أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-8-2016
1620
التاريخ: 10-10-2019
1207
التاريخ: 18-8-2016
5623
التاريخ: 18-8-2016
1291
|
ووجه البحث عن الإجماع المحصّل أنّه يمكن أن يكون الإجماع المنقول مشمولا لأدلّة حجّية خبر الواحد على بعض المباني في الإجماع المحصّل دون بعض، فلا بدّ من البحث أوّلا عن وجوه حجّية الإجماع المحصّل عندهم والمسالك التي سلكوها في ذلك، فنقول: يوجد في الإجماع المحصّل مبنيان معروفان: مبنى أهل السنّة، ومبنى الشيعة، فالمعروف والمشهور عند السنّة أنّ الإجماع في نفسه حجّة، أي للاُمّة بما هي اُمّة عصمة تعصمها عن الخطأ، ولذلك عبّر شيخنا الأعظم الأنصاري(رحمه الله) عن إجماعهم بالإجماع الذي هو الأصل لهم وهم الأصل له، وأمّا
الشيعة فالإجماع عندهم حجّة بالعرض، أي بما هو كاشف عن قول المعصوم أو مشتمل عليه، فهو بحسب الحقيقة يرجع إلى السنّة وليس دليلا على حدة، فالأدلّة عندنا في الواقع ثلاثة لا أربعة.
وتنبغي الإشارة أيضاً إلى معنى الإجماع لغة واصطلاحاً فنقول: أمّا لغة فهو بمعنى الاتّفاق، وأمّا في مصطلح الاُصوليين فهو اتّفاق مخصوص.
وقد اختلف العامّة في تحديد الإجماع وتعريفه على أقوال: فقال بعضهم أنّه اتّفاق اُمّة محمّد(صلى الله عليه وآله) على أمر من الاُمور الدينيّة، وقال بعض آخر أنّه اتّفاق أهل الحلّ والعقد من اُمّة محمّد(صلى الله عليه وآله) وثالث: أنّه اتّفاق المجتهدين من اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله)في عصر على أمر، ورابع: أنّه اتّفاق أهل المدينة، وخامس: أنّه اتّفاق أهل الحرمين، بل يظهر من بعضهم أنّه اتّفاق الشيخين أو الخلفاء الأربعة.
وأمّا الشيعة فهو عندهم على أربعة أنواع: الدخولي (التضمّني) والحدسي والتشرّفي واللطفي، ولكلّ تعريف يخصّه سيأتي عند البحث عن كلّ واحد منها.
1 ـ دليل حجّية الإجماع عند العامة:
وقد استدلّ العامّة على حجّية الإجماع بالأدلّة الثلاثة: الكتاب والسنّة والعقل.
أمّا الكتاب فاستدلّوا منه بآيات عديدة: الأهمّ منها قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } [النساء: 115] (الشقاق بمعنى العداوة).
تقريب دلالتها: أنّ الله تعالى جمع بين مشاقّة الرسول (صلى الله عليه وآله) واتّباع غير سبيل المؤمنين في الوعيد، فيلزم أن يكون اتّباع غير سبيل المؤمنين محرّماً مثل مشاقّة الرسول، وإذا حرم اتّباع غير سبيل المؤمنين وجبّ اتّباع سبيلهم إذ لا ثالث لهما، ويلزم من اتّباع سبيلهم أن يكون الإجماع حجّة لأنّ سبيل الإنسان هو ما يختاره من القول أو الفعل أو الاعتقاد.
ولكن الإنصاف أنّ هذه الآية لا ربط لها بمسألة الإجماع في الأحكام الفرعيّة، بل إنّها تنهى عن معصية الرسول وشقّ عصا المجتمع الإسلامي، وتتكلّم عن مخالفة الرسول والكفر بعد الإيمان وما يترتّب عليه من العذاب الاُخروي، فالمقصود من اتّباع غير سبيل المؤمنين في قوله تعالى: (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ)هو مخالفة الرسول واتّباع الكفر بعد الإيمان، فإنّ سبيل المؤمنين بما هم مجتمعون على الإيمان هو الاجتماع على طاعة الرسول الذي طاعته طاعة الله تعالى.
والشاهد على ذلك اُمور:
1 ـ ما ورد في شأن نزولها من أنّ قوماً من الأنصار من بني ابيرق اخوة ثلاثة كانوا منافقين: بشير وبشر ومبشّر، فنقبوا على عمّ قتادة بن النعمان، وأخرجوا طعاماً كان أعدّه لعياله وسيفاً ودرعاً، فشكا قتادة ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)وفضح بنو ابيرق، فكفر بشر وارتدّ، ولحق بالمشركين بدل أن يستغفر الله ويتوب إليه من ذنبه فأنزل الله «ومن يشاقق ..» حيث إن اتّباع بشر غير سبيل المؤمنين إنّما هو ارتداده ولحوقه بالمشركين لا مخالفته لإجماع المسلمين في حكم فرعي.
2 ـ إنّ سبيل المؤمنين في قوله تعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 115] سبيلهم بما هم مجتمعون على الإيمان، فيكون المعنى، سبيل الإيمان، لأنّ تعليق حكم بوصف مشعر بعلّيته. فالمراد من الآية الخروج من الإيمان إلى الكفر لا المخالفة في المسائل الفرعيّة.
3 ـ أنّ قوله تعالى: «ويتّبع ...» شرط في الجملة، وجزاؤه قوله تعالى: «نولّه ما تولّى» ولا إشكال في أنّ المقصود من الجزاء انّا نأخذه على ما جرى عليه من ولاية الطاغوت فوزانه وزان قوله تعالى في ذيل آية الكرسي: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ } [البقرة: 257] وقوله تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71] فليكن المقصود من الشرط (اتّباع غير سبيل المؤمنين) أيضاً قبول ولاية الطاغوت.
4 ـ لو لم يكن قوله تعالى: (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) عطفاً تفسيريّاً لمشاقّة الرسول، وكان المراد منه مخالفة الإجماع في المسائل الفرعيّة، أي أمراً آخر وراء مشاقّة الرسول (صلى الله عليه وآله)فلتكن هي وحدها موجبة للدخول في جهنّم كما أنّ مشاقّة الرسول وحدها موجبة له، ولازمه حينئذ العطف بـ «أو» مع أنّه عطف بالواو، وهو ظاهر في مطلق الجمع، ولازمه التفسير والتوضيح.
5 ـ قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى) دليل آخر على المقصود، حيث إنّه يدلّ على أنّ الكلام في الضلالة بعد الهداية، فيوجب ظهور قوله: «ويتّبع ...» في كونه تفسيراً لاتّباع الضلالة بعد تبيّن الهداية.
فظهر من مجموع هذه القرائن والشواهد أنّ الآية لا دخل لها بالإجماع في الأحكام الفرعيّة، بل ناظرة إلى المسائل الاُصوليّة (اُصول الدين).
وهيهنا آيات اُخر استدلّوا بها على حجّية الإجماع أيضاً، منها قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] بتقريب أنّ الوسط هو العدل والخير، والعدل أو الخير لا يصدر عنه إلاّ الحقّ، والإجماع صادر عن هذه الاُمّة العدول الخيار فليكن حقّاً.
والجواب عنها واضح، لأنّ المراد من الوسط هو الاعتدال والسلامة من طرفي الإفراط والتفريط، ولا إشكال في أنّ هذه الاُمّة بالنسبة إلى أهل الكتاب والمشركين على هذا الوصف فإنّ بعضهم وهم المشركون والوثنيّون مالوا إلى تقوية جانب الجسم محضاً لا يريدون إلاّ الحياة الدنيا، وبعضهم كالنصارى اهتمّوا بتقوية جانب الروح لا يدعون إلاّ الرهبانيّة، لكن الله سبحانه جعل هذه الاُمّة وسطاً وجعل لهم ديناً يهدي إلى وسط الطرفين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، كما يهدي إلى أنّه لا تعطيل ولا تشبيه ولا جبر ولا تفويض.
ومعنى «شهداء على الناس» أنّ هذه الاُمّة لكونها وسطاً يمكن لها أن تكون شهيدة على سائر الاُمم الواقعة في طرفي الإفراط والتفريط، واُسوة ومثالا لهم يقاس ويوزن بها كلّ من الطرفين، كما أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) هو الاُسوة والمثال الأكمل لهذا الاُمّة وميزان يوزن به حال الآحاد من الاُمّة.
فإذا كان هذا هو معنى الآية فلا ربط لها بمسألة الإجماع في الأحكام الفرعيّة كما هو ظاهر، مضافاً إلى أنّ الاُمّة عام إفرادي يشمل آحاد الاُمّة فيكون كلّ واحد من الاُمّة شاهداً وشهيداً، ولازم هذا الاستدلال حينئذ أن يكون كلّ فرد من أفراد الاُمّة معصوماً عن الخطأ، وهو كما ترى.
ولو سلّم كونها عاماً مجموعياً، أي كان النظر إلى الاُمّة من حيث إنّها اُمّة فغاية ما تقتضيه الآية هي إثبات العدالة لها لا العصمة، والذي ينفع في المقام إنّما هو إثبات العصمة لا العدالة لتتمّ كاشفيتها عن الواقع.
ومنها قوله تعالى: { كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]
بتقريب أنّ الله تعالى وصف الاُمّة في هذه الآية بأنّها خير الاُمّة وأنّها تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر، فلا يجوز أن يقع منها الخطأ، لأنّ ذلك يخرجها عن كونها خياراً ويخرجها عن كونها آمرة بالمعروف وناهيّة عن المنكر.
وفيه: أنّه لا ملازمة بين عدم جواز وقوع الخطأ وبين كونهم خياراً، لأنّ الخيار قد يقع منهم الخطأ وإن كانوا معذورين، كما هو الشأن في غير المعصومين من العدول فإنّه يقال: إنّ الشيخ الأعظم الأنصاري(رحمه الله) مثلا من الخيار أو أنّ أبا ذر(رضي الله عنه)كان من خيار الاُمّة مع عدم كونهما معصومين.
ومنها قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } [آل عمران: 103] بتقريب أنّ الإجماع حبل الله فيجب الاعتصام به ولا يجوز التفرّق عنه.
وفيه أوّلا: أنّ الآية تأمر بإيجاد الاتّحاد بين المسلمين، والاتّحاد شيء وقبول كلّ رأي وعقيدة تعبّداً شيء آخر، ولا ملازمة بينهما.
ثانياً: دلالة الآية على المدّعى موقوفة على أن يكون الإجماع مصداقاً لمفهوم حبل الله، مع أنّ من الواضح أنّ الحكم لا يثبت موضوعه، بل تدلّ على لزوم الاعتصام بحبل ثبت كونه حبل الله تعالى بدليل آخر.
هذا كلّه من ناحية استدلالهم بالكتاب وقد عرفت أنّها تكلّفات بعيدة وتشبّثات واهيّة.
وأمّا السنّة: فاستدلّوا منها بحديث نبوي نقل بطرق مختلفة على مضامين متفاوتة، فنقل من طريق عمر وابن مسعود وأبي سعيد الخدري وأنس بن مالك وابن عمر وأبي هريرة وحذيفة بن اليمان وغيرهم(1).
ففي سنن ابن ماجة(2): حدّثني أبو خلف الأعمى قال: سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: «إنّ اُمّتي لا تجتمع على ضلالة فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم» وفي نقل آخر: «لم يكن الله ليجمع اُمّتي على الضلالة» وفي ثالث: «سألت الله أن لا يجمع اُمّتي على الضلالة فأعطانيها» وفي رابع: «لا تزال طائفة من اُمّتي على الحقّ ظاهرين لا يضرّهم من خالفهم» (وفي تعبير آخر: لا يضرّهم خلاف من خالفهم).
وقد نوقش فيه: تارةً من ناحية السند، واُخرى من ناحية الدلالة، أمّا السند فقد ناقش فيه أهل السنّة أنفسهم، منهم بعض شرّاح سنن ابن ماجة فإنّه قال في ذيل هذا الحديث: «وفي إسناده ابو خلف الاعمى واسمه حازم ابن عطاء وهو ضعيف، وقد جاء الحديث بطرق في كلّها نظر».
أمّا الدلالة فلو كان في التعبير الوارد في الحديث كلمة «خطأ» كما هو المعروف في الألسنة أي كان الحديث هكذا: لا تجتمع اُمّتي على خطأ، فلا إشكال في دلالته لكن لم يرد الحديث بهذا التعبير في الجوامع الموجودة، بل التعبيرات منحصرة فيما نقلناه(3)، وحينئذ لقائل أن يقول: إنّ التعبير بالضلالة الموجود فيها ظاهرة في الضلالة في اُصول الدين لأنّ هذا هو المتبادر من الضلالة، فلا يثبت بها حجّية الإجماع في الأحكام الفرعيّة، هذا أوّلا.
وثانياً: سلّمنا الإطلاق وصحّة السند إلاّ أنّ متعلّق الضلالة فيها هو لفظ الاُمّة، فيكون المفاد حينئذ أنّ جميع المسلمين لا يجتمعون على باطل (لأنّ الظاهر من الاُمّة هو تمام الاُمّة) وهذا لا يفيد إلاّ من يقول بأنّ إجماع الاُمّة حجّة، أمّا سائر الأقوال كإجماع العلماء أو إجماع أهل الحرمين أو الصحابة أو أهل المدينة وغيرها من الأقوال، فإنّ هذا الحديث لا يصلح لإثباتها، فالذي يثبت به إنّما هو حجّية إجماع الاُمّة وهذا ممّا لا بأس بالالتزام به عند الإماميّة أيضاً لاعتقادهم بوجود المعصوم (عليه السلام) في الاُمّة في كلّ زمان، فلعلّ جعل الحجّية من ناحية النبي(صلى الله عليه وآله)لاشتمالها على المعصوم (عليه السلام) لا من حيث هي هي، ولا يخفى أنّ هذا الجواب يجري حتّى لو كان في متن الحديث كلمة «الخطأ» لا الضلالة.
وعلى كلّ، هذه الرّواية لا تصدق فيما إذا خالفت طائفة من الاُمّة فتنحصر طبعاً في خصوص الضروريات، وإذن يكون مفادها مقبولا معقولا بل يمكن تأييدها بدليل العقل لأنّ الخطأ في ما ثبتت ضرورته من الدين محال عادة.
وأما قوله (صلى الله عليه وآله) في ذيل النقل الأوّل: «فعليكم بالسواد الأعظم» فقد ورد مثل هذا التعبير في نهج البلاغة في كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال: «والزموا السواد الأعظم فإنّ يد الله مع الجماعة وإيّاكم والفُرقة فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان كما أنّ الشاذّ من الغنم للذئب»(4).
والإنصاف أنّه لا ربط له بمسألة الإجماع في الفروع بل هذا الذيل بقرينة صدره وهو: «لا تجتمع على ضلالة» منصرف إلى الاُصول كما مرّ.
كما أنّ ذيل ما نقلناه من كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو: «إيّاكم والفُرقة فإنّ الشاذّ من الناس للشيطان» شاهد على أنّ المقصود من صدره أيضاً المسائل الاعتقاديّة ولا ربط له بالفروع لأنّه لا إشكال ولا خلاف في أنّه لو خالف بعض الفقهاء بعضاً في بعض الفروع الدينيّة لم يكن فيه محذور وليست هذه الفرقة مذمومة ناشئة من الشيطان، وكم له من نظير في المباحث الفقهيّة.
هذا كلّه بالنسبة إلى دليل السنّة.
2 ـ دليل حجّية الإجماع عند الأصحاب:
أمّا الخاصّة فلهم في حجّية الإجماع المحصّل مسالك أربعة :
المسلك الأوّل : الإجماع الدخولي:
وهو دخول الإمام عليه السلام في المجمعين والمتّفقين بشخصه ، وإن كان لا يعرفه المحصّل للإجماع ، فيخبر بالحكم عنه بصورة الإجماع ، فملاك حجّيته دخول المعصوم بنفسه في المجمعين ، ولذلك قال المحقّق رحمه الله في المعتبر : « فلو خلا المائة من فقهائنا من قوله لما كان حجّة ولو حصل في اثنين كان قولهما حجّة » (5).
ولا إشكال في هذا النوع من الإجماع من ناحية الكبرى ، إنّما الكلام في الصغرى لأنّ الإجماعات المنقولة الموجودة في الكتب الفقهيّة ليست من هذا القبيل قطعاً ، فإنّ الناقل لم يسمع الحكم من جماعة بحيث يعلم بأنّ الإمام عليه السلام أحدهم قطعاً ، نعم هذا المعنى كان ممكناً في عصر حضور الإمام عليه السلام ولكن نقلة الإجماع وأرباب الكتب الفقهيّة متأخّرون عن ذلك العصر يقيناً.
المسلك الثاني : الإجماع اللطفي:
وصاحب هذا المسلك هو شيخ الطائفة رحمه الله فإنّه قال فيما حكي عنه : اجتماع الأصحاب على الباطل وعلى خلاف حكم الله الواقعي خلاف اللطف ، فيجب لطفاً القاء الخلاف بينهم بإظهار الحقّ ولو لبعضهم ، فلو حصل إجماع واتّفاق من الكلّ نستكشف بقاعدة اللطف إنّه حقّ وهو حكم الله الواقعي.
أقول : تنبغي الإشارة إجمالاً إلى قاعدة اللطف التي تفيدنا هنا وفي أبواب العقائد أيضاً فنقول : قال العلاّمة رحمه الله في شرح التجريد : « اللطف هو ما يكون المكلّف معه أقرب إلى فعل الطاعة وأبعد من فعل المعصية ولم يكن له حظّ في التمكين ( أي القدرة ) ولم يبلغ حدّ الإلجاء (أي الإجبار) » (6) ، وحاصله أنّ اللطف عبارة عمّا يقرّب العبد نحو الطاعة ويبعّده عن المعصية ما دام لم يسلم العبد لقدرته فقط ولم يجبره أيضاً على الطاعة أو ترك المعصية بل كان هناك مضافاً إلى قدرة العبد على الفعل أو الترك معاونة على الطاعة وترك المعصية ، مع عدم وصولها إلى حدّ الإلجاء والإجبار.
وقال بعض المحقّقين ممّن قارب عصرنا : أنّ مراد المتكلّمين من قاعدة اللطف هو ما يسمّى عند علماء الحقوق في يومنا هذا بضمانة الإجراء ، فإنّهم بعد وضع القوانين يضعون لإجرائها ضامناً من الحبس والجريمة وغيرها ممّا يوجب الحركة نحو امتثال الواجبات والإجتناب عن المحرّمات ، فهي بحسب الحقيقة لطف بالنسبة إلى من يكون مكلّفاً بهذه القونين ، فكذلك في ما نحن فيه.
ولكن الإنصاف أنّ المراد من اللطف في كلماتهم معنى أوسع من ذلك ، لأنّه يشمل أيضاً ما يوجب إيجاد ظروف ثقافيّة وفكريّة لتكميل النفوس القابلة والإرشاد إلى مناهج الصلاح من بعث الرسل وإنزال الكتب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإنذار والتبشير ، ولذلك يعدّ من أهمّ أدلّة لزوم بعث الرسل قاعدة اللطف ، ولا إشكال في أن الغرض من إنزال الكتب السماويّة وإرسال الرسل الإلهية ليس منحصراً في الإنذار والوعد والوعيد بل يعمّ إيجاد تلك الظروف التربويّة أيضاً.
وكيف كان ، لا بدّ من البحث أوّلاً : في كبرى القاعدة وثانياً : في تطبيقها على المقام.
أمّا الكبرى فاستدلّ لها بلزوم نقض الغرض ، لأنّ المولى أو المقنّن المشرّع عليه أن يوجد شرائط ومقدّمات إجراء أحكامه وقوانينه ، ولو كان الغرض من الجعل إنفاذها في الخارج فهو ، وإلاّ لنقض غرضه ، وهذا كمن يدعو رجلاً إلى داره ويريد إكرامه ومع ذلك لا يهيىء مقدّماته من إرسال رسالة إليه مثلاً وغيرها من سائر المقدّمات التي يعلم أنّه لولاها لما استجاب دعوته فيعدّ عند العقلاء ناقضاً للغرض ، كذلك في المقام فإنّ الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان ليوصله إلى الكمال بطاعته وترك معصيته ، وهذا يحتاج إلى بعث الرسل وإنزال الكتب والإرشادات المستمرّة وجعل تكاليف كالصلاة والصّوم والحجّ ، وإلاّ فقد نقض غرضه.
قلنا : أنّ هذا مقبول تامّ ولكنه بالنسبة إلى الشرائط والمقدّمات التي يوجب عدمها نقض الغرض لا غير.
وبعبارة اخرى : المقدّمات على ثلاثة أقسام : قسم منها يعدّ من شرائط القدرة ، ولا إشكال في لزوم حصول هذا القسم.
وقسم آخر منها يوجب حصولها الإجبار في العمل أو الترك ، ولا إشكال في منافاته للتكليف لأنّ المفروض كون العبد مختاراً.
وقسم ثالث ليس لا من هذا ولا من ذاك ، وهو بنفسه على قسمين : قسم يرجع إلى العبد ، وقسم يرجع إلى المولى ، فالأوّل كالتعلّم إمّا اجتهاداً أو تقليداً ، ولا ريب في أنّ تحصيل هذا يكون على عهدة العبد ، فلو لم يحصّله يعدّ عند العقلاء مقصّراً ، وأمّا الثاني فهو أيضاً يكون على قسمين : قسم منه يجب إيجاده من جانب المولى بحيث لو لم يفعله يعدّ مقصّراً وناقضاً لغرضه ، وقسم آخر ليس إلى هذا الحدّ فلا يصدق عليه نقض الغرض.
وإن شئت فمثّل لهذين القسمين بالقوانين المجعولة للسياقة وحركة المرور حيث إنّه لا إشكال في أنّها يمكن أن تكون على نوعين : منها ما يكون نظير بسط الشوارع ورسم الخطوط وأخذ الغرامة ونصب العلامات فإنّها من المقدّمات التي لو لم يحقّقها المسؤولون وحصل من هذه الناحية الهرج والمرج كانوا مقصّرين في أداء وظائفهم ، ومنها ما ليس على هذا المستوى كنصب مراقب على كلّ سيارة فلا ريب في عدم لزومه عليهم.
كذلك في ما نحن فيه ، فإنّ إرسال الرسل وإنزال الكتب وتعيين الثواب والعقاب والحدود والتعزيرات وإيجاد ظروف التعليم والتعلّم يكون من القسم الأوّل ، وهي مقتضى قاعدة اللطف ، فإنّ اللطف يقتضي إيجاد المقدار اللازم من المقدّمات ، وأمّا الأكثر من ذلك فلا يستفاد لزومه من هذه القاعدة.
فتحصّل من جميع ذلك أنّ اللطف الواجب هو ما يعدّ تركه من المولى الحكيم نقضاً للغرض.
هذا كلّه بالنسبة إلى الكبرى.
أمّا الصغرى وتطبيق القاعدة على المقام فلم يقبلها أكثر الفقهاء لعدم وضوح المصلحة التي اقتضت اختفاء الإمام عليه السلام ، فلعلّها هي إمتحان الناس بالغيبة كما امتحن قوم بني إسرائيل بغيبة موسى عليه السلام وذهابه إلى جبل طور في فترة من الزمان ، أو أنّها حفظ نفس الإمام عليه السلام كما ورد في بعض الرّوايات ، واقتضت الحكمة الإلهيّة حصر عددهم في اثني عشر ، أو عدم قابلية الناس وعصيانهم ، فلو صلحوا وأطاعوا أوامرهم لظهر الإمام عليه السلام.
وعلى كلّ حال نفس المصلحة التي تقتضي خفاءه وغيبته قد تكون موجودة في اختفاء بعض الأحكام فتقتضي عدم إظهارها على كلّ حال.
وبعبارة اخرى : نفس السبب الذي أوجب غيبة الإمام عليه السلام يشمل بعض الأحكام الفرعيّة التي أجمع العلماء على الخطأ فيها في عصر واحد.
ولقد أجاد المحقّق الطوسي رحمه الله حيث قال : « وجوده لطف وتصرّفه لطف آخر وعدمه منّاً » (7) يعني أنّ لوجود الإمام عليه السلام ألطافاً عديدة :
أحدها : أصل وجوده الشريف وقوام نظام الكون به ، وهذا باقٍ في عصر الغيبة أيضاً فإنّه خزينة أسرار الشرع في كلّ عصر وزمان ، والعلّة الغائيّة لخلقة العالم لأنّه من أتمّ مصاديق الإنسان الكامل الذي خلق الكون لأجله ، ونور الله الذي يهتدي به المهتدون بولايته على القلوب.
ثانيها : ظهوره وتصرّفه فإنّ حكومته وقيادته لطف آخر ، ولكن عدم هذا اللطف وانقطاعه منّا ، « فقوله : عدمه منّا » أي عدم تصرّفه لا عدم وجوده ، ولا يلازم قطع هذا القسم من اللطف قطع القسم الأوّل منه.
وإن شئت قلت : من شؤون تصرّف الإمام وظهوره أن يمنع العباد عن الخطأ وإذا لم يكن عدم أصل الظهور والتصرّف مخالفاً للّطف على المفروض فليكن عدم ما هو من شؤونه أيضاً كذلك. هذا أوّلاً.
وثانياً : سلّمنا أنّ مقتضى القاعدة ، القاء الخلاف إلاّ أنّه لا تحلّ المشكلة ما لم يمنع الأكثر عن الوقوع في الخطأ ( على الأقل ) لأنّ مجرّد إلقاء الخلاف لبعض شاذّ لا يهدي إلى سبيل ، وهذا يستلزم حجّية الشهرة أيضاً مع أنّ المستدلّ لا يلتزم به على الظاهر.
المسلك الثالث : الإجماع التشرّفي:
وهو تشرّف الأوحدي من العلماء بمحضر الإمام عليه السلام في زمان الغيبة واستفساره عن بعض المسائل المشكلة ، ثمّ إعلانه رأي الإمام عليه السلام بشكل الإجماع لأنّه يعلم أنّ مدّعي الرؤية لا يقبل قوله بل لابدّ من تكذيبه كما في الحديث ، فيعلن حكم الإمام بصورة الإجماع ويقول مثلاً : هذا ثابت بالإجماع.
إن قلت : كيف يمكن الجمع بين ما حكي متظافراً أو متواتراً من تحقّق رؤيته عليه السلام لبعض عدول الثقات ، وبين ما ورد في بعض الرّوايات من الأمر بتكذيب مدّعى الرؤية.
قلنا : لا يبعد أن تكون الرّوايات الآمرة بالتكذيب ناظرة إلى من يدّعي نيابة أو رسالة أو حكماً ، وأمّا مجرّد دعوى الرؤية بدون ذلك فلا دليل على تكذيبه.
ولكن غاية ما يقتضيه هذا البيان هو إمكان الإجماع التشرّفي ثبوتاً ، وأمّا في مقام الإثبات فلم نجد مصداقاً له في ما بأيدينا من الإجماعات المنقولة.
المسلك الرابع : الإجماع الحدسي:
وهو كما قال في الفصول : « أن يستكشف عن قول المعصوم عليه السلام أو عن دليل معتبر باتّفاق علمائنا الأعلام الذين كان ديدنهم الانقطاع إلى الأئمّة عليهمالسلام في الأحكام ، وطريقتهم التحرّز عن القول بالرأي ومستحسنات الأوهام فإنّ اتّفاقهم على قول وتسالمهم عليه مع ما يرى من اختلاف أنظارهم وتباين أفكارهم ممّا يؤدّي بمقتضى العقل والعادة عند أُولي الحدس الصائب والنظر الثاقب إلى العلم بأنّ ذلك قول أئمّتهم ومذهب رؤسائهم وأنّهم إنّما أخذوه منهم إمّا بتنصيص أو بتقرير » (8).
وقال شيخنا العلاّمة الحائري رحمه الله في الدرر : « ولا اختصاص لهذه الطريقة باستكشاف قول المعصوم عليه السلام بل قد يستكشف بها عن رأي سائر الرؤساء المتبوعين ، مثلاً إذا رأيت تمام خدمة السلطان ( الذين لا يُصدرون إلاّ عن رأيه ) اتّفقوا على إكرام شخص خاصّ يستكشف منه إنّ هذا إنّما هو من توصيته » (9).
أقول : يمكن تقريب هذا المسلك بثلاثة وجوه :
الوجه الأوّل : ما ذهب إليه المحقّق النائيني رحمه الله في فوائد الاصول وهو أن نقول بوجود الملازمة العادية بين اتّفاق المرؤوسين على أمر ورضا الرئيس إن كان نشأ الاتّفاق عن تواطئهم على ذلك (10) فكما يكشف قول الشافعي من العلماء الشافعيين وقول أبي حنيفة من تلامذته وكذا غيرهم ، كذلك يكشف من إجماع علماء الشيعة قول الإمام المعصوم عليه السلام.
ويرد عليه : إنّ هذا ثابت في زمان الحضور ولا يفيدنا اليوم لأنّ كشف قول الرئيس أو الإمام أو الاستاذ من أقوال المرؤوسين أو المأمونين أو التلامذة مبني على وجود صلة بين الطرفين ، وهي حاصلة في خصوص عصر الحضور.
لكن الحقّ هو وجود هذه الملازمة في زمن الغيبة أيضاً ، لأنّ الصلة مع الواسطة حاصلة ، ويكفي في ذلك الفترة التي كان ديدنهم في الفتوى على التعبّد بمتون الرّوايات وعلى أساس الكتب المتلقّاة من كلمات المعصومين من دون تفريع واستنباط.
الوجه الثاني : ما حكي عن السيّد محمّد المجاهد صاحب مفاتيح الاصول وهو : أنّ تراكم الظنون من الفتاوى تنتهي بالأخرة إلى القطع ، فمن فتوى كلّ واحد منهم يحصل ظنّ ما بحكم الله الواقعي ، فإذا كثرت فمن تراكم تلك الظنون يحصل القطع بالحكم الواقعي الصادر عن الإمام عليه السلام كما هو الوجه في حصول القطع من الخبر المتواتر.
أقول : إنّ هذا ممكن في نفسه ولكن لا يندرج تحت ضابط كلّي ، إذ يختلف ذلك باختلاف مراتب الظنون والموارد والأشخاص ، فقد يحصل القطع من تراكم الظنون لشخص ولا يحصل لآخر ، إذن فيمكن قبول الصغرى والكبرى في الجملة لا بالجملة.
الوجه الثالث : ما مرّ بيانه من صاحب الفصول ، ونقول توضيحاً لذلك : أنّ اتّفاق العلماء كاشف على وجود دليل معتبر عندهم ، لكن هذا إذا لم يكن في مورد الإجماع أصل أو قاعدة أو دليل على وفق ما اتّفقوا عليه ، فإنّه مع وجود ذلك يحتمل أن يكون مستند الإجماع أحد هذه الامور ، فلا يكشف اتّفاقهم عن وجود دليل آخر وراء ذلك.
كما إذا اتّفقوا على أنّ حدّ الكرّ في باب المياه ثلاثة أشبار ونصف في ثلاثة أشبار ، والمفروض في هذا الفرع عدم وجود أصل أو قاعدة عقليّة أو دليل معتبر نقلي يدلّ على ذلك ، فإنّ هذا الاتّفاق يكشف عن وجود دليل آخر معتبر عند الكلّ ، سيّما إذا لاحظنا ديدن قدماء أصحابنا فإنّه كان على التعبّد بالرجوع إلى الإخبار والإفتاء على وفق متون الرّوايات حتّى كانوا معرضين عن النقل بالمعنى إلاّ بمقدار ثبت جوازه في نقل الرّواية.
ويشهد على هذا ما ورد في مقدّمة كتاب المبسوط (11) لشيخ الطائفة رحمه الله الذي كانت لسيّدنا الاستاذ البروجردي رحمه الله عناية خاصّة بها وكان يقول : إنّ هذه المقدّمة تمثّل لنا الجوّ الفكري والاجتماعي الموجود في عصر الشيخ الطوسي رحمه الله ، وإليك نصّها : « أمّا بعد فإنّي لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقّهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستحقرون فقه أصحابنا الإماميّة ويستنزرونه وينسبونهم إلى قلّة الفروع وقلّة المسائل ، ويقولون : إنّهم حشو ومناقضة ، وإنّ من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الاصول ، لأنّ جلّ ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين ، وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلّة تأمّل لأصولنا ، ولو نظروا في أخبارنا لعلموا أنّ جلّ ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه تلويحاً من أئمّتنا ... ( إلى أن قال ) : وكنت على قديم الوقت وحديثه مشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك ( التفريعات ) تتشوّق نفسي إليه فيقطعني عن ذلك القواطع وتشغلني الشواغل وتضعف نيّتي أيضاً فيه قلّة رغبة هذه الطائفة فيه وترك عنايتهم به لأنّهم ألفوا الأخبار وما رووه من صريح الألفاظ حتّى أنّ مسألة لو غيّر لفظها وعبّر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منها وقصر فهمهم عنها ، وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنّفاتهم واصولها من المسائل وفرّقوه في كتبهم ، ورتّبته ترتيب الفقه وجمعت من النظائر ، ورتّبت فيه الكتب على ما رتّبت للعلّة التي بيّناها هناك ولم أتعرّض للتفريع على المسائل ولا لتعقيد الأبواب وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظائرها بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتّى لا يستوحشوا من ذلك » (12) (انتهى ).
فالمستفاد من هذه العبارات وصريحها أنّ المقبول من التأليفات في ذلك العصر وما تقدّمه إنّما هو ما كان مأخوذاً من متون الرّوايات وصريح ألفاظها ، فإذا اتّفق علماء ذلك الزمان على مسألة فالإنصاف أنّه يمكن الحدس القطعي من ذلك عن وجود دليل معتبر سنداً ودلالة ( أمّا من ناحية السند فلو فرض ضعفه لجبر بعملهم ، وأمّا من ناحية الدلالة فلأنّه لو كان له من هذه الناحية خفاء لخالف بعضهم على الأقل ) أو يكشف ذلك عن أخذ هذا الحكم عن المعصوم عليه السلام جيلاً بعد جيل وإن لم يذكر في رواياتهم.
فقد ظهر ممّا ذكرناه أوّلاً : أنّ ثلاثة من الأقسام الأربعة للإجماع تامّة كبرى ، وهي الإجماع الدخولي والحدسي والتشرفي ، وأمّا الإجماع اللطفي فلا يتمّ من ناحية الكبرى فضلاً عن الصغرى ، وأنّ قسمين من هذه الثلاثة وهما : الدخولي والتشرّفي ليس لهما صغرى معروفة ، فالذي يكون تاماً صغرى وكبرى هو الإجماع الحدسي ، وهو المقصود من الإجماعات المنقولة في الكتب الفقهيّة بين المتأخّرين.
ثانياً : لابدّ في كشف مراد ناقل الإجماع من ملاحظة التعبير الذي ذكره ، فلو قال مثلاً : « مخالفة فلان لا تضرّ بالإجماع لأنّه معلوم النسب » فنعلم أنّ مبناه على الإجماع الدخولي ، وإذا قال مثلاً : « مخالفة الفلان لا تضرّ لانقراض عصره حين الإجماع » أو قال : « إنعقد الإجماع قبله وبعده » فنعلم أنّ مبناه على الإجماع اللطفي لاعتبارهم اتّفاق أهل عصر واحد على حكم ، وإن قال : « لا أصل ولا قاعدة في هذه المسألة » (13) فنستكشف كون المبنى على الحدس ، نعم لا يوجد تعبير يناسب الإجماع التشرّفي في الكلمات.
ثالثاً : أنّه لا يعدّ الإجماع دليلاً مستقلاً في مقابل الأدلّة الثلاثة الاخرى بناءً على مذاق الإماميّة.
هذا تمام الكلام في الأمر الأوّل من الامور التي نذكرها بعنوان المقدّمة للبحث عن الإجماع المنقول.
___________
1. راجع الاُصول العامّة للفقه المقارن: ص261.
2. سنن ابن ماجة: ج2، ح 1303.
3. نعم في شرح ابن أبي الحديد: ج8، الخطبة128، ص122: «قوله (عليه السلام): والزموا السواد الأعظم» وهو الجماعة وقد جاء في الخبر من رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذه اللفظة التي ذكرها (عليه السلام) وهي: «يد الله على الجماعة لا يبالي بشذوذ من شذّ» وجاء في معناها كثير نحو قوله (عليه السلام): «الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد» وقوله: «لا تجتمع اُمّتي على خطأ» وقوله: «سألت الله ألاّ تجتمع اُمّتي على خطأ فأعطانيها» وقوله: «لم يكن الله ليجمع اُمّتي على ضلالة ولا خطأ».
4. نهج البلاغة: صبحي الصالح، خ 127.
5. المعتبر : ص 6 ، الطبع الحجري.
6. كشف المراد : المقصد الثالث ، الفصل الثالث ، المسألة الثانية عشرة.
7. كشف المراد : المقصد الخامس ، المسألة الاولى.
8. حكي عنه في عناية الاصول : ج 3 ، ص 153.
9. درر الفوائد : ج 2 ، ص 372.
10. راجع فوائد الاصول : ج 3 ، ص 150 ، طبع جماعة المدرّسين.
11. وهو كتاب كثير الفروع في فقه الشيعة ، ويدلّ على تسلّط مؤلّفه على فقه الإماميّة والمذاهب الأربعة ، ولا نجد قبله كتاباً يحتوي على هذه الكثرة من التفريعات.
12. المبسوط : ج 1 ، ص 1 ـ 3 ، الطبعة الثانية ، طبع المطبعة الحيدرية.
13. كما أنّه كذلك في كثير من المسائل الفقهيّة فلا يوجد فيها دليل معتبر غير الإجماع بل إنّها انتهت إلى خمسمائة مورد على ما سمعته من السيّد الاستاذ المحقّق البروجري رحمهالله.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|