أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-24
371
التاريخ: 20-3-2016
3727
التاريخ: 3-04-2015
3882
التاريخ: 2024-07-18
449
|
[قال باقر شريف القرشي : ] طافت موجات قاسية من الهموم والأحزان ببضعة النبي (صلّى الله عليه وآله) ووديعته فقد احتلّ الأسى قلبها الرقيق المعذّب وغشيتها سحب قاتمة من الكدر واللوعة على فقد أبيها الذي كان أعزّ عندها من الحياة فكانت تزور جدثه الطاهر فتطوف حوله وهي حيرى ذاهلة الّلب منهدّة الكيان فتلقي بنفسها عليه وتأخذ حفنة من ترابه الطاهر فتضعه على عينيها ووجهها وتطيل من شمّه وتقبيله فتجد في نفسها راحة وهي تبكي أمرّ البكاء وأشجاه وتقول بصوت حزين النبرات :
ماذا على مَن شمَّ تربةَ أحمدٍ أنْ لا يشمَّ مدى الزمانِ غواليا
صُبّت عليّ مصائبٌ لو أنّها صُبّت على الأيام صُرن لياليا
قل للمُغيّب تحت أطباق الثرى إن كنت تسمعُ صرختي وندائيا
قد كنتُ ذات حمىً بظلِّ محمدٍ لا أختشي ضيماً وكان جماليا
فاليومَ أخضعُ للذليل وأتّقي ضيمي وأدفعُ ظالمي بردائيا
وتصوّر هذه الأبيات أروع تصوير وأصدقه للوعة الزهراء وشجونها فقد مثلت أحزانها المرهقة على فراق أبيها الذي أخلصت له في الحب كما أخلص لها أبوها ولو صبّت مصائبها الموجعة على الأيّام لخلعت زينتها كما صوّرت هذه الأبيات الحزينة مدى منعتها وعزّتها أيّام أبيها فقد كانت من أعزّ نساء المسلمين شأناً وأعلاهنّ مكانة ولكنها بعدما فقدت أباها تنكّر لها القوم وأجمعوا على الغضّ من شأنها حتّى صارت تخضع للذليل وتتقى ممن ظلمها بردائها إذ لم يكن هناك مَن يحميها ولم تكن تأوي إلى ركن شديد ؛ وقد خلدت إلى البكاء والحزن حتّى عُدّت من البكّائين الخمس الذين مثّلوا الحزن والأسى في هذه الحياة وقد بلغ من عظيم وَجْدها على أبيها أنّ أنس بن مالك استأذن عليها ليعزّيها بمصابها الأليم وكان ممّن وسّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مثواه الأخير فقالت له : أنس بن مالك؟.
ـ نعم يا بنت رسول الله ؛ فقالت له وهي تلفظ قطعاً من قلبها المذاب : كيف طابت نفوسكم أن تحثوا التراب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟! .
وقطع أنس كلامه وطاش لبّه وخرج وهو يذرف الدموع قد غرق في عالم من الأسى والشجون.
وألحّت بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على ابن عمّها أمير المؤمنين (عليه السّلام) أن يريها القميص الذي غسّل فيه أباها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فجاء به إليها فأخذته بلهفة وهي توسعه تقبيلاً وشمّاً ؛ لأنها تجد فيه رائحة أبيها الذي غاب في مثواه ووضعته على عينيها وقلبها الزاكي يتقطّع من ألم الحزن والأسى حتّى غشي عليها وخلدت وديعة النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى البكاء في وضح النهار وفي غلس الليل وظلّ شبح أبيها يتابعها في كل فترة من حياتها القصيرة الأمد وقد ثقل على القوم ـ فيما يقول المؤرّخون ـ بكاؤها فشكوها إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) وطلبوا منه أن يجعل لبكائها وقتاً خاصاً ؛ لأنهم لا يهجعون ولا يستريحون ؛ فكلّمها أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأجابته إلى ذلك فكانت في نهارها تخرج خارج المدينة وتصحب معها ولديها الحسن والحسين (عليهما السّلام) فتجلس تحت شجرة من الأراك فتستظل تحتها وتبكي أباها طيلة النهار فإذا أوشكت الشمس أن تغرب تقدّمها الحسنان مع أبيهما ورجعوا قافلين إلى الدار التي خيّم عليها الحزن والأسى وعمد القوم إلى تلك الشجرة فقطعوها فكانت تبكي في حرّ الشمس فقام أمير المؤمنين (عليه السّلام) فبنى لها بيتاً أسماه : بيت الأحزان ظلّ رمزاً لأساها على مرّ العصور ؛ ونُسب إلى قائم آل محمد (صلّى الله عليه وآله) أنه قال فيه :
أم تراني اتخذتُ لا وعُلاها بعد بيتِ الأحزان بيتَ سرورِ
وكانت حبيبة رسول الله تمكث نهارها في ذلك البيت الحزين تناجي أباها وتبكيه أمرّ البكاء وأقساه وإذا جاء الليل أقبل علي فأرجعها إلى الدار مع ولديها الحسن والحسين (عليهما السّلام) ؛ وأثّر الحزن المرهق ببضعة النبي وريحانته حتّى فتكت بها الأمراض فلازمت فراشها ولم تتمكّن من النهوض والقيام فبادرت السّيدات من نساء المسلمين إلى عيادتها فقلن لها : كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله؟ فرمقتهنّ بطرفها وأجابتهنّ بصوت خافت مشفوع بالحزن والحسرات قائلة : أجدني كارهة لدنياكنّ مسرورة لفراقكنّ ألقى الله ورسوله بحسراتكنّ ؛ فما حُفظ لي الحقّ ولا رُعيت منّي الذمة ولا قُبلت الوصية ولا عُرفت الحرمة .
وخيّم على النسوة صمت رهيب وانعكس على وجوههنّ حزن شديد وغامت عيونهن بالدموع وانطلقن إلى بيوتهن بخطى ثقيلة فعرضن على أزواجهن كلمات زهراء الرسول فكانت وقعها عليهم أشدّ من ضربات السيوف فقد عرفوا مدى تقصيرهم تجاه وديعة نبيّهم وهرعن بعض اُمّهات المؤمنين إلى عيادتها فقلن لها : يا بنت رسول الله صيري لنا في حضور غسلك حظّاً ؛ فلم تجبهن إلى ذلك وقالت : أتردن أن تقلن فيَّ كما قلتنّ في اُمّي؟ لا حاجة لي في حضوركنّ.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|