اللّهمَّ إِنِّي أَسأَلكَ مِنْ عِلمِكَ بأَنْفَذِهِ ، وَكُلُّ عِلْمِكَ نافِذٌ ، اللّهمَّ إِنِّي أَسأَلكَ بِعِلْمِكَ كُلِّهِ |
![]() ![]() |
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-14
![]()
التاريخ: 2024-08-26
![]()
التاريخ: 2024-09-14
![]()
التاريخ: 2024-05-05
![]() |
في تحقيق العلم:
قد اختلفت ([1]) كلمة أصحاب السلوك والعرفان ومشايخ المعرفة وأرباب الإيقان في أنّ حقيقة الواجب - جلّ سلطانه وبهر برهانه - هل هي الوجود بشرط عدم الأشياء معه ، المعبّر عنه بالوجود بشرط لا والمرتبة الأحدية والتعيّن الأوّل والهويّة الغيبية ، ومرتبة العماء على قول ؟ أو الوجود المأخوذ لا بشرط شيء ، أي الطبيعة من حيث هي هي المعبّر عنها بالوجود المطلق ؛ كما قال المثنوي : ما عدمهاييم هستيها نما * تو وجود مطلق وهستى ما ([2]) ، والهويّة السارية في الغيب والشهود وعنقاء المُغْرِب الذي لا يصطاده أوهام الحكماء ؟ كما قيل :
عنقا شكار كس نشود دام باز گير * كانجا هميشه باد بدست است دام را ([3]) , بعد الاتّفاق في أنّ الفيض الأقدس والتجلّي في مقام الواحدية وإظهار ما في غيب الغيوب في الغيب ، من الأعيان الثابتة والأسماء الإِلهية ؛ والفيض المقدّس وطلب ظهور مفاتح الغيب من الحضرة العلمية في العين ومن الغيب في الشهادة ، ظلّان لذلك الوجود ؛ وظلّ الشيء هو هو باعتبار وغيره باعتبار ؛ وبعد الاتّفاق في وحدة حقيقة الوجود بل الموجود الحقيقي .
وقد استقرّ رأي الفحل المطابق للبرهان والموافق للعيان على الثاني ، وأنّ حقيقة الواجب هو الوجود لا بشرط شيء وتعيّن وحيثية تعليلية أو تقييدية ؛ فإنّ حقيقته هو الوجود الصرف والخير المحض والنور الخالص ، بلا شوب عدم واختلاط شرّية وغبار ظلمة .
وليس لعدم شيء في انتزاع مفهوم الوجود عنه مدخل ؛ فإنّه المصداق بالذات للوجود . وقد ثبت عند أرباب التحقيق وأصحاب التدقيق أنّ المصداق الذاتي للشيء ما لا يكون لانتزاع مفهومه عنه محتاجاً إلى دخل حيثية تعليلية أو تقييدية ؛ بل مع عزل النظر عن كلّ شيء وحيثية ينتزع منه ؛ وإلّا لم يكن المصداق مصداقاً بالذات.
والفيض المنبسط على الأشياء المجامع مع كلّ شيء ظلّ الوجود اللا بشرط ، لا بشرط لا ، فليتدبّر في قوله : هُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ ([4]) ، و هُوَ مَعَكُمْ ([5]) ، و هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ ([6]) ، و أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ([7]) .
فإذا تحقّق لك ذلك : ينكشف على بصيرتك بشرط السلامة ورفض غبار العصبية ، أنّه كلّ الأشياء باعتبار سريان الهويّة وإطلاق السلطنة ، وليس بشيء منها باعتبار الحدّ والتعيّن والنقص المعانق لهما . فليتأمّل في قول مولى الموحّدين وسلطان العارفين وأمير المؤمنين عليه السلام : « داخل في الأشياء لا بالممازجة وخارج عنها لا بالمزايلة » ([8]) ؛ وقوله: « وحكمُ البينونة [ بينونةُ ] صفة لا بينونة عزلة » ([9]) .
فإذا أحطت بما ذكرنا مع إعمال لطف القريحة وسلامة الذوق ، والسؤال من الحضرة العلمية بأبلغ اللسانين وأفصح المنطقين وأحسن القولين وأكرم الكلامين ؛ أعني لسان الاستعداد ومنطق الفؤاد وذكر الباطن ودعاء القلب ، بأن يفيض عليك من أبحار علومه قطرة ويتجلّى على قلبك بالتجلّيات العلمية جلوة ، حتّى تعرف بإذنه وانكشف لك باستيفاق منه وتوفيقه كيفيةُ نيلِ الأشياء من ذاته لذاته بلا حيثية وحيثية ، وانكشافِ الأشياء لديه بتعقّل ذاته بذاته .
وانفتح لك مغزى قولهم : « علمه تعالى بالأشياء هو الكشف التفصيلي في عين العلم البسيط الإجمالي » ([10]) . وحقيقة قول مولانا أبي عبداللَّه عليه السلام في حديث « الكافي » حيث يقول : « لم يزل اللَّه تعالى ربَّنا والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصَر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم ، وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصر ، والقدرة على المقدور . . . » ([11]) إلى آخره .
وقول مولانا أبي جعفر - عليه السلام - في رواية « الكافي » حيث يقول : « كان اللَّه ولا شيء غيره . ولم يزل عالماً بما يكون ؛ فعلمُه به قبل كونه كعلمِه به بعد كونه » ([12]) .
وأيضاً أنّ الأسماء والصفات ولوازمهما من الأعيان الثابتة ، ولوازمها ولوازم لوازمها إلى آخرها ، بل الفيض المقدّس والظلّ المنبسط بوجه ، حاضرة لديه بحضور ذاته لذاته ، ومنكشفة لديه بانكشاف ذاته لذاته بلا تكثّر وتعيّن ؛ فإنّ الاسم عين المسمّى ، وصورة الأسماء – أي الأعيان - عين الاسم والمسمّى ، والظلّ المنبسط عين الحقيقة الإلهية ومستهلك فيها ، لا حكم له أصلًا ولا استقلال . والتعبير باللازم والاسم والمفهوم ، إلى غير ذلك من الألفاظ والعبارات ، لمقام التعليم والتعلّم . والمكاشفات والبراهين تخالفه ، والمشاهدات وعلوم الأذواق تعانده : ألا إنّ ثوباً خيط من نسج تسعة * وعشرين حرفاً من معاليه قاصر ([13]) بل ليس فهم هذه الحقائق ميسوراً بالبراهين المشّائية والقياسات الفلسفية والمجادلات الكلامية :
پاى استدلاليان چوبين بود * پاى چوبين سخت بىتمكين بود ([14])
ونعم ما قال العارف الشيرازي قدّس سرّه :
مدعى خواست كه آيد به تماشاگه راز * دست غيب آمد وبر سينهء نامحرم زد
عقل مىخواست كزآن شعله چراغ افروزد * برق غيرت بدرخشيد وجهان برهم زد ([15])
وهذا العلم مختصّ بأصحاب القلوب ، من المشايخ المستفيدين من مشكاة النبوّة ومصباح الولاية بالرياضات والمجاهدات . هيهات ! نحن وأمثالنا لا نعرف من العلم إلّا مفهومه ، ولا من مرموزات الأنبياء والأولياء ورواياتهم إلّا سوادها وقشرها ؛ لتعلّقنا بظلمة عالم الطبيعة وقصر النظر إليها ، وتشبّثنا بمنسوجات عناكب المادّة ووقف همّنا عليها ، مع أنّها أوهن من بيت العنكبوت : وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ ([16]) . وليس لنا بهذه العيون العمياء والمناطق الخرساء مشاهدةُ أنوار علومه وتجلّيات ذاته وصفاته وأسمائه والتكلّم فيها ؛ فإنّ من لم يجعل اللَّه له نوراً فما له من نور، ولا يدرك النور إلّا النور ولا العلم إلّا العالم .
فإن خرجنا عن هذه القرية المظلمة الظالم أهلها ، وفارقنا هذه الدور الموحشة الداثرة ، مهاجراً إلى اللَّه ورسوله ؛ وشملتنا العناية الإلهية الأزلية بدرك الموت والفناء في ذاته وصفاته وأسمائه فقد وقع أجرنا على اللَّه وشهدنا جماله وبهائه وسنائه ؛ ثمّ أحيانا بالحياة الثانية وأبقانا ببقائه . ويحصل لنا العلم الشهودي والكشف الحقيقي بأنّ علمه بذاته هو العلم بكمالات ذاته ولوازمِ أسمائه وصفاته ، لا بعلم متأخّر أو علم آخر ، بل بالعلم المتعلّق بالذات في الحضرة الذات . ولولا هذا العلم البسيط في الحضرة الذات لم يتحقّق الحضرة الواحدية الأسمائية والصفاتية ، ولا الأعيان [ الثابتة ] المتحقّقة في الحضرة العلمية بالمحبّة الذاتية ، ولا الأعيان الموجودة .
قال صدر الحكماء والمتألّهين وشيخ العرفاء الشامخين - رضوان اللَّه عليه - في « الأسفار » في تقرير منهج الصوفية بهذه العبارة : « لمّا كان علمه تعالى بذاته هو نفس وجوده ، وكانت تلك الأعيان موجودة بوجود ذاته ، فكانت هي أيضاً معقولة بعقل واحد هو عقل الذات ، فهي مع كثرتها معقولة بعقل واحد ؛ كما أنّها مع كثرتها موجودة بوجود واحد ؛ إذ العقل والوجود هناك واحد . فإذن قد ثبت علمه تعالى بالأشياء كلّها في مرتبة ذاته قبل وجودها » ([17]) انتهى ما أردنا من كلامه .
تنبيه بلسان أهل الذوق : في نفوذ علمه تعالى
واعلم يا حبيبي أنّ العوالم الكلّية الخمسة ظلُّ لحضرات الخمس الإلهية ([18]) : فتجلّى اللَّه تعالى باسمه الجامع للحضرات ، فظهر في مرآة الإِنسان : « فإنّ اللَّه خلق آدم على صورته » ([19]) .
نظري كرد كه بيند به جهان صورت خويش * خيمه در آب وگل مزرعهء آدم زد ([20]) وهو الاسم الأعظم والظلّ الأرفع وخليفة اللَّه في العالمين .
وتجلّى بفيضه الأقدس وظلّه الأرفع ، فظهر في ملابس الأعيان الثابتة من الغيب المطلق والحضرة العمائية .
ثمّ تجلّى بالفيض المقدّس والرحمة الواسعة والنفس الرحماني من الغيب المضاف والكنز المخفيّ والمرتبة العمائية ، على طريقة شيخنا العارف - مدّ ظلّه - في مظاهر الأرواح الجبروتية والملكوتية ؛ أيعالم العقول المجرّدة والنفوس الكلّية ، ثمّ في مرائي عالم المثال والخيال المطلق ؛ أيعالم المثل المعلّقة ، ثمّ في عالم الشهادة المطلقة ؛ أيعالم الملك والطبيعة .
فالإنسان الجامع لجميع العوالم وما فيها ظلّ الحضرة الجامعة الإلهية ، وعالم الأعيان ظلّ الحضرة الغيب المطلق ، وعالم العقول والنفوس ظلّ الحضرة الغيب المضاف الأقرب إلى المطلق ، وعالم الخيال والمثال المطلق ظلّ الحضرة الغيب المضاف الأقرب إلى الشهادة ؛ وعالم الملك ظلّ الحضرة الشهادة المطلقة أَ لَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ([21]) في الحضرة الأسمائية والأعيان الثابتة بالظلّ الأقدس ، وفي الحضرة الشهادة وعالم الملك والملكوت والجبروت بالظلّ المقدّس .
بل نقول : إنّ الوجودات بمراتبها السافلة والعالية كلّها مرتبطة بالوجه الخاصّ مع اللَّه تعالى بلا توسّط شيء ؛ فإنّ المقيّد مربوط بباطنه وسرّه مع المطلق ؛ بل هو عين المطلق ، بوجه يعرفه الراسخون في المعرفة .
وكان شيخنا العارف الكامل - أدام اللَّه ظلّه على رؤوس مريديه - يقول : إنّ المقيّد بباطنه هو الاسم المستأثر لنفسه ؛ وهو الغيب الذي لا يعلمه إلّاهو ؛ لأنّ باطنه المطلق ، وبتعيّنه ظهر لا بحقيقته ، فالكلّ حاضر عند اللَّه بلا توسّط شيء .
ومن ذلك يعرف نفوذ علمه وسريان شهوده تعالى للأشياء ؛ فيرى بواطنها كظواهرها وعالَم الملك كالملكوت وعالم الأسفل كالأعلى ، بلا توسّط شيء كما يقول المحجوبون .
ولا تفاوت شدّة وضعفاً في الظهور والحضور عنده . كما قال أمير المؤمنين عليه السلام على ما في « الوافي » : « علمه بالأموات الماضين كعلمه بالأحياء الباقين ؛ وعلمه بما في السماوات العلى كعلمه بما في الأرضين السفلى » ([22]) .
فليتدبّر في قوله تعالى : نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ ([23]) ، و نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ([24]) ، و أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ ([25])، بل لا وجود لشيء على الحقيقة ؛ ولا هوية على الإطلاق لموجود من الموجودات ، فهو هو المطلق والقيّوم التامّ ، فانتبه من نوم الغفلة وكن من المؤمنين والموحّدين .
[1] راجع شرح فصوص الحكم ، القيصري : 25 - 28 ( تعليقة القمشهاي ) ؛ مجموعه آثار حكيم صهبا ( قمشهاى ) : 33 - 35 .
[2] مثنوى معنوي : 30 ، دفتر أول ، بيت 602 .
[3] ديوان حافظ : 76 ، غزل 9 .
[4] الزخرف ( 43 ) : 84 .
[5] الحديد ( 57 ) : 4 .
[6] الحديد ( 57 ) : 3 .
[7] فصّلت ( 41 ) : 54 .
[8] نهج البلاغة : 40 ، الخطبة الأولى ، فيه : « مع كلّ شيءٍ لا بمقارنة وغير كلّ شيءٍ لا بمزايلة » .
[9] الاحتجاج 1 : 475 / 115 ، وفيه : « حكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة » . بحار الأنوار 4 : 253 / 7.
[10] الحكمة المتعالية 6 : 263 ؛ المبدأ والمعاد : 120 - 124 ؛ شرح المنظومة 3 : 592 .
[11] الكافي 1 : 107 / 1 .
[12] الكافي 1 : 107 / 2 .
[13] انظر شرح المنظومة 2 : 38 .
[14] مثنوى معنوي : 96 ، دفتر أول ، بيت 2128 .
[15] ديوان حافظ : 247 ، غزل 180 .
[16] العنكبوت ( 29 ) : 41 .
[17] الحكمة المتعالية 6 : 283 .
[18] راجع شرح فصوص الحكم ، القيصري : 89 ؛ مصباح الانس : 262 ؛ جامع الأسرار : 559 .
[19] الكافي 1 : 134 / 4 ؛ بحار الأنوار 4 : 11 / 1 ؛ كنز العمّال 1 : 226 / 1142 .
[20] ديوان حافظ : 247 ، غزل 180 .
[21] الفرقان ( 25 ) : 45 .
[22] نهج البلاغة : 233 ، الخطبة 163 ؛ الوافي 1 : 450 .
[23] الواقعة ( 56 ) : 85 .
[24] ق ( 50 ) : 16 .
[25] فصّلت ( 41 ) : 54 .
|
|
مريض يروي تجربة فقدانه البصر بعد تناوله دواءً لإنقاص الوزن
|
|
|
|
|
كارثة تلوح في الأفق بعد تحرك أكبر جبل جليدي في العالم
|
|
|
|
|
قسم التطوير يناقش بحوث تخرج الدفعة الثانية لطلبة أكاديمية التطوير الإداري
|
|
|