(تَرْفَعُ كَانَ الْمُبْتَدَأ) إذا دخلت عليه ويسمى (اسمْاً) لها. وقال الكوفيون هو باق على رفعه الأول (وَالْخَبَرْ تَنْصِبُهُ) باتفاق ويسمى خبرها (كَكَانَ سَيِّدَاً عُمَرْ) فعمر اسم كان وسيداً خبرها و (كَكَانَ) في ذلك (ظَلَّ) ومعناها اتصاف المخبر عنه بالخبر نهاراً (وبَاتَ) ومعناها اتصافه به ليلاً و (أَضْحَى) ومعناها اتصافه به في الضحى و (أَصْبَحا) ومعناها اتصافه به في الصباح و (أَمْسَى) ومعناها اتصافه به في المساء (وَصَارَ) ومعناها التحول من صفة إلى صفة (وَلَيْسَ) ومعناها النفي وهي عند الإطلاقلنفي الحال وعند التقييد بزمن بحسبه (زَالَ) ماضي يزال و (بَرِحَا) و (فَتِىءِ وَانْفَكَّ) ومعنى الأربعة ملازمة المخبر عنه على ما يقتضيه الحال نحو ما زال زيد ضاحكاً، وما برح عمرو أزرق العينين. وكل هذه الأفعال ما عدا الأربعة الأخيرة تعمل بلا شرط (وَهذِي الأرْبَعَهْ) الأخيرة لا تعمل إلا بشرط كونها (لِشِبْهِ نَفيٍ) والمراد به النهي والدعاء (أَوْ لِنَفْيٍ مُتْبَعَه) سواء كان النفي لفظاً نحو ما زال زيد قائماً {ولاَ يَزَالون مختلفين} (هود: 118)، {لن نبرح عليه عاكفين} (طه: 91)، وقوله:
لَيْسَ يَنْفَكُّ ذا غنًى وَاعْتِزازٍ كُلُّ ذِي عِفَّةٍ مُقِلَ قَنُوعِ
أو تقديراً نحو: {تالله تفتؤ تذكر يوسف} (يوسف: 85)، وقوله:6
فَقْلْتُ يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدَاً وَلَوْ قَطَعُوْا رَأسِيْ لَدَيْكِ وَأوْصَالِي
ولا يحذف النافي معها قياساً إلا في القسم كما رأيت، وشذ قوله:
ص113
وَأَبْرَحُ مَا أدَامَ اللَّهُ قَوْمِي بِحَمْد اللَّهِ مُنْتَطِقَاً مُجِيْدَا
أي لا أبرح. ومثال النهي قوله:
صَاحِ شَمِّرْ وَلاَ تَزَلْ ذاكِرَ الْمَوْ تِ فَنِسْيَانُهُ ضلاَلٌ مُبِينُ
ومثال الدعاء قوله:
أَلا يَا اسْلَمِي يَا دَارَ ميَّ عَلَى الْبِلَى وَلاَ زَالَ مُنْهَلاًّ بِجرْعَائِكِ الْقَطْرُ
(وَمِثْلُ كَانَ) في العمل المذكور (دَامَ مَسْبُوقاً بِمَا) المصدرية الظرفية (كَأعْطِ مَا دُمْتَ مُصِيْبَا دِرْهَمَا) أي مدة دوامك مصيباً.
تنبيه: مثل صار في العمل ما وافقها في المعنى من الأفعال، وذلك عشرة وهي آض ورجع وعاد واستحال وقعد وحار وارتد وتحول وغدا وراح كقوله:
وَبِالْمخْضِ حَتَّى آضَ جَعْدَاً عَنطْنَطَا إذَا قَامَ سَاوَى غَارِبَ الْفَحل غَارِبُهْ
وفي الحديث: «لا ترجعوا بعدي كفاراً» وقوله:
وَكَانَ مُضِلِّي مَنْ هُدِيْتُ بِرُشْدِهِ فَللَّهِ مُغْوٍ عَادَ بِالْرُشْدِ آمِراً
وفي الحديث: «فاستحالت غرباً» ومن كلام العرب. أرهف شفرته حتى قعدت كأنها حربة. وقال بعضهم:
وَمَا المرْءُ إلاَّ كَالشِهَابِ وَضُوْئِهِ يَحُوْرُ رَمَاداً بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ
وقال الله تعالى: {ألقاه على وجهه فارتد بصيراً} (يوسف: 96)، وقال امرؤ القيس:
وَبُدِّلَتْ قَرْحاً دَامِيَاً بَعْدَ صِحَّةٍ فَيَا لَكِ مِنْ نُعْمى تَحَوَّلَنَ أَبؤُسَا
ص114
وفي الحديث: «لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً» وحكى سيبويه عن بعضهم ما جاءت حاجتك بالنصب والرفع بمعنى ما صارت، فالنصب على أن ما استفهامية مبتدأ، وفي جاءت ضمير يعود إلى ما، وأدخل التأنيث على ما لأنها هي الحاجة، وذلك الضمير هو اسم جاءت، وحاجتك خبر، والتقدير أية حاجة صارت حاجتك؟ وعلى الرفع حاجتك اسم جاءت وما خبرها. وقد استعمل كان وظل وأضحى وأصبح وأمسى بمعنى صار كثيراً، نحو: {وفتحت السماء فكانت أبواباً وسيرت الجبال فكانت سراباً} (النبأ: 20)، وقوله:
بِتَيْهَاءَ قَفْرٍ وَالْمَطيّ كَأَنَّهَا قَطَا الحَزْنِ قَدْ كَانَتْ فِرَاخاً بُيُوْضُهَا
ونحو: {ظل وجهه مسوداً وهو كظيم} (النحل: 58)، وقوله:
ثُمَّ أَضْحُوْا كَأَنَّهُمْ وَرَقٌ جفـ ـفَ فَأَلْوَتْ بِهِ الْصّبا وَالْدَّبُوْرُ
وقوله:
فَأَصْبَحُوا قَدْ أعَادَ اللَّهُ نِعْمَتَهُمْ إذْ هُمْ قُرَيِشٌ وإذْ ما مِثْلُهُمْ بَشَرُ
وقوله:
أَمْسَتْ خَلاَءً وأَمْسَى أَهْلُهَا احْتَمَلُوْا أخْنَى عَلَيِهَا الَّذِي أخْنَى عَلَى لُبْدِ
قال في شرح الكافية وزعم الزمخشري أن بات ترد أيضاً بمعنى صار، ولا حجة له على ذلك ولا لمن وافقه (وَغَيْرُ مَاضٍ) وهو المضارع والأمر واسم الفاعل والمصدر (مِثْلَهُ) أي مثل الماضي (قَدْ عَمِلاَ) العمل المذكور (إنْ كَانَ غَيْرُ الماض مِنْهُ اسْتُعْمِلاَ) يعني أن ما تصرَّف من هذه الأفعال يعمل غير الماضي منه عمل الماضي. وهي في ذلك على ثلاثة أقسام قسم لا يتصرَّف بحال وهو ليس باتفاق ودام على الصحيح، وقسم يتصرف تصرفاً ناقصاً وهو زال وأخواتها، فإنه لا يستعمل منها الأمر ولا المصدر، وقسم يتصرف تصرفاً تاماً وهو باقيها فالمضارع نحو: {ولم أك بغيا} (مريم: 20)، والأمر نحو: {قل كونوا حجارة أو حديداً} (الإسراء: 50)، والمصدر كقوله:
ص115
بِبَذْلٍ وَحِلْمٍ سَادَ فِي قَوْمِهِ الْفَتَى وَكَوْنُكَ إِيَاهُ عَلَيْكَ يَسِيرُ
واسم الفاعل كقوله:
وَمَا كُلُّ مَنْ يُبْدِي الْبَشَاشَةَ كَائِناً أَخَاكَ إذَا لَمْ تُلْفِهِ لَكَ مُنجِدَا
وقوله:
قَضَى اللَّهُ يَا أسْمَاءُ أَنْ لَسْتُ زَائِلاً أُحِبُّكِ حَتَى يُغْمِضَ الّجَفْنَ مُغْمِضُ
(وَفِي جميعها) أي جميع هذه الأفعال حتى ليس وما دام (تَوَسط الخَبَرْ) بينها وبين الاسم (اجِزْ) إجماعاً نحو: {وَكَانَ حَقَاً علينا نَصْر المؤمِنين} (الروم: 47)، وقراءة حمزة وحفص {ليس البرَّ أن تولوا} (البقرة: 177)، بنصب البر وقوله:
سَلِي إنْ جَهِلْتِ النَّاسَ عَنَّا وَعَنهُمُ فَلَيْسَ سَواءً عَالِمٌ وَجَهُوْلُ
وقوله:
اَطيبَ لِلعَيشِ مَا دَامَتْ مُنَغَّصَةً لذَّاتُهُ بِادِّكَارِ المَوْتِ والهَرَمِ
ص116
تنبيهان: الأول: منع ابن معطي توسط خبر ما دام وهو وهم إذ لم يقل به غيره. ونقل صاحب الإرشاد خلافاً في جواز توسط خبر ليس، والصواب ما ذكرته. الثاني محل جواز توسط الخبر ما لم يعرض ما يوجب ذلك أو يمنعه، فمن الموجب أن يكون الاسم مضافاً إلى ضمير يعود على شيء في الخبر نحو كان غلام هند بعلها، وليس في تلك الديار أهلها، لما عرفت. ومن المانع خوف اللبس نحو كان صاحبي عدوي، واقتران الخبر بإلا نحو: {وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء} (الأنفال: 35)، وأن يكون في الخبر ضمير يعود على شيء في الاسم نحو كان غلام هند مبغضها لما عرفت أيضاً (وَكُلٌّ) أي كل العرب أو النحاة (سَبْقَهُ) أي سبق الخبر (دَامَ حَظَرَ) أي منع، سبق مصدر نصب بحظر مضاف إلى فاعله. ودام في موضع النصب بالمفعولية. والمراد أنهم أجمعوا عَلَى منع تقديم خبر دام عليها، وهذا تحته صورتان: الأولى أن يتقدم على ما، ودعوى الإجماع على منعها مسلمة، والأخرى أن يتقدم على دام وحدها ويتأخر عن ما وفي دعوى الإجماع على منعها نظر لأن المنع معلل بعلتين: إحداهما عدم تصرفها وهذا بعد تسليمه لا ينهض مانعاً باتفاق بدليل اختلافهم في ليس مع الإجماع على عدم تصرفها، والأخرى أن ما موصول حرفي ولا يفصل بينه وبين صلته، وهذا أيضاً مختلف فيه وقد أجاز كثير الفصل بين الموصول الحرفي وصلته إذا كان غير عامل كما المصدرية، لكن الصورة الأولى أقرب إلى كلامه، أشعر بذلك قوله (كَذَاكَ سَبْقُ خَبَرٍ مَا النَّافِيَهْ) أي كما منعوا أن يسبق الخبر ما المصدرية كذلك منعوا أن يسبق ما النافية (فَجِيء بِهَا مَتْلُوَّةً لاَ تَالِيَهْ) أي متبوعة لا تابعة لأن لها الصدر، ولا فرق في ذلك بين أن يكون ما دخلت عليه يشترط في عمله تقدم النفي كزال أو لا ككان، فلا تقول قائماً ما كان زيد ولا قاعداً ما زال عمرو. قال في شرح الكافية: وكلاهما جائز عند الكوفيين لأن ما عندهم لا يلزم تصديرها. ووافق ابن كيسان
ص117
البصريين في ما كان ونحوه وخالفهم في ما زال ونحوه لأن نفيها إيجاب.
تنبيهات: الأول أفهم كلامه أنه إذا كان النفي بغير ما يجوز التقديم نحو قائماً لم يزل زيد، وقاعداً لم يكن عمرو. قال في شرح الكافية عند الجميع، واستدل له بقول الشاعر:
وَرَجِّ الفَتَى لِلْخَيرِ مَا إِنْ رَأَيْتَهُ عَلَى السِّنِّ خَيْراً لاَ يَزَالُ يَزِيْدُ
أراد لا يزال يزيد على السن خيراً، فقدم معمول الخبر وهو خيراً على الخبر وهو يزيد مع النفي بلا، وتقديم المعمول يؤذن بجواز تقديم العامل غالباً، لكنه حكى في التسهيل الخلاف عن الفراء. قلت ومن شواهده الصريحة قوله:
مَهْ عَاذِلِي فَهَائِمَاً لَنْ أَبْرَحَا بِمِثْلِ أَوْ أَحْسَنَ مِنْ شَمْسِ الْضُّحَى
ص118
الثاني أفهم أيضاً جواز توسط الخبر بين ما والمنفي بها نحو ما قائماً كان زيد، وما قاعداً زال عمرو، ومنعه بعضهم والصحيح الجواز. الثالث قوله كذاك يوهم أن هذا المنع مجمع عليه لأنه شبهه بالمجمع عليه وإنما أراد التشبيه في أصل المنع دون وصفه لما عرفت من الخلاف (وَمَنْعُ سَبْقِ خَبَرِ لَيْسَ اصْطُفِي) منع مصدر رفع بالابتداء مضاف إلى مفعوله وهو سبق، والفاعل محذوف، وسبق مصدر جر بالإضافة مضاف إلى فاعله وهو خبر، وليس في محل نصب بالمفعولية، واصطفي جملة في موضع رفع خبر المبتدأ. والتقدير منع من منع أن يسبق الخبر ليس اصطفي أي اختير، وهو رأي الكوفيين والمبرد والسيرافي والزجاج وابن السراج والجرجاني وأبي علي في الحلبيات وأكثر المتأخرين، لضعفها بعدم التصرف وشبهها بما النافية. وحجة من أجاز قوله تعالى: {ألا يوم يأتيهم ليس مصروفاً عنهم} (هود: 8)، لما علم من أن تقديم المعمول يؤذن بجواز تقديم العامل. وأجيب بأن معمول الخبر هنا ظرف والظروف يتوسع فيها أيضاً فإن عسى لا يتقدم خبرها إجماعاً لعدم تصرفها مع عدم الاختلاف في فعليتها، فليس أولى بذلك لمساواتها لها في عدم التصرف مع الاختلاف في فعليتها.
ص119
تنبيه: خبر في كلامه منون ليس مضافاً إلى ليس كما عرفت، وإلا توالى خمس حركات وذلك ممنوع. (وَذُوْ تَمَامٍ) من أفعال هذا الباب أي التام منها (مَا بِرَفْعٍ يَكْتَفِي) أي يستغني بمرفوعه عن منصوبه كما هو الأصل في الأفعال، وهذا المرفوع فاعل صريح (وَمَا سِوَاهُ) أي ما سوى المكتفي بمرفوعه (نَاقِصٌ) لافتقاره إلى المنصوب (وَالنَّقْصُ فِي فَتِىءَ) و (لَيْسَ) و (زَالَ) ماضي يزال التي هي من أفعال الباب (دَائِمَاً قُفِي) فلا تستعمل هذه الثلاثة تامة بحال. وما سواها من أفعال الباب يستعمل ناقصاً وتاماً نحو ما شاء الله كان أي حدث {وإن كان ذو عسرة} (البقرة: 280)، أي حضر. وتأتي كان بمعنى كفل وبمعنى غزل، يقال كان فلان الصبي إذا كفله. وكان الصوف إذا غزله. ونحو: {فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون} (الروم: 17)، أي حين تدخلون في المساء وحين تدخلون في الصباح {خالدين فيها ما دامت السموات والأرض} (هود: 107)، أي ما بقيت. وكقوله:
بَاتَ وَبَاتَتْ لَهُ لَيْلَةٌ كَلَيْلَةِ ذِي العَائِرِ الأرْمَدِ
وقالوا بات بالقوم أي نزل بهم ليلاً ونحو ظل اليوم أي دام ظله وأضحينا أي دخلنا في الضحى ومنه قوله:
إِذَا الليَلَةُ الْشَّهْبَاءُ أَضْحَى جَلِيْدُهَا
أي بقي جليدها حتى أضحى. أي دخل في الضحى. ويقال صار فلان الشيء بمعنى ضمه إليه، وصرت إلى زيد تحولت إليه. قالوا برح الخفاء وانفك الشيء بمعنى انفصل وبمعنى خلص.
ص120
تنبيهان: الأول إنما قيدت زال بماضي يزالللاحتراز عن ماضي يزيل فإنه فعل تام متعد معناه ماز، يقولون زل ضأنك عن معزك أي مز بعضها من بعض، ومصدره الزيل، ومن ماضي يزول فإنه فعل تام قاصر معناه الانتقال، ومنه قوله تعالى: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا} (فاطر: 41)، ومصدره الزوال. الثاني إذا قلت كان زيد قائماً جاز أن تكون كان ناقصة فقائماً خبرها، وأن تكون تامة فيكون حالاً من فاعلها وإذا قلت كان زيد أخاك وجب أن تكون ناقصة لامتناع وقوع الحال معرفة (وَلاَ يَلِي العَامِلَ) أي كان وأخواتها (مَعْمُولُ الخَبَرْ) مطلقاً عند جمهور البصريين سواء تقدم الخبر على الاسم نحو كان طعامك آكلاً زيد خلافاً لابن السراج والفارسي وابن عصفور، أم لم يتقدم نحو كان طعامك زيد آكلاً، وأجازه الكوفيون مطلقاً تمسكاً بقوله:
قَنَافِذُ هَداجُونَ حَوْلَ بُيُوتِهمْ بِمَا كَانَ إِيَّاهُمْ عَطِيَّةُ عَوَّدَا
وخرج على زيادة كان أو إضمار اسم مراد به الشأن، أو راجع إلى ما وعليهن فعطية مبتدأ وقيل ضرورة وهذا التأويل متعين في قوله:
بَاتَتْ فُؤَادِيَ ذَاتُ الْخَالِ سَالِبَةً فَالْعَيْشُ إِنْ حُمَّ لِي عَيْشٌ مِنَ العَجَبِ
وقوله:
لَئِنْ كَانَ سَلْمَى الْشَّيْبُ بِالصَّدِّ مُغْرِياً لَقَدْ هَوَّنَ السُّلْوَانَ عَنْهَا التَّحَلُّمُ
ص121
لظهور نصب الخبر. وأصل تركيب النظم ولا يلي معمول الخبر العامل فقدم المفعول وهو العامل وأخر الفاعل وهو معمول الخبر لمراعاة النظم وليعود الضمير إلى أقرب مذكور من قوله (إلاَّ إذَا ظَرْفاً أَتَى) أي معمول الخبر (أَوْ حَرفَ جَرْ) مع مجرور فإنه حينئذٍ يلي العامل اتفاقاً نحو كان عندك أو في الدار زيد جالساً أو جالساً زيد للتوسع في الظرف والمجرور(وَمُضْمَرَ الشَّأن اسْمَاً انْو) في العامل (إنْ وَقَعْ) شيء من كلامهم (مُوهِمُ) جواز (مَا اسْتَبَانَ) لك (أَنَّهُ امْتَنَعْ) كما تقدم بيانه في قوله: قنافذ هداجون البيت. وقوله:
فَأَصْبَحُوا وَالنَّوَى عَالِي مُعَرَّسِهِمْ وَلَيْسَ كُلَّ النَّوَى يُلْقِي الْمَسَاكِينُ
في رواية تلقي بالتاء المثناة من فوق، وبه احتج من أجاز ذلك مع تقدم الخبر. وقال الجمهور التقدير ليس هو أي الشأن، وقد عرفت أنه إنما يقدر ضمير الشأن حيث أمكن تقديره. ومن الدليل على صحة تقدير ضمير الشأن في كان قوله:
إِذَا مُتُّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ شَامِتٌ وآخَرُ مُثْنٍ بِالَّذِي كُنْتُ أَصْنَعُ
(وَقَدْ تُزادُ كَانَ فِي حَشْوٍ) أي بين شيئين، وأكثر ما يكون ذلك بين ما وفعل التعجب (كَمَا كَانَ أَصَحَّ عِلْمَ مَنْ تَقَدَّمَا) وما كان أحسن زيداً، وزيدت بين الصفة والموصوف في قوله:
فِي غُرَفِ الْجَنَّةِ الْعُلْيَا التِي وَجَبَتْ لَهُمْ هُنَاكَ بِسَعْيٍ كَانَ مَشْكُوْرِ
وجعل منه سيبويه قول الفرزدق:
فَكَيْفَ إذَا مَرَرْتَ بِدَارِ قَوْمٍ وَجِيْرَانٍ لَنَا كَانُوْا كِرَامِ
ورد ذلك عليه لكونها رافعة للضمير، وليس ذلك مانعاً من زيادتها، كما لم يمنع من إلغاء ظن عند توسطها أو تأخرها إسنادها إلى الفاعل. وبين العاطف والمعطوف عليه كقوله:
فِي لُجَّةٍ غَمَرَتْ أَبَاكَ بِحُوْرُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ وَالإِسْلاَمِ
وبين نعم وفاعلها كقوله:
ص122
وَلَبِسْتُ سِرْبَالَ الشَّبَابِ أَزُورُهَا وَلَنِعْمَ كَانَ شَبِيبَةُ الْمُحْتَالِ
ومن زيادتها بين جزأي الجملة قول بعض العرب: ولدت فاطمة بنت الْخُرْشُب الكملة من بني عبس لم يوجد كان مثلهم. نعم شذت زيادتها بين الجار والمجرور كقوله:
سَرَاةُ بَنِيْ أَبِي بَكْرٍ تَسَامَى عَلَى كَانَ الْمُسَوَّمَةِ العَرَّابِ
تنبيهات: الأول أفهم كلامه أنها لا تزاد بلفظ المضارع، وهو كذلك إلا ما ندر من قول أم عقيل:
أَنْتَ تَكُونُ مَاجِدٌ نَبِيلٌ إذَا تَهُبُّ شَمْأَلٌ بَلِيلُ
الثاني أفهم قوله في حشو أنها لا تزاد في غيره، وهو كذلك خلافاً للفراء في إجازته زيادتها آخراً. الثالث أفهم أيضاً تخصيص الحكم بها أن غيرها من أخواتها لا يزاد، وهو كذلك إلا ما شذ من قولهم: ما أصبح أبردها وما أمسى أدفاها. روى ذلك الكوفيون. وأجاز أبو علي زيادة أصبح وأمسى في قوله:
عَدُوُّ عَيْنَيْكَ وَشَانِيْهُمَا أَصْبَحَ مَشْغُولٌ بِمَشْغُوْلِ
وقوله:
أَعَاذِلَ قُوْلِي مَا هَوَيْتِ فَأَوّبِي كَثِيْرَاً أَرَى أَمْسَى لَدَيْكِ ذُنُوْبِي
وأجاز بعضهم زيادة سائر أفعال الباب إذا لم ينقص المعنى (وَيَحْذِفُوْنَهَا) أي كان إما وحدها أو مع الاسم وهو الأكثر (وَيُبْقُوْنَ الْخَبَرْ) على حاله (وَبَعْدَ إِنْ وَلَوْ) الشرطيتين (كَثِيْراً ذَا) الحكم (اشْتَهَرْ) من ذلك: المرء مجزي بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر. وقوله:
قَدْ قِيْلَ مَا قِيْلَ إنْ صِدْقَاً وَإِنْ كَذِباً
وقوله:
حَدِبَتْ عَلَيَّ بُطُونُ ضَبَّة كُلُّهَا إِنْ ظَالِماً فِيْهِمْ وَإِنْ مَظْلُوْمَاً
وفي الحديث «التمس ولو خاتماً من حديد» وقال الشاعر:
اَيَأْمَنُ الْدَّهْرَ ذُو بَغْيٍ وَلَوْ مَلِكَاً جُنُوْدُهُ ضَاقَ عَنْهَا الْسَّهْلُ وَالْجَبَلُ
ص123
تنبيهان: الأول قد تحذف كان مع خبرها ويبقى الاسم، من ذلك: مع أن المرء مجزي بعمله إن خير فخير وإن شر فشر برفعهما أي إن كان في عمله خير فجزاؤه خير، وإن كان في عمله شر جزاؤه شر. وفي هذه المسألة أربعة أوجه مشهورة هذان والثالث نصبهما على تقدير إن كان عمله خيراً فهو يجزى خيراً. والرابع عكس الأول أي رفع الأول ونصب الثاني. وهذا الرابع أضعفها والأول أرجحها، وما بينهما متوسطان. ومنه مع لو ألا طعام ولو تمر، جوز فيه رفع تمر على تقدير ولو يكون عندنا تمر. الثاني قل حذف كان مع غير إن ولو كقوله:
مِنْ لَدُ شَوْلاً فَإِلَى إِتْلاَئِهَا
قدره سيبويه من لد أن كانت شولا (وَبَعْدَ أَنْ) المصدرية (تَعْوِيضُ مَا عَنْهَا) أي عن كان (ارْتُكِبْ) فتحذف كان لذلك وجوباً إذ لا يجوز الجمع بين العوض والمعوض (كَمِثْلِ أمَا أَنْتَ بَرًّا فَاقْتَرِبْ) فأن مصدرية وما عوض عن كان وأنت اسمها وبراً خبرها، والأصل لأن كنت براً، فحذفت لام التعليل لأن حذفها مع أن مطرد، ثم حذفت كان فانفصل الضمير المتصل بها، ثم عوض عنها ما وأدغمت فيها النون، ومنه قوله:
أَبَا خُرَاشَةَ أمَا أَنْتَ ذَا نَفَرٍ فَإِنَّ قَوْمِي لَمْ تَأَكُلْهُمُ الْضَّبُعُ
تنبيه: حذفت كان مع معموليها بعد أن في قولهم افعل هذا أما لا، أي إن كنت لا تفعل غيره، فما عوض عن كان، ولا نافية للخبر ومنه قوله:
أَمْرَعَتِ الأرْضُ لَوْ أنَّ مَا لاَ لَوْ أنَّ نُوْقَاً لَكِ أَوْ جِمَالاَ
أَوْ ثَلَّةً مِنْ غَنَمٍ إِمَّا لاَ
ص124
التقدير إن كنت لا تجدين غيرها (وَمِنْ مُضَارِعٍ لَكَانَ) ناقصة كانت أو تامة (مُنْجَزِمْ) بالسكون لم يتصل به ضمير نصب وقد وليه متحرك (تُحْذَفُ نُونٌ) هي لام الفعل تخفيفاً (وَهْوَ حَذْفٌ) جائزة (مَا الْتُزِمْ) نحو: {وإن تك حسنة} (النساء: 40)، في القراءتين بخلاف نحو: {من تكون له عاقبة الدار} (القصص: 37)، {وتكون لكما الكبرياء} (يونس: 78)، {وتكونوا من بعده قوماً صالحين} (يوسف: 9)، «إن يكنه فلن تسلط عليه» {لم يكن الله ليغفر لهم} (النساء: 168)، وخالف في هذا أخيراً يونس فأجاز الحذف حينئذٍ تمسكاً بقوله:
فَإِنْ لَمْ تَكُ الْمِرَآةُ أَبْدَتْ وَسَامَةً فَقَدْ أَبْدَتِ الْمِرَآةُ جَبْهَةَ ضَيْغَمِ
وحمل على الضرورة، قال الناظم وبقوله أقول، إذ لا ضرورة لإمكان أن يقال فإن تكن المرآة أخفت وسامة، وقد قرىء شاذاً «لم يك الذين كفروا».
خاتمة: إذا دخل على غير زال وأخواتها من أفعال هذا الباب ناف فالمنفي هو الخبر نحو ما كان زيد عالماً فإن قصد الإيجاب قرن الخبر بإلا نحو ما كان زيد إلا عالماً فإن كان الخبر من الكلمات الملازمة للنفي نحو يعيج لم يجز أن يقترن بإلا، فلا يقال في ما كان زيد يعيج بالدواء: ما كان زيداً لا يعيج. ومعنى يعيج ينتفع، وحكم ليس حكم ما كان في كل ما ذكر.وأما زال وأخواتها فنفيها إيجاب فلا يقترن خبرها بإلا كما لا يقترن بها خبر كان الخالية من نفي لتساويهما في اقتضاء ثبوت الخبر وما أوهم خلاف ذلك فمؤول كقوله:
حَرَاجِيْجُ لاَ تَنْفَكُّ إلاَّ مُنَاخَةً عَلَى الْخَسْفِ أَوْ نَرْمِي بِهَا بَلَدَاً قَفْرَا
أي ما تنفصل عن الأتعاب إلا في حال إناختها على الخسف إلى أن نرمي بها بلداً قفراً، فتنفك هنا تامة، ويجوز أن تكون ناقصة وخبرها على الخسف، ومناخة منصوب على الحال أي لا تنفك على الخسف إلا في حال إناختها واللَّهُ أعلم.
ص125