أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-04-2015
3346
التاريخ: 4-12-2015
2086
التاريخ: 20-04-2015
2383
التاريخ: 2023-10-28
1001
|
سعى كثير من فلاسفة الشرق والغرب في العهد القديم والجديد إلى فتح الطريق أمامهم نحو أسرار عالم الوحي وسعوا إلى تفسيره بما يتناسب مع مبانيهم الفلسفية، إلّا أنّ دراسة بحوثهم في هذا المجال تكشف عن ضياعهم في متاهات الطريق، إلّا البعض منهم، ولم ينجلِ لذلك البعض إلّا شبح عن ذلك العالم.
يقول أحد العلماء:
كان الفلاسفة الغربيون- إلى القرن السادس عشر كجميع الأمم الأخرى- يؤمنون بالوحي، وذلك لأنّ كتبهم كانت حافلة بالأخبار عن الأنبياء، وعندما ازدهرت العلوم الجديدة «الطبيعية والتجريبية» واخذت تفسر كل القضايا على اسس مادية، تراجع فلاسفة الغرب عن آرائهم وأخذوا ينكرون الوحي، وتجاوزوا إلى أبعد من ذلك بأن اعتبروا الوحي مجموعة من الأساطير والخرافات التي عفا عليها الدهر، وتبعاً لذلك فقد أنكروا وجود اللَّه وعالم ما وراء الطبيعة والروح، وامتد بهم الأمر إلى أن يفسروا الوحي بمجموعة من التخيلات أو الأمراض العصبية.
واستمر هذا التوجه حتى أواسط القرن التاسع عشر إلى أن تمّ اكتشاف عالم الأرواح بالطرق العلمية والتجريبية، وأصبح عالم ما وراء الطبيعة في قائمة القضايا التجريبية، وقد كتبت حول ذلك المئات بل الآلاف من المقالات.
ومن هنا أخذت مسألة الوحي طابعاً جديداً لدى هؤلاء وخطوا خطوات جديدة في هذا المضمار، على الرغم من أنّهم لم يفسروا هذه الظاهرة كما فسرتها الأديان الاخرى وبالأخص المسلمون من السائرين على خطى القرآن المجيد، وبشكل عام فإنّ هناك نظريتين مختلفتين لدى مجموعة من الفلاسفة القدماء والمتأخرين لتفسير ظاهرة الوحي، ولكن الفريقين لم يصلا إلى حقيقة الوحي حسب ما ورد في القرآن الكريم، والنظريتان هما:
1- يعتقد عدد من الفلاسفة المتقدمين أن منشأ الوحي هو «العقل الفعّال»، والعقل الفعّال وجود روحي مستقل عن وجودنا، وهو قرينة، ومصدر لجميع علوم البشر ومعارفه، كما يعتقدون بأنّ الأنبياء كانت لهم علاقة وثيقة مع هذا العقل الفعّال، وكانوا يستلهمون منه، وما حقيقة الوحي إلّا هذه العلاقة.
وفي الحقيقة، لا دليل لهؤلاء لاثبات مدعاهم القائل بأنّ الوحي هو عبارة عن الإرتباط والعلاقة مع العقل الفعّال، إضافة إلى هذا، فإنّه لا دليل على وجود ما يزعمون وجوده أي «العقل الفعّال» كمصدر مستقل للعلوم، كما ذكر ذلك في المباحث الفلسفية.
وعلى هذا، فالنظرية المذكورة عبارة عن احتمال مبني على احتمال، وفرضية مستندة إلى فرضية، ولم تثبت أي من الفرضيتين، كما أنّه لا حاجة لفرض «العقل الفعّال» بل يكفينا القول بأنّ الوحي عبارة عن اتصال بعالم ما وراء الطبيعة والذات المنورة، أمّا كيف وبأي شكل يتم ذلك؟ فهذا لم يتضح لنا.
نحن شاهدنا آثاره فآمنا بوجوده، دون أن نعرف حقيقته، وكثير من حقائق هذا العالم حالها كحال الوحي.
2- يعتقد عدد من الفلاسفة المعاصرين أنّ «الوحي» هو تجلِ «علم اللاشعور» أو العلاقة الغامضة مع حقائق هذا العالم التي قد تنشأ من «النبوغ الباطني» تارة، وتارة اخرى من «الرياضة الروحية» وعن مساعٍ من هذا النوع، وقد عَدَّ علماء النفس شخصيتين للإنسان:
«الشخصية الظاهرة والإرادية» وهي جهاز الإدراك والتفكير والمعلومات الحاصلة بالحواس العادية، والشخصية الاخرى هي «الشخصية غير المرئية واللا إرادية» التي قد يعبر عنها ب «الوجدان الخفي» أو «الضمير الباطني» أو «علم اللاشعور» ويعتبر علماء النفس أنّ حلَّ كثيرٍ من المشاكل الروحية كامن في هذه الشخصية.
إنّهم يعتقدون أن مجالات فاعلية ونشاط الشخصية الثانية اوسع بكثير من مجالات نَشاط وفاعلية الاولى.
وقد كتب أحد علماء النفس في هذا المجال:
يمكننا تشبيه الشخصية بقطعة ثلج عائمة في الماء، وعادة ما يكون تُسْعُها خارج الماء، وهذا المقدار الخارج هو الشخصية الظاهرة أو عالم الشعور، ويقابلها الشخصية اللاإرادية إلى عالم اللاشعور، حيث إنّ القسم الأعظم من النشاط الذهني لم نُحط به علماً ويحصل بشكل غير إرادي، وهو بمثابة الأجزاء الثمانية من قطعة الثلج تحت الماء «1».
لا شأن لنا فيمن كشف الشخصية الثانية للإنسان، «فرويد» أم غيره، كما لا شأن لنا في أنّ
كلام المتقدمين فيه إِشارة إلى ما ذهب إليه المعاصرون أم لا، المهم بالنسبة لنا هو أنّ كثيراً من علماء النفس، بعد اكتشاف عالم اللاشعور وحل بعض المعضلات الروحية عن طريق هذا الاكتشاف، سعى لتبرير ظاهرة الوحي بما يتناسب ويتفق مع هذا الاكتشاف، حيث ادعوا أنّ الوحي هو ترشحات عالم اللاشعور التي تظهر عند الأنبياء على شكل طفرات فكرية بالصدفة.
وقد ساعد الأنبياء في ذلك أحياناً- أمران: الأول النبوغ الفكري، والثاني هو الترويض والتفكير المستمر.
وطبقاً لهذه الفرضية، فإنّ علاقة «الوحي» بعالم ما وراء الطبيعة ليست علاقة من نوع خاص ومغايرة للعلاقات الفكرية والعقلية لبقية أفراد البشر، وأنّ هذا لا يتم عن طريق وجودٍ روحي مستقل باسم «الوحي»، بل هو انعكاس لضمير الأنبياء الخفي، وهذه الفرضية كالسابقة القائلة بأنّ الوحي هو الاتصال بالعقل الفعال، تفتقد الدليل، وقد يكون المراد بهذا من هذا الكلام ليس إثبات حقيقة الوحي، بل مرادهم إنّ ظاهرة الوحي لا تتنافى مع العلوم الحديثة، ويمكن تجلّي عالم اللاشعور لدى الأنبياء.
وبتعبير أوضح، فإنّ العلماء يصرون على تفسير جميع ظواهر العالم طبقاً للقوانين الطبيعية والاصول العلمية التي اكتشفوها، ولهذا فإنّهم بمجرّد مشاهدتهم لظاهرة جديدة، يسعون إلى تحليلها في إطار العلم الحديث، وإذا افتقدوا الدليل في هذا المجال اكتفوا بالفرضيات.
لكن تلقي ظواهر العالم بهذا الشكل ليس صحيحاً، وهذا هو خطأ العلماء الطبيعيين، مفهوم كلامهم هذا هو: إننا فهمنا الاصول والقوانين الاساسية للعالم، ولا توجد ظاهرة خارجة عن اطُر هذه القوانين والاصول.
وهذا ادّعاء محض ولا دليل له، بل لنا دليل على العكس، حيث نشاهد بمرور الزمن اكتشاف اصول وقوانين جديدة لنظام هذا العالم، ولدينا قرائن تثبت أنّ نسبة ما نعلمه عن هذا العالم إلى ما لا نعلمه كنسبة القطرة إلى البحر.
لقد عجزنا عن المعرفة الدقيقة لحواس الحيوانات الغامضة، بل وحتى عن معرفة أسرار وجودنا، لذا لا يمكننا سوى ادعاء معرفة قسم من هذه الأسرار فقط.
فلماذا- إذن- هذا الاصرار كله على تبرير ظاهرة الوحي في اطُر القوانين العلمية المكتشفة، بل ينبغي القول: إنّ الوحي حقيقةٌ شاهدنا آثارها ولم نطلع على ذاتها وحقيقتها.
_____________________
(1). معرفة النفس ترجمة (الدكتور ساعدي)، ص 6 و 7 مع إيضاح بسيط (بالفارسية).
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|