أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-02-2015
2273
التاريخ: 2024-05-20
928
التاريخ: 2023-07-13
1510
التاريخ: 2023-03-13
1769
|
بما أنّ نهج البلاغة كتاب عظيم ذا محتوى تربوي غني جدّاً، وبما أنّ التربية بلا معرفة، والمعرفة بلا تربية أمر محال، فقد أكد هذا الكتاب على القضايا التاريخية كثيراً.
إنّ أمير المؤمنين عليه السلام عند حديثه عن الحوادث التاريخية يصورها وكأنّه يأخذ بأيدي الناس إلى مكان الحدث ويريهم فرعون وجنوده ويقتفون آثار مستضعفي بني اسرائيل ومن ثم يشاهدون غرقهم في نهر النيل.
إنّه يصور قوم نوح وقوم عاد وثمود تحت تأثير الدمار الشامل الذي خَلَّفَهُ الطوفان والصواعق والزلازل والحجر الذي أُمطروا به، والناس يشاهدون أخذ هذه الامم الطاغية واللاهية مع قصورهم ومدنهم وبطغيانهم وهلاكهم في طرفة عين بحيث لم يبق إلّاآثار الخراب والصمت القاتل المهيمن عليها، وكل من سَاحَ في نهج البلاغة مرَّ بهم ورجع بكنزٍ هائل من العلم والمعرفة والخبرة، إنّ قدرة نهج البلاغة في تصوير الحوادث قدرة عجيبة حقاً، وكذا الأمر عند بيانه لفلسفة التاريخ.
وقد شرحنا سابقاً كلام الإمام علي عليه السلام للإمام الحسن عليه السلام حول تأثير التاريخ على طول عمر الإنسان، طول يمتد بامتداد أعمار جميع البشر من حيث المعرفة والتجربة.
وهناك عبارات جميلة له عليه السلام حول جريان السنن التاريخية حيث يقول :
«عباد اللَّه إنَّ الدهر يجري بالباقين كجريه بالماضين، يعود ما قد ولّى منه، ولا يبقى سرمداً ما فيه، آخر فعاله كأوّله، متشابهة اموره، متظاهرة أعلامه» «1».
وفي تفسيره للإيمان باعتباره ذا أربعة أعمدة الصبر واليقين والعدل والجهاد)، يقول :
«اليقين منها على أربع شُعَب، على تبصرة الفطنة وتأوّل الحكمة، وموعظة العبرة وسنة الأولين» «2».
ويقول عليه السلام في موضع آخر :
«واعلموا عباد اللَّه أنّكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى قبلكم، ممن كان أطول منكم أعماراً، وأعمر دياراً، وأبعد آثاراً، أصبحت أصواتهم هامدة، ورياحهم راكدة، وأجسادهم بالية، وديارهم خالية، وآثارهم عافية، فاستبدلوا بالقصور المشيدة، والنمارق الممهدة، الصخور والأحجار المسندة، والقبور اللاطئة المُلْحَدة التي بُني على الخرب فناؤها وشيّد بالتراب بناؤها» «3».
ويقول في خطبة اخرى :
«فاعتبروا بما أصاب الامم المستكبرين من قبلكم، من بأس اللَّه وصولاته ووقائعه ومثلاته، واتّعظوا بمثاوي خدودهم ومصارع جنوبهم» «4».
كما يقول في نفس الخطبة :
«فانظروا كيف كانوا حيث كانت الأولاد مجتمعة والأهواء مؤتلفة، والقلوب مهتدلة. والأيدي مترادفة، والسيوف متناصرة ، والبصائر نافذة والغرائم واحدة، ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين؟ وملوكاً على رقاب العالمين؟! فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر امورهم، حين وقعت الفرقة، وتشتّت الألفة، واختلفت الكلمة، والافئدة، وتشعبوا مختلفين، وتفرقوا متحاربين، قد خلع اللَّه عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته، وبقي قصص أخبارهم فيكم عبراً للمعتبرين» «5».
ويقول في خطبة اخرى :
«وإنّ لكم في القرون السالفة لعبرة! أين العمالقة وابناء العمالقة! اين الفراعنة وأبناء الفراعنة «6»! اين أصحاب مدائن الرّس «7» الذين قتلوا النبيين، واطفئوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الجبارين؟ اين الذين ساروا بالجيوش، وهزموا الألوف، وعسكروا العساكر ومدّنوا المدائن؟» «8».
كما أنّ الروايات الإسلامية أولت عناية كبيره لهذه المسألة، واعتبرتها أحد المصادر المهمّة للمعرفة وبالأخصّ للمسائل الأخلاقية، وتهذيب النفوس، والالتفات إلى واقعيات الحياة.
وقد جاء في رواية أنّ الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عندما كان في طريقه مع عسكره إلى صفين وصل إلى مدينة (ساباط) ثم إلى مدينة (بهرسير) «9» (المناطق التي كانت مركزاً لحكومة الساسانيين) التفت أحد صحابته فجأة إلى آثار كسرى (والملك الساساني المعروف) وانشد البيت :
جرت الرياحُ على مكان ديارهم فكأنّهم كانوا على ميعاد
فقال الإمام عليه السلام : «لِمَ لم تقرأ، هذه الآيات : {كَمْ تَرَكَوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ وَنِعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ كَذلِكَ وَاورَثْنَاهَا قَوماً آخَرِينَ فَمَا بَكَتْ عَلَيهِمُ السَّمَاءُ وَالْارْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} «10».
وقد جاء في حديث الإمام الصادق عليه السلام : «إنّ داود عليه السلام خرج من المدينة وهو يقرأ (الزبور)، وما من جبل أو حجر أو طير أو حيوان وحشي إلا ويقرأ معه، وهو مستمر في طريقه حتى وصل إلى جبل، يعيش على قمته نبي عابد اسمه (حزقيل)، أدرك مجيء داود عندما سمع ترتيل الجبال والطيور والوحوش، وعندما سأل داود النبيَّ : هل تأذن لي بالصعود إليك؟ فأجابَهُ النبي العابد : لا، فبكى داود، فأوحى اللَّه إلى (حزقيل) بأن لا يوبّخ داود، وأن يطلب من اللَّه تعالى حسن العاقبة، فقام حزقيل وأخذ بيد داود وجاء به إلى محله.
فسأله داود : هل عزمت على الذنب يوماً؟
فأجاب : لا.
ثم سأل : هل حصل عندك الغرور والعجب لكثرة عبادتك؟
أجابه : لا، ثم سأله : هل رغبت في الدنيا وهل أحببت شهواتها ولذاتها؟
أجاب : نعم، نعم قد يخطر هذا في قلبي.
فسأله : ماذا تفعل آنذاك؟ أجاب : أدخل في هذا الوادي واعتبر بالذي فيه.
فدخل داود الوادي، فرأى أريكة من حديد وعليها جمجمة متآكلة وعظاماً رميمة ولوحة مكتوبة، فعرف داود : أن ذلك يتعلق بملك مقتدرٍ حكم سنينَ طويلة وبنى مدناً كثيرة.
وقد بلغ به الأمر إلى ما تراه ...» «11».
______________________________
(1). نهج البلاغة، الخطبة 157.
(2). المصدر السابق، الكلمات القصار، الكلمة 31.
(3). المصدر السابق، الخطبة 226.
(4). المصدر السابق، الخطبة 192، (الخطبة القاصعة).
(5). نهج البلاغة، الخطبة 192، (الخطبة القاصعة).
(6). العمالقة : أقوام قوية ومتمكنة وجبارة وظالمة كانوا في شمال العراق، وقد فتحوا «مصر» وحكموها لفترة في عهد الفراعنة.
(7). يعتقد الكثير أنّ أصحاب الرس قوم سكنوا اليمامة جنوب الحجاز، وكان لهم نبي باسم حنظلة، وقال البعض أنّهم قوم شعيب، ويعتقد بعض آخر أنّ مدنهم كانت بين الشام والحجاز (يراجع التفسير الأمثل، ذيل الآية 38 من سورة الفرقان).
(8). نهج البلاغة، الخطبة 182.
(9). يقول البعض إنّها مشتقة من الأصل الفارسي أي (بوارد شير) أو (دهار دشير) وهي إحدى المدائن السبعة التي كانت تقع غرب نهر دجلة (معجم البلدان، ج 1، ص 515).
(10). بحار الأنوار، ج 68، ص 327.
(11). المصدر السابق، ج 14، ص 22 (ملخص الحديث).
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|