أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-14
![]()
التاريخ: 23-10-2016
![]()
التاريخ: 2023-09-16
![]()
التاريخ: 23-10-2016
![]() |
الحضارة الرأسمالية ترى أن كل عمل يحقق مصلحة للمجتمع ، ويساهم في تأكيد المظهر الخارجي والاجتماعي للعلاقات بين الأفراد ، وإقامتها على أساس من الحرية والمنفعة المتبادلة ، فهو عمل شريف جدير بالاحترام وفقا لمدى توفر هذه العناصر الخيرة فيه . وكلما كانت الثمار التي يؤتيها في الحقل الاجتماعي والحياتي العام أكثر ، كان العمل أرفع قيمة وأعظم مجدا في هذا الحساب الخلقي : أي أن العمل يقاس بمنافعه التي تنشأ عنه لا بدوافعه النفسية التي ينشأ العمل نفسه عنها . وحينما طغى الاتجاه النفعي في الحضارة الرأسمالية أصبح بعد كل عمل يسير في هذا الاتجاه نبيلا ، حتى اعتبر رجل الأعمال محسنا مهما كانت دافعه الأنانية ومشاعره الخاصة كما لاحظ بحق الدكتور ألكسيس كارل .
وأما الماركسية : فهي تتفق مع هذا إلى ما وتختلف عنه بعض الاختلاف ، فكل عمل يحقق مصلحة ومكسبا للطبقة الجديدة فهو عمل مجيد ويساهم في تطوير التاريخ ، وكل عمل يحقق مصلحة الطبقة القديمة ويعمق وجودها الاجتماعي ويطيل فترة صراعها واحتضارها . . فهو عمل رجعي دنئ ما دام لا يتفق مع الأهداف العليا التي تؤمن الماركسية بضرورة تحقيقها ، وهي انتصار الطبقة الجديدة وسحق الطبقة القديمة التي تعارض في زحف التاريخ إلى الإمام فالمصلحة والمنفعة الطبقية التي يحققها العمل هي المقياس الخلقي والأساس ، في تسعير العمل من الناحية المعنوية .
ولأجل ذلك قال لينين كلمته المشهورة : " لا وجود عندنا للآداب المعتبرة فوق المجتمع إنها لأكذوبة سافرة، فالآداب خاضعة عندنا لمنفعة نضال الطبقة العمالية ".
وأما الإسلام : فهو يختلف في دراسته للمسألة : وفي النظرة التي يتبناها عما مرت بنا من نظرات ، ومرد هذا الاختلاف إلى الفروق الجوهرية بين الأهداف العالية التي يرمي الإسلام إلى تحقيقها ويستوحي منها مفاهيمه الخلقية ، وبين الغايات المحدودة التي تستهدفها مجتمعات رأسمالية ومادية .
فالإسلام يهتم بدوافع العمل لا بمنافعه ، ويرى أنه يستمد قيمته من الدوافع لا من المنافع فلا عمل إلا بنية ، وما لم تتوفر النية الصالحة لا يكون العمل صالحا مهما كانت منافعه التي تنشأ عنه ، لأن الإسلام لا ينظر إلى المظهر الخارجي للعلاقات الاجتماعية فحسب ، ولا يعني بالجانب الموضوعي من التعايش الاجتماعي وحياة الناس فقط ، إيمانا منه بأن هذا الجانب وذلك المظهر ليس إلا صورة عن حقيقة أعمق وأخطر تعيش في داخل الإنسان ، وما لم يتمكن المذهب من كسب تلك الحقيقة وتطويرها وصبها في قالبها الخاص ، لا يستطيع أن يمتلك القيادة الحقيقية في المجتمع .
وهكذا نجد : أن الإسلام يقيس قيمة الأعمال بالدوافع والمقدمات والإطارات الفكرية العامة التي تختمر بذرة العمل ضمن نطاقها ، بينما يقيس غيره قيمة الأعمال بالنتائج والمنافع والمجالات الحياتية التي يساهم العمل في إصلاحها .
فالإطار الفكري للعام الذي يقرره الإسلام هو : الإيمان بالله واليوم الآخر . والدوافع هي : العواطف والميول الخيرة التي تنسجم مع هذا الإطار العام ، وتندمج معه في وحدة روحية يتكون منها الإنسان المسلم، والعمل الصالح هو : العمل الذي ينبثق عن هذه العواطف والميول ضمن الإطار العام .
وبهذا يفتح الإسلام السبيل أمام أي فرد مهما كانت إمكاناته وقدرته على النفع الاجتماعي والعمل النافع للارتقاء إلى أسمى درجة في سلم النفس البشرية ومراحل كمالها ويفرض على المجتمع أن يقيم تقديراته للأشخاص على مقدار ما تكشف عنه الأعمال من أرصدة روحية ونفسية ، لا على المظاهر الخلابة الخاوية مهما بدت عظيمة .
وقد يتبادر إلى بعض الأذهان : أن العرف غير الإسلامي في تقدير الأعمال أكثر واقعية من العرف الإسلامي الذي يقرره القرآن ، لأن المهم قبل كان شيء توفير مصالح المجتمع وحماية هذه المصالح . فكل عمل كان يواكب هذا الهدف فهو عمل مجيد من مصلحتنا جميعا أن نقدره ونمجده لنشجع على الإتيان بمثله ، وماذا يهمنا بعد أن نصل عن طريقة إلى مكاسب موضوعية الدافع الذي يختفي وراءه والظروف النفسية التي اكتنفت تصميم العامل على العمل ؟ ! .
إن الشيء الجدير بالتقدير حقا هو أن يشيد الغني مدرسة لأبنائنا ، لأن هذا التقدير والإعجاب سوف يشجعه في عمله فتتضاعف مكاسبنا ، ولا يهمنا أن يكون لهذا الغني طمع شخصي يدفعه ، ما دام هذا الطمع يدفعه إلى فعل الخبر وخدمة المجتمع.
ولكن نظرة سطحية كهذه تقف عند ظواهر الأعمال ولا تغوص إلى الأعماق تختلف مع طبيعة الرسالة الإسلامية من ناحية ، ومع مفهوم الإسلام عن الارتباط الكامل بين العمل ورصيده الروحي والفكري من ناحية أخرى . فمن الناحية الأولى : ليس الإسلام مجرد تنظيم للسلوك الخارجي ، وإنما هو رسالة تهدف إلى صنع الإنسان قبل كل شيء ومنحه الحياة الجديرة به ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذ دعاكم لما يحييكم ، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وإنه إليه تحشرون ) .
فالإسلام يريد أن يعطي للإنسان حياة لا سلوكا فحسب ، ولا يمكن لرسالة هذه طبيعتها أن تترك المحتوى الداخلي للإنسان وتنظر إليه من مظهره الخارجي فحسب.
ومن الناحية الأخرى : ينظر الإسلام إلى العمل بوصفه التعبير الخارجي عن الإطار الروحي والجو الفكري الذي نمت فيه بذرة العمل ، فلا يمكن أن يجرد عن طابع ذلك الإطار ومزاج ذلك الجو ، ولا ينكر الإسلام بطبيعة الحال : أن العمل الذي ينشأ عن إطارات وفي أجواء فكرية وروحية غير صالحة قد يكون عملا مفيدا ونافعا بالرغم من كونه عملا ناشئا عن طمع شخصي أو غرض خبيث . . ولكننا إذا سمحنا لتلك الإطارات والأجواء غير الصالحة أن تنمو وتترعرع ، في ظل قيم ومقاييس خلقية كهذه التي تسود العرف غير الإسلامي . فمن يضمن لنا أنها سوف تدفع الفرد إلى العمل المفيد والنافع دائما ؟ ! وكيف يمكن أن نترقب حينئذ هذا العمل المفيد والنافع إذا كان يتعارض مع مصالح الفرد الخاصة وأغراضه العاجلة ؟ ! .
وهكذا تعرف أن ربط العمل بالمحتوى الداخلي هو الطريقة الواقعية التي تضمن استمرار العمل المفيد وتنميته والتشجيع عليه " .
مقتبس من مقالة لشهيد الإسلام السيد محمد باقر الصدر قدس سره مجلة الأضواء - العدد السابع السنة الثانية 1382 .
|
|
الصين.. طريقة لمنع تطور قصر النظر لدى تلاميذ المدارس
|
|
|
|
|
ماذا سيحدث خلال كسوف الشمس يوم السبت؟
|
|
|
|
|
قسم الشؤون الدينية يختتم محاضراته الرمضانية في صحن مرقد أبي الفضل العباس (عليه السلام)
|
|
|