أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-9-2016
1778
التاريخ: 2023-04-03
1350
التاريخ: 2023-03-30
1203
التاريخ: 22-6-2017
6386
|
لا يبقى مع العبد عند الموت إلا ثلاث صفات : صفاء القلب أعني طهارته من أدناس الدّنيا ، و انسه بذكر اللّه ، و حبه للّه ، و صفاء القلب و طهارته لا يحصل إلا بالكف عن شهوات الدّنيا ، و الانس لا يحصل إلا بكثرة ذكر اللّه و المواظبة عليه ، و الحب لا يحصل إلا بالمعرفة ، و لا تحصل المعرفة إلا بدوام الفكر و هذه الصفات الثلاث هي المنجيات المسعدات بعد الموت ، و هي الباقيات الصّالحات.
و قد ورد في الخبر «ان أعمال العبد تناضل(1) , عنه فاذا جاء العذاب من قبل رجليه جاء قيام الليل يدفع عنه ، و إذا جاء من قبل يديه جاءت الصّدقة تدفع عنه».
و أما الانس و الحب فهما يوصلان العبد إلى لذّة اللقاء و المشاهدة و هذه السّعادة تتعجل عقيب الموت إلى أن يدخل الجنة فيصير القبر روضة من رياض الجنّة ، و كيف لا يكون القبر عليه روضة و لم يكن له الا محبوب واحد ، و كانت العوائق تعوقه عن الانس بدوام ذكره و مطالعة جماله ، فارتفعت العوائق و أفلت من السّجن و خلى بينه و بين محبوبه فقدم عليه مسرورا سالما من الموانع آمنا من الفراق.
وكيف لا يكون محبّ الدنيا عند الموت معذبا و لم يكن له محبوب إلّا الدّنيا و قد غصب منه و حيل بينه و بينه و سدت عليه طرق الحيلة في الرجوع إليه و ليس الموت عدما إنما هو فراق لمحاب الدنيا و قدوم على اللّه تعالى.
فاذن سالك طريق الاخرة هو المواظب على أسباب هذه الصفات الثلاث و هي الذكر و الفكر و العمل الذي يفطمه عن شهوات الدّنيا و يبغض إليه ملاذها و يقطعه عنها ، و كل ذلك لا يمكن إلا بصحة البدن ، و صحة البدن لا تنال إلّا بالقوت و الملبس و المسكن ، و يحتاج كلّ واحد إلى اسباب.
فالقدر الذي لا بدّ منه من هذه الثّلاثة إذا أخذه العبد من الدّنيا للاخرة لم يكن من ابناء الدّنيا و كانت الدّنيا في حقّه مزرعة الاخرة ، و إن أخذ ذلك على قصد التنعم و حظ النّفس صار من أبناء الدّنيا و الرّاغبين في حظوظها إلا أن الرّغبة في حظوظ الدنيا تنقسم الى ما يعرض صاحبه لعذاب اللّه في الاخرة و يسمّى ذلك حراما و إلى ما يحول بينه و بين الدرجات العلى و يعرضه لطول الحساب ، و يسمى ذلك حلالا.
والبصير يعلم أن طول الموقف في عرصات القيامة لأجل المحاسبة أيضا عذاب فمن نوقش في الحساب عذّب فلذلك قال رسول اللّه (صلى الله عليه واله): « في حلالها حساب و في حرامها عذاب»(2) ، «بل لو لم يكن الحساب لكان ما يفوت من الدرجات العلى في الجنة و ما يرد على القلب من التحسّر على تفويتها بحظوظ حقيرة خسيسة لا بقاء لها هو أيضا عذاب و قس به حالك في الدنيا إذا نظرت إلى أقرانك و قد سبقوك بسعادات دنياوية كيف يتقطع قلبك عليها حسرات مع علمك بأنها سعادات منصرمة لا بقاء لها ، و منغصة بكدورات لا صفاء لها ، فما حسرات مع علمك بأنها سعادات منصرمة لا بقاء لها و منغصة بكدورات لا صفاء لها فما حالك في فوات سعادات لا يحيط الوصف بعظمتها و تتقطع الازمان و الدّهور دون غاياتها فكل من كانت معرفته أقوى و أتقن كان حذره من نعيم الدّنيا أشد.
حتّى ان عيسى على نبيّنا و عليه السّلام وضع رأسه على حجر لما نام ثمّ رمى به ، إذ تمثل له إبليس و قال : رغبت في الدنيا.
وحتى أن سليمان على نبيّنا و (عليه السلام) في ملكه كان يطعم الناس من لذايذ الأطعمة و هو يأكل خبز الشعير فجعل الملك على نفسه بهذا الطريق امتحانا و شدّة ، فان الصبر عن لذيذ الاطعمة مع وجودها أشد.
و لهذا زوى اللّه تعالى الدّنيا عن نبيّنا (صلى الله عليه واله) فكان يطوي أياما ؛ و لهذا سلط البلاء و المحن على الانبياء و الاولياء ثمّ الامثل فالامثل كلّ ذلك نظرا لهم و امتنانا ليتوفر من الاخرة حظهم كما يمنع الوالد الشفيق ولده لذيذ الفواكه و يلزمه الفصد و الحجامة شفقة عليه و حبّا له لا بخلا به عليه ، و قد عرفت بهذا أن كل ما ليس للّه فهو من الدنيا هو للّه ليس من الدنيا»(3).
__________________
1- ناضل عنه دافع و في الحديث : أفهمت يا هشام فهما تناضل به أعدائنا، أي تدافع به أعدائنا.
2- تنبيه الخواطر: ج 1 , ص 152 , و إحياء علوم الدين : ج 3 , ص 207.
3- تنبيه الخواطر : ج 1 , ص 153- 154
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|