المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7459 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
ونواقض الوضوء وبدائله
2024-05-02
معنى مثقال ذرة
2024-05-02
معنى الجار ذي القربى
2024-05-02
{واللاتي‏ تخافون نشوزهن}
2024-05-02
ما هي الكبائر
2024-05-02
شعر لأحمد بن أفلح
2024-05-02

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قاعدة « نفي العسر والحرج » (*)  
  
2061   07:45 صباحاً   التاريخ: 20-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج1 ص249 - 267.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / لا حرج - نفي العسر و الحرج /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-9-2016 1934
التاريخ: 11/9/2022 956
التاريخ: 5/9/2022 1524
التاريخ: 20-9-2016 2062

من جملة القواعد الفقهيّة القاعدة المشهورة المعروفة بقاعدة « نفي العسر والحرج ».

والتكلّم فيها من جهات ثلاث :  

الجهة الأولى : في الدليل عليها‌ :  

فنقول : الأوّل : الآيات :

منها : قوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78].

وأيضا قوله تعالى {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } [المائدة: 6] .

وأيضا قوله تعالى {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [البقرة: 185] .

وأيضا قوله تعالى {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] .

هذه الآيات تدلّ دلالة واضحة على أنّ الله تبارك وتعالى لم يجعل في دين الإسلام أحكاما حرجيّة ، بحيث يكون امتثال أحكامه وإطاعة أوامره ونواهيه شاقّا وحرجا على المسلمين والمؤمنين بهذا الدين ، سيّما بملاحظة استدلال الإمام عليه السلام ببعض هذه الآيات على رفع الأحكام الحرجيّة ، حيث قال عليه السلام : « هذا وأمثاله يعرف من كتاب الله امسح على المرارة ما جعل الله ( عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ).

وأمّا الروايات :

فمنها : ما عن الكافي ، والتهذيب ، والاستبصار : أحمد بن محمّد ، عن ابن محبوب ، عن عليّ بن الحسن بن رباط ، عن عبد الأعلى مولى آل سام قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : عثرت فانقطع ظفري فجعلت على إصبعي مرارة ، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال عليه السلام « يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عزّ وجلّ ، قال الله عزّ وجلّ : ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) امسح عليه. (1)

وقد روى الطبري عن ابن عباس في تفسير هذه الآية : « ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي ) الإسلام من ضيق ، هو واسع » (2).

وقد نسب في مجمع البيان هذا المعنى إلى جميع‌ المفسّرين. (3)

وعن التهذيب عن ابن سنان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن الجنب يجعل الركوة (4) أو التور (5) فيدخل إصبعه فيه؟ قال عليه السلام : « إن كانت يده قذرة فأهرقه ، وإن كان لم يصبها قذر فليغتسل منه ، هذا مما قال الله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (6).

وعن التهذيب ، والكافي ، والاستبصار : عن ابن مسكان قال : حدّثني محمّد بن ميسر قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل الجنب ينتهي إلى الماء القليل في الطريق ويريد أن يغتسل منه وليس معه إناء يغرف به ويداه قذرتان؟ قال : « يضع يده ويتوضّأ ثمَّ يغتسل ، هذا ممّا قال الله تعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (7).

وأيضا عن التهذيب ، والاستبصار عن أبي بصير قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام إنّا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية ، فتكون فيه العذرة ، ويبول فيه الصبي ، وتبول فيه الدواب وتروث؟ فقال عليه السلام : « إن عرض في قلبك منه شي‌ء فقل هكذا : يعني افرج الماء بيدك ثمَّ توضّأ فإنّ الدين ليس بمضيق ، فإنّ الله عزّ وجلّ يقول ( وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (8).

وعن التهذيب ، والكافي عن فضيل بن يسار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال في الرجل الجنب يغتسل فينتضح من الماء في الإناء ، فقال عليه السلام : « لا بأس ، ما جَعَلَ الله‌ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ » (9).

وفي رواية حمزة بن طيار : « وكل شي‌ء أمر الناس به فهم يسعون ، وكلّ شي‌ء لا يسعون فهو موضوع عنهم » (10).

وفي صحيحة البزنطي : أنّ أبا جعفر عليه السلام كان يقول : « إنّ الخوارج ضيّقوا على أنفسهم بجهالة ، وإن الدين أوسع من ذلك » (11).

وقوله عليه السلام : « بعثت على الشريعة السمحة السهلة » (12).

وهناك روايات كثيرة تدلّ على عدم جعل الحكم الحرجي وما يوجب العسر والضيق على الأمّة ، تركنا ذكرها لكفاية ما ذكرنا لإثبات هذه القاعدة.

وأمّا الإجماع : على اعتبار هذه القاعدة فممّا لا اعتبار به ، لأنّ الإجماع الذي بنينا على اعتباره هو أن لا يكون في المسألة مدرك آخر يمكن ويحتمل أن يكون اتّكاء المجمعين عليه ، ففي هذه المسألة التي لها هذه المدارك من الكتاب العزيز لا وجه للتمسّك بالإجماع.

وأمّا الدليل العقلي : فغاية ما يمكن أن يقال هو أنّ التكليف بما يوجب العسر والضيق على الأمة ويكون ذلك التكليف فوق طاقتهم قبيح ، والقبيح محال صدوره من الله جلّ جلاله.

ولكن أنت خبير بأنّ تكليف ما لا يطاق بمعنى عدم القدرة على امتثاله وإن كان‌ قبيحا عقلا بل يكون ممتنعا عقلا ـ بناء على ما حقّقنا في محلّه من أنّ حقيقة الأمر والنهي هو البعث إلى أحد طرفي المقدور أو الزجر عنه كذلك ـ فالتكليف بما لا يطاق بهذا المعنى لا يمكن ، لا أنّه ممكن وقبيح.

ومثل هذا المعنى ليس مفاد قاعدة لا حرج ؛ لأن ظاهر أدلّة نفي الحرج ـ آية ورواية ـ أنّه تبارك وتعالى في مقام الامتنان على هذه الأمّة ، ولا امتنان في رفع ما لا يمكن جعله ووضعه ، أو يكون وضعه قبيحا ، مع أنّه حكيم لا يمكن أن يصدر منه فعل السفهاء.

فمعنى عدم الحرج في الدين هو عدم جعل حكم يوجب الضيق على المكلّفين ، وبهذا المعنى فسر الحرج في جميع التفاسير من العامّة والخاصّة.

ومثل هذا المعنى ليس دليل على امتناعه أو قبحه ولكنّ الله تبارك وتعالى لطفا وكرما لم يجعل الأحكام الحرجيّة بالنسبة إلى جميع العباد ، أو بالنسبة إلى خصوص هذه الأمّة المرحومة كرامة لنبينا صلى الله عليه واله.

ويشهد بالمعنى الثاني ـ أي اختصاص رفع الأحكام الحرجيّة بهذه الأمّة ـ قوله صلى الله عليه واله « بعثت بالحنيفيّة السمحة السهلة » (13).  

وقوله تعالى {وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] والإصر : الجمل الثقيل الذي يحبس صاحبه مكانه لثقله ، والمراد التكاليف الشاقّة التي كلّف الله تعالى بها الأمم السابقة من التشديدات ، وقد عصم الله هذه الأمّة من أمثال ذلك ، وأنزل في شأنهم {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف: 157] .

فهذه الآية الكريمة مع الحديث الشريف تدلّ دلالة واضحة على أنّ رفع الأحكام‌ الحرجيّة مخصوص بهذه الأمّة كرامة لنبيّنا صلى الله عليه واله ، فلا يمكن أن يكون المراد من الحرج عدم القدرة والطاقة والعجز عن الامتثال بمثابة يكون تكليفه في تلك الحالة قبيحا أو غير ممكن ، فلا شكّ في أنّ المراد من التكاليف والأحكام الحرجيّة ـ ولو كانت وضعيّة ـ هو أن يكون الحكم المجعول من طرف الشارع موجبا للضيق والعسر على النوع أو على الشخص ؛ لأنّه قد يكون العسر النوعي موجبا لرفع الحكم ولو كان بالنسبة إلى بعض الأشخاص غير حرجي ، فيكون الحرج من قبيل الحكمة لا العلّة.  

ولعلّه يكون من هذا القبيل رفع وجوب الغسل ووجوب التيمّم في قوله تعالى في آية التيمّم {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] فالله تبارك وتعالى رفع وجوب الغسل وشرع التيمم ولو كان تحصيل الماء مع المشقّة ممكنا.

والحاصل : أنّه لا شكّ في دلالة هذه الآيات وهذه الروايات المستفيضة على عدم جعل الأحكام الحرجيّة في الدين الحنيف الإسلامي ، وقد ذكرنا قوله صلى الله عليه واله : « بعث بالحنيفيّة السمحة السهلة ».

نعم هاهنا إشكال معروف ، وهو أنّه لا شكّ في وجود أحكام شاقّة في هذا الدين الحنيف ، كالجهاد وعدم جواز الفرار عن الزحف ، والصوم في شهر رمضان خصوصا في أيّام الصيف ، وأمثال ذلك من الأحكام التي هي شاقّة على نوع المكلّفين.

ولكن أنت خبير بأنّه ربما تكون مصلحة فعل ، أو ترك ، أو مصلحة إثبات حكم وضعي ، أو رفعه بمثابة من الأهميّة بحيث يكون عدم جعل ذلك الحكم التكليفي أو الوضعي خلاف اللطف والامتنان ، سواء أكانت تلك المصلحة شخصيّة أو نوعيّة ؛ لأنّ الشارع قد يلاحظ مصلحة النوع ولو لم تكن للشخص مصلحة أصلا أو لم تكن ملزمة ، ومع ذلك يكلّف الشخص بذلك الفعل مراعاتا وحفظا لمصلحتهم.

وبعبارة أخرى : رفع الأحكام الحرجيّة أو عدم جعلها ، يكون من باب الامتنان‌ واللطف ، فإذا كان الرفع وعدم الجعل خلاف الامتنان وخلاف المصلحة الشخصيّة أو النوعيّة ، فلا بدّ وأن يجعل ذلك الحكم ولو كان فيه ضيق وعسر ، وإلاّ تفوت تلك المصلحة الشخصيّة أو النوعيّة ، وهذا خلاف اللطف ؛ هذا في مقام الثبوت.

وأمّا في مقام الإثبات فلا بدّ وأن ينظر إلى ذلك الحكم الحرجي ، فإن كان حرجيّا لجميع المكلّفين ودائما وفي جميع الأوقات ، أو نوعيا وإن لم يكن حرجيّا في حقّ شرذمة قليلة من الناس ، فمن ذلك يستكشف أهميّة الملاك بحيث لم يرض الشارع بفعله أو بتركه وطلب الفعل ، كما في الجهاد والحج ، أو الترك كما في الصوم وإن كانا حرجيّين.

وأمّا إذا لم يكن حرجيّا إلاّ لبعض الأشخاص ، أو في بعض الأوقات ، أو في بعض الحالات ففي مثل هذه الموارد يتمسّك لرفعها بقاعدة نفي الحرج.

وبعبارة أخرى : الحكم المجعول بعنوان عامّ إذا كان بعض مصاديقها حرجيّا يرتفع عن تلك المصاديق بأدلّة نفي العسر والحرج ، مثلا الوضوء واجب للصلاة ، فإذا كان البرد شديدا قارصا وكان الوضوء في ذلك البرد حرجيّا يرتفع الوجوب بأدلّة نفي العسر والحرج.  

والمسح على للبشرة واجب ، فإذا كان حرجيّا بواسطة وضع المرارة عليها فيرتفع الوجوب. وعلى هذه المذكورات فقس ما سواها.

الجهة الثانية : في مفاد هذه القاعدة ومضمونها‌ :  

فنقول : مفادها مضمونها رفع الحكم الذي هو حرجي ، سواء أكان تكليفا أو وضعا ، فيكون مساقها مساق لا ضرر ـ بناء على ما حقّقنا في معناها ـ تبعا للشيخ الأعظم الأنصاري (14) أنّ المرفوع والمنفي هو نفس الحكم الضرري ، لا أنّ النّفي بمعنى‌ النهي ، كما أصرّ عليه شيخ الشريعة الأصفهاني (15) ولا أنّه من قبيل رفع الحكم برفع الموضوع ، كما ذهب إليه صاحب الكفاية (16) ولا أنّ المنفي هو الضرر غير المتدارك ، كما ذهب إليه بعض.

والأمر هاهنا أوضح من تلك القاعدة ؛ لأنّه في هذه القاعدة صريح القرآن العظيم عدم جعل الأحكام الحرجيّة في قوله تعالى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [الحج: 78] بخلاف قاعدة لا ضرر ، فإنّ ظاهر الحديث الشريف هو نفي الضرر لا الحكم الضرري ، إلاّ بقرائن ذكرنا هناك.

من نفي العسر والضيق والحرج في هذا الدين الحنيف مقابل السعة والسهلة والسمحة أنّ الله تبارك وتعالى في هذا الدين ـ الذي هو عبارة عن مجموع الأحكام المتعلقة بأفعال المكلّفين أو

الموضوعات الخارجيّة ، كبعض الأحكام الوضعيّة كالطهارة والنجاسة والولاية والحرّية وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الأدلّة نفي الحرج والضرر حكومة واقعيّة في جانب المحمول ـ أي الأحكام الأوّلية المحمولة على موضوعاتها ـ بالتضييق ، ولذلك تقدّم أدلّة نفي العسر والحرج كأدلّة الضرر على الأدلّة الأوّلية ولا تلاحظ النسبة بينهما ، كما هو شأن الحاكم والمحكوم.

وخلاصة الكلام في المقام : أنّ المراد والرقيّة والزوجيّة وأمثال ذلك ـ لم يجعل حكما ينشأ من قبله الحرج والضيق والعسر ، بل هذا الدين والشريعة سمحة سهلة ، والناس أي المتدينين بهذا الدين في سعة من قبل أحكامه ؛ ولذلك قال عليه السلام : « إنّ الخوارج ضيقوا على أنفسهم بجهالة ، وإنّ الدين أوسع من ذلك » .

وبهذا المعنى وردت روايات كثيرة فوق حدّ الاستفاضة.

وليس المراد من نفي الحرج نفى الحكم بلسان نفى الموضوع ، كما قيل ذلك في لا ضرر ، وإن كان التحقيق خلافه حتّى هناك، ولو كان لهذا التوهّم وجه هناك ـ أي في قاعدة لا ضرر ـ ولكن لا وجه له هاهنا أصلا ؛ لأنّ ذلك مفاد الآية الشريفة ابتداء وأوّلا وبالذات نفى جعل الحرج في الدين ، ولا شكّ في أنّ المراد بالجعل الذي نفاه الله تبارك وتعالى هو الجعل التشريعي لا الجعل التكويني ، والمراد من الدين هي الأحكام المجعولة من قبل الشارع المسمّاة بالأحكام الفقهيّة من الطهارات إلى الديات ، فلا يبقى شكّ في أنّ المنفي هو نفس الحكم الذي ينشأ من قبله الضيق والحرج ، لا أنّه تعالى ينفى الحكم الحرجي بلسان نفى موضوع ، ذلك الحكم ، أي الموضوع الذي هو حرجي أي الوضوء في البرد الشديد مثلا ، أو المسح على البشرة فيما إذا وضع عليها المرارة إذا كان نزعها صعبا.

والثمرة بين الوجهين نذكرها في الجهة الثالثة إن شاء الله تعالى.

الجهة الثالثة : في موارد تطبيق هذه القاعدة‌ :

ومواردها كثيرة لا يمكن إحصاؤها ؛ لأنّ أغلب الأحكام الإلزاميّة سواء أكانت من الواجبات أو من المحرّمات قد يصير في بعض الأحيان حرجيّا ، فتكون تلك الأحكام الحرجيّة مشمولة لقاعدة لا حرج.  

وقد أشرنا إلى موردين منها أحدهما : الوضوء في البرد الشديد.

والثاني : المسح على البشرة فيما إذا وضع عليها المرارة لوقوعه وانقطاع ظفره.

ونذكر جملة أخرى :

منها : فيما إذا اغتسل من الجنابة من إناء ، وينضح من ماء غسله بواسطة وقوعه على الحجر الصلب أو صلب آخر في الإناء ، فقال عليه السلام : « لا بأس ما جعل عليكم في‌ الدين من حرج ».

وجريان القاعدة في هذا المقام مبتن على عدم جواز الاغتسال بالماء المستعمل في رفع الحدث الأكبر حتّى بالنسبة إلى تلك القطرات التي تنضح في الإناء من ماء غسله.

ومنها : فيما إذا كان الاحتياط بالجمع بين المحتملات فعلا أو تركا حرجيا ، فيرتفع وجوبه بهذه القاعدة. وعلى هذا بنى صاحب الكفاية في جواز ارتكاب بعض الأطراف أو جميعها في الشبهة غير المحصورة التحريميّة وفي جواز ترك بعض الأطراف أو جميعها في الشبهة غير المحصورة الوجوبيّة. (17) ‌

وبعبارة أخرى : جواز المخالفة الاحتماليّة أو القطعيّة في الشبهة غير المحصورة ، وعدم وجوب الاحتياط فيها مستندا إلى هذه القاعدة.  

وقال بأنّ المناط في كون الشبهة غير محصورة هو أن يكون الاحتياط في أطرافها موجبا للعسر والحرج ، فيما إذا كان عسر الاحتياط ناشئا من كثرة الأطراف.

وإلى هذا يرجع ما ذكره في مقدّمات دليل الانسداد وإنكار وجوب الاحتياط بالجمع بين المحتملات بإتيان مظنون الوجوب ـ مشكوكه وموهومة ـ وترك مظنون الحرمة ومشكوكها وموهومها بأنّ هذا الاحتياط يوجب العسر والحرج بل اختلال النظام فبواسطة هذه القاعدة أنكروا وجوب الاحتياط.

وقد أورد هاهنا على الاستدلال بهذه القاعدة لرفع وجوب الاحتياط والجمع بين المحتملات بحكم العقل ، من باب لزوم القطع بالامتثال إمّا وجدانا وأمّا تعبدا ، واليقين بفراغ الذمّة ومفاد قاعدة الحرج كما بيّنا هو رفع الحكم الشرعي إذا كان حرجيّا لا الأحكام العقليّة.

ولكن أجبنا عن هذا الإشكال في محلّه أنّه بناء على ما اخترنا في مفاد القاعدة‌ من أنّه عبارة عن رفع كلّ حكم شرعي يكون منشأ للحرج والعسر والضيق ، ولا شكّ في أنّ العسر والحرج الذي في الاحتياط آتية من قبل تلك الأحكام الواقعيّة المجهولة وإن كان الاحتياط بحكم العقل.

نعم لو قلنا بأنّ مفاد هذه القاعدة رفع الحكم الحرجي برفع موضوعه ، فلا مدفع لهذا الإشكال ؛ لأنّه ليس للاحتياط حكم شرعي حتّى يرتفع برفع موضوعه.

وهذه هي الثمرة بين القولين ، أي القول بأنّ مفاد لا ضرر ولا حرج رفع الحكم بلسان رفع موضوعه ، كما ذهب إليه صاحب الكفاية أو رفع الحكم الذي ينشأ منه الضرر والحرج ، كما اخترناه فبناء على الوجه الأوّل لا حكومة لأدلّة نفى العسر والحرج على الاحتياط العقلي في أطراف العلم الإجمالي إذا كان موجبا للعسر والحرج ، وأمّا بناء على الوجه الثاني فحيث أنّ الحرج والعسر بالآخرة ينتهيان إلى الحكم الشرعي وإن كان من جهة الجمع بين محتملاته بحكم العقل ، فيكون مشمولا للقاعدة.

وهذا هو الذي قلنا إنّ الثمرة بين الوجهين نذكرها في الجهة الثالثة.

ثمَّ إنّ هاهنا أمران يجب التنبيه عليهما‌ :

[ الأمر ] الأوّل : إنّه لو تحمّل المكلّف باختيار نفسه الحرج والمشقة ، وأتى بالعبادة التي فيها المشقّة ، سواء كان تمام العبادة أو جزؤها أو شرطها أو مانعها ، مثلا في البرد الشديد توضّأ أو في الحرّ الشديد في الصيف مع أنّ النهار طويل صام مع أنّه مجبور بالعمل في الشمس ، أو في البرد الشديد نزع اللباس من غير المأكول وأمثال ذلك هل تكون عبادته صحيحة ، أم لا ، بل تكون باطلة ؛ لأنّ في الأوّل كانت وظيفته التيمّم ، وفي الثاني كانت وظيفته الإفطار ، وفي الثالث كانت وظيفته الصلاة مع غير المأكول أو الحرير أو الذهب مثلا أو غيرها من الموانع؟

ذهب شيخنا الأستاذ إلى بطلان العبادة وقال : كما أنّ الوضوء والغسل والصوم والصلاة مع نزع غير المأكول أو نزع الحرير إذا كانت ضرريّة تبطل ، فكذلك فيما إذا كانت هذه المذكورات حرجيّة. وذلك من جهة أنّ مساق القاعدتين ـ أي قاعدة الضرر وقاعدة الحرج ـ واحد ، إذ في موارد كلتيهما يكون الحكم الواقعي مرفوعا بالمرّة ؛ لأنّ نتيجة حكومتهما على الأدلة الأحكام الواقعيّة هو تخصيصها بغير موارد الضرر والحرج ، كما هو الحال في جميع موارد الحكومة الواقعيّة ، فكأنّ الحكم الواقعي يصير نوعين ، النوع الضرري والحرجي يرتفعان عن عالم التشريع بالمرّة ، والنوع الآخر الذي ليس بضرري ولا هو حرجي يبقى على حاله.

وبعبارة أخرى : العمومات والإطلاقات الأوّلية لو لا هاتان القاعدتان كانت تشمل هذه الموارد أيضا ـ أي موارد كونها ضرريّا أو حرجيّا ـ كسائر الموارد التي ليست كذلك ، ولكن أدلّة هاتين القاعدتين تخصّص العمومات الأوّلية تخصيصا واقعيّا ، وكذلك تقيّد الإطلاقات الأوّلية تقييدا واقعيّا ، فتكون موارد هاتين القاعدتين خارجة عن تحت حكم تلك العمومات والإطلاقات حقيقة وواقعا ، لا عن تحت موضوعها حتّى تكونان واردتين على الأدلّة الأوّلية ، فتكون العبادة أو جزؤها أو شرطها كأن لم يكن تعلّق بها أمر ولم تكن عبادة إذا كانت حرجيّة ، كما هي كذلك لو كانت ضرريّة ، فالإتيان بها عبادة تشريع محرم.

وفيه : أنّ قياس باب الحرج بباب الضرر في غير محلّه ؛ لأنّ الضرر موجب لحرمة الفعل الضرري ، فارتكاب الفعل الذي فيه الضرر لا يجوز ، فلا يجتمع مع العبادة التي يجب الإتيان بها مقرّبا.

وبعبارة أخرى : الفعل الذي ضرري مبعد ، ولا يمكن أن يكون المبعد مقرّبا ، ولا يطاع الله من حيث يعصى وإن كان هذا الكلام ـ أي كون الفعل الضرري مبعدا وحراما بجميع مراتبه حتى الضرر الخفيف ـ لا يخلو من نظر.  

اللهم إلاّ أن يقال : إنّ تلك المرتبة التي ليست محرّمة ومبعدة لا يرفع الحكم الشرعي الإلزامي ، فلا يرتفع بها‌ وجوب الغسل أو التيمّم ، وليس ببعيد فهو خارج عن محلّ الكلام لأنّ كلامنا الآن في الضرر الذي يرتفع به الحكم الشرعي الإلزامي ؛ هذا في باب الضرر.

وأمّا باب الحرج فليس كذلك ، أي ارتكاب الفعل الحرجي لا حرمة فيه فليس بمبعد ، فقياس أحدهما بالآخر لا وجه له ؛ لأنّ مناط البطلان في العبادة الضرريّة كالوضوء أو الغسل الضرريين ليس في العبادة الحرجيّة ، بل العبادة الحرجيّة التي يأتي بها مع المشقّة تكون آكد في العبوديّة ، ولعلّه يشير إلى هذا الحديث المشهور أنّ « أفضل العبادات أحمزها » (18) أي أشدّها، ولا شكّ في أنّ تحمّل المشاقّ في سبيل امتثال أوامر المولى ونواهيه ممدوح عند العقل والعقلاء ، إلاّ أن يكون المولى نهى عن تحمّله وإيقاع نفسه في المشقّة ، فحينئذ يكون عاصيا ويكون حاله حال الفعل الضرري ويكون خارجا عن مفروض الكلام؛ لأنّ كلامنا في ما إذا كان الحرج موجبا لرفع الحكم الإلزامي إذا كان حرجيّا ، لا فيما إذا كان الفعل الحرجي منهيا كما أنّ الفعل الضرري يكون منهيّا.

والحاصل : أنّ قاعدة الحرج وكذلك قاعدة الضرر حكم امتناني ، غاية الأمر أنّ الفعل الضرر حرام بدليل آخر لا ربط له بالقاعدة ، بخلاف قاعدة الحرج فإنّه ليس هناك دليل آخر يدلّ على حرمة ارتكاب الفعل الحرجي.

وهذا هو السرّ في فتوى المشهور ببطلان الوضوء والغسل الضرري دون الحرجي منهما.

وأمّا الإشكال على صحّة العبادات الحرجيّة بأنّ الحرج يرتفع به الأمر كما هو مفاد هذه القاعدة ، فيكون إتيانها بقصد الأمر تشريعا محرّما.

ففيه : أنّ قصد الملاك كاف في عدم كونه تشريعا محرّما ، كما أنّه في باب الواجبين‌ الضدّين الذي أحدهما أهمّ يسقط أمر المهمّ ، ومع ذلك أو عصى امتثال أمر الأهمّ وأتى بالمهمّ ، فالتحقيق صحّة عبادته ؛ لكفاية الملاك في التقرّب بها ولا يحتاج إلى الأمر ؛ ففيما نحن أيضا كذلك.

إن قلت : إنّ هناك ـ أي في باب الواجبين المتزاحمين الضدّين الذي أحدهما أهمّ ملاكا ـ نعلم بوجود الملاك مع سقوط الأمر ؛ لأنّ سقوط الأمر هناك من باب عدم القدرة ، والقدرة العقليّة نعلم بعدم دخلها في الملاك ، فدليل وجوب ذلك الواجب المهمّ كما أنّه دالّ على وجوبه كذلك دالّ على وجود الملاك فيه ، والوجوب والأمر سقط بواسطة عدم القدرة ، وأمّا الدليل على وجود الملاك فباق بحاله.

قلنا : فيما نحن فيه أيضا كذلك ، فإنّ المرفوع هو الإلزام من باب الامتنان لا الملاك ؛ لأنّه لا امتنان في رفع الملاك ، بل رفعه يكون خلاف الامتنان ، بل لا يمكن رفعه في عالم التشريع ؛ لأنّه أمر تكويني ورفعه لا بدّ وأن يكون بأسبابه التكوينيّة ، لا بمثل لا حرج ولا ضرر ، بناء على ما هو التحقيق من أنّ مفادهما رفع الحكم الشرعي ، بل ولو على القول بكون مفادهما نفي الحكم بلسان نفي الموضوع.

وأمّا ما يقال : من عدم الدليل على وجود الملاك بعد عدم الأمر وارتفاعه بواسطة الحرج ؛ لأنّ الملاك كان يستكشف من الأمر ، فإذا سقط الأمر فليس هناك دليل كاشف عن وجوده.

ففيه : أنّ الإطلاقات وعمومات الأدلّة الأوّلية كانت دليلا على أمرين : أحدهما الوجوب ، والآخر هو الملاك.  

ودلالتها على الوجوب سقط عن الاعتبار بواسطة حكومة هذه القاعدة عليها ، وأمّا دلالتها على وجود الملاك فباق على حاله.

لا يقال : بأنّ ظهور الإطلاقات والعمومات الأوّليّة في وجود الملاك حتّى في حال كون تلك الأحكام حرجيّة ملازم مع ظهورها في الوجوب ، فإذا سقط ظهورها في الوجوب عن الاعتبار بواسطة هذه فيسقط ظهورها في وجود الملاك أيضا عن‌ الاعتبار.

ففيه : أنّ التفكيك بين المتلازمين في الحجيّة لا مانع منه كما ، أنّه في الخبرين المتعارضين كلّ واحد منهما يسقط دلالته المطابقيّة عن الاعتبار بواسطة المعارضة ، فكلّ واحد منهما ليس حجّة في مدلوله المطابقي ـ أي مؤدّاه ـ ولكن كلاهما معتبران في مدلولهما الإلزامي ، أي نفي الحكم الثالث الذي هو خلاف مؤدّى كلّ واحد منهما.

وأمّا ما يقال : من أنّ لازم عدم بطلان الوضوء أو الغسل مع كونهما حرجيّين أن يكون مخيّرا بين الوضوء أو الغسل وبين التيمم في حال كونهما حرجيّين ، وهذا معلوم العدم ؛ لأنّ التفصيل قاطع للشركة ، فإنّ قوله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا} [النساء: 43] علّق التيمّم على عدم وجود الماء ، وعند الوجدان بمعنى التمكّن من استعماله لا محلّ للتيمّم ، بل إمّا الوضوء أو الغسل ، كلّ في محلّه ، كما أنّه عند عدم الوجدان يتعيّن عليه التيمّم ولا محلّ للوضوء ولا للغسل ، وحيث أنّهما نقيضان فلا ثالث غيرهما ، وإلاّ يلزم إمّا اجتماع النقيضين وإمّا ارتفاع النقيضين ، بمعنى أنّه لو كان محلّ الاثنين ـ أي الوضوء مثلا والتيمم ـ جمعا أو تخييرا يلزم اجتماع النقيضين ، وإن لم يكن الاثنين فيلزم ارتفاع النقيضين ، فلا بدّ وأن يكون الواجب عند القيام إلى الصلاة أحدهما المعيّن لا التخيير بينهما.

وفيه : أنّه من الممكن أن يكون في مقام الثبوت عدم وجدان الماء عند القيام للصلاة بمعنى عدم التمكّن من استعماله عقلا أو شرعا علّة منحصرة لوجوب التيمّم ، وأمّا مع التمكّن وعدم مانع شرعي أو عقلي فإن لم يكن استعماله شاقّا وحرجيّا فيجب الوضوء أو الغسل كلّ في محلّه ومورده. وأمّا إن كان شاقّا وحرجيّا فيكون مخيرا بين التيمم وبين الطهارة المائيّة أي الوضوء أو الغسل كلّ في محلّه ومورده.

وأمّا في مقام الإثبات فلو لم تكن هذه القاعدة في البين ، كان مقتضى ظاهر الآية‌ أنّه عند عدم الوجدان وظيفته التيمّم ، وعند الوجدان الوضوء أو الغسل ، ولكن بعد ورود الدليل على عدم جعل الحكم الحرجي وعلمنا أنّه تعالى في مقام الامتنان ، فلا بدّ وأن يكون المرفوع هو الوجوب والإلزام لا الصحّة ؛ لأنّ رفع الصحّة خلاف الامتنان ، فبمقتضى رفعه لا بدّ وأن يكون التيمّم صحيحا.

ومن طرف آخر حيث أنّ الطهارة المائيّة أيضا صحيحة ؛ لأنّ المرفوع هو الإلزام لا الصحّة ، فيكون مخيّرا بين الطهارة المائيّة وبين الطهارة الترابيّة.

وبعد التأمّل فيما ذكرنا نعرف أنّ ما ذكره شيخنا الأستاذ في حاشيته على العروة في هذا المقام من ادّعاء القطع بعدم التخيير بين الطهارتين لا يخلو من غرابة.

والحقّ في المقام هو صحّة الوضوء والغسل الحرجيّين ما لم يصل إلى حد الضرر المحرّم ، وإن كان الاحتياط بالجمع بينهما حسن ، بمعنى أنّه لو توضّأ أو اغتسل وتحمّل الحرج والمشقّة لا يترك التيمّم وأمّا لو تيمّم فلا يحتاج إلى الطهارة المائيّة قطعا.

الأمر الثاني : في أنّ هذه القاعدة هل هي حاكمة على جميع العمومات وإطلاقات أدلّة الأحكام الإلزاميّة ، سواء كانت تلك الأحكام من الواجبات أو كانت من المحرّمات؟ وعلى تقدير كونها شاملة للمحرّمات أيضا كالواجبات ، فهل تختصّ حكومتها على أدلّة محرّمات الصغائر أو يشمل الكبائر أيضا؟

فنقول : ظاهر الآية الشريفة ـ التي هي أساس قاعدة نفي العسر والحرج ، واستشهد الإمام عليه السلام في موارد عديدة بها ، وجعلها كبرى كلّية طبّقها على صغرياتها المتعدّدة في أبواب مختلفة ، أعني قوله تبارك وتعالى ( ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ـ هو العموم لكلّ حكم شرعي حرجي ، سواء كان من الواجبات أو من المحرّمات ، وسواء كانت المحرّمات صغيرة أو كبيرة ، ولكن الظاهر أنّ بناء الفقهاء والأصحاب ـ رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ـ ليس على العمل بذلك العموم والأخذ به ، خصوصا إذا كان المراد من الحرج والضيق العرفي الذي أخذ‌ موضوعا للرفع في الآية الشريفة هو الحرج الشخصي لا النوعي ، كما هو كذلك ؛ لأنّه ليس في أغلب المحرّمات الكبيرة كالزناء بذات البعل وأمثاله إلاّ ويكون تركها لبعض الأشخاص حرجيّا ، ولا شكّ في أنّ الفقيه لا يرضى من نفسه أن يفتي بجواز ارتكاب ذلك المحرّم.

ولعلّ السرّ في ذلك أنّ هذا الحكم ـ أي رفع الحكم الحرجي ـ من اللطف والامتنان على العباد ، وإيقاع المكلّف في المفسدة العظيمة المترتّبة على ذلك المحرّم والذنب الكبير برفع الإلزام عنه خلاف اللطف والامتنان.

مثلا الشخص الذي له عطف ورأفة على ولده الوحيد العزيز عنده ، يأمره بما فيها المصالح له ، وينهاه عن الأفعال التي فيها مفاسد على اختلاف تلك المصالح والمفاسد خفّة وشدّة ، وقلّة وكثرة ، وصغرا وكبرا ، كلّ تلك الأوامر والنواهي من باب اللطف والشفقة عليه ، حتّى أنّ إعمال المولويّة والوعد على الامتثال ، والوعيد على العصيان كلّ ذلك من باب اللطف والإحسان إليه ، لأنّ لا يفوت منه المصالح ، ولا يقع في المفاسد خصوصا إذا كانت المفاسد عظيمة.

فاذا قال لذلك الولد : التكاليف التي وجّهتها إليك إذا كان العمل على طبقها وامتثالها شاقّا عليك وتقع في الضيق من ناحية العمل بها والجري على وفقها ، فهي مرفوعة عنك ولا تضيق على نفسك وأنت في سعة. وعلمنا أنّ صدور هذا الكلام من ذلك الولد الرؤوف من باب اللطف والامتنان على ذلك الولد ، فهل نفهم منه أنّه رخصة في كلّ ما فيه مفسدة عظيمة ، أو ترك كلّ ما فيه مصلحة ملزمة عظيمة؟! كلاّ ، ثمَّ كلاّ.

فاللازم على الفقيه في مقام إجراء هذه القاعدة أن يعمل النظر ، ويهتمّ غاية الاهتمام بأن يكون المورد ممّا لا يرضى الشارع بتركه ولو كان الفعل حرجيّا شاقّا على المكلّف ، كالواجبات التي بني الإسلام عليها ، كالصلاة ، والزكاة ، وصوم شهر رمضان ، والحج وأمثالها ممّا لا يرضى الشارع بتركها على كلّ حال. وكذلك لا يكون ممّا لا يرضى بفعله لاشتماله على المفسدة العظيمة ، كقتل النفس المحرّمة ، والزنا بذات البعل ، واللواط ، والفرار عين الزحف وارتكاب المعاملة الربويّة ، والقمار ، وشرب الخمر ، وسائر المحرّمات الكبيرة التي مذكورة في الفقه في أبواب ذكر العدالة فيها ، عصمنا الله من الزلل والخطأ.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهرا وباطنا.

________________

(*) « القواعد والفوائد » ج 1 ، ص 122 و287 ؛ « الأقطاب الفقهية على مذهب الإماميّة » ص 46 ؛ « الحق المبين » ص 154 ؛ « الأصول الأصلية والقواعد الشرعيّة » ص 306 ؛ « عوائد الأيّام » ص 57 ؛ « قاعدة لا حرج » ؛ « عناوين الأصول » عنوان 9 ؛ « مناط الأحكام » ص 26 ؛ « قاعدة نفى العسر والحرج » الآشتيانى ؛ « مجموعه قواعد فقه » ص 125 ؛ « اصطلاحات الأصول » ص 203 ؛ « أصول الاستنباط بين الكتاب والسنّة » ص 102 و186 ؛ « القواعد » ص 304 ؛ « قواعد فقه » ص 60 ؛ « قواعد فقهي » ص 211 ؛ « قواعد فقهية » ص 135 ؛ « القواعد الفقهية » ( مكارم الشيرازي ) ج 1 ، ص 160 ؛ « قاعدة نفى عسر وحرج وكاربرد آن در قوانين إيران » محمد على خرسنديان ، ماجستير ، مدرسة الشهيد مطهري العالية ، 1371 ؛ « عسر وحرج ونقش آن در روابط موجر ومستأجر » عزيز الله اليميني ، ماجستير ، جامعة الشهيد بهشتى ، 1369 ؛ « قاعدة عسر وحرج وآثار آن در حقوق مدني إيران » ماجستير ، جامعة طهران ، 1374 ؛ « بازتاب قاعدة لا حرج در اجاره » عيسى كشورى ، مجلة « قضائي وحقوقي دادگسترى » العدد 10 ؛ « بحثي در عسر وحرج » للسيّد على محمّد المدرّس الأصفهاني ، « مجلّة كانون وكلاء » لسنتها 13 ، العدد 75 ؛ « قاعدة لا حرج » نشرة « مقالات وبررسيها » ، العدد 43 ـ 44 ؛ « سه قاعدة فقهي » مجلة « حق » ، الفصليّة ، العدد 11 و12 ، العام 1366.

(1) « الكافي » ج 3 ، ص 33 ، باب الجبائر والقروح والجراحات ، ح 4 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 363 ، ح 1097 ، باب صفة الوضوء والغرض منه ، ح 27 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 77 ، ح 240 ، باب المسح على الجبائر ، ح 3 ؛ « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 327 ؛ أبواب الوضوء باب 39 ، ح 5.

(2) « جامع البيان في تفسير القرآن » ج 17 ، ص 142.

(3) « مجمع البيان » ج 2 ، ص 167.

(4) الركوة : إناء صغير من جلد يشرب فيه الماء ، والجمع : ركاء. « النهاية » ج 2 ، ص 261 ( ركود ).

(5) التور : إناء من صفر أو حجارة كالإجانة ، وقد يتوضّأ منه. « لسان العرب » ج 6 ، ص 96 ( تور ).

(6) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 229 ، ح 661 ، باب المياه وأحكامها. ، ح 44.

(7) « الكافي » ج 3 ، ص 4 ، باب الماء الذي تكون فيه قلّة و. ، ح 2 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 149 ، ح 425 ، باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها ، ح 116 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 128 ، أبواب الماء المطلق ، باب 8 ، ح 5.

(8) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 417 ، ح 1316 ، باب المياه وأحكامها ، ح 35 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 22 ، ح 55 ، باب الماء القليل يحصل فيه النجاسة ، ح 10.

(9) « الكافي » ج 3 ، ص 13 ، باب اختلاط ماء المطر بالبول و. ، ح 7 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 86 ، ح 224 ، باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح 73.

(10) « الكافي » ج 1 ، ص 164 ، باب حجج الله على خلقه ، ح 4.

(11) « الفقيه » ج 1 ، ص 257 ، باب ما يصلّي فيه وما لا يصلّي فيه. ، ح 791 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 2 ، ص 368 ، ح 1529 ، باب ما يجوز الصلاة فيه ، ح 61 ؛ « وسائل الشيعة » ج 2 ، ص 1071 ، أبواب النجاسات ، باب 50 ، ح 3.

(12) « الكافي » ج 5 ، ص 494 ، باب كراهيّة الرهبانيّة وترك الباه ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 246 ، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، باب 14 ، ح 1 ، مع تفاوت في اللفظ.

(13) « الكافي » ج 5 ، ص 494 ، باب كراهية الرهبانيّة وترك الباه ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 246 ، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة ، باب 14 ، ح 1 ؛ « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 381 ، ح 3.

(14) « فرائد الأصول » ج 2 ، ص 534.

(15) « رسالة لا ضرر ولا ضرار » ص 24 ـ 27.

(16) « كفاية الأصول » ص 381.

(17) « كفاية الأصول » ص 359.

(18) راجع : « بحار الأنوار » ج 67 ، ص 191 ، باب النيّة وشرائطها ومراتبها ، ذيل ح 2 ، وص 237 ، باب الإخلاص معنى قربه تعالى ، ذيل ح 6.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


جمعيّة العميد وقسم الشؤون الفكريّة تدعوان الباحثين للمشاركة في الملتقى العلمي الوطني الأوّل
الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية السابق: جناح جمعية العميد في معرض تونس ثمين بإصداراته
المجمع العلمي يستأنف فعاليات محفل منابر النور في واسط
برعاية العتبة العباسيّة المقدّسة فرقة العبّاس (عليه السلام) تُقيم معرضًا يوثّق انتصاراتها في قرية البشير بمحافظة كركوك