المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

Niven,s Theorem
13-10-2019
زفر بن عبد الله الأيادي
3-9-2017
اساس التزام المصرف (المسحوب علية)
12-2-2016
المحجور
27-9-2016
تغير المعنى
15-8-2017
اليهود وضرورة ملازمة المؤمنين
2023-03-28


قاعدة « مشروعيّة عبادات الصبيّ غير البالغ » (*)  
  
247   08:48 صباحاً   التاريخ: 20-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج4 ص109 - 124.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / مشروعية عبادات الصبي وعدمها /

ومن جملة القواعد الفقهيّة المعروفة التي وقع الخلاف فيها بين الفقهاء ، هي قاعدة « مشروعيّة عبادات الصبيّ غير البالغ ».

وفيها جهات من البحث :

[ الجهة ] الأولى

في بيان المراد منها ، والأقوال فيها ، وما هو المختار منها‌ :

أمّا الأوّل : فالمراد منها أنّه هل توجّه إليهم الأوامر والنواهي غير الإلزاميّة ـ بعد الفراغ عن عدم توجّه الإلزام إليهم ، لا أمرا ولا نهيا ـ أم لا؟

ففي الحقيقة النزاع في أنّه هل شرع في حقّهم العبادات ، بحيث يصدق على إتيانهم بتلك العبادات الإطاعة والامتثال للأوامر المولويّة الاستحبابيّة ، أم لا ، إذ لم يشرع في حقّهم تلك العبادات أصلا ، وحالهم حال البهائم والمجانين ، فلو أتوا بها بقصد الإطاعة والامتثال للأوامر المولويّة يكن تشريعا وافتراء محرّما عقلا لا مولويّا؟

وأمّا الثاني : ففيه أقوال :

الأوّل : أنّها مشروعة في حقّهم ، غاية الأمر ليس من طرف المولى إلزام عليهم بالفعل في الواجبات ، ولا بالترك في المحرّمات ، فتكون الواجبات في حقّهم كالمندوبات ، والمحرّمات كالمكروهات.

وإن شئت قلت : إنّ الأحكام التكليفيّة في حقّهم ثلاثة : فالواجبات والمستحبّات مندوبات ، والمحرمات والمكروهات مكروهات ، إذ لا وجوب ولا حرمة في حقّهم. وأمّا المباح فباق على إباحته ، فالتكاليف منحصرة في حقّهم في ثلاث : المستحب ، والمكروه ، والمباح.

الثاني : أنّه لم يتوجّه إليهم خطاب من طرف المولى أصلا ، لا الوجوبي ولا الاستحبابي ولا التحريمي ولا التنزيهي ، والصبيّ المميّز ـ الذي له شعور وإدراك ـ حاله من هذه الجهة حال غير المميّز.

وأمّا الخطابات المتوجّهة إلى الأولياء بأمرهم لهم بالصلاة والصيام قبل أن يصيروا بالغين فللتمرين ، لا أنّ الأولياء أمروا بأن يأمروا بنفس الصلاة مثلا لمصلحة في نفس الصلاة ، بل أمروا أن يأمروا بالصلاة والصيام لأن يتمرّنوا ويتعوّدوا لكي لا يكون إتيانها بعد الوجوب ثقيلا عليهم ، فليس أمر الأولياء بأن يأمروا الصبيان والأطفال بالعبادات داخلا في مسألة أنّ الأمر بالأمر بشي‌ء هل أمر بذلك الشي‌ء أم لا؟ كي يقال إذا كان الأمر بالأمر بالشي‌ء أمر بذلك الشي‌ء ، فتكون العبادات متعلّقا للأمر المولوي ، وبعد الفراغ عن عدم وجوبها على الصبيان لا بدّ وأن تكون تلك الأوامر أوامر ندبيّة ، ففي الحقيقة أمر الشارع للأولياء أن يأمروا صبيانهم بالعبادات تعلّق بعنوان التمرين والتعويد ، أي مرّنوهم وعوّدوهم على الصلاة والصيام.

الثالث : أنّ الشارع أمر الصبيان كالبالغين بهذه العبادات ، لكن أمره بها ليس لمصلحة في أنفسها ، ولذا لو حجّ الصبيّ غير البالغ المستطيع لا يكفي حجّه عن حجّة الإسلام ، وذلك ليس إلاّ لعدم مصلحة في حجّه ، بل أمره لهم بها لمصلحة التمرين فقط ، فكأنّه قال : مرّنوا أنفسكم على الصلاة والصيام أو غيرهما من العبادات.

وعوّدوها عليها ، فالمستحبّ عليهم هو عنوان تمرين أنفسهم وتعويدهم على العبادات.

وتظهر الثمرة بين هذا القول والقول الأوّل ، أنّه بناء على القول الأوّل يجوز أن ينوب في عمله العبادي عن غيره بأجرة كي يكون أجيرا ، أو بدون أجرة كي يكون تبرّعا ، لأنّ عمله واجد للمصلحة التامّة بدون نقص فيها ، غاية الأمر رفع الشارع الإلزام عنهم لطفا ورحمة عليهم ، ومن باب الرفق بهم والامتنان ، فيكون رفع التكليف الإلزامي عنهم مثل الرفع في باب الحرج ، وعدم جعله التكاليف الحرجيّة على قول ، وهو رفع الإلزام من دون تغيير في ناحية الملاك ، ولذا لو أتى بها وتحمّل الحرج يكون عمله صحيحا ومجزيا عند أرباب هذا القول.

وأمّا بناء على هذا القول فلا يصحّ أن ينوب عن قبل غيره ، لا مع الأجرة ولا بدونها ، إذ عمله يكون عبادة بحسب الشكل فقط ، ولا روح له ، فلا يجوز إجارته لعمل عبادي ، ولا تبرأ ذمّة الميّت بإتيانه ما فات عنه.

وظهر ممّا ذكرنا الفرق بين القول الثاني والأوّل ، وأنّه بناء على القول الثاني لا يصحّ أن ينوب عن غيره بطريق أولى ، إذ بناء على القول الثالث تكون لعمله مصلحة التمرين ، وإن لم يكن في نفس عبادته من صلاته وصومه وحجّه مصلحة وملاك أصلا.

وأمّا بناء على القول الثاني لا خطاب ولا ملاك ، حتّى ملاك التمرين.

وأمّا الفرق بين القول الثاني والثالث ، هو أنّه بناء على القول الثاني مصلحة التمرين في متعلّق أمر الأولياء ، فالشارع أمرهم بتمرين أولادهم ، فالثواب وجزاء التمرين لهم ، لأنّه مستحبّ عليهم ، ولا ربط لا للملاك ولا للخطاب بالصبيان ، لأنّ خطاب الشارع إلى الأولياء ، ولا خطاب إلى الصبيان أنفسهم.

وأمّا بناء على القول الثالث فالخطاب إلى الصبيان ، لكن لا بملاك في عباداتهم ، بل الملاك في تعوّدهم ، وإلاّ فنفس العبادة التي يأتي بها صرف صورة ويكون بشكل العبادة فقط.

وأمّا الثالث : فالمختار هو القول الأوّل ، وهو المشهور بين الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ، وسنذكر الدليل عليه في بيان الجهة الثانية ، وذكر مستند القائلين بالمشروعيّة.

الجهة الثانية

في بيان مدرك هذه القاعدة‌ :

فنقول :

أمّا مشروعيّة عباداته وأنّها شرّعت في حقّهم ـ غاية الأمر أنّها ليس بواجبة عليهم ، بل تكون مأمورة بالأمر الاستحبابي ـ فلوجوه :

الأوّل : شمول الأدلّة العامّة والمطلقات لهم ، فقوله تعالى {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ } [البقرة: 43] ، وقوله تعالى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وأمثالهما من العمومات والإطلاقات في أدلّة العبادات تشمل غير البالغين كشمولها للبالغين.

ولا مخصّص للعمومات ولا مقيّد للمطلقات عدا ما يتخيّل من قول علي عليه السلام « أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة : عن الصبيّ حتّى يحتلم ، وعن المجنون حتّى يفيق ، وعن النائم حتّى يستيقظ » (1).

وقد يدّعي أيضا انصراف تلك العمومات والإطلاقات إلى البالغين.

وفيهما : أمّا في دعوى الانصراف ، فإنّها لا تخلو عن مجازفة ، إذ لا شكّ في أنّ الشارع لم يتّخذ في مقام تبليغ أحكامه طريقا خاصّا ، بل يبلغ ويفهمهم على طريق‌ أهل المحاورة ، ولا شكّ في أنّ أهل المحاورة لا يفرقون في توجيه الخطاب وألفاظ المخاطبة بين البالغين ومن كان عمره أقلّ من عمر البالغ بساعة. بل يخاطبونهم على نسق واحد وبلفظ واحد ، فدعوى أنّ العمومات لا تشمل غير البالغين ، أو تكون منصرفة عنهم مجازفة محضة وبلا دليل ولا برهان.

وأمّا حديث رفع القلم الذي هو عمدة دليل القائلين بعدم شرعيّة عبادات غير البالغين ، فالإنصاف أنّه في مقام الامتنان واللطف والرأفة والرحمة ، فلا يدلّ على أزيد من رفع الإلزام. مثل قاعدة الحرج عند المشهور ، فإنّهم يقولون :

ببقاء الملاك وارتفاع الإلزام والوجوب للامتنان ، ولذلك يقولون : لو تحمّل الحرج وأتى به يكون صحيحا ومجزيا.

وأمّا عدم إجزاء حجّ الصبي عن حجّة الإسلام ، فلعلّه لخصوصيّة في حجّة الإسلام لا تحصل تلك الخصوصيّة إلاّ بأن يكون بالغا ، كما أنّه في اشتراط الحرّيّة أيضا كذلك ، فليس من جهة عدم مصلحة وملاك في حجّ غير البالغين كما توهّمه هذا القائل.

ولكن ربما يرد ها هنا إشكال ، وهو أنّه لا شكّ في أنّ مفاد حديث رفع القلم هو رفع الوجوب عن غير البالغين ، فإذا ارتفع الوجوب فلا دليل على استحباب ذلك الفعل ، لأنّ دليله كان مفاده الوجوب وهو ارتفع على الفرض ، فما الذي يدلّ على استحبابه في مقام الإثبات؟ وإن لم يكن دليل على عدم استحبابه أيضا ولكن صرف عدم الدليل على عدم استحبابه لا يكفي في الحكم باستحبابه ، فإثبات الاستحباب لا طريق إليه.

وفيه أوّلا : أنّه ربما يقال بأنّه يمكن إثباته بالاستصحاب ، بأن يقال بأنّ القدر الجامع بين الواجب والمستحب وهو مطلق الطلب وجد ، وبارتفاع الوجوب يشكّ في بقاء الجامع لاحتمال بقائه في ضمن الطلب الاستحبابي.

وفيه : أنّ هذا الاستصحاب من القسم الثالث من أقسام استصحاب الكلّي ، وأثبتنا في الأصول عدم جريانه.

وأمّا الإشكال عليه بأنّه على تقدير جريانه يكون مثبتا ، لأنّ إثبات خصوص فرد باستصحاب الجامع بعد زوال الفرد الذي وجد الجامع في ضمنه يقينا ، واحتمال وجود فرد آخر من أوّل الأمر أو من حين زوال ذلك الفرد المتيقّن الوجود يكون من إثبات اللازم العقلي بالحكم ببقاء الملزوم.

فلا يرد ، لأنّ في المقام لا يحتاج إلى إثبات خصوص الفرد ، أي الطلب الاستحبابي ، لأنّ الأثر مترتّب على نفس بقاء الجامع ، وهو الطلب المشترك بين الاثنين.

ولكن يمكن ها هنا تصوير الاستصحاب بنحو لا يكون من القسم الأوّل أو القسم الثاني من القسم الثالث اللذان أثبتنا عدم جريانها ، بل يكون من القسم الثالث من القسم الثالث من الاستصحاب الكلّي الذي قلنا بجريانه مع وحدة القضيّة المشكوكة مع المتيقّنة عرفا.

بأن يقال : إنّ الطلب الاستحبابي مرتبة من الطلب منطوية في الطلب الوجوبي ، فإذا ارتفعت تلك المرتبة الأكيدة من الطلب ـ المسمّى بالطلب الوجوبي ـ فيشكّ في بقاء تلك المرتبة الضعيفة التي كانت منطوية في المرتبة الأكيدة ، فيستصحب.

وأركان الاستصحاب تامّة من اليقين بوجود تلك المرتبة سابقا والشكّ في بقائه.

وفيه أنّ هذا المبنى ـ من كون الاستحباب مرتبة ضعيفة من الطلب ، منطوية في المرتبة الأكيدة المسمّى بالوجوب ـ غير تامّ.

وثانيا : أنّ مقتضى طبع الطلب الصادر من المولى هو الوجوب بحكم العقل بلزوم إطاعته ، إلاّ أن يأذن هو في الترك ، فالاستحباب ليس مقتضى طبع الطلب ، بل يستفاد من إذنه في الترك ، والإذن في الترك كما يحصل من نفس هذا العنوان إلى التصريح بجواز الترك ، كذلك يحصل بعناوين آخر ، مثل رفع العسر والحرج ، ومثل هذا العنوان ، أي‌ رفع قلم الإلزام ، ورفع القلم عن شخص أو طائفة مقابل ما كتب عليه أو عليهم.

فكما لا يفهم من العبارة الأخيرة غير اللزوم والوجوب ، فكذلك لا يفهم من الأولى إلاّ رفع الوجوب والإلزام والإذن في الترك ، فحديث رفع القلم بمنزلة الإذن في ترك الواجبات ، فقهرا يكون مفاد الأوامر الأوّليّة بعد ورود الإذن في الترك بتوسّط حديث الرفع هو الاستحباب.

لا أنّ حديث الرفع يرفع الخطاب الوجوبي من رأس ، كي تقول إذا ارتفع الخطاب الوجوبي بحديث رفع القلم عن الصبي فليس هناك آخر يستفاد منه الاستحباب.

هذا ، مضافا إلى أنّ هذا الإشكال مختصّ بالواجبات ولا تأتي في المستحبّات.

الثاني : العمومات التي دلّت على ترتّب الثواب على من صلّى ، أو صام ، أو حجّ ، أو أعطى زكاة ماله وأمثال تلك المذكورات من العبادات ، وهذه العمومات تشمل غير البالغين كشمولها للبالغين. ودعوى الانصراف إلى البالغين خروج عن ظاهر اللفظ بدون دليل عليه.

ولا شكّ في أنّ ترتّب الثواب على فعل من لوازم استحباب ذلك الفعل ، فهذه العمومات والإطلاقات تدلّ بالدلالة الالتزاميّة على استحباب تلك الواجبات على غير البالغين بعد القطع بعدم وجوبها عليهم.

الثالث : أنّ العقل مستقل بحسن بعض الواجبات ، كردّ الأمانة ، وحفظ النفس المحترمة ، ولا يفرق في حكم العقل بحسن ذلك الفعل واستحقاق الأجر والثواب عليه بين أن يكون للفاعل من العمر خمسة عشر سنة بالتمام ، أو كان ناقصا مقدار ساعة بل يوم بل شهر ، فكون الصبيّ غير البالغ مستحقّا للأجر والثواب على مثل ذلك الفعل ممّا يستكشف منه استحباب ذلك الفعل ، وبعدم القول بالفصل يثبت الاستحباب في سائر الواجبات أيضا.

مضافا إلى أنّه يثبت بهذا الدليل مشروعيّة عبادات الصبيّ في الجملة ، مقابل‌ السلب الكلّي الذي يدّعيه الخصم.

إن قلت : إنّ حديث رفع القلم يخصّص العمومات بغير الصبيّ من العاملين الممتثلين لتلك العبادات ، لأنّه إذا كان مفاد الحديث رفع قلم التكليف مطلقا ، سواء أكان وجوبا أو استحبابا ، فيرفع استحقاق الصبيّ غير البالغ للأجر والثواب من باب نفي اللازم بنفي الملزوم.

فجوابه : أنّ مفاد حديث رفع القلم ليس رفع التكليف مطلقا كما توهّم ، بل مفاده وظاهره رفع خصوص الإلزام والوجوب بالبيان المتقدّم.

الرابع : كمال الاستبعاد أن لا يستحقّ غير البالغ القريب إلى وصوله إلى البلوغ بزمان يسير كيوم مثلا أو أقلّ ، مع إتيانه بالصوم مثلا في نهار طويل من أيّام شهر رمضان وفي حرّ شديد مع كمال الإخلاص ، وهو يتحمّل الأذى قربة إلى الله تعالى، أو يمشي إلى الحجّ مثل هذا الصبيّ مخلصا لله تعالى راجلا مع كمال المشقّة ، ثمَّ يقال إنّ هذا لا يستحقّ شيئا من الأجر والثواب لأنّه لم يصل إلى حدّ البلوغ.

فالإنصاف أنّ القول بعدم استحقاق مثل هذا الولد في هذا العمر مع أنّه في كمال الشعور والإدراك ـ خصوصا إذا كان من أهل الفضل والتقوى ، بل ربما يتّفق أن يكون من الفقهاء ، كما يقال في حقّ بعض الفقهاء الكبار إنّه صار فقيها وبلغ إلى درجة الاجتهاد قبل أن يصير بالغا ـ خلاف الإنصاف ، بل خلاف الوجدان ، وكيف يمكن أن يقال مثل هذا ، مع أنه صلى الله عليه واله قال : « في كلّ كبد حرى أجر » (2).

هذا ، ولكن أنت خبير بأنّ هذا الوجه مع هذا التفصيل المذكور بالخطابة أشبه من كونه دليلا فقهيّا يكون مدركا للفتوى ، وذلك من جهة أنّه لو صدر عمل أشقّ ممّا ذكرنا من أكبر العلماء ، وكان إتيانه بعنوان أنّه من الدين بدون دليل عنده أنّه من‌ الدين ، يكون ذلك تشريعا محرّما ولا يستحقّ شيئا من الأجر والثواب ، بل يستحقّ اللؤم والعقاب. ففيما نحن فيه أيضا يقال : حيث أنّه لم يدلّ دليل على أنّ مثل ذلك الصوم أو مثل ذلك الحجّ مشروع ، فلو أتى به بعنوان العبادة وأنّه مشروع يكون تشريعا ، ولا يستحقّ عليه شيئا من الأجر والثواب.

ثمَّ إنّهم ذكروا ها هنا وجوها أخر لمشروعيّة عبادات الصبيّ غير البالغ ، تركنا ذكرها لكونها من الاستحسانيّات التي لا يصحّ جعلها مدركا للحكم الفقهي ، وفيما ذكرنا غنى وكفاية.

وما ذكرنا كان مدرك القول الأوّل القائلون بمشروعيّة عبادات الصبيّ غير البالغ كالبالغين ، وأنّ الواجبات أيضا في حقّهم مستحبّات.

وأمّا مدرك القول الثاني ـ أي عدم مشروعيّة عباداتهم أصلا وأنّ الشارع أهملهم كالبهائم والمجانين ـ هو عموم حديث رفع القلم عنهم للواجبات والمستحبّات ، فكما أنّ الوجوب مرفوع عنهم ، كذلك الاستحباب أيضا مرفوع ، لأنّه لا شكّ في أنّ قلم التكليف عامّ يشمل الأحكام الخمسة كلّها ، والنفي وارد على هذا المعنى ، فمعنى رفع القلم عنهم هو أنّ كلّما يكون مندرجا تحت عنوان قلم التكليف فهو مرفوع عنهم ، فرفع القلم مقابل وضع القلم.

فكما أنّ وضع القلم عند البلوغ معناه أنّ الأحكام الخمسة كلّها تكتب في حقّه ، فكذلك معنى رفع القلم عدم كتابة شي‌ء منها عليه، لا الوجوب ، ولا الاستحباب ، ولا الحرمة ، ولا الكراهة ، حتّى ولا الإباحة بعنوان أنّه حكم شرعي ، فمع رفع القلم عنه وعن أفعاله لا يبقى مجال للقول بمشروعيّة عباداته واستحبابها ، ولذلك ترى أنّ العرف إذا يقولون : إنّ فلانا مرفوع القلم ، أي لا اعتبار بأقواله ولا بأفعاله ، أي حاله حال البهائم.

والإنصاف أنّ الحديث وإن كان ظاهره بحسب المتفاهم العرفي هو هذا المعنى ، ولكن القرائن المقاميّة تدلّ على أنّ المراد منها هو خصوص الأحكام الإلزاميّة ، كالوجوب والحرمة ، لا مطلق الأحكام لكي يشمل الاستحباب والكراهة ، بل الإباحة الشرعيّة ، وذلك لما ذكرنا من أنّه تبارك وتعالى في مقام الرحمة والرأفة بالعباد ، وأنّ الصبيّ غير البالغ غالبا لا يميّز بين الضرر والنفع ، ولا يعتني بأنّ ترك الواجب وفعل الحرام مجلبة للضرر. لقصور عقله ، أو لغلبة شهواته الحيوانيّة.

ولذلك رفع المؤاخذة والعقاب عنه برفع منشئهما ، وهو الحكم الإلزامي ، أي الوجوب والحرمة.

وأمّا الروايات في عدم جواز أمره حتّى يحتلم (3).

وأيضا ما ورد من أنّ عمده خطأ فأجنبيّ عن هذا المقام ، لأنّ الطائفة الأولى راجعة إلى عقوده وإيقاعاته ، وسائر معاملاته وإن لم يكن يعقد أو إيقاع ، كمعاملاته المعاطاتيّة.

والطائفة الثانية راجعة إلى باب الجنايات ، لأنّها ظاهرة فيما يكون لعمده حكم ولخطائه حكم ، فقال عليه السلام في رواية إسحاق بن عمّار : « عمد الصبيان خطأ » (4) أي حكم المترتّب على ما صدر عنه عمدا هو حكم هذا الفعل لو كان يصدر من البالغ خطا ، ولذلك قال عليه السلام بعد هذه الجملة جملة أخرى ، وهي قوله عليه السلام : « يحمل على العاقلة ». فالقول بعدم مشروعيّة عبادات غير البالغين لا أساس له ، وإن كان يظهر من جماعة من أعاظم الفقهاء رضوان الله تعالى عليهم أجمعين.

وأمّا مدرك القول الثالث وهو أنّها شرعيّة لا من حيث عناوينها الأصليّة ، أي ليست الصلاة مثلا مشروعة ومستحبّة من حيث أنّها صلاة ، وكذلك في الصوم والحجّ وسائر العبادات الواجبة ليس مشروعيّتها من تلك العناوين أنفسها ، بل من حيث‌ القعود وتمرين النفس على إتيانها ، فكان للصلاة مثلا جهتين : جهة الصلاتيّة التي هي عنوان أوّلى لها ، وجهة التمرن بإتيانها كي لا يشقّ عليه بعد البلوغ إتيانها.

فالمدّعى بناء على هذا القول الثالث ليس هو مشروعيّة الصلاة من حيث أنّها صلاة ، بل مشروعيّتها من حيث حصول التمرين والتعوّد على أداء الواجبات بإتيانها ، ففي الحقيقة موضوع الاستحباب ليس هو نفس الصلاة ، بل موضوع الاستحباب هو التمرين الذي يحصل بإتيان الصلاة في كلّ يوم في وقتها ، فهو مركب ـ أي القول الثالث ـ من أمرين :

أحدهما : عدم مشروعيّة العبادات من حيث عناوينها الأصليّة.

وفي هذا الأمر دليلهم دليل القول الثاني ، وجوابهم عين ذلك الجواب.

ثانيهما : استحباب تلك العبادات ومشروعيّتها من حيث حصول التمرين بإتيانها.

ودليلهم في هذا الأمر الأخبار الكثيرة التي مفادها استحباب التمرين والتعوّد (5) ‌.

وفيه : أنّ دليل رفع القلم لو شمل المستحبّات ، فهذا الاستحباب أيضا مرفوع عنهم ، فهذا التفصيل لا وجه له.

نعم الأخبار الكثيرة واردة في أنّه على الوليّ أن يأمره بإتيان الواجبات لمصلحة التمرين (6) ، فيستحبّ أو يجب على الوليّ الأمر لمصلحة التمرين لا على الصبيّ.

فلا يخلو الأمر عن أحد هذين : وهو أنّ حديث رفع القلم مفاده إمّا رفع جميع‌ الأحكام حتّى المستحبّات ، فلا فرق بين أن يكون موضوع الاستحباب نفس عناوين العبادات ، أو يكون التعوّد والتمرين على إتيان تلك العبادة ، فلا يستحبّ على الصبيّ شي‌ء بأيّ عنوان كان. وأمّا مفاده رفع خصوص الإلزام ووجوب الفعل أو الترك ، فنفس هذه العناوين مستحبّات.

وقد تقدّم التفصيل ، فظهر أنّ القول الثالث لا وجه له.

الجهة الثالثة

في بيان موارد تطبيق هذه القاعدة ، والفروع المترتّبة عليها‌ :

فنقول :

الأوّل : الطهارات الثلاث ، فبناء على القول بالمشروعيّة تكون مستحبّة على غير البالغ بعد دخول وقت الصلاة ، لأنّها واجبة على البالغين في ذلك الوقت ، كما أنّه بناء على القول باستحبابها في أنفسها تكون أيضا مستحبّة على غير البالغين.

وفي كلتا الصورتين له أن يأتي بها بقصد أمرها الاستحبابي ، غاية الأمر في إحديهما بعد دخول الوقت ، وفي الأخرى وإن كان قبل دخول الوقت.

الثاني : في تجهيز الميّت من الغسل ، والكفن ، والصلاة عليه ، ودفنه بعد الصلاة عليه ، فبناء على المشروعيّة يستحبّ عليه هذه الأمور ، وإن كان على البالغين واجبا كفائيّا ، فيجوز له أن يتصدّى ويرفع موضوع الوجوب عن البالغين.

وأمّا بناء على عدم المشروعيّة فليس له أن يجهز الميّت وإن كان أباه أو أمّه.

الثالث : المستحبّات من الأفعال والأذكار الواردة في الطهارات الثلاث قبلها وبعدها وفي حين الاشتغال بها ، فبناء على المشروعيّة يستحبّ كلّ ذلك على الصبيّ غير البالغ أيضا كالبالغين ، وكذلك الحال في مستحبّات تجهيز الميّت.

الرابع : الأذان والإقامة قبل الصلاة مستحبّ عليه قبل الدخول في الصلاة ، وكذلك أذان الإعلام بناء على المشروعيّة ، وليس شي‌ء منها مستحبّا بناء على عدم المشروعيّة.

وكذلك نفس الصلاة مع مستحبّاتها الكثيرة ـ التي كتب الشهيد فيها كتاب الألفيّة والنفليّة ـ مستحبّة في حقّه بناء على مشروعيّة عباداته ، ولا يستحبّ شي‌ء منها بناء على عدم المشروعيّة.

وكتاب الألفيّة مشتمل على ألف واجب ، وكتاب النفليّة مشتمل على ما يزيد ثلاثة آلاف من المستحبّات ، فجميع هذه الأربعة آلاف أو أكثر من واجبات الصلاة ومستحبّاتها مستحبة على الصبيّ غير البالغ بناء على المشروعيّة ، فله أن يأتي بها بقصد أمرها الندبي.

وذكرها وبيان مدرك وجوبها واستحبابها خارج عن طور هذا الكتاب ، وقد أتعب الشهيد الأوّل نفسه في استقصائها وذكرها في كتابيه ، وشرحهما الشهيد الثاني أحسن شرح ، فلا حاجة إلى ذكرها.

والغرض ها هنا بيان أنّ هذه القاعدة ـ أي قاعدة مشروعيّة عبادات الصبيّ غير البالغ ـ من أكبر القواعد الفقهية وأكثرها فرعا.

الخامس : الحجّ نفسها وواجباتها ومستحبّاتها الكثيرة التي بعد الصلاة لا يماثلها في كثرة الواجبات والمستحبّات عبادة ، فجميعها مستحبة في حقّ الصبيّ ، ويثاب ويوجر على الإتيان بها بناء على القول بمشروعيّة عبادات الصبيّ كما هو المختار.

وأمّا بناء على عدم المشروعيّة فلا يستحبّ شي‌ء منها عليه.

السادس : الصوم ، واجباته ومستحبّاته مستحبّة على غير البالغ بناء على المشروعيّة ، كما أنّ الاعتكاف أيضا كذلك. وأمّا بناء على عدم المشروعيّة فلا يستحبّ شي‌ء منها عليه ، وواجبات الصوم ومستحبّاته كثيرة ، وكذلك الاعتكاف.

ثمَّ إنّه بناء على ما اخترنا في معنى حديث رفع القلم عن الصبيّ من أنّ المراد برفع‌ القلم رفع الأحكام الإلزاميّة كالوجوب والحرمة ، فالمكروه أيضا كالمستحبّ ليس مرفوعا عنه ، فبناء على هذا لو صام في شهر رمضان استحبابا ، أو في غيره من الأزمنة التي يكون الصوم فيها مستحبّة ، وهو كلّ أيّام السنة إلاّ المنهيّ عنه ، والمؤكّد منها أيّام خاصّة ، كصوم أيّام الليالي البيض ، ويوم الغدير وصوم ثلاثة أيّام من كلّ شهر ، وهو أوّل خميس منه ، وآخر خميس منه ، وأوّل أربعاء من العشر الثاني ، ويوم السابع عشر من ربيع الأوّل ، ويوم السابع والعشرون من رجب ، ويوم دحو الأرض ـ وهو اليوم الخامس والعشرون من ذي العقدة ـ إلى غير ذلك من الأيّام التي يستحبّ فيها الصوم ، فالمكروهات في حال الصوم مكروه في حقّه ، كالاكتحال والسعوط وشمّ الرياحين وغير ذلك.

كما أنّ أقسام الصوم المكروه كصوم يوم عاشوراء بناء على كراهته أيضا مكروه عليه ، كما أنّه لو صار جنبا بإدخاله في امرأة قبلا أو دبرا ، أو إدخال الغير فيها قبلا أو دبرا يكره عليه كلّ ما يكره على الجنب.

والحاصل : أنّ المكروهات كالمستحبّات غير مرفوع عنه ، فتكون في حقّه مكروها كالبالغين ، إلاّ أن يكون دليل الكراهة مخصوصا بالبالغين ، وذلك كالملاعبة مع زوجته في حال الصوم خوفا من الإنزال ، فهذا التعليل يوجب اختصاص هذا الحكم بالبالغين.

ثمَّ إنّه بناء على مشروعيّة عبادات الصبيّ غير البالغ المميّز لا وجه للقول بعدم جواز استيجاره للصلاة ، أو الصوم ، أو الحجّ عن الميّت ، بناء على ما هو المفروض من كون فعله ذا ملاك تامّ كالبالغين ، وإنّما ارتفع اللزوم إرفاقا ورأفة بهم ، فيمكن للصبيّ المميّز أن ينوب عن الميّت ، ويأتي بما على عهدته ، ويفرغ ما في ذمّته ، لأنّه لا خلل ولا نقصان في فعله.

فعدم الجواز وعدم الإجزاء لا يبقى له مجال ، ولو كان دليل على اشتراط البلوغ‌ في صحّة عبادة لكان تعبّدا يجب الالتزام ، ولكنّه ليس في البين إلاّ حديث رفع القلم ، وحديث أنّ عمده خطأ ، ورواية أنّ جوازه أمره موقوف على الاحتلام ـ أي البلوغ ـ وقد عرفت الحال في هذه الأحاديث.

فالأقوى جواز استيجاره للعبادات التي يمكن النيابة فيها ، وإنّ الأحوط تركها ، خروجا عن مخالفة جمع كثير من أعاظم الفقهاء .

وأمّا نذره أن يفعل ما هو عبادة غير مالي ، فأيضا بناء على مشروعيّة عباداته ، فبمقتضى القواعد الأوّليّة ينبغي أن يقال بصحّته ، ولكن لا قائل بها ، بل الظاهر انعقاد الإجماع على اشتراط البلوغ في صحّة النذر.

مضافا إلى أنّه يمكن أن يقال : إنّ من لوازم صحّة النذر وجوب الوفاء به ، لقوله تعالى { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } [الإنسان: 7] فإذا لم يكن وجوب الوفاء في مورد فلا يصحّ النذر في ذلك المورد ، لانتفاء الملزوم بانتفاء اللازم المساوي.

ولكن يمكن الجواب عن هذا بأنّ النذر لازمه أن يمكن الوفاء به ، ولذلك لا يجوز نذر ما لا يقدر عليه ، كما إذا نذر أن يحجّ ماشيا مع عدم قدرته على ذلك.

وأمّا وجوب الوفاء ، فهذا من الأحكام الشرعيّة التي رتّب الشارع عليه ، فمن الممكن أن يرفع الشارع هذا الحكم رأفة وامتنانا في بعض الموارد ، فالعمدة في وجه بطلان نذر الصبيّ غير البالغ هو الإجماع لا غير.

والحمد لله أوّلا وآخرا ، وظاهرا وباطنا.

_________________

(*) « خزائن الأحكام » ش 23 ، « القواعد الفقهيّة » ( فاضل لنكرانى ) ج 1 ، ص 344.

(1) « الخصال » ص 40 و175 ، باب الثلاثة ، ح 40 و233 ، « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 32 ، أبواب مقدمة العبادات ، باب 4 ، ح 11.

(2) « مسند أبي يعلى الموصلي » ج 3 ، ص 137 ، ح 1568 ، « المعجم الكبير للطبراني » ج 20 ، ص 323 ، ح 763 ، « السنن الكبرى للبيهقي » ج 4 ، ص 186 ، باب ما ورد في سقي الماء.

(3) « الكافي » ج 7 ، ص 197 ، باب حد الغلام والجارية اللذين يجب عليهما الحد تماما ، ح 1 ، « السرائر » ج 3 ، ص 596 ، المستطرفات ، « وسائل الشيعة » ج 12 ، ص 268 ، ح 22750 ، أبواب عقد البيع ، باب 14 ، ح 1.

(4) « تهذيب الأحكام » ج 10 ، ص 233 ، ح 921 ، في باب ضمان النفوس وغيرها ، ح 54 ، « وسائل الشيعة » ج 19 ، ص 307 ، ح 35835 ، أبواب العاقلة ، باب 11 ، 3.

(5) « الخصال » ص 626 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 381 ، ح 1590 ، (18) باب الصبيان متى يؤمرون بالصلاة ، ح 7 ، « الاستبصار » ج 1 ، ص 409 ، ح 1563 ، باب الصبيان متى يؤمرون بالصلاة ، ح 5 ، « وسائل الشيعة » ج 3 ، ص 11 ، أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، باب 3 ، ح 1 ـ 8.

(6) « الكافي » ج 3 ، ص 409 ، باب صلاة الصبيان ومتى يؤخذون بها ، ح 1 ، « الفقيه » ج 1 ، ص 281 ، ح 863 ، باب الحد الذي يؤخذ فيه الصبيان بالصلاة ، ح 3 ، « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 381 ، ح 1590 ، (18) باب الصبيان متى يؤمرون بالصلاة ، ح 7 ، « وسائل الشيعة » ج 3 ، ص 11 ، أبواب أعداد الفرائض ، باب 3 ، ح 1 ـ 5 ـ 6 ـ 7 ـ 8.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.