المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8222 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



قاعدة « عدم ضمان الأمين - ليس على الأمين إلا اليمن »  
  
481   11:16 صباحاً   التاريخ: 16-9-2016
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج2 ص 248 – 281 .
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / الائتمان - عدم ضمان الامين - ليس على الامين الا اليمين /

[ والكلام في القاعدة يكون فيما يأتي ] :  

- أدلة القاعدة من الإجماع‌ .

- الطوائف السبع من الروايات الدالة عليها‌ .

- الروايات المعارضة، وعلاجها‌ .

- بناء العقلاء في المسألة‌ .

- ما المراد بالأمانة هنا ؟

- هل يجوز اشتراط ضمان الأمين ؟

- ما المراد من التعدي والتفريط ؟

- ضمان وصف الصحة‌ .

قاعدة عدم ضمان الأمين هذه القاعدة مما استند اليه الفقهاء في أبواب مختلفة، وهي من أشهر القواعد الفقهية وأوسعها دليلا، وأكثرها فرعا، وحاصلها ان من أخذ مال غيره بعنوان الامانة سواء كان في عقد إجارة، أو عارية، أو مضاربة، أو مزارعة، أو مساقاة، أو وديعة، أو وكالة، أو رهن، أو ولاية على الصغار، أو جعالة، أو وصاية، أو غير ذلك من أشباهه، فهو غير ضامن لها إذا تلف من غير تعد ولا تفريط في حفظها، ولم يخالف فيها على إجمالها أحد ممن نعلم ، وان وقع البحث والكلام في خصوصياتها.

ولكن‌ قبل الشروع في ذكر أدلتها على كثرتها لا بد من التنبيه على أمرين :

1- ان الكلام في هذه القاعدة قد يكون من جهة مقام الثبوت بان يعلم ان الأمانة الفلانية لم يقع فيها تعد ولا تفريط، وهلك بغير ذلك، ثمَّ نتكلم في عدم ضمانه.

وأخرى يقع الكلام في مقام الإثبات، وهو ما إذا علم بالتلف ولكن شك في استناده إلى التعدي والتفريط، فهل يحكم بضمان من تلف في يده أم لا ؟

وقد وقع الخلط في كلمات بعض الاعلام بين المقامين، وحصل منه اشتباه في أحكام المسألة.

وليعلم ان الروايات الواردة في هذه القاعدة أيضا مختلفة، بعضها ناظرة إلى المقام الأول، وهو مقام الثبوت، وبعضها ناظرة إلى المقام الثاني، وهو مقام الإثبات ولا بد من إعطاء كل حقه كي لا يختلط الاحكام في فروع القاعدة، وما يستنتج منها.

2- الأمانة في هذه الأبواب يطلق على معنيين :

الأول ما يكون في مقابل الغصب فالأمين هو الذي ليس بغاصب، وعلى هذا المعنى المستأجر والوكيل والعامل في المضاربة والمستعير ونظائرهم أمناء، وان لم يكونوا ثقاة لأن المفروض أنهم أخذوا المال من مالكها برضاه فليسوا بغاصبين .

الثاني: ما يكون في مقابل الخيانة، وبعبارة أخرى يكون فيها معنى الوثاقة، فالأمين هو الذي يثق الإنسان بقوله واخباره، فلو شهد مثلا ان المال تلف بغير تفريط منه يعتمد على كلامه.

وروايات الباب بعضها ناظرة إلى المعنى الأول، وبعضها الى المعنى الثاني، ولا بد في كل مقام من التمسك بالقرائن الحالية أو المقالية .

وقد يشتبه الحال ولا يعلم ان الأمانة في الرواية بالمعنى الأول أو الثاني ؟

فمن الأول ما عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام أتى بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه، وقال انما هو أمين «1».

ومن الثاني ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضمّن القصار والصائغ احتياطا للناس، وكان أبي يتطوع عليه إذا كان مأمونا «2».

فإن القصار والصائغ مأمونان بالمعنى الأول فقوله إذا كان مأمونا فهو للمعنى الثاني، وكم لهما من نظير في أبواب الضمانات.

ومن الجدير بالذكران الامانة بالمعنى الأول يناسب مقام الثبوت، وبالمعنى الثاني يناسب البحث عن مقام الإثبات، وكن من هذا على بصيرة فإنه ينفعنا في جميع أبحاث المسألة.

وإذ قد عرفت ذلك فلنرجع الى البحث عن مدارك القاعدة «أولا» وعن محتواها «ثانيا»، وعما يتفرع عليها «ثالثا» .

1- في أدلة القاعدة :

يمكن الاستدلال عليها بعد الإجماع اللائح من كلمات القوم، وعدم ظهور المخالف فيها، بالكتاب والسنة وبناء العقلاء.

اما من كتاب اللّه :

فقد استدل بقوله تعالى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وكون الأمين محسنا واضح.

كما ان الضمان سبيل فينفى عنه بمقتضى الآية.

والآية وان وردت في مورد الجهاد واستثناء المرضى والضعفاء وأشباههم عن حكمه إذا نصحوا للّه ورسوله، ولكن التعليل فيها عام يشمل المورد وغيره.

هذا والاستدلال به لا يخلو عن إشكال فإن صدق المحسن بالنسبة إلى الودعي ومن يتبرع بحفظ متاع كآخذ اللقطة ليجد صاحبها، وشبه ذلك ظاهر ولكن صدقه بالنسبة إلى الأجير والمستعير والعامل في المضاربة ونظائرهم ممن يأخذ المال من مالكه لمنفعة نفسه مشكل جدا، فاذا لا تندرج تحت الآية الا موارد يسيرة من القاعدة ويخرج منها أكثرها.

وأما من السنة:

فهي طوائف كثيرة من الاخبار:

[الروايات الدالة] :

الطائفة الأولى : ما يدل على هذه القاعدة عموما  وهي روايات :

منها ما رواه في دعائم الإسلام عن علي عليه السّلام «ليس على المؤتمن ضمان» «3».

ان كان المراد بالمؤتمن هنا الودعي كان خاصا بباب الوديعة ولكن ان كان بمعناه العام يشمل كل أمين، وكذا لو قلنا بان تعليق الحكم على الوصف دليل على العلية كان بمنزلة العموم.

و منها ما روي عن طرق الجمهور عن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» ثمَّ ان الحسن نسي حديثه فقال «هو أمينك لا ضمان عليه» «4».

وكان ظاهره انه إذا تلف المال من غير تفريط وعلم فلا ضمان عليه.

الطائفة الثانية: ما علل فيه عدم الضمان بكون صاحبه أمينا

الذي هو من قبيل القياس منصوص العلة، فيستفاد منها عدم الضمان في سائر موارد الأمانة أيضا، وهي روايات كثيرة:

1- منها ما عن غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام ان أمير المؤمنين عليه السّلام اتى بصاحب حمام وضعت عنده الثياب فضاعت فلم يضمّنه وقال انما هو أمين «5».

فقوله «انما هو أمين» بيان للصغرى، ودليل على ان عدم ضمان الأمين كان أمرا مفروغا عنه، لا يحتاج الى البيان.

نعم في غير واحد من الروايات تعليل عدم ضمان صاحب الحمام بأنه انما يأخذ الأجر على الحمام ولا يأخذ اجرا على الثياب «6» ولكن لا منافاة بين التعليلين‌ كما سيأتي ان شاء اللّه، فان كل واحد منهما جزء من العلة الواقعية.

2- ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ليس على مستعير عارية ضمان وصاحب العارية والوديعة مؤتمن «7».

فإن قوله عليه السّلام «صاحب العارية والوديعة مؤتمن» في مقام التعليل.

3- ما رواه في دعائم الإسلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام صاحب الوديعة والبضاعة مؤتمنان «8».

4- ما عن سليمان بن خالد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل استأجر ظئرا فغابت بولده سنين، ثمَّ انها جائت به فأنكرته امه، وزعم أهلها انهم لا يعرفونه، قال عليه السّلام ليس عليها شي‌ء الظئر مأمونة «9».

فإن إطلاق الحكم بأن الظئر مأمونة دليل على ان المراد منه الأمانة في مقابل الغصب، وعدم ذكر الكبرى فيها دليل على كونها قطعية.

5- وما رواه ابان بن عثمان عمن حدثه عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث قال:

وسألته الذي يستبضع المال فيهلك أو يسرق أعلى صاحبه ضمان؟ فقال ليس عليه غرم بعد ان يكون الرجل أمينا «10».

فإن قوله «بعد ان يكون الرجل أمينا» في مقام التعليل، فيستفاد منه العموم اما لو كان من قبيل الشرط والتقييد دخل في الأحاديث الناطقة عن الحكم في مقام الإثبات، ولكنه خلاف الظاهر.

6- وما رواه حماد عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال في رجل استأجر أجيرا‌ فأقعده على متاعه فسرقه قال: هو مؤتمن «11».

والظاهر ان قوله فسرقه اي فسرقه سارق فلم يضمّنه لكونه مؤتمنا.

7- ومن طريق الجمهور ما رواه «الدارمي» في كتاب الوصايا عن النبي صلّى اللّه عليه وآله «الوصي أمين فيما اوصى اليه به» «12».

الى غير ذلك مما يطلع عليه المتتبع.

الطائفة الثالثة «ما دل على عدم ضمان الأمين في موارد خاصة» بحيث يمكن اصطياد العموم من ملاحظة مجموعها بحيث لا يبقى شك في انه حكم عام في جميع الأبواب.

1- منها ما ورد في باب الوديعة مثل ما أرسله في المقنع سئل الصادق عليه السّلام عن المودع إذا كان غير ثقة هل يقبل قوله؟ قال: نعم ولا يمين عليه «13».

وهو وان كان ناظرا الى مقام الإثبات، الا ان عدم اعتبار الوثاقة فيه، يدل على عدم الضمان في مقام الثبوت على كل حال.

2- منها ما ورد في أبواب العارية، مثل ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا هلكت العارية عند المستعير لم يضمنه، الا ان يكون اشترط عليه» «14» ومنها ما رواه العامة والخاصة في القضية المعروفة ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله جاء الى صفوان بن أمية فسأله سلاحا، ثمانين درعا، فقال له صفوان: عارية مضمونة أو غصبا؟

فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: بل عارية مضمونة «15».

دل على ان العارية بطبيعتها لا توجب الضمان الا ان يشترط.

وفي رواية أخرى قال في ذيلها: فجرت السنة في العارية إذا شرط فيها ان تكون مؤداة «16».

3- منها ما ورد في كتاب الرهن مثل ما رواه ابان بن عثمان عمن أخبره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام انه قال: في الرهن إذا ضاع من عند المرتهن من غير ان يستهلكه، رجع في حقه على الراهن فأخذه، فإن استهلكه ترادا الفضل بينهما «17».

دل على انه إذا تلف الرهن عند المرتهن من دون تقصير ليس بضامن، وإذا أتلفه كان ضامنا، ولذا لا يأخذ مما أعطاه إلا الفضل.

وما رواه سليمان بن خالد في الرهن أيضا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إذا رهنت عبدا أو دابة فمات فلا شي‌ء عليك، وان هلكت الدابة أو أبق الغلام فأنت له ضامن «18».

والفرق بين الصورتين ان في الأولى تلف بغير تفريط، وفي الثانية تفريط منه، يشهد له قرينة المقابلة.

الى غير ذلك مما ورد في أبواب الرهن، وهو كثير.

4- ومنها ما ورد في أبواب المضاربة مثل ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام: من اتجر مالا واشترط نصف الربح ليس عليه ضمان «19».

الى غير ذلك مما ورد في «أبواب المضاربة».

5- ومنها ما ورد في أبواب الإجارة مثل ما رواه محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال قال أمير المؤمنين (في حديث) ولا يغرم الرجل إذا استأجر الدابة ما لم‌ يكرهها أو يبغها غائلة «20».

دل على عدم الضمان ما لم يتعد أو يفرط- هذا في إجارة العين واما إجارة النفس:

مثل ما رواه علي بن محمد القاساني قال كتبت إليه يعني أبا الحسن عليه السّلام:

رجل أمر رجلا يشتري له متاعا أو غير ذلك، فاشتراه فسرق منه، أو قطع عليه الطريق من مال من ذهب المتاع ؟ من مال الأمر أو من مال المأمور؟ فكتب عليه السّلام من مال الأمر «21».

وهو صريح في عدم ضمان الأجير عند عدم التعدي، فإنه القدر المتيقن منه.

الى غير ذلك مما ورد في هذا الباب.

نعم هناك روايات تدل على تضمين الصائغ والقصار والحائك وغيرهم، ومن يكون أجيرا مشتركا على الإطلاق، وروايات دالة على خلافها، سيأتي الكلام فيها ان شاء اللّه وانها من قبيل الاستثناء من حكم عدم ضمان الأجير أولها محامل أخر.

6- ومنها ورد في أبواب الوصية مثل ما رواه محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل بعث بزكاة ماله لتقسم، فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟

فقال: إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن، الى ان قال- وكذلك الوصي الذي يوصى اليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه، فان لم يجد فليس عليه ضمان «22».

وهو يدل على المقصود من جهتين: من جهة عدم كون الأمين في حفظ الزكاة ضامنا، وكذا من جهة الوصي.

وهناك روايات أخر مروية من طرق الجمهور تدل على المقصود.

منها ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: من أودع وديعة فلا ضمان عليه «23».

وروى البيهقي عن شعيب مثله عنه صلّى اللّه عليه وآله الا انه قال من استودع وديعة فلا ضمان عليه «24».

ومنها ما رواه مصعب بن ثابت قال سمعت عطا يحدث ان رجلا رهن فرسا فنفق في يده، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله للمرتهن: ذهب حقه «25».

والظاهر ان الضمير عائد إلى الراهن وذهاب حقه بمعنى عدم ضمان المرتهن للعين المرهونة، وهذا مما ورد في أبواب الرهن.

ومنها ما رواه سعيد بن المسيب ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله قال لا يغلق الرهن من صاحبه، له غنمه وعليه غرمه «26».

هذا أيضا مما ورد في أبواب الرهن.

وقد مر آنفا ان هناك روايات تدل على الضمان في بعض أبواب الإجارة، والوديعة، رويت في كتب الفريقين، وسيأتي الكلام فيها ان شاء اللّه وانها لا تعارض القاعدة المسلمة، وهي عدم ضمان الأمين.

الطائفة الرابعة: ما يدل على ان الضمان مشروط باشتراطه ، الذي يدل بمفهومه على انه لو لا‌ الاشتراط، لما كان هناك ضمان، أو ان الضمان ثابت إذا خالف الشرط الذي اشترط عليه صاحبه في ماله.

منها ما ورد في أبواب المضاربة مثل ما رواه محمد بن عيسى في نوادره عن أبيه قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام كان للعباس مال المضاربة، فكان يشترط ان لا يركب بحرا، ولا ينزل واديا فان فعلتم فأنتم له ضامنون، فأبلغ ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فأجاز شرطه عليهم «27».

الى غير ذلك مما ورد في هذا الباب.

ومنها ما ورد في أبواب الإجارة مثل ما رواه الحلبي قال سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل (خ- ما تقول في رجل) تكارى دابة إلى مكان معلوم، فنفقت الدابة قال ان كان جاز الشرط فهو ضامن «28».

ومنها ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال في الرجل يعطى المال، فيقول له ائت أرض كذا وكذا ولا تجاوزها واشتر منها، قال فان جاوزها وهلك المال فهو ضامن «29» الى غير ذلك مما ورد في هذا الباب.

الطائفة الخامسة: ما يدل على ان الضمان متوقف على التعدي والتفريط الذي يدل بمفهومه على عدم الضمان عند عدمهما.

منها ما ورد في أبواب المضاربة من ان العامل إذا خالف الشرط كان ضامنا ومن الواضح ان مخالفة الشرط من مصاديق التعدي، مثل ما رواه محمد بن مسلم‌ عن أحدهما عليهما السّلام قال: سألته عن الرجل يعطى المال مضاربة وينهى ان يخرج به، فخرج، قال يضمن المال والربح بينهما «30».

وفي معناه روايات كثيرة أخرى وردت في نفس الباب «31».

ومنها ما ورد في أبواب الإجارة وانه لو خالف المستأجر الشرط كان ضامنا.

مثل الرواية المعتبرة المعروفة لأبي ولاد الخياط التي لا يزال يستدل بها القوم في أبواب الضمانات، والرواية طويلة حاصلها انه اكترى بغلا لطلب غريم له، ولما لم يجده خالف شرط الإجارة، وذهب به الى امكنة اخرى فسئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن حكمه بعد ما اتى صاحب البغل عند أبي حنيفة وقال في جملة كلام له: «قلت له (اي للصادق عليه السّلام) أرأيت لو عطب البغل ونفق أ ليس كان يلزمني؟ قال: نعم، قيمة بغل يوم خالفته» «32».

والروايات في هذا الباب أيضا كثيرة رواها في الوسائل في نفس ذاك الباب «33».

ومنها ما ورد في أبواب الإجارة أيضا من ان المستأجر إذا فرط في حفظ الدابة فعيبت أو هلكت فعليه ضمانها، مثل ما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى ابن جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل استأجر دابة فوقعت في بئر، فانكسرت ما عليه ؟

قال: هو ضامن، ان كان لم يستوثق منها، الحديث «34».

وفي معناها روايات أخرى في نفس الباب «35».

الى غير ذلك مما ورد في هذا المعنى .

الطائفة السادسة : ما دل على ان عدم الضمان مشروط بالأمانة والوثاقة.

وهذه الطائفة وان وردت في مقام الإثبات ولكنها دليل على انه لو لم يتعد ولم يفرط في مقام الثبوت فليس بضامن، والروايات في هذا المعنى كثيرة وإليك نموذج منها.

منها ما رواه عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العارية، فقال لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأمونا «36».

ومنها ما رواه ابان عن ابي جعفر عليه السّلام قال وسألته عن الذي يستبضع المال فيهلك أو يسرق، أعلى صاحبه ضمان؟ فقال ليس عليه غرم بعد ان يكون الرجل أمينا «37» بناء على ان يكون قوله «بعد ان يكون الرجل أمينا» بمنزلة الشرط لا في مقام التعليل.

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة في مختلف أبواب المعاملات.

الطائفة السابعة : ما دل على ان صاحب اليد ان أقام بينة على عدم التعدي والتفريط لم يكن ضامنا، والا فهو ضامن ، وهذه الطائفة وان وردت في مقام الإثبات أيضا لكنها دليل على انه إذا لم يتعد ولم يفرط الأمين واقعا فليس بضامن وهي أيضا كثيرة إليك بعضها :

منها ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حمّال يحمل معه الزيت فيقول :

قد ذهب، أو أهرق، أو قطع عليه الطريق، فان جاء ببينة عادلة انه قطع عليه، أو ذهب، فليس عليه شي‌ء والا ضمن «38».

والأحاديث في هذا الباب أيضا كثيرة رواه في الوسائل في ذاك الباب أو أبواب أخر.

وقد تحصل من جميع ما ذكرنا على ان هناك عشرات أو مئات من الروايات تبلغ حد التواتر تدل بعمومها أو خصوصها على ان الأمين غير ضامن إجمالا ، وان كان فيها شرائط أو خصوصيات أخر سيأتي الكلام فيها ان شاء اللّه في التنبيهات.

وبالجملة هذه المسئلة من ناحية الأدلة النقلية من الوضوح بمكان لا يرتاب فيها من كان له أدنى إحاطة بكتب الاخبار، وروايات النبي صلّى اللّه عليه وآله وآله الاطهار عليهم السّلام.

الروايات المعارضة :

ولكن مع ذلك هناك روايات يبدو منها في ابتداء النظر انها معارضة لما مر، ويظهر منها ضمان الأمين، لا بد من التعرض لها وبيان طريق الجمع فيها.

وهي أيضا طوائف :

1- ما ورد بطرق المختلفة ان أمير المؤمنين عليه السّلام كان يضمن الصباغ والقصار والصائغ احتياطا على أمتعة الناس،

و كان لا يضمن من الغرق والحرق والشي‌ء الغالب «39».

ولكن لا يبعد ان يكون هذا من قبيل الأحكام السلطانية التي أمرها بيد حاكم الشرع، فقد يرى المصلحة في حفظ نظام المجتمع على ان يضمن أرباب الحرف بالنسبة إلى أموال الناس، بعد ما راى منهم قلة المبالاة في حفظ أمتعة الناس، ووقوع الفوضى من هذه الناحية.

ولذا ورد في روايات اخرى على ان الرضا عليه السّلام وكذا ابي جعفر الباقر عليه السّلام‌ لم يضمناهم، (اما تطولا عليهم، واما لملاحظة احتياطهم في أموال الناس في عصرهما).

2- ما دل على ان كل أجير يعطى الأجرة على إصلاح شي‌ء فيفسده فهو ضامن له ، مثل ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سئل عن القصار يفسد فقال: كل أجير يعطى الأجرة على ان يصلح فيفسد فهو ضامن «40».

وما رواه إسماعيل بن أبي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الثوب ادفعه الى القصار فيخرقه، قال: أغرمه، فإنك إنما دفعته اليه ليصلحه ولم تدفع اليه ليفسده «41».

ومثله بهذه العبارة أو ما يقرب منه عن الحلبي فيمن يعطي الثوب للصباغ «42».

وكذا مرسلة الصدوق في المقنع، قال: كان أمير المؤمنين عليه السّلام يضمّن القصار والصائغ وكل من أخذ شيئا ليصلحه فأفسده «43».

ويمكن الجواب عن هذه الطائفة من طرق عديدة :

الأول- انه من شؤون قاعدة «من له الغنم فعليه الغرم» قال هذه القاعدة بعمومها وان لم تثبت عندنا، ولكنها ممضاة في بعض الموارد، ويمكن ان يكون الموارد منها، فحينئذ تكون هذه القاعدة حاكمة على قاعدة عدم ضمان الأمين أو مخصصة لها.

الثاني- يمكن ان يكون من باب ولاية الحاكم وتضمينه لأرباب الحرف احتياطا على أموال الناس فيما إذا رأى منهم قلة المبالاة فيها كما مر في سابقة.

الثالث- هذه الروايات ناظرة الى باب الإتلاف، وهو أجنبي عما نحن فيه، فان الكلام في عدم ضمان الأمين انما هو في التلف فقط، ومن الواضح ان كل من أتلف مال الغير فهو له ضامن ولا معنى للتعدي وعدمه فيه ولا للعلم والجهل، ولكن قوله: كل أجير يعطى الأجرة ينافي هذا المعنى فان هذا القيد في مقام الاحتراز، ومفهومه عدم الضمان بالإتلاف لو لم يعطى الأجرة.

ولكن يمكن حل هذه العويصة بأنه إذا دخل الإنسان في عمل تبرعا بإذن صاحبه ولم يتعد ولم يفرط لا يبعد عدم كونه ضامنا لما يتلفه إذا كان الإتلاف من اللوازم القهرية لعمله، ولو بعض الموارد، ولكن هذا المعنى لا يجري في حق من يأخذ الأجر على إصلاح شي‌ء فيفسده، ولو لم يكن عن تعد ولا تفريط فتأمل.

الرابع- مع قطع النظر عن جميع ذلك تكون النسبة بين هذه الروايات وعموم عدم ضمان الأمين نسبة الخصوص والعموم المطلق فيخص بها في خصوص هذا المورد، وتبقى القاعدة سليمة عن المعارض في غير هذا الباب.

وبالجملة روايات تضمين أرباب الحرف الذين يأخذون الأجر على أعمالهم فيفسدون أموال الناس أحيانا، مع انها معارضة بما ورد من عدم ضمانهم بالخصوص كما يظهر على من راجع أبواب الإجارة «44» أخص مما نحن بصدده، ولها محامل أخر غير التخصيص كما عرفت فلا تنافي قاعدة عدم ضمان الأمين.

3- ما دل على الأجير المشارك والظاهر انه هو الذي يكون له حرفة يراجعه الناس، فهو بعلمه مشارك لهم، ولا يختص بواحد منهم، مثل ما رواه مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السّلام الأجير المشارك هو ضامن‌ الأمن سبع أو من غرق أو حرق أو لص مكابر «45».

وهي وان كانت أعم من سابقها لعدم تقييدها بالإتلاف، بل تشمل بعمومها للتلف والإتلاف معا، ولكن الجواب منها هو الجواب عن الطائفة السابقة، من إمكان حملها على قاعدة «من له الغنم» أو على «ولاية الحاكم» وان أبيت عن جميع ذلك فهي تخصيص في قاعدة عدم ضمان الأمين لا مضاد لها بعمومها.

4- الروايات الكثيرة الدالة على ضمان عارية الدرهم والذهب والفضة مثل ما رواه عبد اللّه بن سنان قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لا تضمن العارية، الا ان يكون قد اشترط فيها ضمان، الا الدنانير، فإنها مضمونة وان لم يشترط فيها ضمانا «46».

وفي معناها روايات أخر في نفس ذاك الباب صرح في بعضها بعنوان الدراهم أو الدنانير وبعضها الأخر بعنوان الذهب والفضة.

ولكن الأمر فيها أيضا سهل، لان تخصيص قاعدة «عدم ضمان الأمين» في بعض مواردها أدلة خاصة لا ينافي عمومها في غير تلك الموارد، فقد تكون مصلحة في التخصيص في مثل الذهب والفضة مما يحتاج الى التحفظ الشديد، بحيت لو لم يكن المستعير ضامنا لا يتحفظ عليه كل التحفظ، فالشارع رأى المصلحة في تضمينه في خصوص هذا المورد، ولا يمكن التعدي إلى غيره.

هذا كله إذا لم نقل بأن إطلاق الذهب والفضة في هذه الروايات محمول على الدرهم والدينار، وعاريتهما كناية عن الاقتراض، لعدم كون العارية في الدرهم والدينار معمولا بين الناس، وحينئذ يخرج هذا العنوان عن محل الكلام بالتخصص لا بالتخصيص، وتمام الكلام فيه في محله.

5- ما ورد في باب المضاربة بمال اليتيم وان العامل ضامن على كل حال، مع انه أمين مثل ما رواه بكر بن حبيب قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل دفع اليه مال اليتيم بمضاربة قال فان كان ربح فلليتيم، وان كان وضيعة فالذي أعطى ضامن «47».

ومثله ما ورد في أبواب الوصية عن إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال سألته عن مال اليتيم هل للوصي أن يعينه أو يتجر فيه قال ان فعل فهو ضامن «48».

الى غير ذلك مما ورد في هذه الأبواب، ولا سيما في أبواب الزكاة، وانه من اتجر بمال اليتيم فالربح لليتيم وان وضع فعلى الذي يتجر به «49».

ولكن يمكن الجواب عن جميع ذلك بان الضمان في هذه الموارد من جهة التصرف فيما لا يجوز له التصرف فيه، وهو موجب للضمان، واما كون الربح لليتيم فإنه كالفضولي الذي اجازه مالكه، أو من بيده ولاية الأمر، فالشارع أذن التجارة الرابحة في مال اليتيم، غبطة له، فالربح يكون في ماله، واما التجارة الخاسرة وضمانها على تاجرها بغير اذن من الشارع.

6- ما دل على ضمان الوصي للزكاة أو لمال الغرماء والذي في يده ، فإنه ضامن مع انه أمين مثل ما رواه سليمان بن عبد اللّه الهاشمي عن أبيه قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل اوصى الى رجل فأعطاه ألف درهم زكاة ماله، فذهبت من الوصي قال هو ضامن، ولا يرجع على الورثة، وما رواه ابان عن رجل قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اوصى الى رجل ان عليه دينا فقال: يقضي الرجل ما عليه من دينه ، ويقسم ما بقي بين الورثة، قلت: فسرق ما اوصى به من الدين، ممن يؤخذ الدين ؟

أمن الورثة، أو من الوصي ؟ قال لا يؤخذ من الورثة ولكن الوصي ضامن لها «50».

الى غير ذلك مما في معناه.

ويمكن الجواب عن الجميع بحملها على ما إذا وجد مستحق الزكاة، أو صاحب الدين وتوانى في دفعها اليه، كما يشهد له صحيحة محمد بن مسلم قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت، هل عليه ضمانها حتى تقسم؟

فقال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها فهو لها ضامن- الى ان قال- وكذلك الوصي الذي يوصى اليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه، فان لم يجد فليس عليه ضمان «51».

وبالجملة لا تنثلم قاعدة «عدم ضمان الأمين» بشي‌ء من هذه، غاية الأمر يكون تخصيصا لها في بعض مصاديقها وقد عرفت ان لها محامل أخر غير التخصيص فتدبر جيدا.

7- ما وردت في أبواب اللقطة وانه إذا تلفت فالواجد ضامن له ، مثل ما رواه عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد بسنده عن علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: وسألته عن الرجل يصيب اللقطة دراهم أو ثوبا أو دابة كيف يصنع؟ قال يعرفها سنة فان لم يعرف صاحبها حفظها في عرض ماله، حتى يجي‌ء طالبها، فيعطيها إياه، وان مات اوصى بها فإن أصابها شي‌ء فهو ضامن «52».

ولكن يمكن حملها على صورة التعدي أو التفريط في حفظها أو على من نوى‌ أخذ الجعل لوجدانها بقرينة ما رواه عن حسين بن زيد عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام قال كان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول في الضالة يجدها الرجل فينوي أن يأخذ لها جعلا فتنفق «53» قال عليه السّلام هو ضامن فان لم ينو أن يأخذ لها جعلا ونفقت فلا ضمان عليه «54».

والرواية وان كان غير نقي الاسناد ولكن يصلح قرينة وتأييدا للجمع، ولو أغمضنا عن جميع ذلك فهو تخصيص في مورد خاص ولا ينافي أصل قاعدة نفي الضمان على الأمين.

الثالث بناء العقلاء :

ومما يدل على هذه القاعدة بعمومها بناء العقلاء من أرباب الملل وغيرهم حتى من لا ينتمي إلى دين، فإنهم لا يزالون يحكمون بعدم ضمان من ائتمنوه على شي‌ء إذا علم عدم تعديه وتفريطه، فهل ترى أحدا منهم يحكم بضمان الأجير إذا حفظ العين المستأجرة كأحد أمواله ولكن تلفت بمتلف سماوي لا دخل له فيه.

وكذا المستعير إذا حفظ العين المستعارة فتلفت لقضاء أجلها أو بوقوع غرق أو صاعقة عليها مما لا دخل للمستعير فيه، لا سيما إذا لم يتفاوت الأمر فيه بين ما إذا كان في يد المستعير أو المالك، إلا إذا كان هناك شرط أو قرينة تقوم مقام الشرط.

وأوضح من ذلك الودعي فاذا حفظ الوديعة كأحد أمواله من دون اي تفريط، ولكن سرقها سارق من بيته في جملة أمواله، فلا شك انه لا يعد ضامنا عند العقلاء وأهل العرف.

نعم إذا وقع الاشتباه في مقام الإثبات ولم يعلم انه خان في الأمانة أو لم يخن تعدى في العين المستعارة أو لم يتعد، فرط في العين المستأجرة أو لم يفرط ، فهل‌ يقبل قوله في مقام الإثبات أو يحتاج الى دليل، ولا أقل من كونه مأمونا ثقة؟ فهذا أمر آخر أجنبي عما نحن بصدده، وسنتكلم فيه إنشاء اللّه في أول تنبيهات المسئلة.

ولو شك في بعض مصاديق القاعدة فلا أقل من انه على إجمالها مما لا كلام فيه عندهم، ولا سيما في الاعذار العامة كخرابه بوقوع الزلزلة، أو الغرق أو الحرق، أو الآفات السماوية أو الأرضية وحيث ان هذا البناء منهم كان مستمرا حتى قبل ورود الشرع وكان بمرأى من الشارع المقدس وسمعه ولم يردع عنه فيعلم انه رضى به .

والظاهران الروايات الكثيرة السابقة الدالة على عدم ضمان الأمين أيضا إمضاء لهذا البناء، ولكن لا يبعد ان يكون هذه القاعدة أوسع نطاقا في الشرع مما عند العقلاء فان عمومها في الشرع واضحة حينما ليس كذلك عند العقلاء، فقد يقع الخلاف بينهم في بعض مصاديقه، وكل يتبع ما لديه من العرف والعادة أو القوانين المجعولة عندهم فالشارع المقدس في الإسلام شيّد بنيان هذه القاعدة، وبناها على مستوى عال، ودائرة واسعة، لا يعتريها شك ولا يشوبها ريب.

كما أن الظاهران إجماع الفقهاء رضوان اللّه عليهم أيضا يرجع الى ما عرفت من الروايات العامة، والخاصة، وبناء العقلاء، فيرسلونها إرسال المسلمات، ويستندون إليها في مختلف أبواب الفقه.

تنبيهات :

الأول: في معنى الأمانة في المقام :

قد مر في صدر البحث ان الأمانة تستعمل هنا في معنيين: الأمانة في مقابل الغصب، والامانة بمعنى الوثاقة.

كما عرفت ان الكلام في القاعدة أولا وبالذات في المعنى الأول، ولكن قد‌ وقع الخلط في كثير من كلماتهم من المعنيين، نظرا الى وقوع هذا التعبير بعينه في روايات القاعدة تارة في المعنى الأول، واخرى في المعنى الثاني، وقد ذكرنا ان المعنى الأول راجع الى «مقام الثبوت» والثاني إلى «مقام الإثبات»، وحيث ان البحث تمَّ مستوفى في المقام الأول فنتكلم الان في المقام الثاني.

وحاصله : انه لا شك ان الأمانة بمعنى عدم الغصب كافية في نفي الضمان، فلو كان التسلط على مال أو منفعة بإذن من المالك، أو بإجازة من الشارع، ولم يحصل من الإنسان تعد وتفريط في حفظه لم يكن ضامنا، سواء كان ثقة مأمونا أو فاسقا كذابا.

ولكن إذا حصل الشك في انه خان في الأمانة أو لم يخن، وتعدى فيها أو لم يتعد، وفرط أو لم يفرط فهل يقبل قوله مطلقا؟ أو إذا كان له بينة؟ أو يكفي اخباره إذا كان ثقة، وهذا أمر آخر يرجع الى الشك في المصداق، وانه داخل في عموم القاعدة أو خارج عنها، وبعبارة أخرى هذا من قبيل الشبهة المصداقية للمخصص.

واللازم ان يتكلم فيه أولا بحسب القواعد وثانيا نبحث عن النصوص الواردة في هذا المعنى في الأبواب المختلفة فنقول ومن اللّه التوفيق والهداية.

انه قد يتوهم الرجوع الى أصالة البراءة عن الضمان هنا بعد عدم جواز التمسك بعموم العام بالشبهات المصداقية للمخصص.

كما انه قد يتوهم ان مقتضى الاستصحاب، وأصالة عدم التعدي والتفريط عدم الضمان، لكن يشكل الأول بأن المقام ليس مقام البراءة، بل الأصل في الأموال كما عرفت كونها محترمة إلا بإذن مالكها أو الشارع الذي هو مالك الملوك، وحيث لا نعلم ان التلف كان بتعد وتفريط أو لم يكن، فعلى الأخذ إثبات كونه مأذونا غير متعد ولا مفرط ولذا لا نجد أحدا من العقلاء يكتفي بقول الأجير ان متاعك الذي كان عندي ضاع، أو سرق من غير اقامة دليل عليه، ولو أمكن ذلك كان لكل اجير ومضارب‌ ومستعير ووكيل دعوى حصول التلف ولزم منه الهرج والمرج والفوضى بين الناس ولم يستقر حجر على حجر، وانفتح باب الخيانة امام الناس ولم يعتمد احد على احد.

والحاصل ان احترام الأموال يوجب الضمان في موارد الشك الا ان يأتي الأخذ بدليل، أو كان ثقة مأمونا، فلذا لا يجوز الرجوع الى أصالة البراءة.

ومن هنا تعرف الكلام في الاستصحاب وانه على فرض إجرائه محكوم بقاعدة احترام الأموال مضافا الى ان الاستصحاب قد يدل على الضمان كما إذا استصحب عدم الحفظ لها وعدم العناية باحتفاظها فتأمل، والحاصل انه ليس المقام مما يرجع فيه الى الأصول العملية بعد وجود الدليل الخاص.

واما الروايات فهناك طوائف تدل على الضمان عند الشك .

الطائفة الأولى ما دل على ضمانهم الا ان يقيموا البينة :

1- منها- ما رواه أبو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن قصار دفعت اليه الثوب، فزعم انه سرق من بين متاعه قال فعليه ان يقيم البينة أنه سرق من بين متاعه، وليس عليه شي‌ء، فان سرق متاعه كله فليس عليه شي‌ء «55».

2- وما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حمال يحمل معه الزيت فيقول قد ذهب أو أحرق أو قطع عليه الطريق، فان جاء ببينة عادلة انه قطع عليه، أو ذهب فليس عليه شي‌ء، والا ضمن «56».

3- وما رواه علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن رجل استأجر دابة فوقعت في بئر فانكسرت، ما عليه؟ قال: هو ضامن ان كان لم يستوثق منه فإن أقام البينة أنه ربطها فاستوثق منها فليس عليه شي‌ء «57».

4- وما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن رجل حمال استكرى منه إبلا (إبل) وبعث معه بزيت إلى أرض وزعم ان بعض زقاق الزيت انخرق فأهراق ما فيه فقال: انه ان شاء أخذ الزيت، وقال انه انخرق ولكنه لا يصدق إلا ببينة عادلة «58».

ومن بين هذه الروايات روايات صحاح معتمد عليها، بحسب السند، ويستفاد من مجموعها ان دعوى الحمال ومثله التلف لا تقبل بدون البينة والأصل كونه ضامنا.

الطائفة الثانية: ما دل على عدم ضمانهم إذا كانوا ثقاة وهي روايات كثيرة نكتفي بذكر شطر منها :

مثل ما رواه أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الحمال يكسر الذي يحمل أو يهريقه؟ قال: ان كان مأمونا فليس عليه شي‌ء، وان كان غير مأمون فهو له ضامن «59».

ومن الواضح انه ليس المراد منه صورة العلم بإتلافه، لعدم دخالة الامانة والوثاقة في مسألة الإتلاف وانما المراد منها بقرينة ذيلها صورة الشك في صحة دعواه.

وما سأله خالد بن الحجاج، أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الملاح أحمله الطعام ثمَّ اقبضه منه، فينقصه، قال ان كان مأمونا فلا تضمنه «60».

وما رواه حذيفة بن منصور قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يحمل المتاع بالأجر فيضيع المتاع، فتطيب نفسه أن يغرمه لأهله، أ يأخذونه؟ قال فقال لي أمين هو؟ قلت نعم، قال: فلا يأخذ منه شيئا «61».

وما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أيما رجل تكارى دابة فأخذته الذئبة‌ فشقت كرشها فنفقت فهو ضامن الا ان يكون مسلما عدلا «62».

وكيفية الاستدلال بها كالرواية الأولى، فإن المفروض الشك في صدق دعوى الأجير والا لو علم بصدقه في دعواه لم يكن وجه لضمانه.

وما ورد في أبواب العارية عن عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العارية فقال لا غرم على مستعير عارية إذا هلكت إذا كان مأمونا «63».

وما ورد في أبواب الوديعة أرسله الكليني في الكافي قال في حديث آخر إذا كان مسلما عدلا فليس عليه ضمان «64».

الى غير ذلك مما ورد في أبواب مختلفة.

الطائفة الثالثة: ما دل على جواز استخدامه إذا كان متهما،

وان لم يكن متهما فليس عليه شي‌ء، مثل ما رواه بكر بن حبيب قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أعطيت جبة الى القصار فذهبت بزعمه قال ان اتهمته فاستحلفه وان لم تتهمه فليس عليه شي‌ء «65».

وما رواه جعفر بن عثمان قال حمل ابي متاعا الى الشام مع جمال فذكر ان حملا منه ضاع فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال أ تتهمه؟ قلت لا، قال فلا تضمنه «66».

إذا عرفت هذا فاعلم انه وقع الكلام بين فقهائنا في أبواب الإجارة في ان الأجير مثل الصانع أو الملاح أو المكاري إذا ادعى هلاك المتاع من غير تعد ولا تفريط وأنكر المالك هل يقبل قوله بغير البينة أم لا؟ حكى عن المشهور كما عن‌ المسالك ضمانه بغير البينة، بل ادعي الإجماع عليه، ولكن اختار جماعة قبول قولهم مع اليمين، لأنهم أمناء، بل ادعى المحقق في الشرائع انه أشهر الروايتين، وحكى هذا القول عن الشيخ في غير واحد من كتبه والمراسم والكافي والسرائر والتذكرة والقواعد وإيضاحها، وإيضاح النافع وجامع المقاصد والرياض وغيرها.

واستدل عليه بما قد عرفت من رواية بكر بن حبيب في الطائفة الثالثة، وبما رواه معاوية بن عمار في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن الصباغ والقصار فقال ليس يضمنان «67».

وما رواه أبو بصير المرادي عن الصادق عليه السّلام أيضا قال: لا يضمن الصائغ ولا القصار ولا الحائك الا أن يكونوا متهمين فيخوف بالبينة، ويستحلف ولعله يستخرج منه شيئا «68».

و لكن من المعلوم ان الدقة في الطوائف الثلث من الروايات التي مرت عليك تدل دلالة واضحة على القول الأول وان أرباب الحرف وغيرهم ضامنون لما يعطون إذا شك في صدق دعواهم في التلف والحرق أو الغرق، وان الذي ينفى ضمانهم أحد أمرين: إقامة البينة على صدق دعواهم، وكونهم أمناء، والمراد بالأمين هنا ليس الأمين في مقابل الغاصب بل الأمين بمعنى الثقة ومن لا يكون متهما في قوله كما صرح به الروايات السابقة.

وبالجملة لا يبقى أي شك لمن راجعها وفسر بعضها ببعض، وقيّد إطلاق بعضها ببعض آخر ان المراد من الجميع شي‌ء واحد، وهو نفي الضمان إذا لم يكن هناك قرائن التهمة، بل لو لم يكن هناك بينة لا وثوق ولكن قامت أمارات من الخارج على عدم اتهامهم مثل ما إذا سرق جميع أمواله، أو وقع حريق وذهب أمواله أجمع ومن بينها أموال الناس، وحينئذ لا يضمن كما وقع التصريح به بعنوان الشي‌ء الغالب (كالغرق والحرق) في رواية أمير المؤمنين عليه السّلام «69» ومثله ما ورد في حديث أبي بصير انه ان سرق متاعه كله فليس عليه شي‌ء «70».

وقد عرفت ان مدار العمل بين العقلاء أيضا على ذلك، فلا تقبل دعوى التلف من المستعير والأجير والودعي وغيرهم، ولو قبل ذلك لم يستقر حجر على حجر، نعم إذا كانوا غير متهمين أو كان هناك قرائن خارجية على عدم الاتهام يقبل قولهم.

والحاصل ان المسئلة أوضح من ان يحتاج الى بحث كثير، ولعل وقوع الخلط بين الامانة بالمعين في كلماتهم صار منشأ لكثير من الأقوال المخالفة (و اللّه العالم).

ومما ذكرنا يعلم انه لا يمكن الاعتماد على ما رواه في المقنع من عدم الضمان ولو كان غير ثقة مع ضعف الحديث بالإرسال «71».

نعم يظهر من بعض روايات الباب انه يستحب التطول عليهم بعدم أخذ المال منهم عند الشك في صدق كلامهم إذا لم يكونوا أمناء «72» ولا بأس بالعمل به.

التنبيه الثاني: هل يجوز اشتراط ضمان الأمين؟

قد عرفت ان الأمين غير ضامن بطبيعة الحال، ولكن الكلام في انه هل يجوز تضمينه بمقتضى الشرط؟ بان يشترط المؤجر ضمان العين المستأجرة ولو لم يتعد ولم يفرط، وكذلك بالنسبة إلى العامل في المضاربة، الى غير ذلك من أشباهه.

لا شك في جواز ذلك في بعض مواردها لورود التصريح بالجواز في نصوصها كما في العارية، فإن النص ناطق بجواز الاشتراط فيها، وافتى الأصحاب به أيضا بل حكى الإجماع عليه (راجع الباب الأول من أحكام العارية من المجلد 13 من الوسائل الرواية الاولى والرابعة والخامسة).

لكن وقع النزاع في موارد أخر، مثل الإجارة، فإن جماعة من القدماء والمتأخرين أفتوا بعدم جوار شرط الضمان فيها ولكن الأقوى جوازه.

والعمدة فيها وفيما لم يرد فيه نص على الجواز والمنع إطلاقات أدلة الشروط نعم قد يتوهم ان هذا الشرط مخالف لمقتضى العقد فان طبيعته عدم الضمان كما عرفت أو لمقتضى حكم الشرع فإنه حكم بعدم الضمان ولكنه توهم فاسد، لان العقد لا يقتضي الضمان عند الإطلاق، واما عند الاشتراط فلم يدل دليل على منعه، وبعبارة أخرى الضمان مخالف لإطلاق العقد، لا العقد مطلقا ولو مع الشرط.

كما انه قد يتوهم انه غير جائز لأنه من قبيل شرط النتيجة ولكن يمكن الجواب عنه بإمكان جعله من قبيل شرط الفعل مضافا الى ان الأقوى صحة شرط النتيجة فيما لا يتوقف على الإنشاء بصيغة خاصة كما حرر في محله.

ومن أقوى الدليل على صحته ورود جواز اشتراط الضمان في باب العارية وغيرها، مما يشترك مع ما هو من محل الكلام بحسب الملاك.

مثل ما رواه يعقوب بن شعيب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يبيع للقوم بالأجر، وعليه ضمان مالهم قال انما كره ذلك من أجل اني أخشى ان يغرموه أكثر مما يصيب عليهم، فاذا طابت نفسه فلا بأس «73».

نعم هناك موارد خاصة لا يجوز هذا الشرط فيها، اما لمنافاته لمقتضى العقد أو للنصوص الخاصة.

اما الأول: مثل المضاربة فإن اشتراط الضمان فيها يوجب انقلابها قرضا كما صرح به الأصحاب فإن رأس المال إذا اعطى لغير المالك ليتجر به على ان يكون الربح بينهما فهي مضاربة، وان اعطى على أن يكون جميع الخسارة عليه فهو قرض، فالربح له أيضا بتمامه، وان اعطى على أن يكون تمام الربح للمالك وهي المسماة باسم البضاعة عندهم.

والعمدة في ذلك مضافا الى ما ذكر صحيحة محمد بن قيس فقد روى ان من ضمن تاجرا فليس له الا رأس ماله وليس له من الربح شي‌ء «74».

وما قد يقال من انه مخالف للقواعد، لان ما قصده لم يقع وما وقع لم يقصد فإنه لم يقصد عنوان القرض، ولكن يجاب عنه بان القرض ليس إلا إعطاء مال وتضمين الخسارة، وبعبارة أخرى التمليك مع الضمان وهو هنا حاصل.

وكذلك الحال في الوديعة فقد ذكر الشيخ (ره) في الخلاف: إذا شرط في الوديعة ان تكون مضمونة كان الشرط باطلا، ولا تكون مضمونة بالشرط، وبه قال جميع الفقهاء الا عبيد اللّه بن الحسن العنبري فإنه قال تكون مضمونة، دليلنا إجماع الفرقة، بل إجماع الأمة، لأن خلاف العنبري قد انقرض، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ان النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: ليس على المستودع ضمان- ولم يفصل «75».

و يظهر من ذيل كلامه قدس سره ان إسناده هذا القول إلى الأصحاب لعله كان من باب إطلاق كلامه لعدم الضمان، لا التصريح بفساد الشرط، ومن هنا يشكل دعوى الإجماع في المسألة، ولقائل أن يقول ان عدم الضمان في الوديعة هو مقتضى إطلاق العقد، ولا ينافي الضمان بالاشتراط، كيف وقد روى زرارة في الصحيح قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن وديعة الذهب والفضة قال: فقال كل ما كان من وديعة ولم‌ تكن مضمونة لا تلزم «76».

ومن هنا يعرف الاشكال فيما يمكن أن يقال ان حقيقة الوديعة هي استنابة في الحفظ، ومن المعلوم ان عمل النائب هو عمل المنوب عنه، فكما لا يجوز للإنسان أن يضمن نفسه، فلا يجوز تضمين الودعي أيضا.

ولكنه توهم فاسد، لان تشبيه الودعي بالمالك ليس من جميع الجهات، بل انما هو من بعض الجهات، فلذا لو تعدى المالك في حفظ مال نفسه لم يكن معنى لضمانه، مع ان الودعي إذا تعدى أو فرط كان ضامنا بلا اشكال

ومنه يظهر الحال في الوكالة، فقد يقال ببطلان اشتراط الضمان فيها أيضا، اما لمخالفته لمقتضى العقد فان الوكيل نائب عن المالك، وكما لا معنى لتضمين المالك نفسه فكذا لا معنى لتضمين وكيله.

وقد عرفت الجواب عنه، وان كونه بمنزلة المالك انما هو من بعض الجهات لا من جميع جهاته، ولذا لو تعدى أو فرط كان ضامنا بلا كلام.

فقد تلخص من جميع ما ذكرنا ان العقود التي مقتضاها الامانة، تنقسم إلى ثلاثة أقسام من حيث صحة اشتراط الضمان فيها وعدمها.

قسم منها يصح الاشتراط فيها وهو أكثر العقود، وقسم لا يصح كالمضاربة وقسم يكون محلا للكلام كالوديعة والوكالة وان لم نجد دليلا قاطعا على الفساد فيهما أيضا.

الثالث: ما المراد من التعدي والتفريط ؟

قد عرفت ان الأمين ليس بضامن إلا إذا تعدى أو فرط فحينئذ يأتي الكلام‌ في معنى التعدي والتفريط، وفسره في المسالك بأن التعدي فعل ما لا يجوز فعله، واما التفريط فأمر عدمي وهو ترك ما يجب فعله من الحفظ.

وقد مثل للأول المحقق في الشرائع بأمور مثل ان يلبس الثوب الذي عنده بعنوان الوديعة، أو يركب الدابة أو يخرجها من حرزها لينتفع بها.

ومثل للثاني بما إذا جعلها في ما ليس بحرز، أو ترك سقي الدابة أو علفها، أو نشر الثوب الذي يفتقر الى النشر أو يودعها من غير ضرورة، ولا اذن صاحبه أو يسافر بها كذلك مع خوف الطريق، بل ومع أمنه، ولكن مع ذلك لم يفسرهما بما يكون جامعا في هذا الباب، وانما اكتفى غالبا بذكر الأمثلة.

هذا والضمان معهما قطعي مجمع عليه، ولكن من الجدير بالذكر انهما بهذين العنوانين لم يردا في نصوص هذه الأبواب، وانما ورد فيها عناوين أخر من الاستهلاك والضياع، أو خالف الشرط وضاع، أو دفعه الى غيره، وما ورد في صحيحة أبي ولاد المعروفة من عنوان المخالفة، وعنوان التجاوز عن الشرط الوارد في غير واحد من روايات أبواب الإجارة، أو التجاوز عن الموضع الذي تكارى إليه، الى غير ذلك الذي يمكن استفادة العنوانين واصطيادهما منها.

أضف الى ذلك ما قد عرفت من ان هذه القاعدة من القواعد العقلائية قبل ان تكون شرعية، ومن الواضح انها مخصصة عند العقلاء بالتعدي والتفريط وقد أمضاها الشرع بما عندهم، غير انه زاد عليه أشياء أو نقص، وليس هذا منها.

ومن هنا تعرف انه لا يهمنا البحث عن هذين العنوانين بخصوصها ومقدار شمول لفظهما وان الأول يختص بالأمور الوجودية وفعل ما لا ينبغي فعله، والثاني بالأمور العدمية، وهي ترك ما ينبغي فعله وإيجاده.

نعم كلما يوجب خروج الأمين عن الامانة ويجعله غاصبا غير مأذون في التصرف فهو موجب للضمان بمقتضى قاعدة احترام مال المسلم، فكل تصرف خارج عن‌ اجازة المالك فهو داخل في عنوان التعدي موجب للضمان ودليله صيرورة الأمين خائنا والمأذون غاصبا.

وكذلك كلما يجب على الأمين فعله من الحفظ من جهة الحرز والنشر والسقي والعلف وغير ذلك إذا قصّر فيها، فإنه وان لم يصدق عليه عنوان الغاصب ولكنه مستثنى عن حكم عدم الضمان قطعا فهو ضامن.

وبعبارة أخرى التعدي يوجب خروجه عن الاذن وصيرورته غاصبا، ولكن التفريط لا يوجب خروجه عن هذا العنوان ولكن يوجب خروجه عن حكم البراءة، فان عدم الضمان مشروط بشرط وهو قيامه بوظائف الحفظ فاذا لم يقم بها كان ضامنا لا لصدق الغاصب عليه أو الخيانة بل لعدم وجود شرط البراءة فيه فتدبر جيدا.

التنبيه الرابع: في حكم ما لو لم يتلف العين ولكن تعيب إذا لم يهلك المتاع ولكن نقص منه شي‌ء أو وصف، أو تعيب بعيب، والظاهر ان حكمه حكم التلف في عدم الضمان إذا لم يكن خائنا وفي ضمانه إذا كان كذلك لو لم يقم بوظائف الامانة.

ويدل عليه قياس الأولوية في بعض شقوق المسألة، أعني عدم الضمان إذا كان أمينا، فإن التلف إذا لم يكن مضمونا لم يكن النقص والعيب مضمونين بطريق أولى.

أضف الى ذلك جريان السيرة العقلائية عليه، وعدم ردع الشارع عنه.

مضافا الى كون الحكم إجماعيا على الظاهر.

وأوضح من جميع ذلك ورود التصريح به في بعض روايات الضمان كصحيحة أبي ولاد «77» المصرحة بأنه لو أصاب البغل كسر أو دبر أو غمز فعلى المستأجر قيمة‌ ما بين الصحة والعيب.

وما دل على ضمان القصار والصباغ والصائغ فإنه مطلق يشمل التلف والعيب كليهما «78».

وما ورد في ضمان الملاح نقص الطعام إذا لم يكن مأمونا «79».

بناء على ان النقص مفهوم عام فتأمل.

وكذلك ما دل على ان من استعار عبدا مملوكا لقوم فعيب فهو ضامن «80».

الى غير ذلك من أشباهه.

إلى هنا تمَّ الكلام في قاعدة عدم ضمان الأمين وما يتفرع عليه من الفروع الكلية والحمد للّه/ 27 صفر المظفر 1405‌ .

_________________

(1) الوسائل ج 13 كتاب الإجارة الباب 28 الحديث 1.

(2) الوسائل ج 13 كتاب الإجارة الباب 29 الحديث 4.

(3) المستدرك ج 2 ص 506 كتاب الوديعة.

(4) السنن الكبرى للبيهقي ج 6 كتاب العارية ص 90.

(5) الوسائل ج 13 كتاب الإجارة الباب 28 الحديث 1.

(6) الوسائل ج 13 كتاب الإجارة الباب 28 الحديث 2 و3.

(7) الوسائل ج 13 كتاب العارية الباب 1 الحديث 6.

(8) المستدرك ج 2 كتاب الوديعة ص 506.

(9) الوسائل ج 19 كتاب الديات أبواب موجبات الضمان الباب 29 الحديث 2.

(10) الوسائل ج 13 كتاب الوديعة الباب 4 الحديث 5.

(11) الوسائل ج 13 كتاب الوديعة الباب 4 الحديث 2.

(12) الدارمي كتاب الوصايا ص 9 (نقله في المعجم المفهرس في مادة أمن).

(13) الوسائل ج 13 كتاب الوديعة الباب 4 الحديث 7.

(14) الوسائل ج 13 كتاب الوديعة الباب 1 الحديث 1.

(15) الوسائل ج 13 كتاب العارية الباب 1 الحديث 5 وروى أبو داود هذه الرواية بطرق مختلفة وعبارات شتى في سننه ج 3 الباب 54.

(16) الوسائل ج 13 كتاب العارية الباب 2 الحديث 1.

(17) الوسائل ج 13 كتاب الرهن الباب 5 الحديث 7.

(18) الوسائل ج 13 كتاب الرهن الباب 5 الحديث 8.

(19) الوسائل ج 13 كتاب المضاربة الباب 3 الحديث 2.

(20) الوسائل ج 13 كتاب الإجارة الباب 32 الحديث 1.

(21) الوسائل ج 13 كتاب الإجارة الباب 30 الحديث 15.

(22) الوسائل ج 13 كتاب الوصايا الباب 36 الحديث 1.

(23) سنن ابن ماجه ج 2 باب الوديعة ص 802 الحديث 2401.

(24) السنن الكبرى للبيهقي ج 6 ص 289.

(25) السنن الكبرى للبيهقي ج 6 ص 41.

(26) السنن الكبرى للبيهقي ج 6 ص 39.

(27) الوسائل ج 13 أبواب المضاربة الباب 1 الحديث 12.

(28) الوسائل ج 13 أبواب الإجارة الباب 17 الحديث 3.

(29) الوسائل ج 13 أبواب المضاربة الباب 1 الحديث 2.

(30) الوسائل ج 13 أحكام المضاربة الباب 1 ح 1.

(31) روى جميعها في الوسائل في الباب الأول من أبواب أحكام المضاربة.

(32) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 17 ح 1.

(33) رواها في الوسائل في الباب 17 من أبواب أحكام الإجارة وفي الباب 16 أيضا

(34) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 32 الحديث 4.

(35) رواها في الوسائل في الباب 32 من أبواب أحكام الإجارة.

(36) الوسائل ج 13 أحكام العارية الباب 1 ح 3.

(37) الوسائل ج 13 أحكام العارية الباب 1 ح 7.

(38) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 30 ح 16.

(39) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 ح 4 و6 و12 و22.

(40) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 ح 1.

(41) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 ح 8.

(42) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 الحديث 19.

(43) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 الحديث 23.

(44) لا سيما الباب 29 و30 من أحكام الإجارة.

(45) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 30 الحديث 4.

(46) الوسائل ج 13 أحكام العارية الباب 3 الحديث 1.

(47) الوسائل ج 13 أحكام المضاربة الباب 10 الحديث 1.

(48) الوسائل ج 13 احكام الوصايا الباب 36 الحديث 5.

(49) الوسائل ج 6 أبواب من تجب عليه الزكاة الباب 2 الحديث 2.

(50) الوسائل ج 13 احكام الوصايا الباب 36 الحديث 3 و4.

(51) الوسائل ج 13 احكام الوصايا الباب 36 الحديث 1.

(52) الوسائل ج 17 كتاب اللقطة الباب 2 الحديث 13.

(53) أى تهلك.

(54) الوسائل ج 17 كتاب اللقطة الباب 19 الحديث 19.

(55) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 الحديث 5.

(56) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 30 الحديث 19.

(57) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 32 الحديث 4.

(58) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 30 الحديث 1.

(59) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 30 الحديث 7.

(60) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 30 الحديث 3.

(61) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 30 الحديث 12.

(62) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 32 الحديث 3.

(63) الوسائل ج 13 أحكام العارية الباب 1 الحديث 3.

(64) الوسائل ج 13 أحكام الوديعة الباب 4 الحديث 3.

(65) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 الحديث 16.

(66) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 30 الحديث 6.‌

(67) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 الحديث 14.

(68) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 الحديث 11.

(69) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 الحديث 6.

(70) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 الحديث 5.

(71) الوسائل ج 13 كتاب الوديعة الباب 4 الحديث 7.

(72) راجع رواية 20 من الباب 29 من أبواب الإجارة.

(73) الوسائل ج 13 أحكام الإجارة الباب 29 الحديث 15.

(74) الوسائل ج 13 أحكام المضاربة الباب 4 الحديث 1.

(75) الخلاف كتاب الوديعة ج 2 ص 324.

(76) الوسائل ج 13 أحكام الوديعة الباب 4 الحديث 4.

(77) الوسائل ج 13 أبواب الإجارة الباب 17 الحديث 1.

(78) راجع الباب 29 من أبواب الإجارة من المجلد 13 الوسائل.

(79) راجع الباب 30 من أبواب الإجارة من المجلد 13 الوسائل.

(80) الوسائل ج 12 أحكام العارية الباب 1 الحديث 11.

 

 

 

 

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.