أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-7-2016
21031
التاريخ: 27-7-2017
2944
التاريخ: 23-7-2016
17132
التاريخ: 27-7-2017
16517
|
إن النثر فن أدبي كالشعر فيه كما يقول طه حسين (مظهر من مظاهر الجمال، وفيه قصد إلى التأثير في النفس في أي ناحية من انحائها (1).
أي ان النثر حسب هذا المفهوم، يعد لغة أدبية مثيرة للنفس والشعور، ومن ثم، فهو يتفق في هذا المعنى وجوهر الشعر.
ولكنه في رأي هذا الناقد يختلف عن الشعر من ناحية الشكل الموسيقي.
وذلك لأن هذا الفن، ليس موزوناً كوزن الشعر، لأنه يمثل مرحلة من مراحل تطور الشعر، تلك المرحلة التي ضاق فيها الشعر بوزنه وقافيته عن التعبير عن قضايا الحياة أو الكون.
وهذا الناقد يبني رأيه هنا على أساس أن الشعر ظهر قبل النثر، وأنه أول مظاهر الفن في الكلام، لأنه متصل بالحس والشعور والخيال.
وأما النثر فلغة العقل، ومظهر من مظاهر التفكير، تأثير الإرادة فيه أعظم من تأثيرها في الشعر، وتأثير الرؤية فيه أعظم من تأثيرها في العصر أيضاً، فليس غريباً أن يتأخر ظهوره، وان يقترن بظواهر أخرى طبيعية واجتماعية، لا يحتاج إليها الشعر (2).
وهو يرى أن أقوى الظواهر الباعثة على ظهور النثر الفني، نمو الملكة المفكرة في الإنسان أي العقل وشيوع الكتابة.
وهو يحاول بهذا نقض هذه الفكرة ، التي استقرت في أذهان بعض نقادنا القدماء عن أسبقية النثر للشعر في الوجود (3) ، كاشفاً عن علة وقوف بعض القدماء في هذا الخطأ التاريخي، وهي ترجع لعدم وضوح مفهوم النثر في أذهانهم.
وذلك لأنهم فهموا النثر على أنه مطلق القول غير الموزون (4) ، سواء أكان هذا، مجرد تعبير لغوي عادي، لا يتصل بالفن من قريب أو بعيد، أ كان لغة متفننة.
والواقع أن مفهوم النثر عند ذوي الفطنة من نقادنا القدماء والمحدثين يعني المعنى الأخير، أي أنه لغة متفننة ، وهو يشترك مع الشعر في هذا النمط من التعبير اللغوي (5).
ويؤكد طه حسين القول بأن النثر تعبير شعري، ظهر في مرحلة من مراحل تطور الفن الشعري مستقلاً عنه، وذلك بعد اكتسابه بعض الصفات والخصائص الفنية التي ساعدته على تحقيق وجوده الذاتي، كالتحرر من أوزان الشعر وقوافيه (6). والاهتمام بالتفكير أكثر من التخييل .
ولذا نجده يشير في أكثر من موضع، إلى أن الشعر لغة الخيال ، والنثر لغة العقل (7).
ويتفق معه في الرأي العقاد، إذ يرى أن الشعر فطرة، وأن النثر تعليم (8). كما يتفق معظم نقادنا المعاصرين معهما في هذا الرأي (9).
ولكن هل يعني هذا، أن العقل مقتصر على النثر، والوجدان مقتصر على الشعر وأن الفرق الجوهري بين هذين الفنين يرجع إلى هذه الناحية وحسب، كما يتصور بعض نقادنا المعاصرين (10) ؟؟ أو أن المسألة أعمق من هذا بكثير ؟؟ لا مراء في أن الوجدان يغلب على الشعر، والعقل يغلب على النثر، لكن ليس معنى هذا خلو النثر من النزعة الوجدانية، وخلو الشعر من الفكر والتأمل.
ولذا نجد طه حسين برغم الحاحه على القول ، بأن النثر لغة العقل، وأن الشعر لغة الخيال والعاطفة، يلمح إلى أن الشعر قد ينحو منحى فكرياً، ولذا فليس من الصواب القول بأنه خيال محض.
يقول (فليس من الحق في شيء، أن الشعر خيال صرف، وليس من الحق في شيء أن الملكات الإنسانية تستطيع ان تتمايز، وتتنافر، فيمضي العقل في ناحية ، لينتج العلم والفلسفة ، ويمضي الخيال في ناحية لينتج الشعر، وإنما حياة الملكات الإنسانية الفردية، كحياة الجماعة رهينة بالتعاون ومضطرة إلى الفشل والإخفاق إذ لم يؤيد بعضها بعضاً) (11).
وهذا هو أيضاً ما يذهب إليه العقاد، فقد أشرنا ونحن بصدد توضيح مفهوم الشعر عنده، إلى أنه يرى أن الشعر ليس خيالاً محضاً، وإنما هو مزيج من العقل والخيال. والنثر كالشعر في هذه الناحية، فهو ليس لغة عقلية خالصة، وإنما هو مزيج من العقل والوجدان (12).
والنثر المثالي في راي هيكل، هو ذلك الفن القولي، الذي يستطيع التعبير عن حاجات النفس والعقل والعاطفة (13).
ولم يغب عن فطنة هؤلاء النقاد، أن التداخل بين هذين الفنين لا يقتصر على هذه الناحية، ولكنه يتعداها إلى معظم الخصائص الفنية لكليهما، وبخاصة بعد أن نما النثر وتطور، وتحددت سماته الفنية.
وهذا التداخل ليس ظاهرة فنية حديثة، ولكنه ظاهرة فنية قديمة، فقد سبق أن أشرنا ، إلى أن النثر العربي قد بدأ يتطور منذ القرن الثاني بصورة مذهلة، ويسابق الشعر في رقيه وتطوره، ويلحق بركبه ثم يقتبس منه بعض الصفات والخصائص الفنية، ويقتبس الشعر منه بعض صفاته وخصائصه الفنية كذلك.
ويبدو هذا بوضوح عند أولئك الادباء الذين جمعوا بين هذين الفنين أي الكتابة والشعر (14).
ومع أن وجود هذه الظاهرة في أدبنا الحديث، يعد امتداداً لوجودها في الأدب القديم، فإن هناك تبايناً واضحاً بين طبيعتها قديماً وحديثاً.
فقد بدأت هذه الظاهرة تظهر بوضوح في الأدب العربي القديم، بعد ان نضج النثر وتحددت معالم شخصيته الفنية، مما مكنه من الوقوف على قدم وساق إلى جانب الشعر، الذي نضج قبله، وتحددت معالم شخصيته الفنية من زمن بعيد (15).
ومن ثم، فقد كان الشعر والنثر في هذه الفترة، كرجلين ممتلئين قوة وعافية، اختلط كل منهما بالآخر، فأفاد من قوته وعافيته، وأثر في صاحبه وتأثر به، دون أن يؤدي هذا التأثير أو ذلك التأثر إلى إلغاء شخصية كل منهما وإذابتها في شخصية الآخر.
أما في الأدب الحديث، فقد بدأت هذه الظاهرة تفرض نفسها عليه، في وقت كان الشعر فيه يعاني من أزمة تهدد وجوده، وتكاد تخنق أنفاسه، فقد طغت النهضة العلمية على الحياة والعصر، وكادت تصبغها بصبغتهما المادية والعقلية وكلتاهما بعيدة عن عالم الروح او الوجدان وهو عالم الشعر.
ولذا لم يستطيع الشعر، أن يتنفس في اجواء هذا العصر، وتوقف عن الحركة والنمو إلى درجة وصفت بالجمود (16).
بينما نشط النثر وحلق في هذه الأجواء .. التي كانت ملائمة لطبيعته الفنية، وتفاعل مع الحياة الجديدة، وطابعها العلمي، فتقدم وتطور، وازداد قوة على قوة.
وهذا يفسر لنا هجوم كتاب النثر العربي في مطلع نهضتنا الأدبية الحديثة على شعراء عصرهم، واتهامهم لهم بالجمود والكسل العقلي، والعجز عن الوصول بشعرهم إلى ما وصل إليه النثر من رقي (17) ، مكنه من فرض وجوده على الحياة الادبية آنذاك والتأثير تبعاً لذلك في الشعر.
ويظهر أن هذه القضية، لا تختص بأدبنا العربي وحده، وإنما هي على ما يبدو، قضية الآداب الحديثة والأوربية بنوع خاص.
التي سبقتنا إلى هذه النهضة وعانت قبلنا من آثارها الضارة على الحياة الوجدانية، التي تسرب إليها الوهن من جرائها، وأثر ذلك على آثارها الفنية كالشعر مثلاً، الذي أصبح لا يقوى على مواجهة الغزو العلمي للحياة المعاصرة بطابعها المادي والعقلي، ومن ثم، فقد استحال فناً ثانوياً، يحيا على هامش هذه الحياة.
مما دفع بعض المفكرين والكتاب إلى التنبؤ بزواله وإحلال النثر محله (18).
حتى وصل الأمر ببعضهم إلى القول، بأنه لم يعد هناك فنان أدبيان في حياتنا المعاصرة، بل فن واحد، وهو النثر "فأحسن النثر الحديث، هو الشعر أو ما جرت العادة بتسميته شعراً" (19).
وذلك لأن النثر الحديث كما يرى "فلوبير" قد انتزع عامداً واعياً من الأسلوب الشعري خصائصه، التي يتميز باستخدامها في التعبير عن الموضوعات الإنسانية الكبرى كالرقة والدقة والإيجاز البليغ (20).
والواقع أن بعض كتابنا المحدثين، الذين كانوا ينحون في كتاباتهم النثرية منحى وجدانياً ، احسوا هذا الإحساس ، ولذا فقد رأوا أن النثر الجيد شعر بلا قافية ولا بحر (21).
ومن اللافت للنظر ان بعض المدافعين عن الشعر في حياتنا المعاصرة (22) ، سلموا بصحة وجود هذه الظاهرة، أي أن النثر تداخل مع الشعر وطغى عليه، حتى أصبحا فناً واحداً، هو الأدب الذي يعد النقيض الحقيقي للعلم.
ولم تعد القضية عندهم، قضية تقسيم الأدب إلى شعر ونثر، وإنما قضية استعمال اللغة، استعمالاً علمياً او ادبياً (23).
وذلك لأن المتحدث أو الكاتب ، إذا استعمل اللغة من خلال عاطفته أو انفعاله، فإن استعمال لها على هذا النحو، يكسبها الصفة الأدبية.
أما إذا استعملها استعمالاً مجرداً ، من أي عاطفة أو انفعال، فإن ذلك، يكسبها الصفة العلمية.
وللغة معنيان ، احدهما معجمي وهو المعنى العلمي، والآخر أدبي، وهو معنى المعنى الأول (24) ، ونطلق عليه في بلاغتنا العربية، اسم المعنى المجازي.
ومن ثم، فإزاء هذا التداخل القوي، بين هذين الفنين الذي كاد أن يؤدي إلى إفناء شخصية العشر في شخصية النثر، صعب على الكثيرين من نقادنا المعاصرين، وضع تعريف دقيق للنثر، يجعله فناً مميزاً من الشعر.
وذلك لأن الحدود الفاصلة بينهما، كادت أن تمحي ، حتى لقد أصبح من المألوف القول بأن ما يصلح للشعر من وصف قد يصلح للنثر.
يقول العقاد (من المسلم به أن الشعر غير النثر، لكن ما هي الصفات التي تميز الشعر عن النثر مثلاً ، أن النقاد يختلفون في ذلك، لأن معظم صفات الشعر، هي صفات النثر، مع شيء من التفاوت في الكم والتغاير في المقدار (25).
وعلى هذا فما يصلح للشعر من تعريف قد يصلح للنثر، مع شيء من التغيير الطفيف في الصياغة يشتم منه رائحة هذه الصلة الفنية بينهما، القائمة على التقابل بالتضاد.
كالقول مثلاً بأن النثر "تعبير أدبي في غير نظم أو وزن من أوزان البحور الشعرية" (26). أي تعبير أدبي موزون ، لكن بأوزان تختلف عن أوزان الشعر.
وهذا يشبه تقريباً مفهوم ذوي الفطنة من نقادنا القدماء، لهذا الفن (27) .
وبهذا يلتقي النقد العربي الحديث مع النقد العربي القديم، في تحديد مفهوم هذا الفن، وفي التأكيد على وجود ظاهرة التداخل الفني بينه وبين الشعر التي تبدو في الأدب الحديث على نحو مغاير لوجودها في الأدب القديم كما أشرنا.
وذلك لأن وجودها في الأدب القديم اقصر على تقريب المسافة بين الشعر والنثر، واشتراكهما في بعض الصفات الفنية، دون أن يؤدي هذا إلى طغيان أي فن منهما على الآخر .
أما في الأدب الحديث، فقد تعدى وجودها هذا النطاق، إلى طغيان النثر على الشعر، وتغلغله في عناصره، ومقوماته الفنية الأصلية، محاولاً صبغها بصيغته.
ولعل من أوضح المظاهر الدالة على ذلك، محاولة بعض الشعراء الخروج على الوزن والقافية ، وانتقال بعض فنون النثر الحديث إلى الشعر، وطغيان الفكر فيه أحياناً على الوجدان ، واتخاذ بعض الشعراء من شعرهم سجلاً لأحداث العصر وقضاياه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في الأدب الجاهلي ص326.
(2) المرجع السابق والصفحة.
(3) راجع العمدة ط1 ص20.
(4) نقد النثر ص74 ، مقدمة ابن خلدون ص532.
(5) الموازنة جـ1 ص404 – 4-5 ، الصناعتين ص54 ، الوساطة ص54، حياة قلم العقاد ص303 ــ 404، من حديث الشعراء النثر لطه حسين ص41.
(6) ولكن بعد فترة ظهر فيه نوع من الموسيقى ، يختلف عن موسيقى الشعر، راجع: ما كتبته عن إيقاع النثر في الكتاب الأول.
(7) حافظ وشوقي ص66-67 ، في الأدب الجاهلي ص326.
(8) حياة قلم ص305.
(9) الأدب وفنونه لمندور ص27، النقد الأدبي الحديث لغنيمي هلال ص326.
(10) الأدب وفنونه لعز الدين إسماعيل ص133.
(11) حافظ وشوقي ص 130.
(12) ساعات بين الكتب ص279.
(13) ثورة الأدب ص48.
(14) راجع الفصل الذي كتبته عن السمات الفنية في شعر الكتاب، في الكتاب الأول.
(15) حافظ وشوقي ص130.
(16) المرجع السابق ص130.
(17) ثورة الأدب ص58 ، ساعات بين الكتب ص279 ، حافظ وشوقي ص120-138.
(18) النقد الأدبي ومدارسه الحديث ستانلى هايمن ص44-45.
(19) يعزى هذا الرأي للناقد الأمريكي "ولسن" انظر المرجع السابق والصفحة.
(20) المرجع السابق ص45.
(21) هذا الرأي يعزى للمنفلوطي ، راجع في الادب الحديث لعمر الدسوقي ص45.
(22) مثل رتشاردز، راجع مقدمة كتابة العلم والشعر.
(23) مبادئ النقد الأدبي لرتشاردز ص340.
(24) The Meaning of Meaning ,by Ogden and Ricyards , P. 235 – 236.
(25) ساعات بين الكتب ص192.
(26) حياة قلم ص302.
(27) الصناعتين ص54 ، سر الفصاحة ص163.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|