أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-12
![]()
التاريخ: 3-10-2016
![]()
التاريخ: 2024-10-13
![]()
التاريخ: 2024-06-03
![]() |
تحدثنا فيما سبق أن الثورات التي قامت في مصر، تلك الثورات التي كان سببها النزاع الذي كان قائمًا بين «إبريز» وقائده «أحمس»، الذي أصبح فيما بعد ملكًا على مصر ويدعى أحمس الثاني، وذلك بعد أن خلع إبريز عن عرش الملك بمساعدة جنوده من المشوش. والواقع أنه بتولي أحمس هذا عرش الملك قد تغيرت الأسرة الحاكمة؛ لأنه لم يكن من دمها ولا من دم ملكي قط. ويحدثنا هردوت عن أمسيس فيقول: وبعد أن أنزل «إبريز» عن عرش الملك بهذه الصورة حكم مكانه «أمسيس»، الذي ينسب إلى إقليم سايس (صا الحجر)، واسم البلدة التي أتى منها هي «سيوف» (وهي قرية قريبة من «سايس»، ويحتمل أنها قرية «الصفة» الحالية التي تقع على مسافة ستة أميال من «سايس» (صا الحجر)). وقد أظهر له المصريون في بادئ الأمر الكره، ولم يشعروا من ناحيته باحترام كبير؛ لأنه كان فيما مضى شخصًا عاديًّا ولم يكن من أسرة لامعة، ولكنه فيما بعد أرضاهم بمخاطبته إياهم دون كبرياء.
فقد كان يملك كنوزًا يخطئها العد، هذا بالإضافة إلى أنه كان لديه آنية صيغت من الذهب يستعملها لغسل القدم، وكان قد اعتاد أمسيس أن يغتسل فيها هو وجميع ضيفانه الذين اعتادوا غسل أرجلهم عنده. وقد كسر هذا الإناء قطعًا وصنع منه تمثال إله ووضعه في أنسب مكان في المدينة، وقد احتشد المصريون حول هذا التمثال، وقدموا له أعظم الإجلال. غير أن أمسيس لما علم بمسلكهم هذا جمع المصريين سويًّا، وفسر لهم الأمر قائلًا: إن هذا التمثال الذي يُعبد كان مصنوعًا من إناء لغسل القدم وكان القوم يقيئون ويتبولون ويغسلون أقدامهم فيه، ومع ذلك فهم الآن يبجلونه أعظم تبجيل، وبعد ذلك استمر يقول: إن ما حدث لإناء القدم قد حدث له، فإنه على الرغم من أنه كان قبل شخصًا عاديًّا (1) قد أصبح ملكهم، فهو يطلب إليهم أن يحترموه ويبجلوه، وبهذه الكيفية كسب حب المصريين له، وبعد ذلك فكروا أنه من الأصوب لهم أن يطيعوه. وكان قد اتخذ الطريقة الآتية في إنجاز أعماله: فمن الصباح المبكر حتى نهاية وقت العشاء كان يعمل جاهدًا في تصريف الأعمال التي كانت تحضر أمامه، وبعد ذلك كان يعاقر بنت ألحان، ويلهو مع أصحابه ويتجاذب الأحاديث معهم دون تحرج ويمرح، غير أن ذلك قد أساء أصدقاءه ونصحوه له قائلين: أنت أيها الملك لا تسيطر على نفسك كما يجب إذ إنك تنزل نفسك منزلة السوقة أكثر مما هو مألوف، إذ إنه مما يليق بك وأنت الجالس على عرش ملك محترم أن تقضي اليوم في تصريف الأمور العامة، وبذلك يتوفر للمصريين أن يعرفوا أنهم محكومون برجل عظيم، ويمكن بذلك أن يتحدث عنك بصورة أحسن، ولكنك الآن تعمل بطريقة لا تناسب ملكًا قط؛ ولكنه أجابهم بما يأتي: إن أولئك الذين يملكون أقواسًا عندما يريدون استعمالها يثنونها، ولكن عندما ينتهون من استعمالها فإنهم يتركونها فتنبسط؛ وذلك لأنها لو بقيت دائمًا مثنية كسرت، ومن ثم فإنه لا يمكن استعمالها عندما تدعو الحاجة إليها، وهكذا هي حالة الإنسان، فإنه إذا استمر في مزاولة الأشياء الجدية ولم يسمح لنفسه أحيانًا بشيء من الرياضة، فإنه يصبح على حين غفلة منه مجنونًا بليدًا.
وعلى الرغم من أن ما ذكرنا هنا عن «أمسيس» كما ذكره لنا هردوت لا يتعدى كونه أسطورة، فإنه ينطوي على شيء من الأمور التي كانت تجري في الحياة المصرية الحقيقية، فنحن نعلم من جهة أن المصري في كل عهوده لا يؤمن بتولي فرد من أبناء الشعب لم يكن من الأسرة المالكة عرش الملك، فكان لا بد للفرعون أن يكون ممن يجري الدم الملكي في عروقهم، وقد كان الأنسب أن يكون ابن ملك وملكة، وأنه عندما يكون الملك ليس من دم ملكي خالص، فإنه كان عليه أن يتزوج من الأسرة المالكة؛ أي ابنة ملك، وقد فصلنا القول في ذلك وضربنا له الأمثال (2)عند الكلام على الملكة «خنتكاوس»، غير أن الحالة التي أمامنا فيما يخص «أمسيس» تعد أمرًا شاذًّا. إذ قد نال الملك اغتصابًا، ومن ثم أراد أن يقنع الشعب بطريقة أخرى في أحقيته للملك بضربه المثل بإناء غسل القدم الذي تحول بعد كسره إلى تمثال إله … يضاف إلى ذلك أنه لما كان هو من عامة الشعب، وتربى في أحضان الشعب ونشأ على عاداته وأخلاقه، فإنه لم يكن في مقدوره التخلص مما فطر عليه من عادات وطباع نشأ عليها؛ ولذلك فإن غرائزه قد قادته للاختلاط بالشعب الذي تربى فيه، فأصبح يلهو معهم وقت فراغه طلبًا في تجديد نشاطه، ولكن ذلك لم يرقَ في نظر المصريين الذين كانوا يرون أنه ليس من شرف الفرعون، ومكانته أن ينزل إلى مخالطة السوقة بهذه الصورة المزرية في نظرهم، وقد ضرب لهم مثلًا بالقوس كما ذكرنا، وعلى أية حال فإن ما ذكره لنا هردوت هنا يميط اللثام عن أحوال الشعب المصري في تلك الفترة التي عاش فيها، وذلك يدل على أن المصريين كانوا لا يزالون متمسكين بالعادات والتقاليد القديمة الموروثة. وقد كان أول عمل قام به أحمس، عندما أصبح يحكم البلاد بمفرده هو إرضاء الحزب المصري القديم على حساب الإغريق، الذين هزمهم ثلاث مرات كما سبق الكلام على ذلك.
وكان الإغريق الدخلاء على مصر قد استوطنوا داخل البلاد في الغرب حتى طرانة، وفي الشرق حتى أدفينا حيث كان لهم أحواض وسفن، هذا غير أماكن أخرى صغيرة للتجارة. وقد منح الفرعون أمسيس مدينة نقراش (كوم جعيف الحالية) برمتها للإغريق، وقد حدثنا هردوت عن ذلك قائلًا (Herod. II, 179): كانت «نقراش» قديمًا المكان الوحيد للتجارة، ولم يكن غيرها في مصر، وإذا وصل الإنسان إلى أي مصب آخر من مصبات النيل، فإنه كان يضطر إلى أن يقسم يمينًا «أنه قد أتى هناك على غير إرادته»، وكان عندما يؤدي مثل هذا القسم يضطر إلى أن يسافر في نفس السفينة التي جاء فيها إلى المصب الكانوبي، وعلى العكس إذا منع بسبب الرياح المعاكسة من الذهاب هكذا، فإنه كان يضطر إلى تفريغ حمولته ثم يحملها على سفن نقل حول الدلتا حتى يصل إلى «نقراش». وقد كانت الامتيازات التي تتمتع بها مدينة نقراش عظيمة جدًّا وقتئذ.
ولا نزاع في أن «أمسيس» كان أول من وضع هذا النظام التجاري، ولم يكن معمولًا به قبل، ولا أدل على ذلك من أن المستعمرات الإغريقية المبكرة مثل «أدفينا»، قضي عليها في عهد أمسيس كما ذكر لنا ذلك هردوت (Herod. II, 154) ، وقد كان من جراء منح «أمسيس» بلدة «نقراش» هذا الامتياز أنه كان ينظر إليه فيها على أنه حاميها، غير أن عمله هذا كان في الواقع يُعد تضييقًا للحصار على نفوذ الإغريق، وذلك بجعلهم لا يدخلون إلا ميناء واحدة بمعاهدة بينه وبينهم، وقد جاء ذكرها على أثر هزيمة المصريين للجنود الإغريق المرتزقة.
..............................................
1- ولكن نجد أن «مسبرو» يقول: إن «أمسيس» قد تزوج من أميرة من نسل الأسرة الساوية، وبذلك أصبح له الحق في تولي الملك. والواقع أن زوج أحمس، وهي أم الملك بسمتيك الثالث هي ابنة كاهن الإله بتاح، ولا تعرف له صلة أكيدة بالبيت المالك (راجع Maspero, the Passing of Empires P. 558 Note 2)
2- راجع Excavations at Giza vol. 4 P. 3 ff.
|
|
تحذير من "عادة" خلال تنظيف اللسان.. خطيرة على القلب
|
|
|
|
|
دراسة علمية تحذر من علاقات حب "اصطناعية" ؟!
|
|
|
|
|
العتبة العباسية المقدسة تحذّر من خطورة الحرب الثقافية والأخلاقية التي تستهدف المجتمع الإسلاميّ
|
|
|