المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



فيما إذا ورد عام وخاص متخالفان  
  
1109   01:50 مساءاً   التاريخ: 8-8-2016
المؤلف : محمد تقي البروجردي النجفي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأفكار
الجزء والصفحة : ج1. ص.550
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-8-2016 1561
التاريخ: 29-8-2016 2060
التاريخ: 31-8-2016 1597
التاريخ: 5-8-2016 1876

إذا ورد عام وخاص متخالفان، ففي كون الخاص ناسخا أو منسوخا أو مخصصا للعام وجوه. وقد يقرب قاعدة كلية في تنقيح ذلك وتعيين كونه ناسخا للعام أو منسوخا به أو مخصصا له، وهى اعتبار كون الخاص واردا قبل حضور وقت العمل بالعام واعتبار كون الناسخ واردا بعد حضور وقت العمل بالعام لا قبله حيث يقال حينئذ بان الخاص ان كان مقارنا مع العام أو وارد بعده قبل حضور وقت العمل بالعام يتعين كونه مخصصا للعام وبيانا له، لا ناسخا له، من جهة انه يعتبر في النسخ ان يكون رافعا لحكم ثابت فعلى من جميع الجهات، وقبل حضور وقت العمل بالعام لا يكون حكم فعلى في البين حتى يكون قضيته رفع الحكم الثابت، فمن ذلك يتعين فيه كونه مخصصا للعام وبيانا له لا ناسخا.

واما ان كان وروده بعد حضور وقت العمل بالعام يتعين كونه ناسخا له، لا مخصصا وبيانا له، فان مقتضى كونه بيان هو لزوم تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو قبيح بل محال، لأنه نقض للغرض الذي هو محال من الحكيم واما لو كان ورود الخاص قبل ورود العام ففيه يحتمل الامران، حيث يحتمل كونه مخصصا للعام ويحتمل كونه منسوخا به.

هذا ملخص ما افيد في وجه التفصيل بين صورة ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام أو بعده.

 وقد عرفت ابتنائه على تسليم مقدمتين:

الاولى قبح تأخير البيان عن وقت حضور عمل المكلف بالعام، والثانية اعتبار كون النسخ رفعا للحكم الفعلي على الاطلاق، حيث انه على تقدير تمامية هاتين المقدمتين لابد من التفضيل المزبور وملاحظة كون الخاص واردا قبل حضور وقت العمل بالعام أو بعده، بالالتزام بالتخصيص في الاول وبالنسخ في الثاني.

ولكن كلتا المقدمتين ممنوعة وذلك:

اما المقدمة الأولى : وهى قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة فان اريد من وقت الحاجة وقت حاجة المولى إلى بيان مرامه فقبحه مسلم لا اشكال فيه بل هو محال، من جهة استلزامه نقض الغرض الذي هو من المستحيل في حق الحكيم، ولكن صغراه في المقام ممنوعه، حيث نمنع تعلق غرض الشارع في مثل تلك العمومات ببيان المرام الواقعي، ومجرد احتياج المكلف إلى العمل لا يقتضي كون وقت حاجته هو وقت حاجة المولى، من جهة جواز التفكيك بينهم.

وان اريد بذلك وقت حاجة المأمور والمكلف ولو لم يكن وقتا لحاجة المولى إلى البيان فقبحه غير معلوم بل معلوم العدم، حيث انه من الممكن كون المصلحة في القاء ظهور العام إلى المكلف عن خلاف المرام الواقعي ليأخذ به ويتكل عليه حجة وبيانا إلى ان يقتضى المصلحة بيان المرام الواقعي، كيف وانه كفاك في ذلك ما في موارد التعبد بالأصول والامارات المؤدية على خلاف الواقعيات مع تمكن المكلف من تحصيلها بالاحتياط أو بالسؤال عن الائمة (عليهم السلام ) بل وكثير من الاحكام التي بقيت تحت الحجاب إلى قيام الحجة (عجل الله فرجه) مع احتياج العباد إليها، ومن المعلوم حينئذ انه مع امكان ذلك واحتمال وجود المانع عن ابراز المرام النفس الأمري اما مطلقا أو إلى وقت خاص أو قيام المصلحة الاهم في عدم الابراز لا مجال  لإثبات كون الخاص المتأخر عن وقت العمل بالعام ناسخا لا مخصصا، بل حينئذ كما يحتمل فيه كونه ناسخا يحتمل ايضا كونه مخصص.

 نعم لو قيل بان وقت حاجة المأمور ووقت العمل بالعام هو بعينه وقت حاجة المولى إلى بيان المرام النفس الامري وهو الخصوص لاتجه الحمل على النسخ في الخاصي المتأخر، ولكن ودن اثباته خرط القتاد، لما عرفت من عدم السبيل إلى هذه الدعوى بعد احتمال وجود مانع أو مزاحم اقوى في البين اقتضى اخفاء الواقعيات بألقاء الظهور إلى المكلف على خلافها اما إلى الابد أو إلى وقت خاص بعد العمل بالعام.

واما المقدمة الثانية : ففيها ايضا ان كون النسخ رفعا للحكم الثابت وان كان لا سبيل إلى انكاره، ولكن نقول بانه لا يلزمه كون ذلك الحكم الثابت فعليا على الاطلاق، بل يكفي في صحته كونه رفعا لحكم ثابت في الجملة ولو بمرتبة انشائه الحاصل بجعل الملازمة بينه وبين شرطه وسببه، كما في الواجبات المشروطة، كيف وان النسخ في الشرعيات كالبداء في التكوينيات المتصور في الموقتات والمشروطات بالنسبة إلى المخلوقين، وحينئذ فكما انه يصح في الاحكام العرفية نسخ الحكم في الموقتات والمشروطات قبل حصول شرطها، ويكفي في صحته مجرد كونه رفعا لما هو المنشأ بالإنشاء السابق، ولو كان ذلك مجرد احداث الملازمة بين الامرين، كذلك في الاحكام الشرعية، فيكفي في صحته ايضا مجرد كونه رفعا لما تحقق بالإنشاء السابق ولو لم يكن حكما فعليا على الاطلاق، بل كان عبارة عن صرف قضية تعليقية ومحض الملازمة بين وجود شيء ووجوب امر كذا، إذ لا فرق بينهما الا من جهة انه في العرفيات عبارة عن ظهور الواقع بعد خفائه من جهة ما يبدو لهم لما يرون فيه من المفاسد أو المزاحمة لما هو الاهم بخلافه في الشرعيات فانه من جهة علمه سبحانه بعواقب الامور واحاطته بالواقعيات عبارة عن اظهار الواقع بعد اختفائه لمصلحة تقتضيه.

ومن ذلك نقول: بان باب النسخ اشبه شيء بباب التورية والتقية، في كونه من باب التصرف في الجهة، من حيث اظهاره سبحانه حكما بنحو الدوام والاستمرار لمصلحة تقتضيه، مع علمه سبحانه بنسخه فيما بعد حسب ما يرى في علمه من المصالح المقتضية لذلك، وعليه فصح ان يقول: ان جاء وقت كذا يجب كذا، ثم يقول بعد حين قبل مجيء الوقت: نسخت ذلك الحكم، فكان المرفوع هو تلك الملازمة الثابتة بين وجوب شيء ومجي وقت كدائي، ونتيجة ذلك هو عدم وجوب ذلك الشيء عليه عند تحقق الوقت الكذائي.

ثم ان ذلك ايضا بناء على المشهور في المشروطات من عدم فعلية التكليف فيها الا بعد حصول المنوط به والشرط خارجا، والا فبناء على ما اخترناه من فعلية الارادة والتكليف فيها بجعل المنوط به هو الشيء في فرضه ولحاظه طريقا إلى الخارج فلا يحتاج إلى جعل المرفوع هو الملازمة، حيث كان المرفوع حينئذ هو الحكم الفعلي المنوط، بل لو قلنا برجوع المشروطات إلى المعلقات بإرجاع القيود الواقعة في الاحكام إلى الواجب والمأمور به كان الامر اظهر، من جهة فعلية الارادة المطلقة الغير المنوطة بشيء حتى في فرضه ولحاظه فتأمل.

وعلى ذلك فلا يبقى مجال للتفصيل المزبور بين فرض ورود الخاص قبل حضور وقت العمل بالعام أو بعده، فانه على كل تقدير يتأتى فيه احتمال النسخ والتخصيص كما في الفرض الثالث، فلابد حينئذ بعد جريان احتمال النسخ والتخصيص في كل من الفروض الثلاثة من ترجيح احد الاحتمالين على الآخر.

وقبل الشروع في بيان ترجيح احد الامرين نذكر ما يقتضيه الاصل العملي في المسألة عند الشك فنقول: اما إذا كان الخاص مقدم على العام بحيث يحتمل كونه منسوخا بالعام الوارد بعده أو مخصصا وبيانا له، فمع الدوران يجري استصحاب حكم الخاص، من جهة الشك في ارتفاعه لاحتمال كونه مخصصا للعام لا منسوخا به، فيستصحب، واما إذا كان الخاص واردا بعد العام، بحيث يحتمل فيه الناسخية المخصصية، فتارة يكون حكم الخاص المتأخر نقيضا لحكم العام، كما لو كان حكم العام هو وجوب اكرام العلماء، وكان حكم الخاص عدم وجوب اكرام الفساق منهم، واخرى يكون حكمه ضدا لحكم العام، كان حكم الخاص في الفرض المزبور حرمة اكرام الفساق منهم أو كراهته. فعلى الاولى يجرى فيه ايضا حكم التخصيص بمقتضي الاصل العدمي قبل ورود العام، من جهة انه قبل ورود العام يعلم بعدم وجوب اكرام الفساق من العلماء، وبورود العام وهو قوله: اكرام العلماء يشك في وجوب اكرامهم، من جهة احتمال كون الخاص المتأخر مخصصا للعام وبيانا له في عدم دخول الفساق منهم من الاول تحت حكم وجوب الاكرام، فيستصحب الحالة السابقة وهى عدم وجوب اكرامهم فينتج حكم التخصيص دون النسخ. واما على الثاني فلا اصل يجرى في البين من جهة القطع التفصيلي بانتقاض الحالة السابقة على كل تقدير اما بوجوب الاكرام بمقتضي العام على فرض الناسخية واما بحرمة الاكرام الثابت للخاص على فرض المخصصية، فعلى كل تقدير فلا شك فيه في البقاء حتى يجرى استصحاب العدم السابق على العام، كما انه بالنسبة إلى حكمه الفعلي ايضا مقطوع بحرمته على تقدير المخصصية والناسخية.

نعم لو كان مفاد العام هو وجوب الاكرام أو حرمته وكان مفاد الخاص المتأخر استحباب الاكرام أو كراهته امكن دعوى جريان حكم التخصيص بمقتضي استصحاب عدم المنع السابق، حيث انه بالأصل المزبور مع ضميمة رجحانه الفعلي أو المرجوحية الفعلية امكن اثبات الكراهة أو الاستحباب، فتأمل.

هذا هو مقتضي الاصول العملية عند الشك وعدم ترجيح احد الاحتمالين على الآخر، ولقد عرفت ان مقتضاها جريان حكم التخصيص في جميع صور المسألة عدا فرض تضاد الحكم الثابت للخاص مع الحكم الثابت للعام.

واما مقام الترجيح فقد يقال: بترجيح احتمال التخصيص على احتمال النسخ، بتقريب ان التخصيص اكثر واشيع من النسخ حتى قيل من جهة كثرته وشيوعه: بانه ما من عام الا وقد خص، وبان النسخ في الحقيقة تخصيص في الازمان قبال التخصيص في الافراد، ومع الدوران يقدم الثاني على الاول لكونه كثيرا من تخصيص الازمان. ولكن فيه ما لا يخفى، فانه اولا نمنع كون النسخ من باب التخصيص في الازمان الراجع إلى باب التصرف في الدلالة، بل هو كما عرفت اشبه شيء بباب التقية الراجع إلى التصرف في الجهة قبال التخصيص الراجع إلى مقام التصرف في الدلالة، كما يكشف عنه ايضا صحة النسخ بزمان يسير عقيب قوله: اكرم زيدا في كل زمان، مصرحا بعمومه الأزماني، حيث يرى بالوجدان انه يصح له نسخ ذلك الحكم بعد يوم أو ساعة، بقوله: نسخت ذلك الحكم، من دون استهجان اصلا، مع عدم صحة ذلك بنحو التخصيص من جهة كونه من تخصيص الاكثر المستهجن، حيث ان نفس ذلك اقوى شاهد واعظم بيان على عدم ارتباط النسخ بباب التخصيص في الازمان وكونه من سنخ الاكاذيب والتقية الراجعة إلى مقام التصرف في الجهة دون الدلالة، وثانيا منع اقتضاء مجرد الشيوع والاكثرية لترجيح التخصيص والتصرف الدلالي على النسخ والتصرف الجهتي، والا لاقتضى ذلك تقديم التقية على غيرها عند الدوران بينها وبين غيرها، نظرا إلى شيوع التقية في زمان صدور هذه الاخبار، مع انه لا يكون كذلك، حيث ان بنائهم على عدم الاعتناء باحتمال صدور الخطاب تقية الا في بعض الموارد الخاصة التي كان الاصل الجهتي فيها موهونا في نفسه، كما في مسألة طهارة الكتابي، ومسألة حلية اكل ذبائحهم وطهارتهم، ومسألة عدم تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة، بل ومنع اصل اكثرية التخصيص من غيره ايضا، فان لنا فرض الكلام في الخصوصيات الواردة في صدر الشريعة وبدوها، ولئن قيل بان الاكثرية والاشيعية انما هي بلحاظ الاحكام العرفية لا بلحاظ خصوص الخطابات الشرعية حتى يتوجه الاشكال المزبور، يقال انه من الممنوع ايضا اكثرية التخصيص في الاحكام العرفية من النسخ لولا دعوى اكثرية النسخ فيها بلحاظ جهلهم بالموانع والمزاحمات الواقعية النفس الأمرية، ولا اقل من عدم كون التخصيص فيها في الكثرة بمثابة يوجب انس الذهن به كي يوجب الحمل عليه في الخطابات الشرعية عند الدوران والترديد. وبالجملة فالمقصود من هذا البيان انما هو المنع عن كون وجه تقديم التخصيص على النسخ من باب الاكثرية والاشيعية، والا فربما نحن نساعد ايضا على اصل المدعى من تقديم التخصيص على النسخ عند العرف والعقلاء بحسب ارتكازاتهم في الخطابات الشرعية والاحكام العرفية الجارية بنياتهم. وقد يقرب وجه تقديم التخصيص على النسخ بما قرب في وجه تقديم اصالة السند والجهة على اصالة الظهور والدلالة، من دعوى ان الاصل الجاري في السند كما كان في رتبة سابقة على اصالة التعبد بالظهور لكونها منقحة موضوعها، كذلك الاصل الجاري في الجهة ايضا، بلحاظ ان موضوع الجهة في الظهور هو الكلام الصادر عن المعصوم (عليه السلام )عن داعي الجد لبيان حكم الله الواقعي، لا للتقية ونحوها، وانه لولا احراز اصل صدور الكلام عن الامام (عليه السلام )واحراز جهة صدوره وكونه لبيان الحكم الواقعي لا ينتهي النوبة إلى مقام التعبد بظهوره، ودلالته، فبذلك يكون اصالة التعبد بالصدور والجهة في رتبة سابقة على اصالة التعبد بالظهور والدلالة، لكونهما منقحتي موضوعها، باعتبار كون الاول مثبتا لأصل الموضوع وهو كون الكلام صادرا عن الامام (عليه السلام )، والثاني لكيفية صدوره وكونه لبيان الحكم الواقعي لا للتقية ونحوها، وعليه فعند الدوران بين التصرف الدلالي والتصرف الجهتي يقدم الاصل الجهتي على الاصل الدلالي، من جهة تقدمه عليه رتبة في المشمولية لدليل الاعتبار.

وبذلك يقال في المقام ايضا بان النسخ بعد ان كان سنخه من باب التقية الراجع إلى التصرف في الجهة، لا من باب التخصيص في الازمان الراجع إلى التصرف الدلالي، فمع الدوران في العام بين كونه منسوخا بالخاص المتأخر أو مخصصا به يقدم الاصل الجاري في جهته على الاصل الجاري في ظهوره ودلالته، من جهة جريان اصالة الجهة فيه حينئذ في الرتبة السابقة بلا مزاحم، ومعه لابد من رفع اليد عن ظهوره ودلالته في العموم بمقتضي ما في القبال من الخاص الاظهر، من غير فرق في ذلك بين ظهور الخاص في ثبوت حكمه على فرض المخصصية من بدو الشريعة أو عدم ظهوره فيه بل ظهوره في ثبوت حكمه في زمان صدوره، وان كان على الاخير لا ثمرة عملية في البين، من جهة القطع بحجية العام على كل تقدير إلى زمان صدور الخاص ولزوم الاخذ بالخاص من حينه ورفع اليد عن العام على كل تقدير ايضا سواء على الناسخية أو المخصصية، هذا. ولكن قد يورد على هذا التقريب بعدم اجداء هذا المقدار من الترتب والطولية لتقديم الاصل الجهتي على الاصل الدلالي عند الدوران، بدعوى انه كما لا مجال للتعبد بظهور الكلام بدون احراز اصل صدوره وجهته كذلك لا مجال ايضا للتعبد بسنده وجهته مع عدم ظهوره، واجماله، حيث لا يترتب عليهما اثر عملي في البين حتى يجري فيهما اصالة التعبد، بل وانما ترتبه على ظهور الكلام الصادر عن الامام (عليه السلام)لأجل بيان الحكم الواقعي، وعلى ذلك فكان كل من السند والجهة والدلالة مما له الدخل في ترتب الاثر على الخبر فيعرض واحد، حيث كان ترتب الاثر عليه ووجوب المعاملة معه معاملة الواقع منوطا بسد امور ثلاثة: احدها احتمال عدم صدوره، وثانيها احتمال صدوره لا لأجل بيان حكم الله الواقعي بل لأجل التقية ونحوها، وثالثها احتمال كون المراد غير ما هو ظاهره، وفي ذلك يكون مجموع الامور الثلاثة من قبيل العلة المركبة لترتب الاثر وهو وجوب العمل، بحيث بانتفاء احدها ينتفى الاثر المقصود من التعبد بالبقية، وحينئذ فإذا كان كل من اصالة السند والجهة والدلالة في عرض واحد بالنسبة إلى ترتب الاثر والنتيجة فقهرا لا يبقى مجال تقديم احدها على الآخر في المشمولية لدليل الاعتبار بمحض تقدمها الطبعي. ولكن يمكن دفع ذلك بان الامر وان كان كما ذكر من احتياج كل من التعبد بالسند والجهة والدلالة في الجريان التعبد بالآخر، ولكن نقول: بان ذلك غير قادح في تقدم الاصل الجهتي على اصالة الظهور بعد اختلاف نحوى التوقف والاحتياج فيهما، وكون التوقف والاحتياج في بعضها من جهة عدم احراز الموضوع، وفى البعض الآخر من جهة عدم الاثر ولغوية التعبد بدونه، حيث ان من المعلوم حينئذ ان الاصل الجهتي لكونه منقح موضوع الاصل الدلالي وفي رتبة سابقة عليه مقدم لا محالة على الاصل الدلالي في مقام الدوران في المشمولية لدليل الاعتبار، فلابد حينئذ من رفع اليد عن اصالة الظهور والدلالة، وذلك ايضا ينطبق على ما عليه ديدن الاصحاب من تقديم التصرف الدلالي على التصرف الجهتي ولو بنحو التقية مع كثرته وشيوعها في زمن الائمة عليهم السلام. وعليه فحيث ان باب النسخ كان من سنخ التورية والتقية في كونه من قبيل التصرف في الجهة لا من قبيل التصرف في الدلالة فعند الدوران بين كون الخاص مخصصا للعام أو ناسخا له يقدم التخصيص على النسخ ويحكم بكونه مخصصا له لا ناسخا، هذا.

ولكن مع ذلك كله فالتحقيق هو عدم اثمار هذا الترتب والطولية بين الاصل الجهتي والدلالي لشيء بوجه اصلا، وذلك: اما في مقام الدوران بين التصرف الدلالي والتقية: فمع استلزام الاصل الجهتي لطرح الدلالة رأسا فظاهر، من جهة لغوية التعبد بالجهة حينئذ مع انتفاء اصل الدلالة، واما مع عدم استلزامه لذلك وامكان الاخذ بالعام ولو ببعض مدلوله فبانه وان كان يجري الاصل الجهتي ويؤخذ بالعام مثلا في بعض مدلوله بلا كلام لكنه لا يتوقف هذا المقدار على ما ذكر من الترتب والطولية بينهما، من جهة وضوح كون الامر كذلك ولو على القول بالعرضية، من جهة العلم التفصيلي حينئذ بخروج مقدار من المدلول عن تحت الحجية سواء على تقدير التخصيص أو التقية، واما فيما عدا هذا المقدار من المدلول فحيثما لا تنافي بين الاصلين يؤخذ بهما، فيترتب عليهما وجوب العمل على طبقه سواء فيه بين طولية الاصلين أو عرضيتهما هذا إذا كان الدوران بين التقية والتخصيص.

واما إذا كان الدوران بين النسخ والتخصيص كما في المقام، فان كان الخاص مقدما على العام وقد احتمل فيه كونه مخصصا للعام أو منسوخا به، ففي ذلك يقع التعارض بين الاصل الجهتي في الخاص وبين الاصل في العام المتأخر، وحيث انه لا يكون لاحدهما تقدم رتبي على الآخر كما في فرض اعتبارهما في دليل واحد فلا جرم ينتهي الامر فيهما بعد المعارضة إلى التساقط، وفي مثله يكون المرجع هو استصحاب حكم الخاص.

واما ان كان الخاص متأخرا عن العام فان كان ذلك قبل حضور وقت العمل بالعام فلا ثمرة تترتب على كونه ناسخا أو مخصصا، من جهة انه على كل تقدير يكون العمل على طبق الخاص المتأخر من حين صدوره، واما إذا كان صدوره بعد حضور وقت العمل بالعام بمدة فتارة لا يكون له ظهور في ثبوت مدلوله من الاول من حين ورود العام واخرى كان له هذا الظهور، فعلى الاول فلا دوران في البين بين الاصلين إذا كما انه يجري فيه الاصل الجهتي كذلك يجري فيه الاصل الدلالي ايضا إلى حين ورود الخاص، ومعه يكون المتبع هو اصالة العموم إلى حين ورود الخاص، ومن حين ورود الخاص يكون العمل على طبق الخاص المتأخر سواء كان ناسخا أو مخصصا، واما على الثاني من فرض اقتضاء الخاص المتأخر على تقدير كونه مخصصا ولو من جهة اطلاقه لثبوت حكمه من حين ورود العام، كما كان ذلك شأن اغلب الخصوصات، ففي مثله وان دار الامر بين التصرف في ظهور العام وبين التصرف في جهته وكان يثمر ايضا فيما قبل ورود الخاص منه الازمنة المتقدمة من جهة القضاء والكفارة لو كان الواجب مما يترتب على تركه ذلك، الا ان طرف المعارضة بدوا لما كان هو اطلاق الخاص المتأخر في ثبوت مفاده من اول الامر، من جهة منافاته بالضرورة مع قضية ظهور العام في العموم، فلا جرم ينتهى الامر فيهما إلى التساقط، ومع سقوط اصل الظهور في العام عن الحجية في العموم يجرى عليه قهرا حكم التخصيص. ولئن شئت قلت بان اصل الجهة في العام في مثل الفرض من جهة اناطته بجريان اصالة الظهور في العام وشمول عمومه لزيد ايضا في نحو قوله: اكرم كل عالم اناطة الشيء بموضوعه كان غير جار على كل تقدير من جهة وضوح عدم المجال للتعبد بالجهة بالنسبة إلى زيد مع عدم التعبد بعموم العام وشموله له، فيكون حينئذ طرف المعارضة قضية اطلاق الخاص المتأخر في ثبوت حكمه على تقدير التخصيص من حين ورود العام، ومع التعارض وسقوط اصالة الظهور في العام عن الحجية فقهرا يجرى عليه حكم التخصيص، ولابد فيه من الرجوع إلى الاصول التي توافق بحسب النتيجة مع التخصيص تارة كما في فرض كون مفاد العام هو وجوب اكرام العلماء ومفاد الخاص عدم وجوب اكرام زيد العالم، واخرى مع النسخ، كما في فرض كون مفاد العام عدم وجوب اكرام العلماء ومفاد الخاص وجوب اكرام زيد حيث ان قضية البراءة عن القضاء مثلا حينئذ توافق النسخ، هذا.

ولكن الذي يسهل الخطب عدم ترتب اثر عملي على مثل هذا الفرض بالنسبة الينا بعد تأخر زماننا عن زمان العام والخاص، من جهة وضوح انه على كل تقدير كان الواجب علينا الاخذ بالخاص والعمل على طبقه ناسخا كان أو مخصصا. نعم في الخاص المتقدم كان له ثمرة مهمة من حيث كونه مخصصا للعام المتأخر أو منسوخا به، ولكنك عرفت فيه ايضا ان اللازم فيه هو الرجوع إلى استصحاب حكم الخاص من جهة معارضة الاصل الجهتي في الخاص حينئذ مع الاصل الدلالي في العام المتأخر وتساقطهما فتدبر. هذا تمام الكلام في العام والخاص.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.