أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2014
1470
التاريخ: 17-10-2014
2068
التاريخ: 19-6-2016
2475
التاريخ: 17-10-2014
1658
|
ممّا جَعَلَه أهل التبشير المسيحي ذريعةً للحطّ من كرامة القرآن ـ بزعم وجود التناقض فيه ـ ما عاتبَ اللّه به نبيّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) بشأن عُبوسه في وجه ابن أمّ مكتوم المَكفوف ، جاء ليتعلّم منه مُلِحّاً على مسألته ، وهو لا يعلم أنّه منشغل بالكلام مع شرفاء قريش ، فساء النبيَّ إلحاحُهُ ذلك فأعرض بوجهِهِ عنه كالحاً متكشّراً ، الأمر الذي يتنافى وخُلُقه العظيم الذي وصفه اللّه به في وقتٍ مبكّر!
جاء قوله تعالى : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } [القلم : 4] في سورة القلم ، ثانية السور النازلة بمكّة.
أمّا سورة عَبَس فهي الرابعة والعشرون .
جاء في أسباب النزول : أنّ رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) كان يُناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام والعبّاس بن عبد المطّلب وأُبيّاً وأُميّة ابني خَلَف يدعوهم إلى اللّه ويرجو إسلامهم ، وفي هذه الحال جاءه عبد الله ابن أمّ مكتوم (1) ونادى : يا رسول اللّه ، أَقرِئني وعلّمني ممّا علّمك اللّه ، فجَعل يُناديه ويُكرّر النداء ، ولا يعلم أنّه مشتغلٌ ومُقبلٌ على غيره ، حتّى ظهرت آثار الكراهة على وجه رسول اللّه ؛ لقطعه كلامه !
قالوا : وقال في نفسه : يقول هؤلاء الصناديد : إنّما أتباعه العُميان والعبيد ، فأعرض عنه وأقبل على القوم الّذين كان يُكلّمهم ، فنزلت الآيات ، وكان رسول اللّه بعد ذلك يُكرمه ويقول إذا رآه : مرحباً بمن عاتبني فيه ربّي ، واستخلفه على المدينة مرّتين (2) .
قال الشريف المرتضى : ليس في ظاهر الآية دلالة على تَوجُّهِها إلى النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) بل هو خبر محض لم يُصرّح بالمُخبر عنه ، وفيها ما يدلّ على أنّ المعنيّ بها غيره ؛ لأنّ العُبوس ليس من صفات النبيّ مع الأعداء المنابذينَ فضلاً عن المؤمنين المُسترشِدينَ ، ثُمّ الوصف بأنّه يتصدّى للأغنياء ويتلهّى عن الفقراء لا يُشبه أخلاقَه الكريمة ، وقد قال تعالى في وصفه : {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } ، وقال : { وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران : 159] ، فالظاهر أنّ قوله {عَبَسَ وَتَوَلَّى} [عبس : 1] المُراد به غيره (3) .
وهكذا ورد قوله تعالى : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (4) ، وقوله : ( وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (5) ، وغيرهما من آيات مكّية جاء الدُستور فيها بالخَفض واللين والرأفة مع المؤمنينَ ، فكيف يا ترى يتغافل النبيّ عن خُلُقٍ كريم هي وظيفته بالذات ؟! ولا سيّما مع السابقين الأوّلين من المؤمنين ، وبالأخصّ مع مَن ينتمي إلى زوجه الوفيّة خديجة الكبرى أُمّ المؤمنينَ (6) .
وقال الشيخ أبو جعفر الطوسي : ما ذَكَروه سبباً لنزول الآيات إنّما هو قولُ لفيفٍ من المُفسّرين وأهل الحشو في الحديث ، وهو فاسد ؛ لأنّ النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) قد أَجلّ اللّهُ قَدْرَه عن هذه الصفات ، وكيف يَصفه بالعُبُوس والتقطيب وقد وصفه بالخُلُق العظيم واللين وأنّه ليس بفظّ غليظ القلب ؟! وكيف يُعرض النبيّ عن مُسلم ثابت على إيمانه جاء ليتعلّم منه ، وقد قال تعالى : {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الأنعام : 52] ومَن عرف النبيّ وحُسنَ أخلاقه وما خصّه اللّه تعالى به من مكارم الأخلاق وحُسن الصُحبة ، حتّى قيل : إنّه لم يكن يُصافح أحداً قطّ فينزع يده من يده حتّى يكون ذلك هو الذي ينزع يده .
فمَن هذه صفته كيف يقطب وجهَه في وجه أعمى جاء يَطلب زيادة الإيمان ، على أنّ الأنبياء ( عليهم السلام ) منزّهون عن مثل هذه الأخلاق وعمّا دونها ؛ لِما في ذلك من التنفير عن قبول دعوتهم والإصغاء إلى كلامهم ، ولا يُجوّز مثل هذا على الأنبياء مَن عرف مِقدارهم وتبيّن نعتَهم .
نعم ، قال قوم : إنّ هذه الآيات نزلت في رجلٍ من بني أُميّة كان واقفاً إلى جنب النبيّ ، فلمّا أقبل ابن أُمّ مكتوم تقذّر وجمع نفسَه وعَبَس وتولّى ، فحكى اللّه ذلك وأنكره مُعاتِباً له (7) .
قال الطبرسي : وقد رُوي عن الصادق ( عليه السلام ) : ( أنّها نزلت في رجلٍ من بني أُميّة كان عند النبيّ ، فجاء ابن أُمّ مكتوم ، فلمّا رآه تقذّر منه وجَمَع نفسَه وعَبس وأعرض بوجهه عنه ، فحكى اللّه سبحانه ذلك وأنكره عليه ) .
قال : ولو صحّ الخبر الأَوّل لم يكن العُبُوس ذنباً ؛ إذ العُبوس والانبساط مع الأعمى سَواء إذ لا يَرى ذلك فلا يَشقّ عليه ، فيكون قد عاتب اللّه سبحانه نبيّه بذلك ؛ ليأخذه بأوفر محاسن الأخلاق ، وينبّهه على عظيم حال المؤمن المسترشد ، ويعرّفه أنّ تأليف المؤمن ليقيم على إيمانه أَولى من تأليف المُشرك طَمعاً في إيمانه .
قال : وقال الجبّائي : في هذا دلالة على أنّ الفعل إنّما يكون معصيةً فيما بعد لا في الماضي ، فلا يَدلّ على أنّه كان معصيةً قبل النهي عنه ، ولم ينهَه ( صلّى اللّه عليه وآله ) إلاّ في هذا الوقت .
وقيل : إنّ ما فعله الأعمى كان نوعاً مِن سوء الأدب ، فحُسنَ تأديبه بالإعراض عنه ، إلاّ أنّه كان يجوز أنْ يتوهّم أنّه أعرض عنه لفقره ، وأقبل عليهم لرياستهم تعظيماً لهم ، فعاتبه اللّه على ذلك .
قال : ورُوي عن الصادق ( عليه السلام ) أنّه قال : ( كان رسول ( صلّى اللّه عليه وآله ) إذا رأى عبد اللّه بن أُمّ مكتوم قال : مرحباً مرحباً ، لا واللّه لا يُعاتبني اللّه فيك أبداً ، وكان يََصنع به من اللّطف حتى كان ( ابن أُمّ مكتوم ) يكفّ عن النبيّ ممّا يفعل به ) (8) ، أي كان يُمسك عن الحضور لديه استحياءً منه .
قلت : الأمر كما ذَكَره هؤلاء الأعلام ، مِن أنّها فِعلة لا تتناسب ومقام الأنبياء ، فكيف بنبيّ الإسلام المنعوت بالخُلُق العظيم ؟! فضلاً عن أنّ سياق السورة يأبى إرادة النبيّ في توجيه الملامة إليه ؛ ذلك : أنّ التعابير الواردة في السورة ثلاثة ( عبس ) ، ( تولَّى ) ، ( تلهّى ) ، الأَوّلان بصيغة الغياب والأخيرة خطاب ، على أنّ الأَوّلين ( عبس وتولّى ) فعلانِ قصديّانِ ( يصدران عن قصد وإرادة وعن توجّهٍ من النفس ) ، والأخير ( تلهّى ) فعل غير قصديّ ( صادر لا عن إرادة ولا عن توجّهٍ من النفس ) ، فإنّ الإنسان إذا توجّه بكلّيّته إلى جانب فإنّه مُلتهٍ عن الجانب الآخر ، على ما تقتضيه طبيعة النفس الإنسانيّة المحدودة ، لا يُمكنه التوجّه إلى جوانب عديدة في لحظةٍ واحدة ! إنّما هو اللّه ، لا يشغله شأن عن شأن !
وهذا الفعل الأخير كان قد توجّه الخطاب ـ عتاباً ـ إلى النبيّ ؛ لانشغاله بالنجوى مع القوم وقد ألهاه ذلك عن الإصغاء لمسألة هذا الوارد ، من غير أنْ يَشعر به .
فهذا ممّا يُجوّز توجيه الملامة إليه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : كيف يَصرف بكلّ همّه نحو قومٍ هم ألدّاء ، بحيث يصرفه عمّن يأتيه بين حينٍ وآخر ، وهو نبيّ بُعث إلى كافّة الناس .
وهو عتابٌ رقيقٌ لطيفٌ يُناسب شأن نبيّ هو {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة : 128].
أمّا الفعلان الأَوّلان فقد صَدَرا عن قصدٍ وإرادة ، كانا قبيحَينِ إلى حدّ بعيد ، الأمر الذي يتناسب مع ذلك الأَموي المترفّع بأنفه المعتزّ بثروته وترفه في الحياة ، وكان معروفاً بذلك .
وعليه فلا يمكن أن يكون المَعنيّ بالفعل الثالث ( غير العمدي ) هو المعنيّ بالفعلَين الأَوّلين ( العمديّين ) .
_________________________
(1) هو : عمرو بن قيس بن زائدة بن الأصمّ القرشي : قيل : إنّ اسمه الحُصَين ، سمّاه النبيّ عبد الله ، قال ابن حيان : كان أهل المدينة يقولون : اسمه عبد الله ، وأهل العراق يقولون : اسمه عمرو ، قال ابن خالويه : كان أبوه يُكنّى أبا السرج ( على ما ذَكَره الشيخ في تفسير التبيان ، ج10 ، ص268 ) ، وكان مؤذّناً للنبي ( صلّى اللّه عليه وآله ) بعد هجرته من مكّة ، واسم أُمّه عاتكة بنت عبد اللّه بن عنكثة ، وهو ( ابن أُمّ مكتوم ) ابن خال خديجة أُمّ المؤمنين ( عليها السلام ) ، فإن أُمّ خديجة أُخت قيس بن زائدة واسمها فاطمة ، أَسَلم في السابقينَ إلى الإسلام بمكّة وكان من المهاجرينَ الأَوّلينَ ، قيل : قَدِم المدينة قبل النبيّ ، وقيل : بعده بقليل ومات في أيّام عمر ، وقيل : استُشهد بالقادسيّة ، راجع : الإصابة لابن حجر ، ج2 ، ص523 .
(2) مجمع البيان ، ج10 ، ص437 .
(3) تنزيه الأنبياء للسيّد المرتضى ، ص118 ـ 119 بتلخيص يسير .
(4) الحجر 15 : 88 ، مكّية ، رقم نزولها : 54 .
(5) الشعراء 26 : 215 ، مكّية ، رقم نزولها : 47 .
(6) تقدّم قريباً أنّه كان ابن خال خديجة رضوان اللّه عليها.
(7) تفسير التبيان ، ج10 ، ص268 ـ 269 بتصرّف يسير .
(8) مجمع البيان ، ج10 ، ص437 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|