مناط هذا التقسيم مدى إعتداد المشرع بالغاية التي يرمي الجاني إلى تحقيقها بالجريمة ، لذلك سنسلط الضوء في هذا الموضوع  أولاً على القصد العام  باعتباره القصد المتطلب في جميع الجرائم العمدية وبخاصة جريمة القتل العمد ، ومن ثم على القصد الخاص والذي يتطلبه المشرع في بعض الجرائم دون غيرها : -

أولاً القصد العام : يكون القصد عاماً إذا أنصرف علم الجاني إلى إرتكاب الجريمة واتجهت إرادته إلى إرتكاب الفعل وإلى تحقيق نتيجته (1) وهو الصورة المألوفة للقصد الجنائي ، حيث يجمع الفقه علـى أن الغالبية العظمى من الجرائم يكتفى فيها بهذا القصد (2) ، وجريمة القتل العمد لا تشذ عن هذا الأصل ، فقصد القتل فيها لا يكتمل إلا إذا كان الجاني عالماً وقت إرتكاب الفعل بأنه يوجه فعله إلـى إنسان حي، وأن من شـأن هذا الفعل إنهاء حياتـه ، فضلاً عن اتجاه إرادته  إلى إنهاء هذه الحياة (3) .

ثانياً القصد الخاص : القصد الخاص من الأمور الغامضة فـي الفقه الجنائي (4)، ولكنـه علـى أية حال هو القصد الذي يعتد فيه المشرع بغاية معينة يتطلبها لإكتمال الركن المعنوي ، لذلك فالقصد الخاص يوجد عندما يؤكد المشرع على وجوب تحقق قصد موصوف إلى جانب القصد العام كشرط أساسي لتحقق العنصر المعنوي (5) ، وبناءً علـى ذلك فأن البحث عن توافر القصد الخاص يقتضي توافر القصد العام لدى الجاني (6) ، بمعنى أن الجريمة التي يتطلب فيها قصد خاص يلزم أن يتوافر فيها أولاً العلم والإرادة عنصري القصد العام ، ثم يضاف إليهما الغاية المنصوص عليها (7) لـذلك يعتبر القصد الـعـام هو القاعدة المقررة لكافة الجرائم العمدية ، بينما القصـد الخاص هو القاعدة الفرعية أو الإضافية لبعض جرائم محددة ومعينة على وجه الحصر وليس جميعها . وأخيراً ينبغي التنويه إلى الخلاف الفقهي حول ضرورة القصد الخاص في جريمة القتل العمد ، حيث يرى قسم من الفقهاء وجوب القصد الخاص في القتل ، بينما يرى القسم الأخر أن جريمة القتل العمد يكتفى فيها بالقصد العام على أساس أن إرادة إنهاء الحياة وهي أقصى غاية يسعى إليها الجاني ،هي ضمن عناصر القصد العام لذلك لا يوجد مبرر للقصد الخاص في القتل ، ولا نعدو الحقيقة إذا قلنا إن الرأي الأخير هو الأرجح لأنه الأقرب إلى العقل والمنطق (8).

___________________________

1- د. فوزية عبد الستار ، شرح قانون العقوبات-القسم الخاص ، المرجع السابق ، ص 368/ د. أكرم نشأت إبراهيم ، القواعد العامة في قانون العقوبات المقارن ، المرجع السابق ، ص279 / د. عبد الستار الجميلي ،المرجع السابق ، ص112 .

2- في تفصيلات ذلك أنظر : د. أكرم نشأت إبراهيم ، الأحكام العامة في قانون العقوبات العراقي ، مطبعة أسعد- بغداد ،1962 ، ص82 / د. أحمد فتحي بهنسي ، المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي ، ط2 ، مطبعة كوستاتسوماس ،1969، ص73 / د. عبد الوهاب حومد ، الوسيط في شرح قانون الجزاء الكويتي-القسم العام ، ط3 ،1987 ، ص93 / د. محمد صبحي نجم ، قانون العقوبات-القسم العام ( النظرية العامة للجريمة ) ، دار الثقافة للنشر والتوزيع    ،2000، ص300 .

3- المحامي حسن الفكهاني ، موسوعة القضاء والفقه ،ج25 ،المرجع السابق ، ص8 / أياد حسين العزاوي، المرجع السابق ، ص22  . 

4- مع أن مصطلح القصد الخاص متفق عليه لدى جانب كبير من الفقه ، إلا أنه هناك خلافاً فقهياً حول مكانته وأهميته ، في تفصيلات ذلك أنظر : د. رؤوف عبيد ، مبادئ القسم العام من التشريع العقابي ، المرجع السابق ، ص244 / د. حسنين إبراهيم صالح ، القصد الخاص ، المرجع السابق ، ص32 / د. عبد المهيمن بكر ، القصد الجنائي في القانون المصري والمقارن ، المرجع السابق ، ص272 .

5-Glanvill L. Williams, op. cit., P.44   

6- د. فخري عبد الرزاق الحديثي، شرح قانون العقوبات-القسم العام ،المرجع السابق، ص303/ د. محمد صبحي نجم ،قانون العقوبات-القسم العام، المرجع السابق، ص300 .

7- د. محمد سامي النبراوي ،المرجع السابق ، ص184 / د. عبد المهيمن بكر، القصد الجنائي، المرجع السابق، ص269 /

- Jean Larguier “ Droit pénal des affaires” Librairie Armand Colin, Paris, 1975, p.29

- لهذا السبب هناك من يصف تقسيم القصد الجنائي إلى قصد عام وقصد خاص بأنه تقسيم سطحي وغير مجدٍ:            د. عبد الستار الجميلي، المرجع السابق، ص112 / 

 - Wayne R. Lafave and Austin W.Scott, op. cit., p.315

8- في تفصيلات ذلك أنظر ص50 من الرسالة .