المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



قاعدة « حجية البينة »  
  
425   09:29 صباحاً   التاريخ: 19-9-2016
المؤلف : السيد تقي الطباطبائي القمي ‌
الكتاب أو المصدر : الأنوار البهية في القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ص 37- 49.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / حجية البينة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-9-2016 346
التاريخ: 19-9-2016 426
التاريخ: 19-9-2016 573
التاريخ: 19-9-2016 332

اعلم أن المراد من البيّنة في المقام شهادة عدلين بموضوع خارجي.

والكلام يقع حولها في جهات :

[جهات البحث] :

الجهة الأولى: في الوجوه القابلة للاستدلال بها على اعتبار البينة.

الوجه الأول: جملة من الآيات منها قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } [البقرة: 282].

بتقريب أن المستفاد من الآية اعتبار شهادة رجلين.

وفيه أوّلا لا تعرض في الآية لعدالة الشاهدين.

وثانيا أن الآية راجعة الى الدين والموجبة الجزئية لا تكون دليلا على الإيجاب الكلي الذي هو المقصود.

ومنها قوله تعالى: {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا } [البقرة: 282] .

بتقريب أن المستفاد من الآية اعتبار شهادة شاهدين وبعبارة أخرى وجوب أداء الشهادة يستلزم اعتبار قول الشاهد.

و فيه ما تقدم آنفا من الإشكال طابق النعل بالنعل.

ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} [المائدة: 106].

وتقريب الاستدلال ظاهر ويرد عليه أولا: أنّه جعل العدل للعادل فإنّ قوله تعالى: أَوْ آخَرٰانِ مِنْ غَيْرِكُمْ مطلق يشمل غير العادل مضافا الى ان غير الامامي الاثني عشري لا يتصور كونه عادلا.

وثانيا: أنّه قد مرّ قريبا أن الإيجاب الجزئي لا يكون دليلا على الكلية.

ومنها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ } [المائدة: 95].

والتقريب هو التقريب والإشكال هو الإشكال.

ومنها قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2] .

والتقريب هو التقريب والإشكال هو الإشكال.

وعلى الجملة: لا يمكن استفادة الكلية من هذا المقدار من الموارد الجزئية مضافا الى أنه كما تقدم لا تعرض في بعض هذه الآيات للعدالة.

الوجه الثاني: الروايات منها ما رواه مسعدة ابن صدقة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: كلّ شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة أو المملوك عندك ولعلّه حر قد باع نفسه أو خدع فبيع قهرا أو امرأة تحتك وهي اختك أو رضيعتك والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به‌ البيّنة «1».

وتقريب الاستدلال على المدعى بالحديث: أن المستفاد منه أنّ البيّنة حجّة في جميع الموضوعات الخارجية.

و فيه أن الحديث ضعيف سندا فلا يعتد به.

وربما يقال كما قيل: أن عمل المشهور بالخبر الضعيف يوجب انجباره ويوجب صيرورته موثوقا به وموضوع الحجة الخبر الموثوق به.

ويرد على هذا البيان:

أولا: أنّه كيف يمكن الجزم بأن المشهور عملوا بهذا الخبر والحال أن الوجوه القابلة للاستدلال متعددة.

وثانيا: أن الالتزام بكون عمل المشهور جابرا وإعراضهم مسقطا من غرائب الكلام ويستلزم التناقض إذ في الأصول يحكمون بعدم اعتبار الشهرة الفتوائية وفي الفقه يحكمون بكون العمل أو الإعراض جابرا ومسقطا ولا يمكن الجمع بين القولين.

وصفوة القول: أنّه إن كان الورع والفضيلة يوجبان العلم لوصولهم الى دليل معتبر فكلا المقامين من واد واحد وإن قلنا أنّه يحتمل أن يكون العمل أو الإعراض ناشئا عن الاجتهاد فلا أثر لعملهم ولا لإعراضهم.

وثالثا: أنه أيّ دليل دلّ على أنّ الميزان في الحجية الوثوق بصدور الخبر لا بكون الراوي ثقة والحال أن السيرة العقلائية التي هي العمدة في دليل اعتبار الأخبار الآحاد جارية على العمل بخبر الثقة.

ويؤكد المدعى بل يدل عليه ما ورد في بعض الروايات حين يسأل الراوي‌ الإمام عليه السّلام عن كون فلان ثقة بقوله أ يونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه معالم ديني.

ورابعا: كيف يمكن دعوى أن الميزان الوثوق بالصدور والحال أنّه قلّما يتّفق تحقق الوثوق بالصدور.

وخامسا: أنه لو كان الميزان الوثوق بالصدور لم يكن وجه لهذا البحث الطويل في حجية الخبر الواحد إذ اعتبار الاطمئنان من الواضحات الأوليّة فإن القطع حجة عقلا والاطمئنان حجة عقلائية فالنتيجة أن الحديث غير تام سندا.

وأما من حيث الدلالة فالبينة عبارة عن الحجة وبعبارة أخرى:

البينة مرادفة مع البرهان وما قيل في هذا المقام أن البيّنة في لسان الشرع عبارة عن شهادة عدلين، بلا بينة.

كما أن ما قيل من أنّه لو كان المراد من البينة الحجة الواضحة لكان قسم الشي‌ء قسيما له، لا شي‌ء تحته فإن البينة قسيم العلم.

ومنها ما رواه عبد اللّه بن سليمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الجبن قال:

كل شي‌ء لك حلال حتى يجيئك شاهدان يشهدان أن فيه ميتة «2».

وتقريب الاستدلال بالحديث ظاهر.

ويرد عليه أوّلا: أن الرواية لا يعتد بها سندا فإن عبد اللّه بن سليمان لم يوثق.

وثانيا: أن المذكور فيها عنوان شاهدين بلا قيد فيشمل بإطلاقه حتى المشرك فلا يرتبط بالمقام أصلا.

ومنها النصوص الواردة في ثبوت الهلال بشاهدين عدلين كحديث الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أن عليّا عليه السّلام كان يقول: لا أجيز في الهلال الّا شهادة رجلين عدلين «3».

وفيه أنّه قد تقدّم منّا أن ثبوت المدعى في مورد جزئي لا يدل على الكليّة فإن الأحكام الشرعية أمور تعبدية لا تنالها عقولنا: «مه يا أبان السنة إذا قيست محق الدين» آللّٰهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّٰهِ تَفْتَرُونَ.

ومنها النصوص الواردة في باب القضاء ودلت على اعتبار قول عادلين ويثبت به ادعاء المدعي حتى فيما يكون مورد الدعوى عينا تحت يد الغير فإذا فرض اعتبار شهادة عدلين حتى في قبال الأمارة وتكون الشهادة حاكمة عليها فكيف ببقية الموارد التي لا تكون كذلك.

وبعبارة اخرى: بالأولوية تدل على ثبوت الموضوعات الخارجية كنجاسة لباس زيد وكرّيّة حوض المدرسة الفلانية.

ويرد عليه: أنه لا وجه للأولوية إذ الأولوية إنما تتصور فيما يكون مناط حكم المولى معلوما كما في قوله تعالى حيث نهى عن قول أُفٍّ بالنسبة الى الوالدين فإن العرف يفهم أن الوجه في النهي التحفظ على كرامتهما فيفهم بالأولويّة أشدّية الشتم والضرب.

وأما في المقام فالملاك عندنا غير معلوم ولعلّ مصلحة قطع النزاع تقتضي الاعتبار بالنسبة الى شهادة عدلين بخلاف المورد الآخر.

الوجه الثالث: الإجماع وعن الجواهر: نفي وجدانه للخلاف في إثبات النجاسة بها ونقل خلاف القاضي وابن البراج والكاتب والشيخ ومع الاختلاف كيف يمكن دعوى الإجماع.

مضافا الى أنّه قد ثبت في الأصول عدم حجية الإجماع لا منقولا ولا محصّلا.

الوجه الرابع: السيرة العقلائية في جميع الأمصار والأعصار فإن سيرتهم جارية على قبول شهادة شخصين غير متهمين ولا معروفين بالكذب ولا مغرضين بالنسبة الى المشهود عليه.

ويرد عليه أولا: أنّه كيف يمكن الجزم بتحقق السيرة المدّعاة.

وثانيا: أن المدعى أخص من مورد السيرة المدعاة.

وبعبارة اخرى: السيرة المدعاة لا تنطبق على مورد الكلام.

وإن شئت قلت: السيرة المدعاة دائرتها أوسع من دائرة محل الكلام ولا خصوصية في نظر هم لشهادة عدلين.

وثالثا: أنّه إذا كان الغرض مع المشهود عليه مانعا عن القبول فمجرد احتماله يكفي في عدم الاعتبار إذ لا يجوز الأخذ بالعام في الشبهة المصداقية.

لا يقال: بالاستصحاب يحرز عدم الغرض فإنه يقال لا يترتب على الأصل المذكور تحقق السيرة إلّا على القول بالمثبت الذي لا نقول به، وبعبارة اخرى:

السيرة لا إطلاق فيها كي يقال: بأن بالاستصحاب يحرز الموضوع بل السيرة دليل لبيّ ولا بد فيها من الاقتصار على المتيقن منها فلاحظ.

الوجه الخامس: السيرة الجارية بين أهل الشرع مضافا الى ارتكازهم وأذهانهم فإنه لا مجال لإنكار هذه السيرة القطعية المسلمة عند المتشرعة ومن الظاهر أن هذه السيرة الجارية مسببة عن سبب شرعي وإلّا فكيف يمكن تحققها بلا نكير من أحد.

وإن شئت قلت: وضوح اعتبارها بحدّ لا يكون قابلا للإنكار.

الوجه السادس: النصوص الدالة على اعتبار شهادة العدل منها: ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم فقال:

أن تعرفوه بالستر والعفاف وكفّ البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد اللّه عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك والدلالة على ذلك كلّه أن‌ يكون ساترا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ويجب عليهم تزكيته وإظهار عدالته في الناس ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين وأن لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم الّا من علة فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلاة الخمس فإذا سئل عنه في قبيله أو محلته قالوا ما رأينا منه الّا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلّاه فإن ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنّه يصلي إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين وإنما جعل الجماعة والاجتماع الى الصلاة لكي يعرف من يصلي ممّن لا يصلي ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع ولو لا ذلك لم يمكن أحد أن يشهد على آخر بصلاح لأن من لا يصلي لا صلاح له بين المسلمين فإن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم همّ بأن يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور لجماعة المسلمين وقد كان فيهم من يصلي في بيته فلم يقبل منه ذلك وكيف يقبل شهادة أو عدالة بين المسلمين ممّن جرى الحكم من اللّه عزّ وجلّ ومن رسوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فيه الحرق في جوف بيته بالنار وقد كان يقول: لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد مع المسلمين إلّا من علّة «4».

والمستفاد من هذه الرواية بالصراحة اعتبار شهادة العادل ولكن الإشكال في سند الحديث فإنّ له طريقين أحدهما تام والآخر غير تام أما الطريق الأول الذي يكون تاما فقد حذف منه ما يفيدنا في المقام وأما الطريق الثاني فهو مشتمل على ما يفيدنا لكن غير تام من حيث السند فلا يعتد بهذه الرواية.

ومنها ما عن تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السّلام في تفسيره عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، قال في قوله تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجٰالِكُمْ، قال: ليكونوا من المسلمين منكم فإن اللّه إنما شرّف المسلمين العدول بقبول شهادتهم وجعل ذلك من الشرف العاجل لهم ومن ثواب دنياهم «5».

إن قلت: المستفاد من الحديث اعتبار شهادة العدل ولو كان واحدا.

قلت: على فرض تسلم هذه الدعوى نقول: نرفع اليد عن الإطلاق بهذا المقدار فيتم الأمر فتحصل أن شهادة عادلين حجة.

بقي الكلام في العدل الواحد والثقة الواحد أما العدل الواحد فيمكن الاستدلال على اعتبار قوله مضافا الى السيرة الجارية بين أهل الشرع بل الجارية بين العقلاء ما في تفسير الإمام عليه السّلام فإن المستفاد من الحديث اعتبار قول المسلم العادل.

و يؤيد المدعى إن لم يكن دليلا تجويز الشارع الأقدس الاقتداء به في الصلاة مع كونها معراج المؤمن وأعظم أركان الدين وإن قبلت قبل ما سواها وإن ردّت ردّ ما سواها.

بل لنا أن نستدل على المدعى بآية النبأ حيث أن المستفاد من الآية أن علّة عدم اعبتار قول الفاسق أن الركون إليه وجعل قوله طريقا الى الواقع في معرض حصول الندامة فإن الندامة إنّما تحصل فيما يكون العمل بلا رويّة وتكون نتيجة لسلوك طريق غير عقلائي.

وبعبارة واضحة: أن الإنسان إذا أقدم على أمر وسلك سلوكا على طبق القواعد لا يحصل له الندم وإن لم يصل الى مطلوبه، نعم كثيرا ما يتأثّر.

مثلا إذا فرضنا أن المريض راجع الى طبيب حاذق مشار إليه بالبنان ولكن‌ الطبيب اشتبه في التداوي وبالنتيجة صار المريض أسوأ حالا بحيث لا يكون قابلا للعلاج لا معنى لأن يصير المريض نادما من عمله ولكن يتأثر من عدم حصول مطلوبه وهذا أمر آخر.

والمستفاد من الآية أن علة المنع أن الركون الى الفاسق الذي لا يكون في طريق الحق سفاهة وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا مانع عن الركون ولعمري هذا وجه وجيه وإن كان قارعا للأسماع.

وأما شهادة الثقة الواحد فيمكن الاستدلال على اعتبارها بالسيرة أيضا فإن الظاهر أن السيرة العقلائية جارية على العمل بقوله ولم يردع السيرة المذكورة من قبل الشارع الأقدس.

بل يظهر من جملة من النصوص إمضائها منها ما رواه أحمد بن اسحاق عن أبي الحسن عليه السّلام قال: سألته وقلت: من أعامل وعمن آخذ وقول من أقبل؟

فقال: العمري ثقتي فما أدّى إليك عنّي فعنّي يؤدي وما قال لك عنّي فعني يقول فاسمع له وأطع فإنّه الثقة المأمون «6».

ومنها ما رواه إسحاق بن يعقوب قال: سألت محمد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتابا قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليّ فورد التوقيع بخط مولانا صاحب الزمان عليه السّلام: أما ما سألت عنه أرشدك اللّه وثبتك- إلى أن قال- وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه وأما محمد بن عثمان العمري رضي اللّه عنه وعن أبيه من قبل فإنه ثقتي وكتابه كتابي «7».

ومنها ما رواه الحسن بن علي بن يقطين عن الرضا عليه السّلام قال: قلت: لا أكاد‌ أصل إليك أسألك عن كل ما احتاج إليه من معالم ديني أ فيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما احتاج إليه من معالم ديني؟ فقال: نعم «8».

ومنها ما رواه علي بن المسيّب الهمداني قال: قلت للرضا عليه السّلام: شقّتي بعيدة ولست أصل إليك في كل وقت فممّن آخذ معالم ديني؟ قال: من زكريا ابن آدم القمي المأمون على الدين والدنيا، قال علي بن المسيب: فلما انصرفت قدمنا على زكريّا بن آدم فسألته عمّا احتجت إليه «9».

ومنها ما رواه أحمد بن إبراهيم المراغي قال: ورد على القاسم بن العلاء وذكر توقيعا شريفا يقول فيه: فإنه لا عذر لأحد من موالينا في التشكيك فيما يرويه عنّا ثقاتنا قد عرفوا بأنّا نفاوضهم سرّنا ونحملهم إياه إليهم «10».

فإن المستفاد من هذه الطائفة أن حجية قول الثقة أمر واضح على نحو الكبرى الكلية وإنما الكلام في تشخيص المصداق.

أضف إلى ذلك أنا نرى أن الشيخ الطوسي والمفيد والصدوق وأضرابهم مع كون عصرهم قريبا من عصر الإمام عليه السّلام يرتّبون الأثر على شهادة الثقة كان أمرا مغروسا في أذهانهم وقانونا مسلّما عندهم فلو لم يكن قول الثقة معتبرا عند الشارع لذاع وشاع ولم يكن أمرا مستورا تحت الستار.

وفي المقام حديث عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث أن عليا عليه السّلام قال: لا أقبل شهادة الفاسق الّا على نفسه «11».

ربما يقال بأن المستفاد منه أنه لا اعتبار بشهادة الفاسق وإن كان ثقة.

وفي قبال التقريب المذكور يمكن أن يقال: إن قلنا بأن المستفاد من الحديث أنه لا يقبل قوله في مقام الدعاوي والمحاكمات فالأمر سهل إذ من الواضح ان الشهادة في مورد القضاء وإثبات الدعوى مشروط بكون الشاهد عادلا وإن قلنا بأن الحديث مطلق أي المستفاد منه عدم قبول قول الفاسق على الإطلاق فيمكن أن يقال بأن المناسبة بين الحكم والموضوع تقتضي أن الامام روحي فداه ناظر الى صورة عدم الأمن من الكذب وأما لو كان ثقة وأمينا في الكلام فالحديث غير ناظر إليه.

وإن أبيت وقلت: المحكم إطلاق الحديث فيشمل الثقة الفاسق قلت: حيث انّ اعتبار قول الثقة واضح وكما بيّنا من الصدر الأول كان ديدن الأعاظم على ترتيب الأثر بقول الثقة بلا نكير نخصّص الحديث ونقول: لا اعتبار بقول الفاسق الّا إذا كان ثقة فلاحظ.

الجهة الثانية: أنّه هل يشترط في حجيّة البيّنة كون الشاهدين العادلين رجلين أم لا؟

الظاهر هو الاشتراط إذ لا دليل على الإطلاق ومقتضى الأصل في الأمور الوضعية الضيق.

الجهة الثالثة: انّه لا اختصاص لمورد دون آخر بل البيّنة حجّة في جميع الموضوعات

بلا كلام ولا يتصور في مورد عدم أثر شرعي إذ أقل ما يترتب على الشهادة جواز الإخبار فلاحظ.

الجهة الرابعة: في حكم صورة تعارض البيّنة مع غيرها

فنقول: لا إشكال في تقدمها على الأصول العملية التي أخذ في موضوعاتها عنوان الشك فإنها حاكمة عليها كما هو ظاهر.

وأيضا تقدم على الاستصحاب حتى على القول بكونه أمارة إذ مضافا الى أن المأخوذ في موضوعه عنوان الشك لو كان الاستصحاب معارضا مع البيّنة ولم نقل بتقدّمها عليه تكون لغوا.

وأمّا لو عارضت قاعدة الفراغ أو الصحة فأيضا تقدم عليهما إذ قد مرّ وتقدم منّا أن القاعدة لا تكون أمارة.

و أما فيما يقع التعارض بينها وقاعدة اليد أو السوق وأمثالهما فأيضا تقدم عليها فإنّ عمدة الدليل على تلك القواعد السيرة ولا بدّ من الاقتصار على مورد لا تكون في قبالها بينة.

ومما ذكر يعلم وجه تقدّمها على قول الثقة وأما إذا وقع التعارض بينها وبين الإقرار فالظاهر لو لا الدليل الخارجي تقدم الإقرار فإن السيرة العقلائية جارية عليه ولم يتحقق الردع من قبل الشارع الأقدس.

بل يمكن أن يقال: أن المرتكز في أذهان أهل الشرع عدم قيام دليل في قبال الإقرار وأما لو وقع التعارض بينها وبين قول العدل الواحد فمقتضى القاعدة الأولية تحقق التعارض ونتيجة التعارض التساقط وهل يمكن الجزم به أو يحتاج الأمر الى مزيد من التأمل واللّه العالم بحقائق الأمور وعليه التوكّل والتكلان.

_________


(1) الوسائل: الباب 4 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 4 ..

(2) الوسائل: الباب 61 من أبواب الأطعمة المباحة، الحديث 2.

(3) الوسائل: الباب 11 من أحكام شهر رمضان، الحديث 1.

(4) الوسائل: الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 1.

(5) نفس المصدر: الحديث 22.

(6) الوسائل: الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 4.

(7) نفس المصدر: الحديث 9.

(8) نفس المصدر: الحديث 33.

(9) نفس المصدر: الحديث 27.

(10) نفس المصدر: الحديث 40.

(11) الوسائل: الباب 41 من أبواب الشهادات، الحديث 7.

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.