هو أبو صخر كثيّر بن عبد الرحمن بن الاسود بن عامر من بني خزاعة بن ربيعة من الأزد من قحطان (غ 9:3-4) ، و قيل هو من بني عمرو بن خزاعة بن الصلت بن النضر بن كنانة من مضر ⁽¹⁾. و أمّه جمعة بنت الاشيم ⁽²⁾، و لذلك كان يقال أيضا: كثير بن أبي جمعة.

ولد كثيّر، فيما يبدو، في بيسان بين المدينة و خيبر من شمالي الحجاز، نحو سنة 45 ه‍(665 م) ، و مات أبوه و كان هو لا يزال صغيرا فكفله عمه فكان يرعى غنما لعمّه. و يبدو أن كثيّرا اعتنق منذ صباه مذهب الكيسانية، و هم فرقة من غلاة الشيعة ينتسبون إلى المختار بن أبي عبيد الثقفي و يزعمون أن محمد بن الحنفية ⁽³⁾ لم يمت و أنه موجود في جبل رضوى قرب المدينة و عنده ماء و عسل لمعاشه. و كذلك كان هؤلاء يؤمنون بالتناسخ و بالرجعة ⁽⁴⁾.

و كذلك عشق كثيّر في صباه عزّة بنت حميل (بالحاء المهملة) بن وقّاص من بني حاجب من بني ضمرة، و لذلك يقال لها عزّة الضمريّة و عزّة الحاجبية. و أحب كثيّر عزّة و كانت لا تزال صغيرة جدا، و كانت حلوة حميراء نظيفة الثوب حلوة الحديث. و قد كان أهل عزّة يسكنون في شمالي الحجاز، شرق أيلة (العقبة) ، و لكنّ كثيّرا رآها في المدينة فأحبها. و كرهت عزّة في أول الأمر كثيّرا، فقد كان صغير الرأس قبيحا قصيرا جدا، لكنّها عادت فشغفت به. و تزوّجت عزّة فيما بعد، غير أن كثيّرا ظل محبّا لها. و قد زعم قوم أنه لم يكن مخلصا في حبها، و أنّه أحب بعدها فتاة اسمها أم الحويرث. و ماتت عزّة قبل كثيّر، و لكثيّر رثاء فيها.

و مع أن كثيّرا كان شيعيا غاليا فانه نال حظوة عند بني أميّة فمدح عبد الملك بن مروان و أخاه عبد العزيز والي مصر؛ و مع أن عمر بن عبد العزيز لم يكن يجيز الشعراء فقد أجاز كثيّرا بثلاثمائة درهم. . . . و لكننا لا نرى لكثيّر اتصالا بالوليد و بسليمان ابني عبد الملك.

و بعد مرض قصير توفّي كثير في المدينة، سنة 105 ه‍(723 م) .

كثيّر عزّة شاعر مكثر من فحول الشعراء من الطبقة الثانية من الاسلاميين بعد جرير و الفرزدق. «و هو عند أهل الحجاز أشعر من البعيث و القطاميّ، و من الفرزدق و جرير و الأخطل و راعي الابل» (طبقات الشعراء 121،122، راجع 123) . و كثيّر شاعر رقيق بدويّ الاسلوب يجيد الغزل و الوصف و المديح، و له رثاء قليل.

المختار من شعره:

- قال كثيّر عزّة ينسّب بعزّة:

خليليّ، هذا ربع عزّة فاعقلا... قلوصيكما ثم ابكيا حيث حلّت ⁽⁵⁾

و مسّا ترابا كان قد مسّ جلدها... و بيتا و ظلاّ حيث باتت و ظلّت ⁽⁶⁾

و لا تيأسا أن يمحو اللّه عنكما... ذنوبا إذا صلّيتما حيث صلّت

و ما كنت أدري قبل عزّة ما البكا... و لا موجعات القلب حتى تولّت ⁽⁷⁾

و كانت لقطع الحبل بيني و بينها... كناذرة نذرا فأوفت و حلّت ⁽⁸⁾

فقلت لها: يا عزّ، كلّ مصيبة... إذا وطّنت يوما لها النفس ذلّت ⁽⁹⁾

و لم يلق انسان من الحب ميعةً... تعمّ و لا عمياء الا تجلّت ⁽¹⁰⁾

كأنّي أنادي صخرة، حين أعرضت... من الصمّ لو تمشي بها العصم زلّت ⁽¹¹⁾

صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملّت ⁽¹²⁾

فما أنصفت: أما النساء فبغّضت... إليّ، و أما بالنوال فضنّت

يكلّفها الغيران شتمي، و ما بها... هواني، و لكن للمليك استذلّت ⁽¹³⁾

هنيئا مريئا غير داء مخامر... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت ⁽¹⁴⁾

أسيئي بنا أو أحسني، لا ملومةً... لدينا و لا مقليّة ان تقلّت ⁽¹⁵⁾

فما أنا بالداعي لعزّة بالجوى... و لا شامت إن نعل عزّة زلّت ⁽¹⁶⁾

فلا يحسب الواشون أن صبابتي... بعزّة كانت غمرة فتجلّت ⁽¹⁷⁾

فو اللّه ثم اللّه، ما حلّ قبلها... و لا بعدها من خلّة حيث حلّت ⁽¹⁸⁾

و انّي و تهيامي بعزّة بعد ما... تخلّيت ممّا بيننا و تخلّت ⁽¹⁹⁾

لكالمرتجي ظلّ الغمامة، كلّما... تبوّأ منها للمقيل استقلّت ⁽²⁰⁾

فان سأل الواشون: فيم هجرتها... فقل: نفس حرّ سلّيت فتسلّت ⁽²¹⁾

- و قال كثيّر مشيرا إلى أمور من عقيدة الكيسانية. (غ 9:14-15) :

ألا إنّ الأئمة من قريشٍ... ولاة الحقّ أربعة سواء ⁽²²⁾

عليّ و الثلاثة من بنيه... هم الاسباط ليس بهم خفاء ⁽²³⁾

فسبط سبط إيمان و برّ... و سبط غيّبته كربلاء ⁽²⁴⁾

و سبط لا تراه العين حتى... يقود الخيل يقدمها اللواء ⁽²⁵⁾

تغيّب، لا يرى، عنهم زمانا... برضوى عنده عسل و ماء

- و قال كثيّر يمدح عمر بن عبد العزيز:

و ليت فلم تشتم عليّا، و لم تخف... بريّا، و لم تقبل إشارة مجرم

و صدّقت بالفعل المقال، مع الذي... أتيت، فأمسى راضيا كلّ مسلم

و قد لبست لبس الهلوك ثيابها... تراءى لك الدّنيا بكفّ و معصم ⁽²⁶⁾

و تومض أحيانا بعين مريضة... و تبسم عن مثل الجمان المنظّم ⁽²⁷⁾

فأعرضت عنها مشمئزّا كأنّما... سقتك مدوفا من سمام و علقم ⁽²⁸⁾

فلمّا أتاك الملك عفوا و لم يكن... لطالب دنيا بعده من تكلّم⁽²⁹⁾

تركت الذي يفنى و ان كان مونقا... و آثرت ما يبقى برأي مصمّم ⁽³⁰⁾

فما بين شرق الارض و الغرب كلّها... مناد ينادي من فصيح و أعجم

يقول: أمير المؤمنين، ظلمتني... بأخذ لدينار و لا أخذ درهم

و لا بسط كفّ لامرئ غير مجرم... و لا السفك منه ظالما ملء محجم ⁽³¹⁾

و لو يستطيع المسلمون لقسّموا... لك الشطر من أعمارهم غير ندّم

_______________________

1) ديوان كثير 1:5-6 عن سيرة هشام (1:61؛ خزانة الأدب 2:381) .

2) الاشيم لقب الاسود جد كثير (راجع وفيات 2:189) .

3) خولة الحنفية زوج علي بن أبي طالب[عليه السلام].

4) التناسخ: تقلب النفس الواحدة في عدد من أجساد الناس و الحيوان. الرجعة: رجوع النفس بعد الموت إلى الجسد الذي كانت فيه.

5) اعقلا قلوصيكما: اربطا ناقتكما. حلت: نزلت، سكنت.

6) بات: قضى الليل. ظل: قضى النهار.

7) موجعات (بالرفع، معطوفة على البكاء: مبتدأ مؤخر) . موجعات (منصوبة بالفعل أدري و علامة نصبها الكسرة) . حتى تولت: حتى أصبحت والية على قلبي (ملكته بحبي لها) .

8) الناذرة: التي أقسمت أن تعمل عملا معينا. أوفت-وفت: نفذت أو حققت العمل الذي كانت قد أقسمت أن تعمله. حلت: خرجت من احرامها (النذر قسم أو يمين يجب تنفيذه، فما دام المرء لم ينفذه فهو آثم. فاذا نفذه فقد حل نفسه من الاثم) .

9) إذا عزم الانسان على احتمال المصيبة فان المصيبة تهون و تخف.

10) الميعة: عنفوان النشاط. العمياء: الضلالة. -كل شدة من الحب (و من غيره أيضا) ستتجلى (ستنكشف، ستزول) .

11) كأني حينما أنادي عزة أنادي صخرة صماء قاسية (لا تسمع النداء فلا تجيب) من تلك الصخور التي إذا سارت عليها العصم (الظباء و الوعول التي في أيديها بياض، و هي تألف الجبال) زلت (تعثرت) . أعرضت: صدت.

12) صفوحا: صادة، معرضة، ملتفتة عني. لا تلقاك إلا بخيلة: لا تنعم عليك إلا نادرا. ذلك هو أقصى ما تمنحه للمحب من الوصل، فمن لم يرض ذلك منها تركته مرة واحدة.

13) الغيران (يقصد زوجها) . ما بها هواني: لا تريد اهانتي و شتمي. للمليك: للمالك (لزوجها) . استذلت: أطاعت. -اتفق أن عزة أرادت أن تشتري سمنا فدخلت خباء كثير اتفاقا، و كان كثير يبري سهما، فلما رآها ذهل و جعلت الشفرة تصيب ذراعه فدميت ذراعه. فأسرعت عزة تمسح دمه بثوبها. ثم ان كثيرا أعطاها نحي سمن كان عنده. فلما عرف زوجها بالقصة أمرها أن تخرج اليه و تشتمه بصوت مرتفع. فاضطرت إلى أن تفعل ذلك.

14) إذا كانت عزة قد استحلت عرضي (شتمتني) فإنني قد سامحتها بذلك من غير أن أضمر لها كرها أو حقدا.

15) الملول و الملولة: التي تمل (بالبناء للمعلوم بمعنى كارهة، أو بالبناء للمجهول بمعنى مكروهة) . مقلية: مبغضة (بالبناء الماء للمجهول) . تقلت: تبغضت (أظهرت البغض) .

16) الجوى: المرض (بالحب) ، الألم الذي يصحب المحب.

17) غمرة: شدة (عارضة، كالموجة التي تغمر شيئا ثم تمر) . تجلت: انكشفت، زال أثرها.

18) الخلة: الحبيبة. -ما أحببت أحدا إلا عزة.

19 و 20) التهيام: شدة الهيام، العشق الذي يؤدي بصاحبه إلى الوسوسة فالجنون. تخليت مما بيننا و تخلت: عزمت على ترك حبها و عزمت على ترك حبي. و تهيامي (الواو للقسم) : أقسم بحبي العظيم لعزة. و يجوز أن يكون «و إني و تهيامي بعزة. . . . لكا لمرتجي» : مثلي في حبي لعزة (و مثلها) كمثل الذي يريد أن يستظل من حر الشمس بظل الغيمة المارة كلما جلس في ظلها تابعت الغيمة سيرها فيظل هو في حر الشمس (يقصد أنه لا يزال يحب عزة، و لكن عزة لا تبالي به) .

21) و أخيرا حمل كثير نفسه على نسيان عزة فنسيتها نفسه.

22 و 23 و 24 و 25) الخلفاء أربعة فقط و هم في مقام واحد: علي بن أبي طالب[عليه السلام] و أبناؤه الثلاثة. السبط (بكسر السين) : الحفيد من البنت (يقصد أبناء بنت الرسول) . سبط ايمان و بر: الحسن[عليه السلام]. سبط غيبته كربلاء: الحسين[عليه السلام]. و سبط لا تراه العين. . . . : محمد بن الحنفية، و هو ليس من أسباط الرسول و لكن جمع من الحسن و الحسين تغليبا. يقود الخيل يقدمها اللواء: يرجع بجيش للقضاء على الظالمين.

26) الهلوك: الفاجرة المتساقطة على الرجال؛ الحسنة التبعل لزوجها.

27) أو مضت المرأة: سارقت النظر، غمزت بعينها. عين مريضة: فاترة الجفون من الجمال و الدلال. و تبتسم أسنانها كأنها الجمان (اللآلي الكبار) ، كناية عن الاغراء و الاغواء.

28) كأنها تريد أن تسقيك السم القاتل مدوفا (مخلوطا، ممزوجا) بالعلقم (بالمرارة) .

29) عفوا: من غير طلب له. و لا يطمع انسان بشيء وراء الملك (؟) .

30) المؤنق: الحسن الذي يعجب العين. مصمم: حازم لا يثنيه شيء عما أراد.

31) لم تعاقب إلا المجرمين و الظالمين.