المفعولُ لهُ (ويُسمّى المفعولَ لأجلهِ، والمفعولَ من أجلهِ) هو مصدرٌ قَلبيٌّ يُذكرُ عِلّةً لحدَثٍ شاركهُ في الزمانِ والفاعلِ، نحو "رغبةً" من قولكَ "اغتربتُ رَغبةً في العلم".
(فالرغبة مصدر قلبي، بين العلة التي من أجلها اغتربت، فان سبب الإغتراب هو الرغبة في العلم, وقد شارك الحدثُ (وهو اغتربت) المصدرَ (وهو رغبة) في الزمان والفاعل. فان زمانهما واحد وهو الماضي. وفاعلهما واحد وهو المتكلم.
ص420
والمراد بالصدر القلبي ما كان مصدراً لفعل من الأفعال التي منشؤُها الحواسّ الباطنة كالتعظيم والإجلال والتحقير والخشية والخوف والجرأة والرغبة والرهبة والحياء والوقاحة والشفقة والعلم والجهل. ونحوهما. ويقابل أفعال الجوارح (أي الحواسّ الظاهرة وما يتصل بها) كالقراءة والكتابة والقعود والقيام والوقوف والجلوس والمشي والنوم واليقظة، ونحوها).
وفي هذا المبحث مبحثانِ:
شُروطُ نَصْبِ المفعولِ لأَجلهِ
عَرفتَ، ممّا عَرَّفنا به المفعولَ لأجلهِ، أنه يُشترَطُ فيه خمسةُ شروطٍ. فإنْ فُقِدَ شرطٌ منها لم يَجُز نصبُهُ. فليسَ كلُّ ما يُذكر بياناً لسبب حُدوثِ الفعلِ يُنصَب على أنه مفعولٌ له. وهكاَ تفصيلَ شروط نصبه
1- أن يكونَ مصدراً.
(فان كان غير مصدر لم يجز نصبه كقوله تعالى {والأرض وضعها للأنام}).
2- أن يكون المصدر قلبياً.
(أي من أفعال النفس الباطنة، فان كان المصدر غير قلبي لم يجز نصبه، نحو "جئت للقراءة").
3 و4- أن يكونَ المصدرُ القلبيُّ مُتَّحداً معَ الفعل في الزمان، وفي الفاعل.
(أي) يجب أن يكون زمان الفعل وزمان المصدر واحداً، وفاعلهما واحداً. فان اختلفا زماناً أو فعلاً لم يجز نصب المصدر. فالأول نحو "سافرت للعمل". فان زمان السفر ماضٍ وزمان العلم مستقبل والثاني نحو "أحببتك لتعظيمك العلم". إذ أن فاعل المحبة هو المتكلم وفاعل التعظيم هو المخاطب.
ومعنى اتحادهما في الزمان أن يقع الفعل في بعض زمان المصدر كجئت حباً للعلم، أو يكون أول زمان الحدث آخر زمان المصدر كأمسكته خوفاً من فراره. أو بالعكس، كأدبته اصلاحاً له).
5- أن يكون هذا المصدرُ القلبي المُتَّحدُ معَ الفعل في الزمان والفاعل، عِلَّةً لحُصولِ الفعلِ، بحيثُ يَصِحُّ أن يقعَ جواباً لقولكَ "لِمَ فعلتَ؟".
ص421
(فان قلت "جئت رغبة في العلم"، فقولك "رغبة في العلم" بمنزلة جواب لقول قائل "لم جئت؟".
فان لم يذكر بياناً لسبب حدوث الفعل، لم يكن مفعولاً لأجله، بل يكون كما يطلبه العامل الذي يتعلق به. فيكون مفعولاً مطلقاً في نحو "عظمت العلماء تعظيماً"، ومفعولاً به في نحو "علمتُ الجبن معرةً"، ومبتدأ في نحو "البخل داء"، وخبراً في نحو "أدوى الأدواء الجهل"، ومجروراً في نحو "أي داء أدوى من البخل"، وهلم جراً).
ومثال ما اجتمعت فيهِ الشروطُ قولهُ تعالى {ولا تقتلوا أولادَكم خشيةَ إملاقٍ، نحن نرزُقُهم وإيَّاكم}.
فإن فُقدَ شرطٌ من هذه الشروطِ، وجب جرُّ المصدرِ بحرف جر يفيدُ التعليلَ، كاللامِ ومن وفي، فاللامُ نحو "جئت للكتابةِ"، ومن، كقولهِ تعالى {ولا تَقتُلوا أولادَكم من إملاقٍ نحن نَرزُقكم وإيّاهم}،وفي، كحديثِ "دخلتِ امرأةٌ النارَ في هِرَّةٍ حَبَستها، لا هي أطعمتها، ولا هيَ تركتها تأكلُ من خَشاشِ الأرض".
أَحكامُ الْمَفْعولِ لَهُ
للمفعولِ من أجلهِ ثلاثةُ أحكام
1- يُنصَبُ، إذا استوفى شروطَ نصبهِ، على أنهُ مفعولٌ لأجله صريحٌ. وإن ذُكرَ للتعليل، ولم يَستوف الشروطَ، جُرَّ بحرف الجرِّ المُفيدِ للتَّعليل، كما تقدَّمَ، واعتُبِرَ أنهُ في محلّ نصبٍ على أنه مفعولٌ لأجلهِ غيرُ صريحٍ، وقد اجتمع المنصوبان، الصريحُ وغيرُ الصريح، في قوله تعالى {يجعلون أصابعَهم في آذانهم من الصّواعق حَذَرَ الموت}، وفي قول الشاعر:
ص422
*يُغضِي حَياءً، ويُغضَى من مَهابتِهِ * فَلا يُكَلَّمُ إِلاَّ حِينَ يَبْتسِمُ*
(فقوله تعالى {من الصواعق} في موضع نصب على أنه مفعول لأجله غير صريح. وقوله {حذر} مفعول لاجله صريح. وقول الشاعر "حياء" مفعول لأجله صريح. وقوله "من مهابته" في محل نصب على أنه مفعول له غير صريح. ونائب فاعل "يغضى" ضمير مستتر يعود على مصدره المقدّر. والتقدير "يغضى الإغضاءُ". ولا يجوز أن يكون "من مهابته" في موضع نائب الفاعل، لان المفعول له لا يُقام مُقامَ الفاعل، لئلا تزول دلالته على العلة. وقد عرفت في مبحث نائب الفاعل (في الجزء الثاني) أن المجرور بحرف الجر لا ينوب عن الفاعل؛ ان جُرّ بحرف جر يفيد التعليل).
2- يجوزُ تقديمُ المفعولِ لأجلهِ على عامله، سواءٌ أَنُصبَ أم جُرَّ بحرف الجرَّ، نحو "رغبةً في العلم أتيتُ" و "للتِّجارةِ سافرتُ".
3- لا يجبُ نصبُ المصدر المُستوفي شروطَ نصبهِ، بل يجوزُ نصبُهُ وجرُّهُ. وهو في ذلك على ثلاثِ صوَر
1- أن يَتجرَّدَ من "أَل" والإضافة، فالاكثرُ نصبُهُ، نحو "وقفَ الناسُ احتراماً للعالم". وقد يُجَرُّ على قلَّةٍ، كقوله
*مَنْ أَمَّكُمْ، لِرَغْبَةٍ فِيكْم، جُبِرْ * ومَنْ تَكونُوا ناصِريهِ يَنْتَصِرْ*
2- أن يقترنَ بأل، فالأكثرُ جرهُ بحرفِ الجر، نحو "سافرتُ للرغبة في العلم". وقد يُنصَبُ على قلةِ كقولهِ
*لا أَقْعُدُ، الجُبْنَ، عنِ الْهَيْجاء * وَلَوْ تَوَالتْ زُمَرُ الأَعداءِ*
3- أن يُضافَ، فالأمرانِ سواءٌ، نصبُهُ وجرُّه بحرف الجرّ، تقول "تركتُ المنكَرَ خَشيةَ اللهِ، أو لخشيةِ الله، أو من خشيةِ اللهِ". ومن النصب قولهُ تعالى {يُنفقونَ أموالَهُمُ ابتغاءَ مَرضاةِ اللهِ}، وقولُ الشاعر
*وَأَغْفِرُ عَوْراءَ الْكريمِ ادِّخارَهُ * وأُعْرِضُ عَنْ شَتْمِ اللَّئيمِ تَكرُّما*
ومن الجرِّ قوله سبحانَهُ {وإنَّ منها لمَا يَهبِط من خشيةِ اللهِ}.
ص423