المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8222 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

ابن الصلاح
7-8-2016
الوسائل الثلاثة في الدعاء
2024-09-16
النتائج الفظيعة
12-8-2017
الشجاعة
26-3-2022
أنود مطوَّق hooded anode
4-3-2020
رعاية الطفل والعناية به
21-4-2016


المشتقات  
  
2107   11:54 صباحاً   التاريخ: 7-8-2016
المؤلف : محمد تقي البروجردي النجفي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأفكار
الجزء والصفحة : ج1. ص.119
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /

قد وقع الخلاف بين الاعلام في ان المشتق حقيقة في المتلبس بالمبدأ في الحال، أو انه حقيقة في الاعم منه والمنقضي عنه المبدأ، وذلك بعد وفاقهم على كونه مجازا في الاستقبال، ولتنقيح المرام في المقام لابد من ذكر امور:

الاول : في بيان الحال المتنازع فيه في المقام وانه عبارة عن حال تلبس الذات بالمبدأ وتلبسه بها؟ أو انها عبارة عن حال الجري والتطبيق على المصداق الخارجي كما هو ظاهر بعضهم حسب اقتضاء تحريرهم عنوان البحث، أو انه عبارة عن حال النسبة الكلامية، وتوضيح المقال في ذلك يحتاج إلى بيان ما هو مورد النزاع وانه هل هو في مدلول الكلمة والمفرد او في مدلول الهيئة؟

 فنقول : لا ينبغي الاشكال في ان ما هو مورد البحث والكلام بين الاعلام وما يرجع إليه لب النزاع انما هو مدلول الكلمة ، وان ما هو المدلول لكلمة الضارب والعالم ونحوهما مع قطع النظر عن مرحلة جريه وتطبيقه على المصداق الخارجي أو ورود حكم عليه ووقوعه في حيز الهيئة الكلامية هل هو عبارة عن الذات المتلبسة بالمبدأ بقول مطلق أو المبدأ القائم بالذات مطلقا (على اختلاف المسلكين في المشتق من مأخوذية الذات فيه أو عدم مأخوذية الذات فيه وكونه عبارة عن نفس المبدأ لا بشرط) أو انه عبارة عن الذات المتلبسة بالمبدأ في الجملة ولو بقطعة منها متحققة في سابق الزمان؟

 حيث كان القائل بالتلبس في الحال يدعى وضع المشتق للذات المتلبسة بالمبدأ على الاطلاق الملازم لعدم انطباقه خارجا الاعلى المتلبس بالمبدأ في الحال، والقائل بالأعم يدعى الوضع للذات المتلبسة بالمبدأ في الجملة ولو بقطعة من الذات مما مضى الملازم لصحة جريه وتطبيقه خارجا ولو على المتلبس بالمبدأ سابقا المنقضي عنه في الحال.

 ولئن شئت فاستوضح ذلك بقولك زيد الضارب حيث ترى في ذلك نسبا طويلة مترتبة بعضها على بعض :

 الاولى : نسبة تلبس الذات بالمبدأ واتصافها به مع قطع النظر عن مقام جريه وتطبيقه على المصداق الخارجي كما لو كنا نحن ونفس مفهوم الضارب بما هو هذا المفهوم حيث يرى من ذلك ذات لها نسبة إلى المبدأ أو مبدأ له نسبة إلى الذات بنسبة قيامية مثلا، كان في العالم لهذا المفهوم مصداق أو لم يكن.

الثانية: نسبة انطباق تلك المتلبس والمتصف بالمبدأ على المصداق الخارجي وهو زيد مثلا في مثل قولك : زيد الضارب والشجرة المثمرة فان مثل هذه النسبة كان ظرفها متأخرا عن ظرف نسبة تلبس الذات بالمبدأ.

 الثالثة: النسبة الحكمية في مثل قولك: اكرم زيدا الضارب حيث نسبت الاكرام إلى زيد المنطبق عليه الذات المتلبسة بالمبدأ فبهذه الجهة كان ظرف هذه النسبة متأخرا عن الاوليين.

وبعد ذلك نقول: بانه لا شبهة في ان ما هو مورد البحث والنزاع انما هو النسبة بالمعنى الاول وهى نسبة تلبس الذات بالمبدأ أو نسبة قيام المبدأ بالذات، على اختلاف المسلكين، دون نسبة انطباق الذات المتلبسة على المصداق، كيف وانك في وقولك:

 زيد الضارب والشجرة المثمرة ترى ان المشتق بما له من المدلول ينطبق على زيد ويجري عليه، وحينئذ فلا محيص مما ذكرنا من جعل مورد البحث والنزاع في مدلول الكلمة، اعني كلمة الضارب والعالم، مع قطع النظر عن مقام جريه وانطباقه على المصداق أو ورود حكمه عليه، فينازع بان مدلول هذه الكلمة عبارة عن الذات المتلبسة بالمبدأ على نحو الاطلاق بنحو يلازم عدم صحة جريه وتطبيقه الا على المتلبس بالمبدأ في الحال، أو انه عبارة عن الذات المتلبسة بالمبدأ في الجملة ولو بقطعة منها مما مضى الملازم لصحة انطباقه خارجا ولو على المتلبس بالمبدأ خارجا المنقضي عنه في الحال، وعليه يكون النزاع في صحة اطلاق المشتق وجريه على الذات المنقضي عنها المبدأ في الحال وعدم صحته من لوازم النزاع في مدلول الكلمة وتبعاته، لا انه بنفسه مورد البحث والنزاع كما هو واضح.

ومن ذلك البيان ظهران الحال المتنازع فيه في المقام لابد وان يكون عبارة عن حال تلبس الذات بالمبدأ، دون حال الجري والتطبيق كما يقتضيه ظاهر بعضهم، ودون حال النسبة الكلامية، كيف وانه على الآخرين لا يرجع النزاع في الحقيقة والمجاز إلى المجاز في الكلمة والحقيقة فيها، بل مرجعه حينئذ إلى المجاز في الاسناد والحقيقة فيه الذي هو خارج عن مدلول الكلمة، وهو المشتق، كما هو واضح.

ومن ذلك نقول: بان حق تحرير عنوان المسألة في المقام هو تحريره بان المشتق، أي كلمة ضارب مثلا، هل موضوع للذات المتلبسة بالمبدأ بقول مطلق، أو انه موضوع للذات المتلبسة بالمبدأ في الجملة ولو بقطعة منها مما مضى بإلغاء عنوان الحال رأسا، كي لا يختلط بحال الجري والتطبيق أو حال النسبة الكلامية أو تحريره بان المشتق موضوع للذات المتلبسة بالمبدأ حال تلبسها به، أو انه موضوع له يعمه وغيره من حالات خلو الذات عن المبدأ لكي ينطبق على ما ذكرناه.

 الامر الثاني : قد عرفت بانه على القول بالأعم كما يصح اطلاق المشتق على المتلبس بالمبدأ فعلا كذلك يصح اطلاقه وجريه على المنقضي عنه المبدأ فعلا بمحض تلبس الذات به في سابق الزمان، ولو كان حال الجري متلبسا بما يضاد الوصف السابق.

واما على القول بالتلبس الفعلى فلابد في صحة اطلاق المشتق وجريه من فعلية تلبس الذات بالمبدأ في الظرف الذي لو حظ فيه الجري، فإذا كان زيد غير متلبس بالقيام في الحال وقد كان تلبسه به في سابق الزمان لا يصح اطلاق القائم عليه في الحال بقولك زيد قائم الآن، نعم لو كان جرى المشتق لا بلحاظ الحال بل بلحاظ ظرف تلبسه به ماضيا أو مضارعا صح الجري المزبور ايضا وكان بنحو الحقيقة، ففي مثل زيد كان قائما بالأمس أو زيد يكون قائما في الغد يكون بنحو الحقيقة إذا كان التلبس بالقيام ايضا في الامس في الاول وفي الغد في الثاني، وإذا كان التلبس في امس الامس يكون مجازا على هذا القول، كما انه في الثاني إذا كان التلبس في غد الغد يكون مجازا على القولين، وحينئذ فلابد على القول باعتبار التلبس الفعلي من ملاحظة فعلية التلبس في الزمان الذي لو حظ فيه الجري ماضيا أو مضارعا أو حالا.

 بل ولئن دققت النظر ترى ان العبرة كلها على زمان المجرى عليه لا على زمان الجري والتطبيق فإذ كان المجرى عليه بالجري الفعلي هو القطعة المتلبسة بالمبدأ من الذات سابقا، أو كان هو القطعة المتلبسة به لا حقا صح الجري وكان بنحو الحقيقة ولو كان الجري فعلي وحينئذ فلا يحتاج على القول بالتلبس الفعلي في صحة الجري حقيقة إلى اتحاد ظرف الجري مع ظرف المجرى عليه كما في الامثلة المتقدمة كي يحتاج إلى جعل الجري ايضا بلحاظ حال التلبس ماضيا أو مضارعا فنقول :

زيد كان قائما بالأمس أو يكون قائما في الغد أو الآن.

 وعمدة النكتة في ذلك انما هو تساوى تلك القطعات الثلاث في المصداقية لهذا المفهوم الكلى الذي هو مدلول كلمة القائم وهو الذات المتلبسة بالمبدأ بقول مطلق فانه كما ان القطعة المتلبسة بالقيام فعلا مصداق حقيقي للقائم فيصدق عليه هذا المفهوم كذلك ايضا القطعة المتلبسة به سابقا فانه بمجرد تلبسه بالقيام يصير تلك القطعة فردا ومصداقا حقيقيا للقائم ويصدق عليه هذا المفهوم كصدقه على المتلبس الحالي بالمبدأ من دون ان يخرج تلك القطعة عن الفردية بوجه اصلا، وهكذا الكلام بالنسبة إلى القطعة المتلبسة بالقيام لا حقا فانه بعد ما يرى العقل تلبسه بالقيام في الغد يرى كونها مما ينطبق عليها مفهوم القائم فيحكم فعلا بكونها فرد ومصداقا له وان لم يكن لها وجود في الخارج فعلا، لان مصداقية شيء وفرديته لعنوان كلي غير منوط بوجوده فعلا في الخارج لان الخارج دائما ظرف وجود الفرد فارغا عن مصداقيته وفرديته، ومن ذلك لو وقع مثل هذا العنوان موضوعا لحكم الشرعي في لسان الدليل كقوله اكرم العالم مع كون المطلوب هو صرف وجود الاكرام المضاف إلى طبيعة العالم المنطبق على اول وجود منه ترى حكم العقل في مثله بالتخيير بين اكرام الفرد الفعلى الموجود حال الخطاب وبين اكرام غيره من الافراد التدريجية التي توجد بعد ذلك، نظير حكمه بالتخيير بين الافراد التدريجية من الصلاة من اول الظهر إلى الغروب في الفرائض اليومية فلو لا مصداقية الموجود المتأخر للعام فعلا لما كان وجه لحكمه بالتخيير بين الاتيان بالفرد الفعلي وبين الاتيان بالفرد الاستقبالي في موطنه كما هو واضح فتدبر.

 وحينئذ نقول:

بانه إذا كانت تلك القطعات الثلاث من الذات أي القطعة المتلبسة بالمبدأ سابقا والقطعة المتلبسة به حالا والمتلبسة به لاحقا كل واحدة منه مصداقا لمفهوم القائم وينطبق عليها هذا المفهوم الكلي بنحو الحقيقة فلا جرم يلزمه صحة جرى مفهوم القائم فعلا على القطعة السابقة واللاحقة كصحة جريه على القطعة المتلبسة بالقيام فعلا فيصح حينئذ ان يجرى المشتق فعلا ويطبقه على تلك القطعة من الذات التي تلبست سابقا بالقيام أو التي تتلبس به في المستقبل كما هو واضح.

 ومن ذلك البيان ظهر نكتة اخرى وهى عدم كفاية مجرد هذا النزاع في مدلول كلمة المشتق بانه حقيقة في المتلبس الفعلي أو الاعم منه والمنقضي عنه المبدأ في استنتاج النتيجة المعروفة من وجوب الاكرام وعدم وجوبه في مثل قوله:

يحب اكرام العالم، وكراهة البول تحت الشجرة المثمرة في قوله: يكره البول تحت الشجرة المثمرة ، ما لم ينضم إليه دعوى ظهور الهيئة الكلامية في اتحاد ظرف الاكرام خارجا مع ظرف وجود المصداق الذي هو ظرف التلبس، ولو للانصراف، إذ لو لا دعوى مثل هذا الظهور للهيئة الكلامية في اتحاد الظرفين امكن في امثال تلك الموارد دعوى ان الجري الفعلي فيها كان على المجرى عليه السابق لا على المصداق الفعلي، ولقد عرفت كون الجري المزبور حينئذ على نحو الحقيقة ولو على القول بالتلبس الفعلي ولازمه حينئذ هو وجوب الاكرام وكراهة البول على كل القولين ولو مع عدم تلبس الذات بالمبدأ فعلا بان كان تلبسها به في سابق الزمان، وعليه فتنتفي الثمرة المزبورة التي جعلوها ثمرة البحث بين القولين في المسألة.

 نعم لو ورد في لسان الدليل : بانه اكرم من كان عالما بالأمس أو اكرم العالم الفعلي بنحو يستفاد منه كون ظرف الجري فيه بعينه هو ظرف المجرى عليه لكان المجال لاستنتاج النتيجة المزبورة فانه على القول بالأعم يجب الاكرام في المثالين المزبورين ولو لم يكن التلبس بالمبدأ متحققا بالأمس في المثال الاول وبالفعل في الثاني، بخلافه على القول بالتلبس الفعلي فانه عليه لا يجب الاكرام في المثالين إلا إذا كان التلبس بالمبدأ متحققا في ظرف الجري الذي هو الامس أو الآن كما هو واضح، ولكن مثل هذ اللسان لعدم وجوده في الادلة أو لندرته يحلق بالعدم ومعه يتوجه الاشكال المزبور في إستنتاجهم الثمرة المزبورة بين القولين في المسألة بقول مطلق.

وحينئذ فلا محيص في استنتاج النتيجة المزبورة على الاطلاق من نزاع آخر في مدلول الهيئة الكلامية من نحو قوله:

 اكرم العالم واهن الفاسق ويكره البول تحت الشجرة المثمرة علاوة عن النزاع في مدلول كلمة المشتق وهى العالم والفاسق ونحوهما، من دعوى ظهور الهيئة في الكلام في اتحاد ظرف الاكرام المضاف إلى العالم مع ظرف وجود المصداق الذي هو ظرف التلبس كم هو الظاهر أيضا، كي بعد اثبات هذا الظهور للهئية في نحو تلك القضايا في اتحاد الظرفين ولو من جهة الانصراف يترتب النتيجة المزبورة - فتدبر.

الامر الثالث : لا يخفى عليك خروج المصادر والافعال عن حريم هذا النزاع لان المشتق المبحوث عنه في المقام انما هو المفاهيم الجارية على الذوات المنتزعة عنها بلحاظ اتصافها بالمبدأ واتحاده معه وجودا، وعليه فيخرج قهرا المصادر المجردة والمزيدة، وكذا الافعال ماضيه ومضارعها وامرها ونهيها، نظرا إلى انها غير جارية على الذوات، من جهة ان المصادر وكذا الافعال لا دلالة فيها بمقتضي وضعها الا على مجرد المبدأ ونسبة له إلى ذات ما بنسبة تصورية كما في المصدر، أو نسبة تصديقية كما في الافعال، وحينئذ فلا يكون فيها ما يكون وجهة وعنوانا للذات وجاريا عليها، ومجرد الاسناد بين الفعل والفاعل في قولك:

 زيد ضرب غير الحمل والاتحاد كما لا يخفى.

ومن ذلك البيان ظهر ايضا نكتة الفرق بين المشتق ومبدئه من حيث اباء الثاني عن الجري على الذات والحمل عليها دون الاول، حيث كان السر في امتناع الاول عن الجري على الذات من جهة اخذه بنحو يرى كونه في قبال الذات فمن هذه الجهة يأبى ويعصى عن الجري عليها، بخلاف المشتق فانه باعتبار آخذه وجهة وعنوانا للذات وطورا من اطوارها لا يأبى عن الجري على الذات والحمل عليها، وسيجئ مزيد بيان لذلك في تنبيهات المسألة ان شاء الله تعالى، فالمهم والمقصود في هذا المقام انما هو اخراج المصادر والافعال عن حريم النزاع وتخصيص مورد النزاع بما يكون جاريا على الذات. على ان هذا النزاع انما يختص بمورد يتصور فيه الانقضاء والبقاء وهذا المعنى غير متصور في المصادر والافعال فان المصادر وكذا الفعل الماضي لا يتصور فيهما الذات القابلة للتلبس بالمبدأ تارة والخلو عنه اخرى وكذا فعل المضارع فانه لا يتصور فيه ايضا الانقضاء كما لا يخفى.

 ثم انه إنجر الكلام إلى هنا ينبغى عطف البيان إلى ذكر شطر من المباحث الراجعة إلى المشتقات وكيفية أو ضاعها من المصادر والافعال والاسماء وبيان الفارق بين الافعال والاسماء وان كان الانسب هو ذكر هذه الجهة في التنبيهات عند التعرض لبيان مفهوم المشتق من حيث التركيب والبساطة فنقول:

 ان هنا جهتين من الكلام:

 الجهة الاولى : اعلم ان كل باب من ابواب المشتقات من مصادرها وافعالها مثل الضرب (بالسكون) وضرب (بالفتح) وضارب ومضروب ونحوها كان كل واحد منها مشتملا على هيئة مخصوصة ومادة مشتركة بينه وبين غيره من الصيغ سارية في جميعها بحيث لا يكاد يمكن التلفظ بها باعتبار اندكاكها الا في ضمن هيئة مخصوصة ولو كانت تلك الهيئة هيئة ضاد وراء وباء، ولهذه المادة السارية المحفوظة في جميع تلك الصيغ ايضا معنى هو مثلها في التجرد بنحو لا يمكن تصوره واخطاره في الذهن الا بتعين خاص كان ذلك التعين هو المعنى الاسم المصدري أو غيرهما، وحينئذ فكانت تلك المادة المحفوظة في جميع تلك الصيغ من المصادر والافعال والاسماء بما لها من المعنى الساري فيها هو الاصل المحفوظ في المشتقات، دون غيرها كالمصدر أو الفعل، كما اشتهر ان الاصل في المشتقات هو المصدر كما عن جماعة من علماء الصرف أو هو الفعل كما عن جماعة اخرى منهم، إذ من الواضح انه لا اصل لهذا الاصل بعد وضوح المباينة التامة بين المعنى المصدري بما له من الحدود مع غيره من المشتقات كوضوح البينونة بين بعضه وبعضها الاخر، ومعه كيف يمكن ان يكون المصدر أو الفعل هو الاصل المحفوظ في المشتقات ومادة سارية فيها، كيف وان المصدر ايضا كغيره من الصيغ من الماضي والمضارع واسماء الفاعلين والمفعولين، فكان له ايضا هيئة خاصة ومادة مشتركة بينه وبين غيره، تدل المادة فيه على معنى حدثي والهيئة على اضافة هذا المبدأ إلى ذات ما ونسبته إليه بنسبة تصورية، وحينئذ فما هو الأصل المحفوظ والساري في جميع المشتقات لا يكون الا ذلك المعنى الحدثي المجرد عن جميع التعينات وان لم يمكن تصوره واخطاره في الذهن الا في ضمن تعين خاص، نعم لما كان الاقرب إلى ذلك المعنى المجرد هو المصدر من بين سائر المشتقات باعتبار دلالته على مجرد المبدأ وهو الحدث المضاف إلى ذات ما وعرائه عن خصوصية الزمان، وبعده كان الاقرب إليه الفعل الماضي والمضارع بالنسبة إلى اسماء الفاعلين والمفعولين نظرا إلى تقدمهما الرتبي عليها من جهة اشتمالهما على النسب التامة كما هو الشأن في كلية المركبات التامة بالقياس إلى القضايا التقييدية والمركبات الناقصة فبهذا الاعتبار امكن دعوى ان ما هو اقرب إلى ذلك المعنى المجرد، من جهة قلة وجدانه للخصوصيات بحسب اللفظ والمعنى، يكون اصلا بالنسبة إلى ما كثر فيه الخصوصية بحسب المعنى أو اللفظ، فنجعل مدار الاصلية والفرعية على مثل هذه الاقربية الاعتبارية، وندعى ان المصدر اصل بالنسبة إلى الفعل الماضي والمضارع وغيرهما من المشتقات، وان فعل الماضي اصل بالنسبة إلى المضارع لمكان اشتمال فعل المضارع على خصوصية زائدة ولو بحسب اللفظ، وان فعل مضارع اصل بالنسبة إلى اسماء الفاعلين والمفعولين باعتبار تقدمه الرتبي عليها.

وعلى ذلك ايضا امكن توجيه كلامهم في اصلية المصدر بالنسبة إلى سائر المشتقات بجعل مدار الاصلية على الاقربية إلى ذلك المعنى المجرد الساري في جميع المشتقات بتقريب ان المصدر حيثما كان اقرب إلى ذلك المعنى المجرد من سائر المشتقات اوجب ذلك كونه اصلا لسائر المشتقات ومادة سارية فيه بالنظر العرفي المسامحي فاطلقوا عليه بانه هو الاصل في المشتقات. لا يقال: على ذلك لم لا يجعل الاصل فيها المعنى الاسم المصدري مع انه من جهة تجرده عن خصوصية النسبة ايضا يكون اقرب من المعنى المصدري ، فانه يقال : نعم ، ولكنه باعتبار تجرده عن النسبة بل وعدم كون الوضع فيه وضعا انحلالي وكونه من قبيل وضع الجوامد عد كونه مبائنا مع سائر المشتقات وخارجا عنها فلذلك لم يعتنوا بجهة اقر بيته فجعل الاصل فيها ما كان من سنخ المشتقات مما يكون واجد للنسبة ويكون وضعه انحلاليا، ومن المعلوم ان الاقرب منها حينئذ لا يكون الا المصدر كما هو واضح.

واما ما يظهر من بعضهم : من ان الاصل فيها هو الفعل الماضي أو المضارع فلعل الوجه فيه هو جهة تقدم الفعل رتبة باعتبار اشتماله على النسب التامة على المصدر واسم الفاعل والمفعول لانهما أي المصدر والوصف لاشتمالهما على النسب الناقصة يكونان من القضايا التقيدية المتأخرة رتبة عن القضايا التامة كما عرفت بيانه في مبحث الحروف، هذا، ولكن لا يخفى عليك ان ذلك كله انما هو لمحض المماشاة مع القائلين بان المصدر أو الفعل هو الاصل في المشتقات والا فقد عرفت ان حديث الاصلية والفرعية مما لا اصل له وان كلا من المصدر والفعل اصل برأسه في قبال البقية كما هو واضح.

 وكيف كان فمما ذكرنا ظهر لك حال الوضع في المشتقات من كونه وضعا انحلاليا باعتبار المادة والهيئة لا وضعا جامديا كي يكون مجموع المادة والهيئة في كل واحد من الصيغ موضوعا لمعنى خاص، فكانت المادة السارية في كل واحد من المصدر وغيره من كل باب موضوعة بوضع نوعي للدلالة على نفس الحدث وهو المعنى المجرد المحفوظ فيها، وكانت الهيئة ايضا في كل واحد من الصيغ موضوعة بوضع شخصي للدلالة على نسبة الحدث إلى الذات فوضع من الهيئة مثلا ما كان على زنة فعل (بالسكون) للدلالة على نسبة الحدث إلى الذات وهكذا ما كانت على زنة فعل (بالتحريك) ويفعل وفاعل ومفعول وفعيل ومفعل ومفعال ونحو ذلك كل ذلك للدلالة على النسبة على اختلاف انحائها من الصدور والايجاد والوقوع والحلول والظرفية وغيرها كما هو واضح.

 الجهة الثانية : قد اشتهر في كلماتهم دلالة الفعل على زمان حتى انهم أخذوا الاقتران بالزمان في تعريفه وجعلوه فارقا بينه وبين الاسماء، فعرفوا الاسم بانه كلمة تدل على معنى في نفسه غير مقترن بأحد الازمنة الثلاثة، والفعل بانه كلمة تدل على معنى في نفسه مقترن بأحد الازمنة الثلاثة ، قال شارح الجامي : (الفعل ما كان دالا على معنى في نفسه مقترن بأحد الازمنة باعتبار معناه التضمني اعني الحدث) ونحوه كلام ابن مالك في منظومته قال: (المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كامن من امن) وظاهر كلامهما هو كون الزمان مدلولا تضمنيا للفعل.

واصرح من ذلك عبارة نجم الائمة حيث قال فيما حكى عنه، في شرح قول ابن الحاجب :

 الاسم ما دل على معنى غير مقترن بأحد الازمنة، ما لفظه المحكي عنه: (قوله غير مقترن صفة بعد الصفة لقوله معنى، ويبين معنى قوله غير مقترن ببيان قوله في حد الفعل: بانه ما دل على معنى في نفسه مقترن بأحد الازمنة الثلاثة، أي على معنى واقع في احد الازمنة الثلاثة معينا بحيث يكون ذلك الزمان المعين ايضا مدلول ذلك اللفظ الدال على ذلك المعنى بوضعه له اولا، فيكون الظرف والمظروف مدلولي لفظ واحد بالوضع الأصلي) إنتهى ، ومثله أو ما يقرب منه عبائر غيره من النحويين فراجع حيث ترى اطباقهم ظاهرا على دلالة الفعل على الزمان بمقتضى وضعه هذا.

ولكن الذي يقتضيه التحقيق هو خلافه كما يظهر وجهه بالتأمل فيما ذكرنا من انحلال الوضع في المشتقات إلى وضع نوعي للمادة فيها ووضع شخصي للهيئة في كل واحد من الصيغ، إذ نقول: بان الدلالة المزبورة لو كانت فأما ان تكون من طرف المادة أو من طرف الهيئة مع انه لا يكون في شيء منهما الدلالة وضعه على ذلك، وذلك اما المادة فلما تقدم بان وضعهما انما هو للدلالة على نفس المعنى الحدثي خاصة ولذلك لا ينسبق في الذهن جهة خصوصية الزمان في مثل المصدر والوصف، واما الهيئة فكذلك ايضا لانه انما وضعت للدلالة على مجرد النسبة بين المبدأ والفاعل وحينئذ فاين الزمان الذي ادعى كونه جزء من مدلولي الفعل؟ واين الدال عليه بعد عدم دلالة شيء من المادة والهيئة عليه ؟ نعم لو قيل : بان الوضع في المشتقات أو في خصوص الافعال كان من قبيل الوضع في الجوامد كان لما ذكروه كمال مجال حيث امكن حينئذ دعوى وضع مجموع المادة والهيئة للمعنى المقيد بالزمان، ولكنه خلاف التحقيق وخلاف ما عليه المحققون من انحلال الوضع في المشتقات طرا إلى وضعين : وضع للمادة نوعيا ووضع للهيئة شخصيا، بل وخلاف ما هو المنساق المتبادر في الذهن ايضا من مثل قوله: ضرب زيد من جهة وضوح انه لا يجئ ولا ينسبق في الذهن منه الا الحدث المرتبط بالذات لا المعنى التركيبي من الحدث والزمان.

 هذا كله مضافا إلى ما أورد عليه ايضا بلزوم الالتزام بالمجاز أو تعدد الوضع في الافعال المنسوبة إلى المجردات مثل (كان الله ولم يكن معه شيء) و(كان الله على كل شيء قدير) وفي الافعال المنتسبة إلى نفس الزمان كقولك : مضى الزمان وانقضى الدهر، فانه بعد وضوح عدم مأخوذية الزمان في نحو هذه الافعال في الامثلة المزبورة، فلا بد على تقدير اخذ الزمان جزء لمدلول الفعل اما من التجريد عن خصوصية الزمان والالتزام بالمجاز واما الالتزام بتعدد الوضع وكلاهما فاسدان كما هو واضح.

 نعم: حيثما ان في الافعال في مثل الفعل الماضي والمضارع خصوصية زائدة عن المعنى الحدثي الذي هو مبدء الاشتقاق بنحو ينسبق منها في الذهن جهة السبق في الماضي واللحوق في المضارع امكن دعوى الدلالة عليه بنحو الالتزام، بتقريب انه كما ان للمبدأ نحو خصوصية وربط خاص بالنسبة إلى ما يقوم به وهو الفاعل كذلك له نحو خصوصية وربط بالنسبة إلى الظرف الذي يقع فيه بنحو ينتزع عنه مفهوم السبق في الماضي واللحوق في المضارع وذلك ايضا لا بمعنى خصوص السبق واللحوق الزمانيين بل الاعم منه ومن غيره، فيكون السبق زمانيا فيما لو انتسب إلى الزمانيات، وذاتيا فيما لو انتسب إلى نفس الزمان، ورتبيا فيما لو انتسب إلى المجردات كقولك وجد العلة فوجد المعلول مع وضوح عدم تأخر المعلول عن علته بحسب الزمان.

 وحينئذ فيقال : بان المادة في الافعال موضوعة للدلالة على نفس الحدث والهيئة فيها لتلك الخصوصية والربط الخاص القائم به بنحو ينحل ذلك الربط بالتحليل إلى نحوين من الربط : ربط له بالنسبة إلى ما يقوم به وهو الفاعل والذات وربط له بالنسبة إلى الظرف الذي يقع فيه من حيث السبق واللحوق، وحينئذ فبهذا الاعتبار تكون الهيئة في الافعال دالة على الزمان ولكنه لا بالمطابقة ولا بالتضمن بل بنحو الالتزام نظير دلالتها على الفاعل والذات حيث كانت تلك ايض بنحو الالتزام كما لا يخفى.

ولعله إلى ذلك ايضا نظر صاحب الكفاية (قدس سره) من قوله : نعم لا يبعد ان يكون لكل من الماضي والمضارع خصوصية موجبة للدلالة على وقوع النسبة في الزمان الماضي في الماضي وفى الحال أو الاستقبال في المضارع.

 ثم انه بمثل هذا البيان ايضا امكن ان يوجه كلامهم بدلالة الفعل على الزمان وذلك بحمل الدلالة في كلامهم على الدلالة بنحو الالتزام بالبيان الذي ذكرنا ودخول الزمان فيه على الدخول بنحو خروج القيد ودخول التقيد وان كان لا يساعد لهذا الحمل كلام بعضهم فتدبر.

الامر الرابع : لا يخفى عليك اختصاص هذا النزاع بخصوص الاوصاف التي تنتزع من امر خارج عن الذات بنحو امكن تخلف الذات عنها ويتصور فيها الانقضاء فيخرج حينئذ الاوصاف المنتزعة عن حاق ذات الشيء التي لا يكاد يتصور تخلف الذات عنها كالمحمولات بالضميمة كالحيوانية والانسانية والناطقية والصاهلية، فأنها بملاحظة عدم تخلف الذات عنها لا يكاد يتصور فيها الانقضاء حتى تكون مطرحا للنزاع كما لا يخفى.

 نعم قد يشكل الامر حينئذ بالنسبة إلى بعض المفاهيم كأسماء الزمان ونحوها من الامور التدريجية الغير القارة فانه لما لم يكن فيها ذات ممتدة قارة قابلة للتلبس بالمبدأ تارة والخلو عنه أخرى اشكل عليهم بلزوم خروجها عن موارد النزاع فمن ذلك وقعوا في حيص وبيص وصاروا بصدد دفع الاشكال بوجوه:

 منها: ما افاده صاحب الكفاية (قدس سره) حيث اجاب عن الاشكال بان انحصار مصداق مفهوم عام كلى بفرد كما في المقام لا يكون موجبا لوضع اللفظ بإزاء الفرد دون المفهوم العام فلا غروفي مثل اسماء الزمان بالمصير فيها إلى الوضع للأعم غايته انحصار مصداق هذا المفهوم في الخارج في فرد خاص كانحصار فرد واجب الوجود بالذات فيه تعالى مع كونه كليا قابلا للانطباق على الكثير بمعنى انه لو فرض محالا مصداق آخر له لكان ينطبق عليه هذا المفهوم بلا كلام.

اقول : ولا يخفى عليك انه لما كان الاشكال في المقام بعينه هو الاشكال المعروف في استصحابات الامور التدريجية الغير القارة من حيث عدم بقاء الموضوع وعدم اتحاد القضية المتيقنة والمشكوكة كان الحرى عليه (قدس سره) ان يجيب عنه في المقام بما اجاب عنه في ذلك المقام فانه (قدس سره) فصل في ذلك المقام بين الحركة القطعية والحركة التوسطية فقال: بان الانصرام والتدرج انما هو في الحركة القطعية وهى كون الشيء في كل آن في حد أو مكان لا التوسطية وهى كونه بين المبدء والمنتهى لأنه بهذا المعنى يكون قارا مستمرا، إذ لا يخفى عليك انه لو تم ذلك هناك امكنه ايضا في هذا المقام تصوير الامر القاربين حالتي التلبس والانقضاء فلا وجه حينئذ لالتزامه في المقام بأصل الاشكال ثم الجواب بمثل البيان المزبور بان انحصار مفهوم عام بفرد (الخ).

 ولكن اصل هذا الجواب ايضا غير مجد لدفع الاشكال المزبور هناك ايضا، إذ قلنا في ذلك البحث بان مثل هذه الوحدة المنتزعة عما بين المبدأ والمنتهى انما هي وحدة اعتبارية عرضية منتزعة عن تعاقب الافراد وتلاحقها والا ففي الخارج لا يكون الا اشخاص تلك الحصص المتبادلة المتعاقبة لا انه كان في الخارج جهة وحدة شخصية ذاتية حقيقية.

 وحينئذ فإذا لا يكون في الخارج الا الافراد المتعددة المتعاقبة فلا جرم يبقى الاشكال على حاله ولا يكاد يجدي في دفعه مجرد اعتبار مثل تلك الوحدة العرفية وانتزاعها عن تعاقبتلك الحصص والافراد بعد ان لا قرار لنفس تلك الحصص في الخارج.

وحينئذ فالعمدة في الجواب عن الاشكال هو ما ذكرناه هناك بان الازمنة والآنات وان كانت وجودات متعددة متعاقبة متحدة بالسنخ ولكنه حيثما لا يتخلل بينهما سكون يكون المجموع يعد عند العرف موجودا واحدا مستمرا نظير الخط الطويل من نقطة إلى نقطة كذائية فبهذا الاعتبار يكون امرا واحدا شخصيا مستمرا من اوله إلى اخره ، فيصدق عليه كلما شك فيه (انه شك في بقاء ما علم بحدوثه) فيشمله دليل حرمة النقض.

 وحينئذ فبعين هذا الجواب نجيب عن اشكال المقام ايضا حيث امكن لنا تصور امر قار وحداني يتصور فيه الانقضاء بمثل البيان المزبور وان بلغ تلك الافراد المتعاقبة ما بلغ إلى انقضاء الدهر فان مناط الوحدانية حينئذ انما هو بعدم تخلل سكون في البين فيما بين تلك الافراد فما لم يتخلل عدم بينهما يكون المجموع موجودا واحدا شخصيا مستمرا.

 نعم ذلك انما هو فيما لم يكن تلك القطعات المتعاقبة من الزمان مأخوذة موضوعا للأثر في لسان الدليل معنونة بعنوان خاص كالسنة والشهر واليوم والساعة ونحوها والا فلا بد من لحاظ جهة الوحدانية في خصوص ما عنون بعنوان خاص من القطعات فيلاحظ جهة المقتلية مثلا في السنة أو الشهر أو اليوم أو الساعة بجعل مجموع الآنات التي فيما بين طلوع الشمس مثلا وغروبها امرا واحدا مستمرا فيضاف المقتلية إلى اليوم والشهر والسنة فتدبر.

 الامر الخامس: الظاهر انه لا اختصاص لهذا النزاع بخصوص اسمي الفاعل والمفعول وما بمعناهما من الصفات المشبهة بالفعل وما يلحق بها بل يعم كل ما كان جاريا على الذات وان كان من الجوامد كالرقية والزوجية ونحوهما، كما يشهد له ما عن فخر المحققين في الايضاح في باب الرضاع فيمن كان له زوجتان كبيرتان ارضعتا زوجة صغيرة له، حيث قال فيما حكى عنه: انه تحرم المرضعة الاولى والصغيرة مع الدخول بالكبيرة الاولى واما المرضعة الاخرى ففى تحريمها خلاف فاختار الوالد المصنف (رحمه الله) وابن ادريس تحريمها لان هذه يصدق عليها ام زوجته لأنه لا يشترط في المشتق بقاء المشتق منه .(انتهى)

ومن الواضح صراحة كلامه (قدس سره) في دخول مثل هذا النحو من الجوامد ايضا في محل النزاع ومن ذلك بنى الحرمة في المرضعة الثانية على عدم اشتراط التلبس الفعلي في المشتق، وربما يشهد لذلك ايضا بل يدل عليه ما رواه في الوسائل :

عن على بن مهزيار عن ابى جعفر (عليه السلام ) ففيه قيل له (عليه السلام) : ان رجلا تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثم ارضعتها امرأة له اخرى فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه ، فقال ابو جعفر (عليه السلام) : اخطأ ابن شبرمة ، تحرم عليه الجارية وامرأته التي ارضعتها اولا فأما الاخيرة فلم تحرم عليه كأنها ارضعت ابنته (الخبر)

 فان تعليله (عليه السلام ) لعدم حرمة الكبيرة الثانية بقوله : لأنها ارضعت ابنته ظاهر في انه لا يكون الحكم المزبور تعبديا وانه على طبق القواعد، وفيه ايضا تخطئة لابن شبرمة لما تخيله من كون المشتق حقيقة في الاعم ودلالة على ان المشتق حقيقة في المتلبس الفعلي هذا.

 نعم قد يشكل تحريم المرضعة الاولى ايضا بمقتضي القواعد بتقريب ان السبب الموجب لنشر الحرمة وهو عشر رضعات أو خمس عشرة رضعة كما كان موجبا لاتصاف المرضعة بالأمومة فتحرم كذلك موجب ايضا لخروج الصغيرة عن الزوجة واتصافها بالبنتية فيكون العنوانان أي الامومة والبنتية كلا هما معلولين عرضيين للرضاع يترتب (فاء واحد) بينه وبينهما من دون تقدم لاحدهما على الاخر ولو بحسب المرتبة ، وحينئذ فيشكل بانه كيف الحكم بتحريم الامومة مع انه لا يكون في البين زمان بصدق فيه عليها انها ام الزوجة لانه قبل كمال الرضعة الاخيرة وان كان يصدق الزوجة على الصغيرة الا ان الكبيرة في ذلك الآن لم تكن بأم لها وبعد اكمال الرضعة الاخيرة وان تحققت الامومة لها ولكنه في رتبة تحقق هذا العنوان خرجت الصغيرة عن الزوجية وتعنونت بالبنتية ، فلابد حينئذ وان يكون حرمة الكبيرة الاولى ايضا مبنية على عدم اعتبار بقاء المشتق منه في صدق المشتق، مع ان ظاهر الايضاح بل ظاهر الرواية هو كون الحكم بالتحريم بالنسبة إلى المرضعة بمقتضي القواعد.

 واما توهم ان التحريم حينئذ في الرواية انما هو بلحاظ جرى الزوجية للصغيرة بحال تلبسها الذي هو آن قبل تحقق عشر رضعات لا بلحاظ الحال الفعلي الذي هو ظرف تلبس المرضعة بالأمومة، فمدفوع بانه مناف للحكم بعدم تحريم المرضعة الثانية معللا بانه ارضعت ابنته والا فبهذا الاعتبار يصدق على الثانية ايضا انها ام زوجته فلا وجه حينئذ للتفكيك بينهما كما لا يخفى.

كما ان توهم عدم تكفل الرواية الا لبيان عدم تحريم الثانية التي افتى بحرمتها ابن شبرمة وسكوتها عن حكم المرضعة الاولى ولو من جهة كونه مطابقا للواقع وان لم يكن بمقتضى القواعد بل من جهة التعبد المحض، يدفعه ظهور الرواية في كون الحكم في الفقرتين على طبق مقتضى القواعد هذا.

وحينئذ فالتفصي عن الاشكال المزبور لا يكون الا بالتشبث بفهم العرف بدعوى ان المعيار في اتحاد الظرفين انما هو على الانظار العرفية لا على النظر الدقي العقلي وان العرف في مثل الفرض يرى ظرف الامومة متحدا مع ظرف الزوجية بملاحظة شدة اتصال احد الظرفين بالآخر فيرون المرضعة الاولى من هذه الجهة اما لزوجته الفعلية وان لم يكن كذلك بحسب الدقة العقلية، بل ولئن تدبرت ترى كونه كذلك بحسب الدقة ايضا نظرا إلى ان الامومة وان كانت في رتبة متأخرة عن علتها التي هي الرضعة الاخيرة لكنها متقارنة معها زمانا كما هو شأن كل معلول مع علته.

 وحينئذ فإذا كانت الامومة متحدة ظرفها زمانا مع ظرف علته وكانت الزوجية ايضا متحققة للصغيرة في ذلك الظرف فلا جرم يلزمه اتحاد ظرفي الامومة والزوجية ايضا بحسب الزمان على نحو الدقة العقلية، وحينئذ فإذا لم يكن المعيار في اتحاد الظرفين على الاتحاد بحسب المرتبة بل على الاتحاد بحسب الزمان وكان الظرفان ايضا متحدين بحسب الزمان فقهرا يندفع الاشكال المزبور من رأسه بلا حاجة ايضا إلى التشبث بفهم العرف والمصير إلى تسامحهم في مدلول الكلام كما هو واضح فتدبر.

 الامر السادس : قال في الكفاية : (ان اختلاف المشتقات حسب اختلاف مباديها من كون المبدأ حرفة في بعضها أو صنعة وبعضها القوة أو الملكة أو الاعداد لا يوجب تفاوتا واختلافا في الهيئة التي هي الجهة المبحوث عنها في المقام إذ لا يتفاوت حالها باختلاف ما يراد من مباديها من الامور المذكورة) ومقصودة (قدس سره) من ايراد هذا التنبيه انما هو منع القائل بالأعم عن التشبث بمثل التاجر والقاضي والكاسب والمجتهد ونحوها مما يصح اطلاقها على غير المتلبس الفعلى بالمبدأ وانه ليس للقائل بالأعم الاستدلال بالأمثلة المزبورة لإثبات الوضع للأعم باعتبار انه في الامثلة المزبورة اريد من المبدأ فيها الحرفة أو الصناعة أو الملكة أو الاعداد، فلا يضر حينئذ تلك الامثلة بالقائل بالوضع لخصوص المتلبس الفعلي بوجه اصلا هذا محصل مرامه (قدس سره).

اقول: ولا يخفى ان ما افاده (قدس سره) بحسب الكبرى وان كان تاما الا ان تمام الاشكال في تحقق صغرياتها، إذ نمنع كون الامثلة المزبورة مما اريد من المبدأ فيه الحرفة أو الصناعة أو الملكة الا يلزم كونه كذلك في غير الاسماء من المصادر والافعال ايضا لأنه بعد انحلال الوضع في المشتقات إلى وضعين: وضع المادة ، ووضع الهيئة ، لا يكاد يفرق بين الاسماء والمصادر والافعال ، مع انه كما ترى ! حيث لا يكاد ينسبق الذهن من اطلاق لفظ اتجر يتجر واتجار والتجارة وكذا لفظ قضى يقضى قضاء واقض (بصيغة الامر) واجتهد يجتهد اجتهادا ونحو ذلك الا المبدأ الفعلى المنسوب إلى الذات دون الحرفة أو الصناعة أو الملكة، وحينئذ فعلى ما سلكه (قدس سره) لابد اما من الالتزام بتعدد الوضع في المواد بدعوى وضع المادة في غير الاوصاف للمبدأ الفعلى اعني الحدث الخاص وفي الاوصاف للحرفة أو الصناعة أو الملكة، أو الالتزام بالمجاز في خصوص الاوصاف، وهم كما ترى، ضرورة بعد ان يكون للمواد وضعان في الامثلة المزبورة وضع في خصوص الاوصاف ووضع في غير الاوصاف من المصادر والافعال كبعد المجازية ايضا في خصوص الاوصاف، لعدم مساعدة العرف والوجدان عليه كما لا يخفى.

وحينئذ فالذي يقتضه التحقيق هو ان يقال : بان ما يرى من صحة اطلاق التاجر والقاضي والمجتهد والبقال والنجار ونحوها حتى في حال عدم الاشتغال الفعلي بالتجارة والقضاوة والاستنباط بل وفي حال الاشتغال بما يضادها كالأكل والشرب والنوم انما هو من جهة ان في الذات اقتضاء وجود المبد وفعليته الناشئ ذلك الاقتضاء من جهة تكرر المبدأ منه في الخارج وجعله حرفة أو صنعة له كما في الكاسب والتاجر والبقال ونحوها، أو من جهة جعل جاعل كالحاكم والقاضي ونحوهما، أو من جهة تحقق الملكة له كما في المجتهد والمستنبط والمهندس ونحوها أو من جهة اخرى غير ذلك، ففي الحقيقة لما كان قضية الحرفة والصناعة والملكة ونحوها تحقق المبدأ في الخارج اوجب ذلك اعتبار العرف بل العقلاء وجود المقتضى (بالفتح) ايضا عند تحقق مقتضيه (بالكسر) فمن هذه الجهة يحكمون بوجوده فيطلقون عليه الكاسب والتاجر والقاضي والمجتهد ولو في حال الاشتغال بما يضاد التجارة والقضاوة كما هو الشأن ايضا في غير المقام حيث كان بنائهم على الحكم بوجود المقتضى (بالفتح) وترتيب آثار الوجود عليه عند تحقق مقتضيه (بالكسر) ومن ذلك مسألة اشتراط سقوط الخيار في حين العقد مع انه لا وجود له بعد واسقاطه من قبل اسقاط ما لم يجب، ومسألة اجارة الدار والدكاكين وتمليك منافعها فعل بعد السنة والسنتين مع انه لا وجود للمنفعة فعلا حال الانشاء والتمليك.

 وحينئذ فعلى ذلك يكفي هذا المقدار في صحة اطلاق التاجر والقاضي والمجتهد على الذات حتى في حال الاشتغال بما يضاد التجارة والقضاوة بلا اضراره بالقائل بالوضع لخصوص المتلبس الفعلى، بلا احتياج ايضا إلى رفع اليد عما يقتضيه قضية وضع المادة من الفعلية في الاوصاف على خلاف المصادر والافعال بالحمل على ارادة الملكة أو الحرفة والصنعة فيه في الاوصاف بل تبقى المادة حينئذ على حالها كما في المصادر والافعال ويصار إلى صحة الاطلاق بما ذكرناه من البيان كما لا يخفى.

الامر السابع : قد عرفت في بعض الامور المتقدمة ان مجرد هذا النزاع في مدلول كلمة المشتق بانه للأعم أو المتلبس الفعلى لا يثمر في استنتاج النتيجة المعروفة الا بانضمام دعوى ظهور الهيئة الكلامية في القضايا في اتحاد ظرف النسبة مع ظرف التلبس الذي هو ظرف وجود المصداق. ولقد عرفت ظهور الهيئة الكلامية في القضايا طرا في ذلك ولو من جهة الانصراف، ولكن نقول: بان هذا الظهور انما يكون ويتبع فيما لو يكن في البين قرينة حالية أو مقالية أو عقلية على الخلاف والا فلا مجال لهذا الظهور ولا لاتباعه على فرض الظهور ايضا مثل ما لو فرض كون المبدأ أو اتصاف الذات به آنيا غير قابل للدوام و الاستمرار كالضرب والقتل ونحوهما، فانه في تلك الموارد من جهة عدم قابلية المبد للدوام والاستمرار لا يكون للقضايا ذلك الظهور بل ربما يكون فيها الظهور على الخلاف من مغايرة الظرفين، وكذا الامر في الموارد التي كان للمبدأ قرار واستمرار ولكنه قامت في البين قرينة حالية أو مقالية على اختلاف الظرفين كما لو كان الحكم المترتب في البين استقباليا بالنسبة إلى عنوان المبدأ فانه في تلك الموارد يستفاد ان تلبس الذات بالمبدأ واتصافها به في آن علة لترتب الحكم عليه إلى الابد بلا حاجة في ابقاء الحكم عليه إلى بقاء تلبسه بالمبدأ كما في مثل (السارق والسارقة فاقطعوا الخ) وعلى ذلك نقول : بانه ليس للقائل بالأعم التمسك ببعض الامثلة لإثبات مطلوبه من نحو قوله : اقتل القاتل أو الضارب ، وقوله سبحانه :

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] ، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ....الخ } [النور: 2]

إذ نقول : بان هذه كلها من الموارد التي قامت القرينة العقلية أو غيرها على مغايرة ظرف الحكم مع ظرف وجود المصداق وان الجري والتطبيق فيها كان على المجري عليه السابق أي القطعة المتلبسة بالمبدأ في السابق لا على القطعة الفعلية كي يلزمه اتحاد الظرفين فيكون تلبس الذات في تلك الموارد علة لترتب حكم الجلد أو القطع عليه إلى الابد ولو بعد انقضاء المبدأ عنه، كما يشهد لذلك قضية التفريع ايضا في قوله سبحانه : السارق والسارقة فاقطعوا، والزانية والزاني فاجلدوا، وحينئذ فلا ينافي قضية وجوب الجلد وقطع اليد عدم صحة اطلاق السارق والزاني الفعلي عليه كي يشكل بانه كيف ذلك مع فرض عدم صدق السارق الفعلي عليه فتدبر.

الثامن من الامور : لا يخفى عليك انه لا أصل في المسألة يحرز به احد الاحتمالين من الوضع للأعم أو المتلبس الفعلى، واصالة عدم ملاحظة الخصوصية معارضة بأصالة عدم ملاحظة العمومية، ومع تسليم عدم احتياج الثانية إلى ملاحظة العمومية وانها يكفيها عدم ملاحظة الخصوصية، نقول بانه لا يكاد يثبت بها الوضع للأعم، من جهة عدم الدليل على اعتبار مثل هذا الاصل في مقام تعيين الاوضاع، ولا سيرة من العقلاء ايضا على ذلك كي بمعونة عدم الردع يستكشف الامضاء، وانما القدر الذي عليه سيرة العقلاء انما هو في الشكوك المرادية واين ذلك ومقام تعيين الاوضاع! كما لا يخفى.

وحينئذ فلو ورد دليل على وجوب اكرام العالم أو اهانة الفاسق فينتهي الامر إلى الاصول العلمية من استصحاب وجوب أو حرمة إذا كان في البين حالة سابقة، كما لو رود دليل على وجوب اكرام زيد العادل حال تلبسه بالعدالة فانقضى عنه العدالة بعد ذلك واتصف بما هو ضدها فانه حينئذ يشك في وجوب اكرامه فيستصحب حكمه السابق وهو وجوب الاكرام، واما إذا لم يكن في البين حالة سابقة فيرجع إلى البراءة للشك في اصل التكليف بالإكرام بالنسبة إليه، ويفرض ذلك فيما لو كان ورود الدليل على وجوب اكرام العادل بعد انقضاء العدالة عن زيد.

 وبالجملة فبعد انتهاء الامر إلى الاصول العلمية يختلف مجاريها بحسب اختلاف الموارد استصحابا أو براءة واشتغالا فلابد من لحاظ خصوصيات الموارد بإعطاء كل حكمه.

وإذا عرفت هذه الامور فلنشرع فيما هو المهم والمقصود من الوضع للأعم أو لخصوص المتلبس الفعلي، فنقول: ان الاقوال في المسألة وان كثرت من القول بالوضع لخصوص المتلبس الفعلى، والقول بالوضع للأعم، والتفصيل بين المحكوم والمحكوم عليه، وغيره من التفاصيل المذكورة في المطولات الا انا نكتفي بذكر القولين الاولين لكونهما هما العمدة في الباب.

فنقول: ان المختار من القولين المزبورين هو الاول من الوضع لخصوص المتلبس الفعلي ، لنا على ذلك :

اولا: التبادر حيث كان المتبادر من اطلاق قولك زيد قائم أو عادل هو خصوص المتلبس الفعلي بالمبدأ دون الاعم منه وما انقضى عنه المبدأ، بل وصحة سلب القائم والعادل عن المنقضي عنه القيام والعدالة حقيقة، فانه يصح ان يقال: انه ليس بقائم أو عادل فعلا حقيقة بل هو قاعد وفاسق فعلا، فان من الواضح انه لو كان المشتق حقيقة في الاعم لما صح السلب المزبور عمن كان سابق متلبسا بالقيام والعدالة، مع ان صحة سلب القائم والعادل عنه في الوضوح كالنار على المنار والشمس في رابعة النهار، كيف وقد عرفت بانه يصدق عليه فعلا ما يضاده بحسب الارتكاز لضرورة صدق القاعد الفعلى عليه بعد انقضاء القيام عنه وصدق الجاهل والفقير عليه فعلا بعد انقضاء العلم والغنى عنه، وهكذا في مثل الاكل والفارغ عن الاكل والمشتغل به فانه بعد فراغه عن الاكل لا يكاد يصدق عليه عنوان المشتغل بالأكل بل يصدق عليه بالضرورة عنوان الفارغ، والمشتغل والفارغ ايضا من المشتقات.

بل ولئن تدبرت ترى كون هذا الوجه برهانا تاما مستقلا على عدم كون المشتق حقيقة الا في خصوص المتلبس الفعلى كما قرب ايضا بتقريب انه لا ريب في مضادة الاوصاف المتقابلة المأخوذة من المبادي المتضادة بحسب الارتكاز كالأبيض والاسود والعالم والجاهل ونحوها بنحو يأبى الارتكاز عن صدقها على موضع واحد في زمان واحد، ومن المعلوم ان مثل هذه المضادة الارتكازية انما يتم على مسلك من اعتبر التلبس الفعلى لان لازمه حينئذ كون شخص واحد في زمان واحد مصداقا فعليا للأبيض والاسود والعالم والجاهل والقائم والقاعد والمشتغل والفارغ ونحوها وهو مما يكذبه الوجدان السليم بحسب ما له من الارتكاز بالمضادة بين تلك الاوصاف.

واما بناء على القول بالأعم فلا يتم ذلك لان لازمه ان لا يكون مضادة بين الاوصاف المزبورة بل كان بينها المخالفة التي لازمه عدم الاباء عن الاجتماع في موضوع واحد، كما هو الشأن في كلية المتخالفين كالسواد والحلاوة، مع انه ليس كذلك قطعا لقضاء الوجدان حسب ما له من الارتكاز بالمضادة التامة بين القائم والقاعد وبين العالم والجاهل والصحيح والمريض والابيض والاسود، كالمضادة بين مبدئيها.

 وحينئذ فكان نفس تلك المضادة الارتكازية بين الاوصاف المزبورة اقوى شاهد واعظم برهان على بطلان القول بالأعم. ولا يخفى عليك بانه هذا التقريب لا يبقى موقع للأشكال عليه بما افيد من منع المضادة بين نفس الاوصاف لكون التلبس بالوجود المطلق اعم من التلبس الفعلي، فيمكن ان يكون جسم واحد مثلا يصدق عليه مفهوم الابيض بمعنى اتصافه بالبياض الذي وجد فيه فانقضى عنه حال النسبة ويصدق عليه مفهوم الاسود ايضا على معنى اتصافه بالسواد المتلبس به في الحال فهذان العنوانان مما لا تضاد بينهما اصلا وانما التضاد بين مبدئيهما ولا يلزم من ذلك اجتماعهما في موضوع واحد بوجه اصلا. إذ فيه ما لا يخفى فانه بعدان كان مراد القائل بالأعم هو صدق المشتق حقيقة فعلا على المنقضى عنه المبدأ في الحال كصدقة على المتلبس الفعلي نظرا إلى دعوى كونه من المصاديق الحقيقية لمفهوم الابيض والاسود بحيث يصح اطلاقه عليه فعلا بقولك هذا الجسم ابيض فعلا بمحض تلبسه بالبياض سابقا، فلا جرم لا موقع لهذا الاشكال لانه بعد تحقق المضادة الارتكازية بينهما كما فيما بين مبدئيهما واباء الوجدان عن صدق القائم والمشتغل عليه فعلا في حال تلبسه بالقعود وفراغه عن المبدأ يتم المطلوب ويبطل به دعوى القائل بالأعم، واما المنع عن اصل تلك المضادة حتى بحسب الارتكاز فليس الا المكابرة مع الوجدان. ثم انه من هذا البيان ظهر ايضا اندفاع ما اورد من الاشكال على صحة السلب المزبور كما عن الفصول (قدس سره) فيما حكى عنه : من تقريب انه ان اريد من صحة السلب صحته مطلقا فغير سديد إذ لا يصدق على من انقضى عنه القيام انه ليس بقائم مطلقا لا في الحال ولا في الماضي بل يصدق عليه انه قائم في الجملة ولو في الماضي، وان اريد به صحته مقيدا فغير مفيد لان علامة المجاز انما هو صحة السلب مطلقا وفيما انقضى عنه المبدأ انما يصح السلب مقيد بالحال لا مطلقا ومثل ذلك لا يكون من علائم المجاز كما لا يخفى.

 وجه الاندفاع هو ما عرفت من أن هم القائل بالأعم إنما هو صدق المشتق حقيقة فعلا على المنقضي عنه المبد كصدقه على المتلبس الفعلى، نظرا إلى كونه من الافراد الحقيقية لهذا العنوان بمحض التلبس السابق، ومن المعلوم انه يكفى في ابطاله صحة سلب القائم الفعلي عنه إذ عدم صدق القائم الفعلي عن المنقضي عنه القيام يكفي في عدم كونه من المصاديق الحقيقية للعنوان كما هو واضح.

 نعم لو اعتبر التقيد المزبور في طرف المادة لا في طرف الاتصاف بالعنوان كما في قولك في زيد الذي انقضى عنه القيام فعلا : انه ليس بقائم بالقيام الفعلي بل هو قاعد بالقعود الفعلي لاتجه الاشكال المزبور بان سلب القائم بالقيام الفعلي عن زيد لا يقتضي سلبه عنه بمطلق القيام ولو في الماضي. ولكن نقول ايضا: بان سلب القائم بالقيام الحالي عن زيد لما كان يلازم صحة سلب الاتصاف بالقائم الفعلي فبهذا لاعتبار يتم السلب المزبور في ابطال قول مدعى الوضع للأعم، وذلك لما تقدم من ان هم القائل بالأعم انما هو صدق المشتق بما له من المعنى فعلا وفى الحال على المنقضي عنه المبدأ كصدقه على المتلبس الفعلي بالمبد.

وحينئذ فيكون صحة السلب المزبور كاشفا عن عدم كون المنقضى عنه القيام حالا من المصاديق الحقيقة لعنوان القائم والا لما كاد يصح السلب المزبور كما في المتلبس الفعلي من جهة منافاة هذا المعنى بالضرورة مع صحة سلب العنوان الحالي عنه كما هو واضح.

 ثم ان هذا كله بناء على جعل التقيد بالحال معتبرا في ناحية المسلوب الذي هو المحمول أي الوصف أو المبدأ ولقد عرفت بانه على التقديرين يتم السلب المزبور لا ثبات المطلوب بلا ورود اشكال عليه.

واما بناء على اعتباره في ناحية السلب أو الموضوع فالأمر اوضح، فانه على الاول قد سلب معنى القائم بقول مطلق عن الموضوع المطلق غايته بالسلب المقيد كونه بلحاظ الحال الفعلي وهو حال الانقضاء، وعلى الثاني قد سلب معنى القائم ايضا بقول مطلق بالسلب المطلق عن الذات المقيدة بكونها في حال انقضاء المبدأ عنها وعلى التقديرين يكون صحة السلب المزبور وافيا لأثبات المطلوب فلا يفرق حينئذ بين السلب المقيد (بالإضافة) والسلب المقيد (بالتوصيف) والسلب عن المقيد فتدبر.

ولكن الاستاذ (دام ظله) لم يتعرض لفرض صورة ارجاع القيد إلى السلب أو إلى الموضوع وانما تعرضه كان لصورة ارجاعه إلى المسلوب الذي هو المحمول.

 ثم انه من التأمل فيما ذكرنا ظهر لك ايضا اندفاع ما اورد ايضا على التبادر المدعى: من دعوى ان مثل هذا التبادر لا يكون مستندا إلى حاق اللفظ وانما هو من جهة قضية الاطلاق الناشئ من جهة غلبة الاطلاق على المتلبس الفعلى، ولا اقل من احتمال ذلك فلا يكون دليلا على المدعى لان التبادر الذي يثبت به الوضع انما هو التبادر المستند إلى حاق اللفظ لا مطلقا ولو المستند إلى قضية الاطلاق.

توضيح الدفع : انه لو كان الامر كما ذكر من استناد التبادر إلى قضية الاطلاق الناشئ من جهة الغلبة يلزمه لا محالة صحة اطلاقه ايضا على المنقضى عنه المبدأ بلا رعاية عناية في البين كما في اطلاقه على المتلبس الفعلي، من جهة بداهة انه لا يمنع مجرد الغلبة وكثرة الاطلاق عن صحة الاطلاق على الفرد النادر، ومن ذلك ترى صحة اطلاق الانسان على من له رأسان واياد اربع مع انه من الندرة ما لا يخفى، مع انه بشهادة الارتكاز نرى عدم صحة اطلاق المشتق على من انقضى عنه المبدأ فعلا بل وصحة سلبه عنه كما عرفت وحينئذ فيتم دعوى القائل بالوضع لخصوص المتلبس الفعلي بالمبدأ.

ثم لا يخفى عليك انه على ما ذكرناه من التقريب لا ثبات الحقيقة في خصوص المتلبس الفعلي لا يكاد يفرق في أنحاء المشتقات بين كونه محكوما أو محكوما عليه وبين اسم الفاعل والمفعول وبين المأخوذ من المبادي اللازمة أو المتعدية إلى غير ذلك من التفاصيل، فلا بد من المصير إلى كونه حقيقة في خصوص المتلبس الفعلي بقول مطلق كما هو واضح.

بقى الكلام في ذكر ادلة القول بالأعم ، فنقول : انه استدل للأعم ايضا بوجوه:

منها: التبادر الذي قد عرفت خلافه وان التبادر لا يكون الا خصوص المتلبس الفعلي بالمبدأ. ومنها: صحة الاطلاق وعدم صحة السلب كما في نحو مظلوم ومقتول وشهيد ونحو ذلك وفيه ان ما يرى من صحة الاطلاق فإنما هو بلحاظ حال التلبس لا بلحاظ حال النسبة وحال الجري والتعليق، ولقد عرفت كونه بنحو الحقيقة حتى عند القائل بالتلبس الفعلي نظرا إلى ان المجري عليه بهذا الجري انما كان عبارة عن قطعة خاصة من الذات التي تلبست سابقا بالمبدأ ولكنه لا يجدي ذلك للخصم.

نعم انم يجدي ذلك له فيما لو كان المجري عليه ايضا عبارة عن القطعة الفعلية من الذات ولكن نحن نمنع حينئذ عن صحة الاطلاق المزبور بل نقول بصحة سلبه عنه وانه لا يصح ان يقال لزيد المضروب سابقا انه مضروب فعلا كما يصح ذلك في المضروب الفعلي، واما اطلاق مقتل الحسين (عليه السلام )على اليوم العاشر من المحرم فهو من باب التشبيه لا من باب انه حقيقة في الاعم.

ومنها: صحة الاطلاق في مثل التاجر والقاضي والمجتهد حتى في حال النوم ونحوه. والجواب عنه قد تقدم في الامر السادس فراجع.

ومنها: استدلال الامام (عليه السلام ) بقوله سبحانه {لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ } [البقرة: 124] لا ثبات عدم لياقة عابد الصنم والوثن لمنصب الخلافة والامامة بتقريب: انه لو لا الوضع للأعم لما تم الاستدلال بالآية المباركة لعدم اللياقة لمنصب الامامة.

وفيه ما تقدم بان الجري فيه انما هو بلحاظ حال التلبس السابق لا بلحاظ الحال الفعلي فيكون مبني استدلاله (عليه السلام )على ان التلبس بعبادة الصنم (التي هي اعظم أنحاء الظلم ولو في زمان) علة لعدم النيل بمنصب الخلافة والامامة إلى الابد وعليه لا يكاد يفيد ذلك للقول بالأعم كما هو واضح. نعم غاية ما هناك انما هو لزوم رفع اليد عما يقتضيه ظاهر الهيئة الكلامية من اتحاد ظرف النسبة والحكم مع ظرف وجود المصداق الذي هو ظرف التلبس فانه على ذلك يختلف الظرفان حيث كان ظرف الحكم بعدم النيل بالخلافة فعليا وظرف وجود المصداق فيما مضى من الزمان المتقدم، ولكنه نقول: بانه لا ضير في ذلك بعد قيام القرينة الخارجية أو الداخلية على المغايرة بين الظرفين وكون الشرك بالله عز وجل علة لحدوث الحكم بعدم النيل بمنصب الخلافة وبقائه إلى الابد خصوصا بعد عدم كون الظهور المزبور ظهورا وضعيا بل ظهور اطلاقيا، مع انه لو فرض كونه ظهورا وضعيا لا اطلاقيا وقلنا بجريان اصالة الظهور فيه حتى مع وجود القرينة على الخلاف نقول بانه لا يقتضي ذلك ايضا اثبات الوضع في مدلول الكلمة وهى المشتق، كما هو واضح.

 ومنها: آيتا حد السارق والزاني من قوله سبحانه {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } [المائدة: 38] و {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا...} [النور: 2]: والجواب عن ذلك ايضا هو ما تقدم في الامر السادس ومحصله في جميع ذلك كله : هو ان تلك الموارد التي يكون الاتصاف بالعنوان ولو في آن علة لحدوث الحكم وبقائه إلى الابد من دون احتياج في بقاء الحكم إلى بقاء الاتصاف بالعنوان اصلا، كما هو واضح. هذا كله فيما استدل به للقول بالأعم، ولقد عرفت عدم تمامية شيء من الوجوه المزبورة لا ثبات كون المشتق حقيقة في الاعم وان التحقيق هو كونه حقيقة في خصوص المتلبس الفعلي، لما ذكرنا من التبادر وصحة السلب عن المنقضي عند المبدأ وارتكاز المضادة، من غير فرق بين وقوعه محكوما أو محكوما عليه وبين كونه مأخوذا من المبادئ المتعدية أو اللازمة وبين اسم الفاعل والمفعول كما مرت الاشارة إليه.

 نعم في المقام قول آخر بالتفصيل بين القول بتركيب المشتق من المبدأ والذات وبساطته وجعله عبارة عن نفس المبدأ لا بشرط : من دعوى كونه حقيقة في الاعم على الاول وفي خصوص المتلبس الفعل على الثاني، نظرا إلى عدم تصور الانقضاء عليه ...




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.