هذه الآيات الكريمة ، قال تعالى في شأن الصلاة : {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت : 45] ، ويقول في شأن الزكاة {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة : 103] ويقول في شان الصوم {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة : 183] ويقول في شأن الحج {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ } [البقرة : 197] ويقول {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج : 28].

والدارس لكل عبادة من هذه العبادات سيدهش لهذه التشريعات الدقيقة إعجاباً وإكباراً ، فالذي يخطئ في شيء منها عليه أن يجبر هذا الخطأ ، ولكن بماذا ؟ يجبره بما يعود على المجتمع بالخير من تفريج لمكروب وإعانة لملهوف ، ومساعدة لبائس ، يقول الله في شأن ذبائح الحج {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج : 28] ومن أخطأ في بعض قضايا الحج ، وكذلك من استفاد من التمنع بين العمرة ، والحج ، أو جمع بينهما – أي العمرة والحج – وجب عليه ان يجبر هذا بما يعود على المجتمع بالنفع ، قال تعالى : {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة : 196] .

وهكذا في الصيام {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة : 184] وهكذا نجد العبادات في الإسلام لم تكن خير لصاحبها فحسب ، بل للمجتمع كله ، وسنختار لك واحدة من هذه العبادات لنرى الإعجاز التشريعي فيها ، ولقيام عليه غيره بعد ذلك ، وهذه العبادة التي نختارها الزكاة .

فمن المعلوم أن الزكاة أحد أركان الإسلام ، وهي واجبة في المال بمقادير مختلفة ، والمتأمل لهذه المقادير التي بينتها السنة المطهرة ، سيلمس هذا الإعجاز التشريعي ، ولا يقال : إننا نتحدث عن إعجاز القرآن ، فأي شأن للسنة في هذا ؟ ولقد أجبت عن هذا من قبل ، وهي أن السنة ليست أجنبية عن القرآن ، بل هي مبينة ومفصلة له .

والزكاة هي : النماء والطهر ، والبركة ، والناس يعبرون عن الشيء الطيب بأنه زاكٍ قال تعالى : {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا} [الكهف : 19] وقال {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة : 103] . والزكاة في الشرع إنما هي مال مخصوص ، يؤخذ بشروط مخصوصة ، لأناس مخصوصين .

والناظر للتشريع في شأن الزكاة لا يتردد قيد أنملة ، ولا لمحة بصر ، بأن هذا الدين إنما هو دين الله ، لأن البشر لا يستطيعون أن يصلوا الى حكمه وأحكامه .

وأول ما يقابلك في هذا التشريع في شأن الزكاة هذا التوازن ، وتلك الوسطية ، حتى لا يبغي أحد على أحد ، ولا يحقد أحد على أحد ، لا يبغي غني على فقير ، ولا يحقد فقير على غني .

نظر وتأمل :

إن الناظر  في مقدار الزكاة الواجبة يجده يتردد بين النسب الآتية : فهو ربع العشر تارة ، ونصف العشر تارة والعشر حينا آخر : على اختلاف في الأشياء التي تخرج منها الزكاة ، وتقل النسبة عن ربع الشعر كما نجده في زكاة بعض الأموال .

ولكن نسبة الزكاة لا تزيد عن العشر ، اللهم إلا في شيء واحد على قلته وندرته ، وهو الركاز ، والركاز : هو ما دفن من اموال الجاهلية أو غيرهم من غير المسلمين ، فأظهر الله بعض الناس عليه ، وهو ما يعرف عن الناس بالكنز ، فهذا يزكى ، ونسبة الزكاة فيه الخمس لأنه رزق جاء لمسلم من حيث لا يحتسب ، ولكن جميع الاموال التي تدخلها الزكاة تتراوح نسبتها وتتردد بين العشر وربع العشر.

وهذه النسبة روعيت فيها الدقة المتناهية المنبعثة من الحكمة التي لا يعلمها إلا أحكم الحاكمين ، ولنبين بإيجاز بعض ما في هذه الحكمة من روعة وسمو . 

1- في الذهب والفظة وما يلتحق بهما من النقود ، وما تستعمل فيه هذه النقود من تجارة على اختلافها ، في هذا كله ربع العشر (2.5%) ، وذلك أن النفس قد جبلت على حب الذهب والفضة وما يتصل بهما ، و هي شحيحة على ذلك ، وصدق الله {وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ } [النساء : 128] ولذلك لم تكن مبالغة في نسبة الزكاة ، هذا من جهة . ومن جهة ثانية ، فإن الإنسان يبذل جهداً ، ويلقى جهداً (1) في تحصيل هذه الأموال ، سواء كانت الطريقة لتحصيلها التجارة ، أم العمل الفكري ، ام العلم اليدوي لذلك كانت الزكاة ربع الشعر ، في أربعين درهما درهم واحد .

2- أما نسبة نصف العشر ، فهي في المزروعات والغلة التي تنتجها الأرض و ولكن ليست اي غلة ، إنما ي المزروعات التي لا تسقى بماء السماء ، ولا في أي وسيلة سهلة كالماء الذي ينزل من قناة دون تعب ، ومشقة  وتكليف ، وكلفة ، بل تسقى هذه المزروعات بواسطة وسائل يتحمل الإنسان فيها كلفة ومشقة كالدواب أو ما يعرف بالنواعير ، وغيرها من الآلات الكثيرة ، وقد يشترى هذا الماء بمبلغ من المال ، ومنه الطريقة المعروفة اليوم بالتنقيط ، وهي التي تستعمل فيها أنابيب معروفة ، فالمزروعات إذا سقيت بهذه الوسائل ، فنسبة الزكاة فيها نصف العشر .

3- أما نسبة العشر ، فهي المزروعات كذلك ، ولكنها هنا المزروعات التي سُقيت بماء السماء ، تلك التي لا يجد الإنسان في سقيها مشقة ، ولا يبذل جهداً ، ولا ينفق مالاً ، وإنما سقيها رحمة من الله ، {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (10) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل : 10، 11] فانظروا – أرشدكم الله – الى سمو التشريع وحكمته مزروعات يتحمل صاحبها في سقيها كلفة ، ومزروعات ليست كذلك ، تختلف فيها نسبة الزكاة بين الشعر ونصفه .

ومن قبل ذلك الاموال التي هي أموال التجارة ، فيه ربع الشعر .

كل ذلك عناية لهذا الإنسان ، ورعاية تتحقق فيها مصالح الناس ، حتى تصلح الحياة .

هذه الحكمة الربانية وفقراء ، هذا ما يرتفع به هذا الدين فوق كل المبادئ التي عرفتها الإنسانية .

وإن نظرة عجلى الى الشيوعية والرأسمالية ، تجعلنا ندرك عظم الإسلام ، وروعة  مبادئه ، وسمو تشريعاته ، ونحن نجد اليوم كلتيهما تئن من حاضرها ، وتراجع حساباتها ، وما حملة (غورباتشوف) الإصلاحية كما يقول ، وما حملته على سابقيه ، ابتداء من (ستالين) (2) ، وما تأرجح الاقتصاد الأمريكي الذي نجده في مثل هذه الأيام ، ما ذلك كله إلا دليل صادق على أن هذا الإنسان سيظل ضعيفا فيما يشرع لنفسه {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة : 50].

فالحكمة في تشريع الزكاة هدفت الى عدم التسلط على الأغنياء ، والنيل منهم ، وعدم محاباة الفقراء ، أو تحميلهم الأذى ، ومع أن الله هو الذي وهب المال لهذا الإنسان ، فإنه سبحانه مع ذلك لم يرهقهم فيما كلفهم من نفقة هذا المال .

وهناك آية في كتاب الله تبارك وتعالى ، جديرة بالوقوف أمامها ، وتدبرها وهي قوله سبحانه {إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } [محمد : 36 – 38] .

ولنقف مع قوله سبحانه {وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} [محمد : 36، 37] سبحانك ربنا تعلم  ما نخفي وما نعلن ، وما يخفي على الله من شيء في الأرض ولا في السماء .

يبين الله تبارك وتعالى في الآية الكريمة أن من رحمته أن لا يسأل الناس كثيرا من أموالهم ، ولا يطلب منهم نسبة عالية ، ويبين الحكمة من ذلك ، بأنه لو طلب منهم نسبة عالية ، ومبالغ طائلة كثيرة ، لو أن الله تبارك وتعالى  شق عليهم بطلب الكثير من أموالهم لبخلوا وامتنعوا ، وأبوا ، ولو فعلوا ذلك لعمهم العذاب ، وهذا معنى قول الله { إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ} أي : إن يسألكموها  فيجهدكم ويشق عليكم في طلب الكثير من أموالكم تبخلوا ، ولكنه من رحمته ما الكم إلا القليل ، وهذا يتفق مع واقع التشريع .

ولقد قلت من قبل : إن النسبة قد تقل عن ربع العشر ونمثل لذلك بزكاة الغنم ، فزكاة الغنم لكل أربعين  شاة ، أي لا تزكى الغنم إلا إذا كانت أربعين ، فيجب فيها شاة واحدة ، فإذا صارت خمسين أو ستين أو سبعين أو ثمانين ، بل صارت مئة  ، فإنه لا يجب فيها إلا شاة واحد ، وتبقى كذلك الى أن تبلغ مائة وإحدى وعشرين ، فيصير فيها شاتان ، لا شك أن النسبة هنا أقل من ربع العشر بكثير ، وصدق الله { إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا } .

على أن هناك أمرا آخر يستدعي انتباه الناس ، ويوجههم الى ما في هذا التشريع من روعة ، وهو أن هذه المواشي التي تجب فيها الزكاة ، يرى أن أكثر العلماء والائمة أنها لا تجب فيها الزكاة إلا إذا كانت سائمة ، ومعنى كونها سائمة : إنا ترعى من الكلأ أنبته الله بماء السماء ، وهذا معنى قول الله سحبانه {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} [النحل : 10] ، فالزكاة إنما تجب في المواشي إذا كانت ترعى ، تلكم هي روعة الإعجاز التشريعي في الزكاة ، وهذا قليل من كثير مما في الزكاة من أمور تستحق الدارسة  .

تلكم كلمة موجزة عن سمو التشريع في هذه الفريضة ، وكذلك هو في كل شيء .

عدالة التطبيق :

إن أي تشريع مهما كان فذاً ، ومهما بلغ من السمو ، لكي يتفيأ الناس ظلاله الظليلة ، ويقطفوا طيب جناه ، فلا بد من ان تتهيأ له عدالة التطبيق كذلك ، فكم من مبدأ خير أُسيء تطبيقه ، وكم من نظم لم تجد من يحسن العمل بها ، فلم تؤت أكلها ، بل كانت النتائج التي أدتها نتائج عكسية على غير ما يُتوقع ، وعلى العكس من ذلك قد نجد مبدأ كثير الثغرات  ، متعدد الهفوات والمثالب ، ولكننا نجد من يحاول سد ثغراته ، وتلافي أخطائه وهفواته ، فلا يجد الناس فيه عسراً .

ولماذا نبتعد كثيراً عن أرض الواقع هذا الإسلام الذي منَّ الله به على الإنسانية ، وامر المسلمين أن يقوموا بحقه تطبيقاً وتنفيذاً ، وفيه أعظم المبادئ وأروعها فالحرية ، والمساواة ، والتكافل ، والعدالة هذه المبادئ وغيرها التي تكفل للمجتمع المسلم سمو روح ، وجودة فكر ، تهذيب نفس ، ومنزلة دونها الشمس .

ولكننا مع ذلك ننظر يمنة  ويسرة ، فنجد المسلمين أكثر الناس تخلفاً وانحداراً ، وأسفل الأمم منزلة وداراً ، هذا مع الثروة الهائلة ، والإمكانات الطائلة .

وإن مقارنة بين الإسلام وبين غيره من الانظمة ، كالشيوعية التي لم تدم ألأكثر من سبعين سنة ثم سقطت ، سقوطاً مشيناً ، أو النظام الرأسمالي ، من حيث الاقتصاد والأخلاق ، والفكر ، تجدها كالأقزام أمام هذا الإسلام ، لكننا نجد لها دولاً تحاول أن تصلح تطبيقها ، وهم وإن كانوا في تطبيقهم يخطئون ، فإنهم في الإصلاح لا يبطئون .

والمسلمون في سبات ، أذلهم أصحاب السبت ، فضيعوا العمر ، العمل ، والمال ، والوقت .

تلكم مقومات الحياة في منهجها القويم . العدالة ، عدالة التطبيق ، لا بد أن تلتقي مع المنهج ، هذا الذي وجدناه في الزكاة ، فمع سمو المنهج نجد عدالة ورحمة ذوي الشأن وأولي الامر ، فلم تكن نظرتهم لصاحب المال مشبعة بالحقد ، كما وجدناها عند كثيرين عندما أرادوا أن يطبقوا النظريات المستوردة ، فلم تكن النظرة عندهم لصاحب المال إلا نظرة إذلال ، والذين عاشوا بعض التجارب في تطبيق بعض النظريات يدركون هذا كل الإدراك .

وأكتفي بإيراد مثالين من قاعدة الواقع المطبق ، والتطبيق الواقعي ، تظهر منهما عظمة هذا الدين ، وروعة القائمين على تنفيذه :

1- عن عائشة قالت : (مُرَّ على عمر بن الخطاب بغنم من الصدقة ، فرأى فيها شاة حافلا ذات ضرع عظيم . فقال عمر : ما هذه الشاة ؟ فقالوا : شاة من الصدقة . فقال عمر : ما أعطى هذه أهلها وهم طائعون ، لا تفتنوا الناس ، لا تأخذوا حرزات المسلمين ، نكبوا عن الطعام) (3) .

2- وعن سليمان بن يسار أن أهل الشام قالوا لأبي عبيدة بن الجراح : خذ من خيلنا ورقيقنا صدقة ، فأبى ، ثم كتب الى عمر بن الخطاب ، فأبى عمر ، ثم كلموه أيضا ، فكتب الى عمر ، فكتب إليه عمر : إن أحبوا فخذها منهم ، وارددها عليهم وارزق رقيقهم .

قال مالك : معنى قوله : (وارددها عليهم) ، يقول : على فقرائهم (4) .

_________________________

1- الجُهد بالضم : الطاقة ، والجَهد بالفتح : المشقة .

2- كتبنا هذه الفصول قبل انهيار الشيوعية واحتضارها وها هي الشيوعية قد انهزمت وتمزقت لمخالفتها الفطرة .

3- (حافلا) : مجتمعا لبنها يقال : حفلت الشاة : ترك حلبها حتى اجتمع اللبن في ضرعها ، فهي محفلة (حرزات المسلمين) : خيار أموالهم ، جمع حوزة (نكبوا عن الطعام) : أي ذوات الدر .

4-  الموطأ : كتاب الزكاة ، باب : ما جاء في صدقة الرقيق والنخيل والعسل (23 / 38) .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .