أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-10-2014
4680
التاريخ: 2024-11-12
166
التاريخ: 2023-04-15
1128
التاريخ: 14-11-2020
4859
|
وفيه ثلاثة أقوال :
الأول : أنها رتبت في عصر النبي (صلى الله عليه وآله).
الثاني : أنها رتبت بالاجتهاد بعده.
الثالث : أن كثيرا من السور قد علم ترتيبها في حياته كالسبع الطوال والحواميم والمفصل ، وما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوض الأمر فيه إلى الأمة كما نقل عن ابن عطية (1).
والذي نختاره هو القول الأول ، وقد نسبه في الإتقان إلى جماعة منهم :
القاضي في أحد قوليه ، وأبو بكر الأنباري ، والكرماني في البرهان ، والطيبي. وقال في الإتقان : قال الزركشي في البرهان : فالخلاف بين الفريقين لفظي ، لأن القائل بالثاني (أي بالاجتهاد بعده (صلى الله عليه وآله)) يقول : إنه رمز إليهم ذلك.
وأما دليلنا على ذلك هو ما أشرنا إليه غير مرة في نظائر المقام من أن العقل والاعتبار يدلان على أنه لا يجوز التسامح في أمر القرآن المعجز الخالد ، حتى في ترتيب سوره ، بأن يوكل الرسول (صلى الله عليه وآله) أمر ترتيبه إلى غيره من الصحابة ، فيؤلفونه حسب أهوائهم واجتهاداتهم ، وهل هذا إلا إلقاء للأمة التي يختلف أفرادها اختلافا شديدا في الفهم والذوق إلى مزالق الخلاف والتشتت.
وعن ابن الأنباري (2) أن اتساق السور كاتساق الآيات والحروف ، كله من النبي (صلى الله عليه وآله) ، فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن.
وتشهد لما ذكرناه عدة أحاديث ذكرها في الإتقان ، وهي :
1 - ما عن ابن أشتة في كتاب المصاحف من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال قال : قد سمعت ربيعة يسأل : لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة ، وإنما أنزلتا بالمدينة ؟ فقال : قدمتا والف القرآن على علم ممن ألفه به ، ومن كان معه فيه ، واجتماعهم على علمهم بذلك ، فهذا مما ينتهى إليه ولا يسأل عنه (3).
2 - ما رواه الحاكم عن زيد بن ثابت قال : كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) نؤلف القرآن من الرقاع. قال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه (4).
فالمستفاد من هذا الحديث هو أن القرآن كان متفرقا في الرقاع ، وأن زيدا ومن معه كانوا يجمعون القرآن في مصحف واحد ، وهو عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وواضح أن التأليف يستلزم الترتيب ، فإذا كان الترتيب عند الرسول (صلى الله عليه وآله) فالترتيب عنه أيضا وبأمره. ويدل على ذلك اتفاق الأمة ، وقبول الصحابة ومن بعدهم لهذا الترتيب الموجود ، حتى فيما قبل عثمان ، لأن عثمان لم يفعل في القرآن إلا أنه أمر بكتابته على قراءة واحدة ، وحمل الناس عليها ، ثم أحرق سائر المصاحف ، أما الترتيب فإنما حصل بأمر النبي (صلى الله عليه وآله).
مناقشتان وجوابهما :
ثم إنه ربما يورد على ما قلناه سؤال وهو : أنه إذا كان الترتيب قد حصل بأمر النبي (صلى الله عليه وآله) فلم اختلف الأصحاب في ترتيب مصاحفهم حتى أن أبي بن كعب وابن مسعود قد رتبا مصحفيهما على خلاف ترتيب المصحف الذي بأيدينا اليوم ؟
وربما يورد سؤال آخر أيضا هنا وهو : ماذا نصنع بالرواية المتقدمة الدالة على أن عثمان هو الذي رتب سور المصحف ؟
والرواية هي : ما سبق عن أحمد في مسنده : من أن ابن عباس قال لعثمان : ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني ، وإلى براءة وهي من المئين ، فقرنتم بينهما ولم تكتبوا (أي بسم الله الرحمن الرحيم) - إلى أن قال عثمان : - كانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة ، وكانت براءة من آخر القرآن نزولا ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فظننت أنها منها ، فقبض رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أحل ذلك قرنت بينهما... الخ (5).
أما الجواب عن السؤال الأول : فبما قيل من أن اختلاف الجامعين في ترتيب سور القرآن لعله كان قبل وقوفهم على أنه أمر توقيفي ، ولابد وأن يؤخذ من النبي (صلى الله عليه وآله) ، وقبل أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بتأليف القرآن من الرقاع ، فهم رتبوا ما سمعوه من النبي (صلى الله عليه وآله) لأنفسهم بحسب آرائهم ، وأما بعد تأليف القرآن من الرقاع بأمر الرسول (صلى الله عليه وآله) ومعرفتهم بترتيبه له لجميع المسلمين على هذا النحو فالواجب عليهم متابعته في ذلك أيضا.
وأما عن السؤال الثاني : فبما قيل أيضا من أن الحديث ضعيف ، لأن في السند يزيد الفارسي الذي عده البخاري في الضعفاء ، وعن الشيخ أحمد شاكر في تعليقه له على هذا الحديث أنه حديث لا أصل له (6).
ويزيد الرواية ضعفا ما ورد عن أبي هلال حدثنا مالك بن دينار عن يزيد الفارسي كاتب عبيد الله بن زياد... فالرجل إذا لا يبالي أن يكون من أعوان حتى قتلة الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام).
هذا في سند الحديث ، وأما في دلالته على ما نحن بصدده فهي أيضا محل إشكال ، حيث إنه خاص في ترتيب سورتي الأنفال وبراءة ، فمن تم عنده سند الحديث فعليه أن يقول : إن ترتيب هاتين السورتين فقط قد حصل بيد عثمان ، كما فعل السيوطي في الإتقان حيث قال : والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي ، وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي ، إلا براءة والأنفال (7).
أما نحن فنقول : سند الحديث ضعيف ، وعثمان لم يفعل شيئا في القرآن ، سوى كتابته على قراءة واحدة ، ولم يتصرف في ترتيبه ، فيكون ترتيب جميع سور القرآن توقيفيا ومأخوذا من الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، كما أن ترتيب آياته أيضا كذلك ، وكذلك تقسيم السورة إلى آيات ذات بداية ونهاية ، فإن كل ذلك قد حدث في عصر النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) ولم تنله يد الرأي والاستحسان والاجتهاد ، والحمد لله رب العالمين.
_________________
(1) الإتقان : ج 1 ص 65.
(2) ابن الأنباري : لغوي نحوي علامة وقته في الأدب ، وأكثر الناس حفظا لها ، يحكى أنه كان يحفظ مائة وعشرين تفسيرا بأسانيدها ، توفي سنة 328 ه. (راجع الكنى والألقاب للمحدث القمي).
(3) الإتقان : ج 1 ص 65.
(4) المستدرك على الصحيحين : ج 2 ص 611.
(5) الإتقان : ج 1 ص 62 ، مسند أحمد : ج 1 ص 57 مسند عثمان.
(6) مباحث في علوم القرآن لمناع القطان : ص 144.
(7) الإتقان : ج 1 ص 65.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|