الظّروف التي منعت الأمّة من الاستفادة من علم عليّ (عليه السلام) ؟ |
1935
06:23 مساءاً
التاريخ: 18-3-2016
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-01-2015
1525
التاريخ: 6-5-2022
1709
التاريخ: 29-09-2015
1431
التاريخ: 12-10-2015
2146
|
على الرغم من التأكيد الكبير من لدن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على علم علي (عليه السلام) وموقعه من الرسالة واختصاصه وأهل البيت (عليه السلام) بالقرآن و «أنّهما لن يفترقا» حتّى يردا عليه الحوض؛ على الرغم من كل ذلك ، فإنّه لم ينقل الصحابة عن عليّ (عليه السلام) شيئا كثيرا ، وأمّا التابعون فلا يبلغ ما نقلوا عنه المائة رواية في تمام القرآن ، وأمّا الحسن (عليه السلام) فلعلّ المنقول عنه لا يبلغ عشرا ، وأمّا الحسين (عليه السلام) فلم ينقل عنه شيء يذكر «1» .
وبذلك فقدت الامّة كنوزا عظيمة من المعرفة القرآنية والسنّة النبويّة المتوارثة عند أهل البيت (عليه السلام) ، ولأجل التعرف على الأسباب الكامنة وراء ذلك لا بدّ من الرجوع إلى الظروف التاريخية الّتي مرّت على أهل البيت (عليه السلام) ، فإن من المسلم به أنّ الناس قد انزووا بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وآله) عن أهل بيته ، وأنّه مرّت عليهم ظروف صعبة انشغل الناس فيها بغيرهم ، كما إنّ السياسة العامّة كانت أيّام أبي بكر وعمر قائمة على تجريد القرآن من حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) والّذي كان في أغلبه بيانا للقرآن وتفسيرا له «2» .
حتّى بلغ الأمر إلى معاقبة من يسأل عن تفسير القرآن «3» ، ومن ثمّ منع تداول الحديث النبوي وإحراق ما كتب منه «4» ، وروى الذهبي أنّ الخليفة الثاني حبس ثلاثة- من أئمّة الحديث- ابن مسعود وأبا الدرداء وأبا مسعود الأنصاري ، وقال لهم : أكثرتم من الحديث عن رسول اللّه «5» .
ومن ثمّ كان ما كان إذ روى ابن كثير في تاريخه عن أبي هريرة ، قال : ما كنّا نستطيع أن نقول : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حتّى قبض عمر «6» .
ثمّ كانت أيّام الفتنة في زمن الخليفة عثمان واضطراب البلاد الاسلاميّة حتّى تسلّم الإمام علي (عليه السلام) الخلافة ، فعمل جهده على إرساء دعائم العلوم الاسلاميّة ، فدعا دعوة عامّة للسؤال عن تفسير القرآن وإحياء سنّة الرسول (صلى الله عليه وآله) في إقراء القرآن وإكرام القرّاء ، وأملى على تلميذه أبي الأسود الدؤلي أسس علم النحو لصيانة اللسان العربي وبالتالي حفظ تلاوة القرآن «7» ، إلّا أنّ ذلك ، وما لازمه من إحياء سنّة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بالسوية في العطاء والحقوق بين المسلمين وعدم التمييز بينهم ، ومحاسبة الولاة وعزل الفاسقين منهم ؛ دفع البعض ممّن تضرّروا بسياساته العادلة إلى إثارة الفتن فكانت واقعة الجمل وحرب صفين وحرب النهروان خلال السنوات الأربع الّتي كانت مدّة خلافته حتّى امتدّت يد الفتنة والبغي إليه ليستشهد وهو في محراب صلاته .
ثمّ كانت أيّام معاوية الّذي كتب إلى عمّاله بقتل من كان على دين عليّ ورأيه والتمثيل به «8» .
وكتب إليهم : أن برئت الذمّة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته «9» .
وأمرهم بشتم عليّ وذمّه . . . والعيب لأصحاب علي والاقصاء لهم «10» .
بل لعنه على المنبر وكتب إلى عمّاله أن يلعنوه على المنابر ففعلوا ، فكتبت أمّ سلمة زوجة النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى معاوية : انّكم تلعنون اللّه ورسوله على منابركم ، وذلك أنّكم تلعنون علي بن أبي طالب ومن أحبّه ، وأنا اشهد اللّه أنّ اللّه أحبّه ورسوله ، فلم يلتفت إلى كلامها .
وروى أبو عثمان الجاحظ أن قوما من بني امّية قالوا لمعاوية : يا أمير المؤمنين ! إنّك قد بلغت ما أمّلت فلو كففت عن لعن الرجل . فقال : لا واللّه ، حتّى يربو عليه الصغير ويهرم عليه الكبير ولا يذكر له ذاكر فضلا «11» .
وعلى هذه السياسة كانت سياسة الخلفاء الأمويين ، من بعده ، ابتداء بابنه يزيد الّذي قتل الحسين بن علي سيّد شباب أهل الجنّة ، ومن ثمّ سائر الخلفاء سوى عمر ابن عبد العزيز .
فكيف يمكن نشر علوم علي وأهل بيت الرسول (صلى الله عليه وآله) وهم ما بين قتيل وشريد ، وكذا أصحابهم الّذين صبّت عليهم المصائب والمحن «12» ؟
ولم تكن أيّام العباسيين بأفضل من أيّام الأمويين إن لم يكونوا قد تعدّوهم في الظلم وتشديد الخناق على أهل البيت (عليه السلام) ، ومحاولة منع علومهم ، حتّى أنّه ذكر أنّ الخليفة العباسي أبا جعفر المنصور عند ما طلب من الإمام مالك كتابة «الموطأ» طلب منه أن يقلّ الرواية عن علي «13» .
وكل هذه الظروف كانت لأبعاد الناس عن أهل البيت (عليه السلام) وبالتالي حرمانهم من معارفهم : وهم حملة علوم القرآن وحفظة السنّة النبويّة .
ولم تتوفّر ظروف مناسبة نسبيا إلّا للإمامين الباقر (عليه السلام) (ت 114 هـ) والصادق (عليه السلام) (ت 148 هـ) ، إبان انحطاط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية ، فقاما بتجديد العلوم الإسلاميّة ونشر الحديث وتفسير كتاب اللّه ، وهو ما تدلّ عليه كثرة الروايات نسبيا عنهما .
وكان طبيعيا أن يحرص كل إمام ، ابتداء من علي (عليه السلام) وفي مقابل تلك الظروف الصعبة على إيصال ما بلغه من علوم القرآن والسنّة إلى الإمام الّذي بعده سواء بالتعليم المباشر كما مرّ في قول الصادق (عليه السلام) : «إنّ اللّه علّم نبيّه التنزيل والتأويل فعلّم رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عليّا (عليه السلام) وعلمنا واللّه» «14» .
أو بواسطة التراث الّذي تركه ، فكان من ذلك القرآن الّذي جمعه (عليه السلام) ، والّذي يعتقد شموله على أسباب النزول والتفسير ، و«الجامعة» وهي من املاء رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) على أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقد تضمّن ما يحتاج إليه الناس من حلال وحرام وجاء مفصّلا كل ما جاء في كتاب اللّه من أحكام وأوامر ونواه ، وقد ورث الأئمّة من أهل البيت هذا الكتاب كابرا عن كابر ، وكانوا يطلقون عليه اسم الجامعة ، وتارة الصحيفة واخرى كتاب علي ورابعة الصحيفة العتيقة «15» .
وقد وردت الروايات عن الإمام الصادق (عليه السلام) لتؤكد أهميّة هذه الصحيفة ، إذ روي عنه (عليه السلام) أنّه قال :
«إن عندنا ما لا نحتاج معه إلى الناس ، وإنّ الناس ليحتاجون إلينا ، وإن عندنا كتابا أملاه رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وخطّه علي (عليه السلام) صحيفة فيها كل حلال وحرام» «16» .
كما وردت روايات اخرى بوجود كتب اخرى ورثها الأئمّة (عليه السلام) عن الإمام علي (عليه السلام) وفاطمة الزّهراء (عليه السلام) ، ولا شكّ بأنّ علوم القرآن وتفسيره كانت من أهم ما تضمّنته هذه الكتب ، إذ روي عن الباقر (عليه السلام) : «إنّ من علم ما أوتينا تفسير القرآن وأحكامه» «17» .
جدير ذكره أنّ هذه الكتب مختصّة بالأئمة ولا توجد بين أيدي الناس ، ولم يرجع إليها المفسّرون الشيعة ، خلافا لما توهّمه الدكتور الذهبي «18» .
____________________
(1)- الميزان/ ج 5/ ص 274 ، راجع : تفسير القرآن بالقرآن عند العلّامة الطباطبائي/ د . خضير جعفر/ ص 79 .
(2)- راجع تاريخ الطبري/ ج 4/ ص 2042/ ط . دار المعارف بمصر ، جامع بيان العلم للخطيب البغدادي/ ج 2/ ص 147 ، تذكرة الحفاظ/ ج 1/ ص 7 ، سنن الدارمي/ ج 1/ ص 85 ، مستدرك الحاكم/ ج 1/ ص 102 . وطبقات ابن سعد/ ج 6/ ص 7 ، كنز العمال/ ج 2/ ص 183 ، وللمزيد : القرآن الكريم وروايات المدرستين/ ج 2/ ص 413 .
(3)- سنن الدارمي/ ج 1/ ص 54- 56 ، تفسير ابن كثير/ ج 4/ ص 231 و232 ، تفسير الدرّ المنثور/ ج 6/ ص 111 ، تفسير القرطبي/ ج 17/ ص 29 .
(4)- طبقات ابن سعد/ ج 50/ ص 140/ ط . بيروت ، بترجمة القاسم بن محمّد بن أبي بكر .
(5)- تذكرة الحفاظ للذهبي/ ج 1/ ص 7 . تاريخ مدينة دمشق/ ابن عساكر/ تحقيق سكينة الشهابي/ ج 31/ ص 280 ، شرف أصحاب الحديث للخطيب البغدادي ص 87 .
(6)- تاريخ ابن كثير/ ج 8/ ص 107 .
(7)- راجع للتفصيل البحث القيّم للاستاذ العلّامة العسكري/ القرآن الكريم وروايات المدرستين/ ج 2/ ص 547- 562 .
(8)- م . ن/ ص 578 .
(9)- فجر الإسلام/ أحمد أمين/ ص 275 .
(10)- تاريخ الطبري/ ج 6/ ص 108/ حوادث سنة 51 هـ ، ابن الأثير/ ج 3/ ص 202 .
(11)- شرح الخطبة 57 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد .
(12)- راجع : مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الاصفهاني لمعرفة حال العلويين وبعض ما مرّ عليهم أيّام الأمويين والعباسيين .
(13)- الإمام الصادق والمذاهب الأربعة/ أسد حيدر/ ج 2/ ص 555 .
(14)- البحار/ ج 26/ باب 12/ ح 43 .
(15)- سيرة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام)/ مؤسّسة البلاغ/ ج 1/ ص 662 .
(16)- الكافي/ الكليني/ ج 1/ باب ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة .
(17)- تفسير العياشي في تفسير قوله تعالى : { هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر : 9] .
(18)- التفسير والمفسّرون/ ج 2/ ص 19 .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|