أقرأ أيضاً
التاريخ: 24-11-2014
3139
التاريخ: 10-10-2014
2396
التاريخ: 10-10-2014
2505
التاريخ: 22-04-2015
6422
|
هنالك آيات قرآنية في مختلف السور مرتبطة بمنزلة عصمة موسى عليه السلام، وقد تعرّضت للإستفهام أيضاً :
نقرأ في الآية 16 من سورة القصص، أنّ موسى عليه السلام وبعد صراعه مع أحد أعدائه (أتباع فرعون)، الذي كان في شجار مع رجل من بني إسرائيل، وتوجيه ضربة قاضية إليه أردته قتيلًا، توجّه إلى اللَّه تعالى وقال : {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [القصص : 16]
يا تُرى «ألم يكن التعبير بأنّي ظلمت نفسي وطلب العفو والمغفرة من اللَّه تعالى، دليلًا على ارتكاب الذنب»؟
ثمّ إنّه ورد في الآية التي قبلها أنّ موسى وبعد قتله لعدوّه قال : {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}.
(القصص/ 15)
وبعد هذه الحادثة وحينما بلغ موسى مرتبة النبوّة، وجاء إلى فرعون يدعوه إلى اللَّه، عاتبه فرعون وقال : {وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ* قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ}. (الشعراء/ 19- 20)
صحيح أنّ موسى لم يكن قد بلغ مرتبة النبوّة في ذلك الوقت، ولكن نظراً لضرورة تمتّع الأنبياء بدرجة العصمة حتّى قبل النبوّة، فالتعبير ب «الضالّين» يبدو غير مناسب هنا بعض الشيء.
الجواب :
أوّلًا، وقبل كلّ شيء يجب البحث في ماهية هذا القتل الذي لم يكن بقصد وسبق إصرار، وهو ممّا يصطلح عليه بقتل الخطأ، هل كان جائزاً أم لا؟!
لا شكّ أنّ هذا العمل لم يكن معصية، مع الأخذ بنظر الإعتبار ذلك الموقف المعادي الذي كان يتّخذه قوم فرعون الظالمين من بني إسرائيل، حتّى أنّهم كانوا يذبحون أبناءهم الرضّع ويأخذون بناتهم للخدمة، بل كانوا قد أذاقوهم أقسى أنواع الظلم والعذاب، حتّى أصبحوا مصداقاً للتعبير القرآني : «مفسد في الأرض»، خصوصاً أنّ موسى كان في مقام نصرة المظلوم والدفاع عنه، إذن فجواز قتل هذا الفرعوني الظالم هو ممّا لا شكّ فيه على أقلّ تقدير، فكيف يمكن الخدش في درجة عصمة موسى في مثل هذه الحال.
إذن، فالذي يحتمل كونه مخالفاً للوجدان يكمن حتماً في ترك الأولى المتجسّد في كيفية تصرّف موسى (لا أصل تصرّفه).
ويبدو أنّ مراد موسى عليه السلام من : «ظلمت نفسي» هو الوقوع في المشقّة، باعتبار أنّ قتله لأحد الأقباط ليس بتلك السهولة التي يتناساها أتباع فرعون، ولا يخفى أنّ ترك الأولى يعني العمل المباح ذاتاً، إلّا أنّه يَحرم صاحبه من العمل الأفضل.
وجملة : {هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} إشارة إلى أصل نزاع القبطي والسبتي (الفرعوني والاسرائيلي)، أي أنّ نزاعهم الأعمى التافه هذا هو من عمل الشيطان.
إذن، فطلب المغفرة من اللَّه إنّما هو لتركه الأولى، وقد ورد نظيره في القرآن الكريم بحقّ آدم وحواء أيضاً، حيث انّهما قد أوقعا نفسيهما في المشقّة وذلك بتركهما للأولى، وأكلهما من الشجرة الممنوعة، فطلبوا المغفرة لذلك {قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ}. (الأعراف/ 23)
امّا التعبير ب «الضالّين» المأخوذ من مادّة «الضلال» التي تعني في الأصل ترك الطريق السوي، فله معنى واسع ولا ينحصر بمعنى الإعراض عن الدين والحقّ فقط، بل يصدق بحقّ شخص كموسى عليه السلام الذي عرض حياته للخطر بقتله لذلك الفرعوني أيضاً، وبعبارة اخرى فقد ترك طريق السلامة، وسلك طريق ذات الشوكة، ولذا لم يتمكّن من البقاء في مصر بعد تلك الحادثة فغدى مشرّداً في البوادي والجبال إلى أن وصل أرض «مدين»، وشملته الألطاف الإلهيّة في خاتمة المطاف، حيث عاش هناك ولعدّة سنين وتربى على يد شعيب عليه السلام، وتهيّأ لتحمّل مسؤولية الرسالة.
لا يخفى أنّ البعض يعتقد بأنّ معنى «الضلال» هنا هو عدم الاطلاع، أي لم أعلم بأنّ تلك الضربة ستقضي على الرجل، وبناءً على هذا فالقتل المذكور يعد مصداقاً لقتل الخطأ لا العمد، لكن المعنى الأوّل يبدو أنسب، رغم أنّ فرعون قد يفهم من كلام موسى عليه السلام شيئاً آخر، ولذا اقتنع بذلك ولم يعلّق عليه بشيء.
ثانياً في الآية 143 من سورة الأعراف تستوقفنا هذه الحادثة، وهي أنّ موسى عليه السلام طلب من اللَّه تعالى أن ينظر إليه ببصره وسمع الجواب : إنّك لن تراني أبداً!
{وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي } [الأعراف : 143] وفي هذه الأثناء جاءه الأمر بالنظر إلى الجبل : {انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ}. (الأعراف/ 143)
من هنا يقال :
أوّلًا : لماذا طلب موسى مثل هذا الطلب من اللَّه تعالى مع كونه يتمتع بمنزلة رفيعة في المعرفة والإيمان؟
ثانياً : لابدّ وأن صدرت منه مخالفة ليبتلى بالصعقة ويغمى عليه؟
ثالثاً : جملة «تُبت إليك» تظهر أنّه تاب من عمل سيء قام به.
و للمفسّرين هنا أجوبة متنوّعة أيضاً، أجلاها هي : إنّ آيات القرآن تبيّن بكلّ وضوح أنّ ذلك الطلب لم يصدر من موسى عليه السلام، بل من بني إسرائيل الذين ألحّوا عليه ليُريهم اللَّه تعالى :
{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ}.
(البقرة/ 55)
بل الآيات الاخرى أيضاً تبيّن أنّ موسى كان مأموراً بأخذ جمع من أشراف بني إسرائيل معه إلى جبل الطور لتكرار طلبهم هناك «حتّى يقفوا على الجواب بشكل عملي»، ويشير الى ما تقدّم ما أطلق على هذه الحادثة، اسم «ميقاتنا» في الآية الآنفة الذكر وكذلك في الآية {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّاي أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِي إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِى مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ}. (الأعراف/ 155)
وبناءً على هذا فما قاله موسى عليه السلام كان بأمر وتكليف من اللَّه تعالى، كما أنّه ليس لنزول الصاعقة أيّة صفة جزائية، بل كان الهدف إيقاف عامّة بني إسرائيل على هذه الحقيقة، وليبين لهم بأنهم عاجزون عن رؤية شرارة صغيرة من قدرته تعالى بحيث تسقطون على الأرض فيغمى على البعض منكم ويصعق البعض الآخر، فكيف والحالة هذه تطلبون رؤية ذاته تعالى بعظمتها؟
أمّا جملة «انّي تُبت» فقد كانت من جانب بني إسرائيل، كما أنّ جملة {رَبِّ أَرِنِى أَنظُرْ إِلَيْكَ} كانت من قبلهم أيضاً.
يستفاد من عدّة آيات من سورة الكهف أنّ موسى عليه السلام ابتلي بالنسيان، فهو تارةً يقول :
{فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِى الْبَحْرِ سَرَباً}. (الكهف/ 61)
إذن فلقد وجد النسيان طريقه إليهما.
وفي آيتين بعدها ينقل عن صاحب موسى عليه السلام : {فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}. (الكهف/ 63)
فلو كان صاحبه وهو يوشع بن نون- كما هو معروف بين أقطاب المفسّرين- وكان في تلك الحالة نبيّاً، فسيثبت جواز النسيان للأنبياء.
كما نقرأ في عدّة آيات بعدها وعلى لسان موسى عليه السلام، أنّه حينما التقى بذلك الرجل الإلهي «الخضر» تعهّد بألّا يسأله عن أسرار ما قام به إلى أن يبيّنها هو بنفسه، لكن موسى عليه السلام نسي ذلك في أوّل مرّة، ولذا اعترض على الخضر لخرقه تلك السفينة السالمة، وحينما ذكّره الخضر بالعهد قال : {قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}. (الكهف/ 73)
كما تكرّر هذا الشيء ثانية وثالثة أيضاً.
ألّا يستفاد من مجموع هذه الآيات إمكان نسبة النسيان للأنبياء؟! أوليس الصيانة عن ارتكاب الخطأ والنسيان أحد فروع العصمة؟
الجواب :
لقد سلك المفسّرون طرقاً شتّى للإجابة عن هذا السؤال : إذ قال البعض : إنّ «النسيان» يعني تارةً ترك الشيء وإن لم يكن منسياً، كما نقرأ في قصّة آدم : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِىَ ...}. (طه/ 115)
من المسلّم أنّ آدم لم ينس العهد الإلهي فيما يتعلّق بالإجتناب عن الأكل من الشجرة الممنوعة، لكن نظراً لعدم اهتمامه بذلك العهد فقد عبّر عنه بالنسيان.
وقال البعض أيضاً : إنّ «الناسي» هو في الحقيقة صاحب موسى عليه السلام وليس موسى عليه السلام، والناسي لم يكن نبيّاً، إذ لم يثبت ذلك فيما لو اقتصرنا على الآيات القرآنية على أقلّ تقدير، فنحن نقرأ في الآيات مورد البحث أنّ صاحب موسى عليه السلام قد شاهد سقوط الحوت في الماء واستعادتها للحياة والحركة، وقرّر إخبار موسى عليه السلام بذلك لكنّه نسي، إذن فالناسي هو صاحب موسى لا غيره باعتباره الشاهد الوحيد لهذه الحادثة، والنسبة إليهما في جملة «نسيا» هي من قبيل نسبة عمل الفرد إلى الجماعة وهي شائعة الإستعمال.
ولو قيل : كيف يعقل إيداع مسألة بكلّ هذه الأهميّة في زاوية النسيان؟ لقلنا : إنّ صاحب موسى عليه السلام كان قد شاهد معجزات أهمّ من هذه، فضلًا عن كونهما في هذا السفر يطلبان هدفاً أهمّ، فنسيان الحوت بسبب هذا الهدف لا يدعو للعجب.
ونسبة النسيان إلى الشيطان، قد تكون لوجود علاقة بين حادثة إحياء السمكة ومسألة العثور على ذلك الرجل العالم، الذي كان من المقرّر أن يستفيد موسى عليه السلام من علمه، وحيث إنّ عمل الشيطان هو الإغواء والحؤول دون بلوغ بني الإنسان أهدافهم المقدّسة، أو تأخيرهم عنها على أقلّ تقدير، فقد قذف النسيان في ذهن «صاحب موسى».
جاء في بعض الروايات عن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله ما مضمونه : إنّ موسى كان نائماً حين انسابت الحوت وسقطت في البحر وذهبت في سبيلها، وأنّ صاحبه «الذي كان يشاهد هذا الموقف» لم يرغب في إيقاظه وإخباره بذلك، كما أنّه نسي أن يخبره بعد استيقاظه أيضاً ولذلك فقد واصلوا مسيرهم يوماً وليلة آخرين، ثمّ تذكّر هذا الرجل الحادثة وقصّها على موسى عليه السلام فاضطرّا للرجوع إلى مكانهما الأوّل، الذي سقطت فيه السمكة في الماء «1».
كما قال البعض أيضاً : إنّ الأنبياء معصومون من النسيان المرتبط بدعوتهم، دون ما له علاقة بأمر عادي يومي، فالنسيان أمر عادي لا يرتبط من قريب أو بعيد، بمسألة الوحي والنبوّة والتربية والتعليم والتبليغ، بل إنّ عدم ترابطهما أمر واضح للجميع ولا يخدش هذا في مقام عصمة الأنبياء، والنسيان الوارد في الآيات المذكورة هو من هذا القبيل.
يقول العالم الكبير المرحوم السيّد المرتضى رحمه الله : إنّ هناك ثلاثة أوجه فيما يتعلّق بقول موسى للخضر : {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} :
الأوّل : النسيان بمعناه الحقيقي المتعارف، ولا عجب أن ينسى موسى مثل هذا العهد خلال هذه الفترة القصيرة، لانشغاله فكريّاً (بمسائل أهمّ).
الثاني : أنّ مراده هو أن لا تؤاخذني على ما تركته (أي أنّ موسى كان قد ترك العهد عمداً، ومعلوم أنّه كان مشروطاً، أي لو شئت البقاء معي فلا تسألني حتّى اوضّح لك بنفسي).
الثالث : مراد موسى هو أن لا تؤاخذني على عمل شبيه بالنسيان.
ثمّ يضيف قائلًا : ولا إشكال لو حملنا الجملة على النسيان غير الحقيقي، وإلّا لو حملناه على النسيان الحقيقي فتعليله أنّ النسيان بهذا المعنى لا يجوز بحقّ الأنبياء، في بيان الامور الإلهيّة، أو التشريعية، أو الخارجة عن المتعارف، ولا مانع لما خرج عن نطاق هذه الدائرة، كما لو نسي النبي طعامه، أو شرابه لكن لا بتلك الدرجة والتكرار الزائدين عن الحدّ لاستحالة مثل هذا الشيء في حقّه.
الآية الاخرى المتعلّقة بأعمال هذا النبي العظيم والتي دار حولها النقاش وردت في قوله تعالى : {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِى أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِي الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِى رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
(الأعراف/ 150- 151)
وهنا ترد عدة علامات للإستفهام :
أوّلًا : لماذا ألقى موسى بالألواح المكتوب فيها احكام اللَّه وآيات التوراة على الأرض؟
ثانياً : لماذا أبدى ردّ الفعل الشديد تجاه أخيه الذي لم يكن قد ارتكب إثماً؟
ثالثا : لماذا طلب العفو والمغفرة لنفسه ولأخيه؟!
لكن لو تأمّلنا في تلك الحادثة التي واجهها هذا النبي العظيم بعد رجوعه من ميقات ربّه، لسلَّمنا بصحة وضرورة تصرفه هذا.
فلقد قضى موسى سنوات طويلة مليئة بالمشقّة، لزرع بذرة «التوحيد» في قلوب «بني إسرائيل» القاسية، وذهب إلى مكان الوحي لميقات ربّه حينما نبتت تلك البذرة على أمل نموّها، لكنّه حينما رجع لاحظ أنّ كل جهوده ذهبت أدراج الرياح وقد استسلم الأكثرية الساحقة من بني إسرائيل لوساوس «السامري» وسجدوا للعجل! فضلًا عن إحاطة فتنة الوثنية والشرك بكلّ شيء وانطفاء نور الإيمان والتوحيد.
وهنا استغرب موسى كثيراً وغضب غضباً شديداً، وكان غضبه للَّه طبعاً، هذا من جهة.
ومن جهة اخرى كان لابدّ له من مواجهة ما حدث بشدة، حيث تعدّ أقسى حادثة في حياة موسى عليه السلام، وذلك ليقف بنو إسرائيل على خطورة الموقف وقبح عملهم، وبالنتيجة تزال كلّ آثار الشرك والوثنية من قلوبهم، وإلّا لاحتمل بقاء آثار الشرك في قلوبهم وقلوب الأجيال القادمة أيضاً، فليس المهمّ هنا مسألة احترام إنسان أو بعض الألواح المقدّسة، بل المهمّ هو مسألة التوحيد وخطورة انحراف قوم بأكملهم.
كان ينبغي لموسى عليه السلام التعبير عن غضبه الكامن في نفسه، وإظهار قبح هذا العمل للجميع، وذلك ما كان ميسوراً إلّا بإبداء ردّ فعل عنيف، ولذا عاتب أخاه هارون بشدّة حتّى أنّه جرّه من رأسه بعد أن ألقى الألواح جانباً، بل صرخ في الواقع من أعماق وجوده، حتّى تردّد صداه بين بني إسرائيل ليقول بعضهم لبعض : ما أقبح عبادة العجل يا ترى! بحيث يتعامل موسى عليه السلام بكلّ هذه الخشونة مع أخيه؟ وعلى فرض أنّ مثل هذا التصرّف لا يليق بشأن هارون عليه السلام (مع أنّ علاقة الاخوّة بين الأخوين تنفي مثل هذا الشيء) فإنّه وبسبب التأثير الاجتماعي العميق له لم يجد موسى عليه السلام بدّاً من فعله.
كما أنّ نفس هذا الهدف كان وراء إلقاء الألواح، بالرغم من اعتقاد البعض بأنّ لفظة «الإلقاء» هنا تعني الوضع على الأرض والذهاب وراء عمل ما، ولذا لم تنته المسألة عند هذا الحدّ، بل كان ذلك القرار الشديد على بني إسرائيل بسبب ارتداد ذلك الفريق بالشكل الذي جاء في ذيل الآية 54 من سورة البقرة.
كما واجه مؤسّس الوثنية بين بني إسرائيل، أي : «السامري» ذلك العقاب الشديد أيضاً، خلاصة القول هي أنّ ردّ الفعل العنيف كان يرمي إلى أهدافٍ عظيمة، ولم يكن خالياً من الإشكال فحسب، بل كان واجباً أيضاً في مثل تلك الظروف (تأمّل جيّداً).
______________________
(1) تفسير المراغي، ج 15، ص 174.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|