أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-8-2016
1512
التاريخ: 30-5-2020
1192
التاريخ: 14-5-2020
1027
التاريخ:
1059
|
...ذهب أكثر المحقّقين إلى أنّ جريان الاستصحاب فرع لبقاء موضوع المستصحب وإحرازه في الزمان اللاحق، ثمّ تكلّموا بعد ذلك عن أنّه هل اللازم كون ذلك بالنظر الدقيق العقلي أو يكفي بقاءه عند العرف أو لابدّ من ملاحظة ما أخذ موضوعاً في لسان الدليل؟
ولكن بعضهم كالمحقّق الخراساني(رحمه الله) عبّر عن هذا باتّحاد القضيتين المتيقّنة والمشكوكة، ولازمه وحدة كلّ من الموضوع والمحمول فيهما.
واستدلّ لذلك بأنّه ظاهر أدلّة الاستصحاب ولازم قوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشكّ» حيث إنّه لو لم يكن موضوع القضيتين متّحداً كاتّحادهما محمولا لم يكن رفع اليد عن اليقين في محلّ الشكّ نقضاً لليقين بالشكّ، بل لا يكون نقضاً أصلا، فإذا تيقّن مثلا في السابق بعدالة زيد وشكّ فعلا في عدالة عمرو لا يكون الشكّ حينئذ في بقاء ما كان، كما لا يكون رفع اليد عن اليقين بعدالة عمرو نقضاً لليقين بالشكّ، وكذا إذا علم بعدالة زيد ثمّ شكّ في وكالته مثلا عن عمرو.
هذا مضافاً إلى أنّه لو لم يكن موضوع القضيتين متّحداً كاتّحادهما محمولا لم يصدق الشكّ في البقاء كما لا يخفى.
أقول: الصحيح في المقام أن يقال: إنّ المراد من بقاء الموضوع في كلمات القوم إنّما هو وجود الموضوع في الزمان اللاحق، أي يعتبر في الاستصحاب أن يكون الموضوع موجوداً حينما يكون الحكم مشكوكاً، مضافاً إلى اعتبار وحدة القضيتين، ولا ريب في أنّ أحدهما غير الآخر.
والشاهد على اعتبار وجود الموضوع نفس أخبار الباب حيث إنّ المشكوك في موردها إنّما هو بقاء الحكم (كبقاء الوضوء في حديث زرارة) مع فرض بقاء الموضوع ووجوده حين الشكّ.
إن قلت: إنّه ينتقض باستصحاب وجود الأشياء عند الشكّ في بقائها، حيث إنّ الشكّ حينئذ إنّما هو في وجود الموضوع في الزمان اللاحق على نحو مفاد كان التامّة، ومع إحراز وجود الموضوع في الزمان اللاحق لا معنى لهذا الشكّ.
قلنا: إنّ معنى وجود الموضوع هو تحقّق الموضوع في اللاحق على نحو تحقّقه في السابق، فإن كان تحقّقه في السابق تحقّقاً ماهوياً كما في مفاد كان التامّة، نحو «زيد كان موجوداً» بأن كان الموضوع (وهو زيد في المثال) بتقرّره الماهوي موضوعاً للاستصحاب كان المعتبر تحقّقه في
الزمان اللاحق كذلك، وإن كان تحقّقه في السابق خارجياً بأن كان بوجوده الخارجي موضوعاً للاستصحاب، كما في مثل قولك: «كان زيد عادلا» وشككنا الآن في عدالته فيعتبر وجوده في اللاحق خارجاً، وإن كان تحقّقه في السابق في عالم الاعتبار كالملكيّة والزوجيّة فيعتبر وجوده في اللاحق في عالم الاعتبار أيضاً.
وكيف كان، يعتبر في حجّية الاستصحاب بقاء الموضوع بمعنى وجوده في الزمان اللاحق على نحو وجوده في الزمان السابق، والدليل عليه ظاهر أخبار الباب كما مرّ، فإنّ المشكوك فيها هو الحكم بعد إحراز وجود الموضوع.
ثمّ إنّ الشكّ قد يكون من قبيل الشبهات الموضوعيّة وقد يكون من قبيل الشبهات الحكميّة، والشبهات الموضوعيّة قد تكون على نحو مفاد كان التامّة، كما إذا كان الشكّ في وجود زيد، وقد تكون على نحو مفاد كان الناقصة، كما إذا كان الشكّ في بقاء كرّية الماء، والشبهات الحكميّة أيضاً على قسمين: تارةً يكون الشكّ في الحكم بوجوه الإنشائي، واُخرى يكون الشكّ فيه بوجوده الفعلي.
هذه أقسام أربعة.
ولا إشكال في جريان الاستصحاب في القسم الأوّل، ولا يتصوّر فيه دعوى تبدّل الموضوع كما لا يخفى، بخلاف القسم الثاني، حيث يتصوّر فيه دعوى تبدّل الموضوع، فإذا أخذنا من الكرّ مقداراً من الماء وشككنا في بقاء كرّيته أمكن أن يدّعي أنّ هذا الماء ليس هو الماء السابق بالدقّة العقليّة، فيجري فيه ما سيأتي من المدار في بقاء الموضوع هل هو العقل أو العرف أو غيرهما؟ فانتظر.
وأمّا الشبهات الحكميّة ففي القسم الأوّل منها، أي ما إذا كان الشكّ في بقاء الحكم الإنشائي وبالمآل في نسخه وعدمه فقد يقال: لا يتصوّر فيه أيضاً تبدّل الموضوع نظراً إلى رجوع إلى الشكّ في وجود الإنشاء وعدمه (ولكنّه غير خال عن الإشكال كما سيأتي) كما في القسم الأوّل من الشبهات الموضوعيّة، بخلاف القسم الثاني منها، نظير ما إذا شككنا في بقاء نجاسة الماء المتغيّر الذي زال عنه التغيّر، فيجري فيه أيضاً ـ كالقسم الثاني من الشبهات الموضوعيّة ـ ما سيأتي من النزاع في ميزان التبدّل كما لا يخفى.
ثمّ إنّ الشيخ الأعظم الأنصاري استدلّ لاعتبار وجود الموضوع باستحالة إنتقال العرض من موضوع إلى موضوع آخر (للزوم الطفرة، وهى مستلزمة لكون العرض بلا معروض ولو آناً مّا في حال الانتقال والتحوّل) وذلك في المقام من باب إنّ الموضوع بمنزلة معروض للحكم فيلزم من انتقال الحكم من موضوع إلى موضوع آخر ـ كانتقال الحرمة من الماء المتغيّر إلى الماء الذي زال عنه التغيّر ـ انتقال العرض من معروض إلى معروض آخر.
ولكن يرد عليه: أوّلا: أنّ هذا أيضاً من قبيل الخلط بين الحقائق والاعتباريات، فإنّ إستحالة انتقال العرض إنّما يتصوّر في الاُمور التكوينيّة لا الاعتباريّة كالوجوب والحرمة لأنّها ليست من الأعراض في الحقيقة.
وثانياً: أنّه لا دليل على هذه الإستحالة بل أنّه من قبيل الشبهة في البديهيات، حيث إنّا نجد بوجداننا إنتقال الأعراض من معروض إلى معروض آخر كانتقال الحرارة من الماء إلى الإناء، وكذلك انتقال البرودة من أحدهما إلى الآخر، مثلا قد يكون مقدار حرارة الماء عشرين درجة ثمّ يصبّ في إناء يكون درجته على حدّ الصغر فتنخفض درجة الماء إلى عشرة، حينما بلغت درجة حرارة الإناء أيضاً عشرة، فمن أين جاءت هذه العشرة؟ وإلى أين ذهبت تلك العشرة؟ وهل هى إلاّ بانتقالها من أحدهما إلى الآخر، بل المنظومة الشمسيّة لا تزال محلا لهذا الانتقال في جميع آنات الليل والنهار، فكيف يكون إنتقال العرض محالا؟
ثالثاً: سلّمنا، ولكنّه أخصّ من المدّعى لأنّ جميع موارد الاستصحاب ليست من قبيل العرض والمعروض، بل قد تكون من قبيل الوجود والماهيّة، كما في مفاد كان التامّة (كان زيد) ولا إشكال أنّ الوجود ليس من عوارض الماهيّة.
إلى هنا قد ظهر ممّا ذكرنا أنّه يعتبر بقاء الموضوع (إمّا بمعنى وجود الموضوع أو بمعنى اتّحاد القضيتين كما أفاده المحقّق الخراساني(رحمه الله) أو كليهما كما هو المختار) في جريان الاستصحاب.
المعيار في بقاء الموضوع:
ثمّ إنّه هل اللازم بقاء الموضوع العقلي الدقّي أو الموضوع المأخوذ في لسان الدليل، أو الموضع العرفي؟ ففيه وجوه ثلاثة.
إن قلت: لا معنى للتردّد بين هذه الاُمور الثلاثة فانّ من الواضح لزوم التبعية عن لسان الدليل، وإنّما العقل كاشف عن حكم الشرع وليس مشرّعاً، وكذلك العرف، فلا يصحّ جعلهما في عرض لسان الدليل.
قلنا: ليس المراد من هذا الترديد كون العقل والعرف في مقابل الشرع، بل المقصود منه إنّا إذا أردنا تطبيق ما ورد من جانب الشارع (أي قوله: لا تنقض ...) على مورد الاستصحاب كان المعتبر فيه هل الجمود على ظاهر الدليل، أو ملاحظة ما يراه العقل بالنظر الدقّي، أو ما يفهمه العرف؟
فإذا ورد من الشارع مثلا «الماء إذا بلغ قدر كرّ لا ينجّسه شيء» وشككنا في أنّ هذا الماء كرّ أم لا (على نحو الشبهة الموضوعيّة) مع أنّه كان في السابق كرّاً، فهل الميزان في بقاء موضوع الكرّية أي عنوان «هذا الماء» نظر العرف حتّى يصدق قوله (عليه السلام) «لا تنقض اليقين بالشكّ» لأنّ هذا الماء نفس ما كان سابقاً بنظر العرف ولا يضرّ أخذ مقدار من الماء بصدق عنوان «هذا»، فيكون الموضوع باقياً فيجري الاستصحاب، أو الميزان بقاء «هذا» بنظر العقل فلا ينطبق عليه قوله(عليه السلام): «لا تنقض ...» لأنّ هذا الماء غير ما كان سابقاً بالنظر العقلي الدقّي فلا يكون الموضوع باقياً فلا يجري الاستصحاب؟
وهكذا فيما إذا كان الشبهة حكميّة كما إذا صار الماء نجساً بالتغيّر، والآن زال عنه التغيّر، فإن كان المعيار نظر العقل فلا يكون الموضوع باقياً، وإن كان هو نظر العرف يكون باقياً، وإن كان الميزان الجمود على ما ورد في لسان الدليل وفرضنا أنّ الوارد فيه «أنّ الماء المتغيّر نجس» فقد تبدّل الموضوع بزوال التغيّر، وإن فرضنا أنّ الوارد فيه «الماء نجس إذا تغيّر» فالموضوع باق على حاله كما لا يخفى.
وإن شئت قلت: (كما قاله بعض الأعلام): أنّ المقصود من هذا الترديد أنّه هل المرجع في بقاء الموضوع هو الدليل الأوّل (الدالّ على المتيقّن سابقاً) أي ما يدلّ على نجاسة الماء حين التغيّر، حتّى يلاحظ ما ورد في لسانه من الموضوع وإنّه هل هو «الماء المتغيّر» أو «الماء» مطلقاً،
بأن كان جريان الاستصحاب تابعاً لبقاء الموضوع المأخوذ في لسانه، أو المرجع هو الدليل الثاني الدالّ على الإبقاء في ظرف الشكّ أي قوله «لا تنقض اليقين بالشكّ» حتّى يكون جريان الاستصحاب تابعاً لصدق النقض والمضيّ في نظر العرف أو نظر العقل؟
نعم الترديد بين الثلاث إنّما هو في الشبهات الحكميّة، وأمّا في الشبهات الموضوعيّة فالترديد ثنائي بين العقل والعرف لأنّ الموضوع الجزئي لا يؤخذ من لسان الدليل(1).
وقد ظهر ممّا ذكرنا ثمرة هذه المسألة حيث عرفنا أنّه إذا كان المعيار نظر العرف فكثيراً ما يكون الموضوع في مفاد كان الناقصة باقياً إلى زمان الشكّ فيجري الاستصحاب، وأمّا إذا كان الميزان نظر العقل فلا يجري الاستصحاب فيه أصلا، لأنّ حصول الشكّ فرع حصول تغيير في الموضوع، ومعه لا يكون الموضوع باقياً في الآن اللاحق عقلا، وإن كان الميزان هو الجمود على ظاهر الدليل الدالّ على ثبوت الحكم سابقاً فلابدّ من الرجوع إليه.
إذا عرفت هذا فنقول: لا ريب أنّ الميزان في بقاء الموضوع إنّما هو نظر العرف، أي صدق النقض وعدم النقض عرفاً، كما أنّه كذلك في جميع الموضوعات الواردة في لسان الأدلّة، وذلك لأنّ المفاهيم الموجودة في أدلّة الأحكام نازلة على المتفاهم العرفي.
وتوضيحه: أنّ القيود المأخوذة في الموضوع في لسان الأدلّة على قسمين:
قيود تكون في نظر العرف من المقوّمات كميعان الماء، فلا يجري استصحاب النجاسة إذا صار الماء بخاراً، وهذا إذا صار الكلب الواقع في المملحة ملحاً، أو صار الخشب النجس رماداً ودخاناً، وذلك لعدم صدق النقص على رفع اليد عن الحكم السابق.
وقيود تكون من الحالات كالتغيّر في الماء المتغيّر بالنجس، فإنّ الموضوع للنجاسة مطلق الماء فيجري استصحاب النجاسة لصدق نقض اليقين بالشكّ على رفع اليد عن حكم النجاسة، ولقد أجاد من نظّر هذا بما ثبت في الفقه في باب الخيارات بأنّه لو قال البائع: «بعتك هذا الفرس العربي» فبان كونه حماراً يكون البيع باطلا، لكون الصورة النوعية مقوّمة المبيع، ولكن لو بان كونه فرساً غير عربي فالبيع صحيح مع خيار تخلّف الوصف، لعدم كون الوصف مقوّماً للمبيع بنظر العرف، وهكذا وصف الصحّة المبنيّ عليها العقد فإنّ تخلّفها لا يوجب الخيار.
وإن شئت قلت: بيع الموصوف مع الوصف في أمثال هذه المقامات من قبيل تعدّد المطلوب عرفاً (والمعيار كونه كذلك في نظر نوع الناس دون الأشخاص) فإذا تخلّف أحد المطلوبين لم يضرّ بالآخر وإن كان الخيار ثابتاً لتخلّف بعض المطلوب، نعم قد يكون الوصف أيضاً مقوّماً في نظر نوع الناس نظير وصف الصحّة في الشاة المبتاعة في منى في مناسك الحجّ، فإذا باع شاة وانكشف كونها معيوبة يحتمل كون البيع باطلا (لا أنّه صحيح مع خيار العيب) فإنّه لا يتعلّق غرض غالباً بالمعيب هناك فتأمّل.
إن قلت: من أين نعلم أنّ هذا الوصف مقوّم أو من الحالات؟
قلنا: نفهمه من مناسبات الحكم والموضوع، ففي باب الطهارة والنجاسة يحكم العرف بأنّ موضوع النجاسة إنّما هو مطلق الماء من دون دخل للون والطعم أو لا ريح فيها بل إنّهما من الحالات، وفي باب التقليد عن العالم يحكم بأنّ العلم من المقوّمات، فإذا عارضه النسيان لا يمكن استصحاب جواز تقليده لأنّ مناسبة الحكم والموضوع تقتضي أنّ موضوع جواز التقليد إنّما هو زيد بما أنّه عالم، ومن هنا قد يكون شيء واحد من الحالات بالنسبة إلى حكم، ومن المقوّمات بالنسبة إلى حكم آخر. كوصف العلم فإنّه مقوّم في المثال المذكور وغير مقوّم بالنسبة إلى جواز الإقتداء به.
إن قلت: ما هو المرجع فيما إذا شككنا في كون وصف من المقوّمات أو من الحالات؟ كما إذا صار الخمر خلاّ وشككنا في بقاء نجاسته مع قطع النظر عمّا ورد في باب الانقلاب فهل الخمرية من مقوّمات موضوع النجاسة أو أنّها من الحالات؟
قلنا: لا يجوز الاستصحاب حينئذ لأنّه لابدّ فيه من إحراز بقاء الموضوع، وبعبارة اُخرى: أنّه من موارد الشبهة المصداقيّة لدليل «لا تنقض» فلا يمكن الرجوع إلى عموم أدلّة الاستصحاب بل المرجع سائر الاُصول.
إن قلت: أليس ما ذكرت من قبيل الرجوع إلى العرف في المسامحات العرفيّة التي لا تتّبع؟
قلنا: كلاّ، لأنّ الرجوع إلى المسامحات العرفيّة ممنوع فيما إذا كان المفهوم واضحاً ومع ذلك يتسامح العرف في تطبيقه على مصداقه، فيطلق على «ثمانية فراسخ إلاّ عشرة أذرع» مثلا أنّه ثمانية فراسخ، أو على مقدار« كرّ من الماء إلاّ غرفة» أنّه كرّ مع كون مقدار الكرّ معلوماً، كما أنّ الماء الخارجي أيضاً معلوم وعدم إنطباق الأوّل على الثاني أيضاً واضح، وأمّا إذا لم يكن الموضوع المأخوذ في لسان الدليل واضحاً مفهوماً، فالمرجع في تشخيص المفهوم وحدوده إنّما هو العرف لأنّ المفاهيم الواردة في لسان الأدلّة والموضوعات المأخوذة فيها نازلة على المتفاهم العرفي كما مرّ آنفاً، وليس هذا من قبيل المسامحات.
بقي هنا شيء:
وهو الثمرة التي تترتّب على هذا البحث.
(قد مرّت الإشارة إلى أنّه إن كان الميزان في تشخيص الموضوع ما يدركه العقل فلا يجري الاستصحاب في شبهة من الشبهات الحكميّة، لأنّ الشبهة فيها فرع لاحتمال تغيّر في الموضوع، ومع هذا الاحتمال لا يحرز بقاء الموضوع بالدقّة العقليّة، ومعه لا يجوز الاستصحاب لأنّه يعتبر في جريان الاستصحاب إحراز الموضوع بتمام قيوده وأجزائه.
وإن شئت قلت: إنّ الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد، وبقاء المصالح أو المفاسد فرع بقاء الموضوع، والشكّ في بقاء الحكم ينشأ من الشكّ في بقاء المصلحة أو المفسدة، وهو ناش من احتمال تغيّر في الموضوع، وإلاّ فلا وجه للشكّ.
هذا إذا كانت المصلحة أو المفسدة في نفس الفعل كما هو الغالب، وأمّا إذا كانت في نفس الإنشاء فاحتمال تغيّر المصلحة أو المفسدة لا ينشأ من احتمال تغيّر في الموضوع، بل يمكن بقاء الموضوع على حاله مع تغيّر المصالح أو المفاسد فإذا كان الموضوع باقياً يجري الاستصحاب وإن احتملنا عدم وجود مصلحة في الإنشاء.
ولكن وجود المصلحة في الإنشاء أمر نادر لا نعرف له مصداقاً في القوانين الكلّية الشرعيّة، ومن هنا يظهر الحال بالنسبة إلى عدم جريان استصحاب عدم النسخ في الأحكام الكلّية أيضاً (لو قلنا بكون الموضوع مأخوذاً من العقل) لأنّه في مثل هذه الموارد أيضاً يحتمل تغيّر الموضوع لأنّ النسخ دفع للحكم لا رفع له، ويكون بمعنى انتهاء أمد المصلحة وهو لا يكون إلاّ بتغيّر في الموضوع.
ومن هنا يظهر الإشكال فيما ذكره الشيخ(رحمه الله) من أنّه لو أخذ الموضوع من العقل لكان
جريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة مختصّاً بموارد الشكّ في الرافع، ومراده من الرافع (بناءً على توجيه المحقّق النائيني(رحمه الله)لكلامه) ما يمنع عن تأثير المقتضي في البقاء بعد تأثيره في الحدوث، فهو عبارة عمّا أخذ عدمه في بقاء شيء بعد حدوثه كالطلاق بالنسبة إلى علاقة الزوجية، لا ما أخذ عدمه في حدوث شيء، وحينئذ الرافع في المقام ما يكون خارجاً عن دائرة الموضوع ولا دخل لعدمه في حدوث الحكم.
والوجه في عدم تماميّته أنّ قياس الأحكام الشرعيّة بالأمور التكوينيّة مع الفارق كما مرّ كراراً، لأنّ جميع الشرائط والموانع في الأحكام الشرعيّة ترجع بالأخرة إلى قيود في موضوع الحكم، فالشكّ في بقاء الحكم الشرعي بعد العلم بحدوثه ينشأ من الشكّ في طروّ تغيّر في موضوعه، ومعه لا مجال لجريان الاستصحاب بناءً على أخذ الموضوع بالدقّة العقليّة.
_____________
1. وقد أشار بذلك في مصباح الاُصول: ج3، ص235، طبع مطبعة النجف.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|