المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17757 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24
من آداب التلاوة
2024-11-24
مواعيد زراعة الفجل
2024-11-24
أقسام الغنيمة
2024-11-24
سبب نزول قوله تعالى قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون الى جهنم
2024-11-24



الانحرافات الاجتماعية الرئيسية واساليب معالجتها  
  
2806   02:47 صباحاً   التاريخ: 24-11-2015
المؤلف : زهير الاعرجي
الكتاب أو المصدر : النظرية الاجتماعية في القران الكريم
الجزء والصفحة : ص58-76
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قضايا إجتماعية في القرآن الكريم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-08-2015 1467
التاريخ: 27-08-2015 1614
التاريخ: 16-12-2015 1965
التاريخ: 15-02-2015 1332

لاشك ان الانحرافات التي فصلتها الشريعة وأوجبت فيها العقوبات الادبية والمادية ، تأخذ مجريين شرعيين ؛ الاول : ما يستدعي ارتكابها التعدي على حقوق الله سبحانه وتعالى ، وهي الزنا واللواط وشرب المسكر ؛ لأنها تعد مخالفة لأمر الله ، ولا يجوز العفو فيها بعد قيام البينة وثبوت الحد . والثاني : ما يستدعي ارتكابها التعدي على حقوق الله وحقوق الفرد معاً ، كالقذف والسرقة والقتل ، لأن فيها جهة شخصية متضررة ، فيتوقف اقامة الحد على المطالبة من المتضرر أو من يرثه . ويجوز للحاكم الشرعي اقامة الحد فيما يتعلق بحقوق الله بمجرد علمه ، ولكنه لا يستطيع القيام بذلك فيما يتعلق بحقوق الناس كالسرقة والقذف.

1 ـ جرائم الاعتداء على النفس الانسانية وما دونها : وهي جرائم القتل والجراح والشجاج وإسقاط الجنين ، وقد أوجب فيها الاسلام القصاص ، أو دفع الدية ، وأوجب كفارة القتل في مواضع معينة ، وأباح للمعتدى عليه الدفاع عن نفسه في كل الاحوال.

فالقصاص ـ وهو من اقتفاء الاثر (1) ، كما في قوله تعالى : {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ} [القصص : 11] ، وشرعاً وجوب المماثلة في القتل والقطع بشروطها الشرعية ـ يعتبر من أقصر الطرق الى تحقيق العدالة القضائية : {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة : 194] ، { وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة : 45]. ففي حين يعلن الاسلام بكل قوةٍ وجوب المماثلة في القصاص ، يقوم النظام الغربي ـ في تشريعه لعقوبة الانحراف ـ بفرض القيود على حرية المجرم عن طريق السجن ، أو العلاج الطبي ، أو خدمة مؤسسات الادارة المحلية ، أو بتعويض الضحية مالياً (2) . وهذه الاساليب لا تبعد المنحرف عن انحرافه ولا تقدم للضحية مثالاً واقعياً لمعاقبة الجاني ، بل تربك النظام الاجتماعي وتستهلك موارده المالية ؛ لان السجن والطب النفسي اثبتا فشلهما في علاج المنحرف علاجاً حقيقياً ( لاحظ دراساتنا حول الانحراف الاجتماعي واساليب العلاج في الاسلام ).

وقد ذهب أكثر الفقهاء الى ان القاتل المتعمد لو مات قبل الاقتصاص منه ، اخذت الدية من ماله اذا كان له مال ، أو من مال ارحامه اذا لم يكن له مال ، لقوله تعالى : { فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } [الإسراء : 33] ، وللرواية المروية عن الامام الصادق (عليه السلام) عندما سئل عن هروب القاتل ، فقال : ( ان كان له مال اخذت الدية من ماله ، والا فمن الاقرب فالأقرب فان لم يكن له قرابة أداه الامام ، فانه لا يبطل دم امرئ مسلم ) (3).

ومع تأكيد القرآن الكريم على القصاص او المماثلة عيناً بعين وسناً بسن ، الا انه في الوقت نفسه وضمن اطاره الاخلاقي يحبب لأولياء المقتول العفو عن القاتل مع الامكان {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة : 45] ، {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى : 40]

اما الدية ، فان الاصل في وجوبها قوله تعالى : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [النساء : 92]. ولاشك ان الدية عامل مهم من عوامل التعويض المالي المختص بجرائم قتل الخطأ وشبه العمد ؛ فانهما يوجبان الدية دون القصاص . ويوجب الدية ايضاً التراضي بين الطرفين . وفي الضرب الذي لا يجرح ولكنه يولد احمراراً ونحوه ، الارش أو الحكومة . وفي الضرب الذي يسبب الالم فقط : التعزير . وتتعين دية المقتول عمداً في حالات استثنائية فقط ؛ منها : فوات المحل ، كموت القاتل ونحوه.

ومن المسلم به ان الدية المقدرة شرعاً في قتل المسلم الذكر عمداً الف دينار ذهب ، وهو ما يعادل اكثر من 3.5 كيلو غرام ذهباً ، أو ما قدر شرعاً من الشياه والابل والابقار والحلل والفضة . وهذه الكمية من المال كافية لإغناء العائلة المفجوعة بفقد معيلها ، حتى لا تمد يدها استعطاءً للناس . والاصل في احكام الديات ان القاتل يضمن الدية اذا كان قاصداً القتل أو الفعل الذي يؤدي اليه. ولم يتوقف دفع الدية على القتل فحسب ، بل تعدى الى تلف الاعضاء كالعين والانف والشفة واللسان والاسنان ونحوها ، والى تلف المنافع كالعقل والسمع والبصر والشم والنطق ونحوه ، والى الجراح المختصة بالرأس والوجه كالحارصة والدامية والباضعة والسمحاق والموضحة والهاشمة والمأمومة ونحوها . وفي غير ذلك يتعين الارش الذي تقدره الحكومة.

وبطبيعة الحال فان تقدير قيمة الضمان ، في النظام الاسلامي ، تخدم المجتمع عن طريق عاملين ؛ الاول : تعويض الضحية أو اسرته تعويضاً مالياً يسد حاجاتها الاساسية التي حرمت من اشباعها بفقدان المعيل ، والثاني : ردع الانحراف الاجتماعي ، بإبلاغ المنحرفين علناً بأن انحرافهم لا يمر دون ثمن باهض يدفعونه لصالح الضحية وبالتالي لصالح النظام الاجتماعي.

ولاشك ان اشراك العاقلة في دفع الدية ، واشراك القسامة في التحليف حالة اللوث ، يعتبران من أهم العوامل الرادعة للانحراف الاجتماعي ؛ لأن الفرد ـ لكونه كائناً اجتماعياً ـ فانه يرتبط بعشيرته ومحلته وقريته بروابط الزواج والاخوة والاسرية والمصلحة الاجتماعية . وهذه الروابط تقلل من فرص زيغه عن اعراف وقوانين النظام الاجتماعي العام ، وتجعل الجريمة التي يرتكبها فضيحة اجتماعية تجلب عليه وعلى اسرته وعشيرته ، وصمةً وعاراً لا تمحو آثارها السنون . اما اذا كانت الجناية خطأً ، فان مشاركة العصبة أو العشيرة في تسديد ثمنها المالي ، يعتبر بمثابة المشاركة الجماعية في مساعدة العائلة المفجوعة ، وتقويتها امام المحن والمصاعب الاقتصادية القادمة.

وتكمن اهمية العاقلة في المشاركة في دفع دية الخطأ بما يلي :

1 ـ ان مساهمة العاقلة في دفع دية الخطأ يخفف من تحمل الفرد كاهل دفع تلك الدية لوحده ، وهو مبلغ هائل ، كما هو واضح.

2 ـ ان مساهمة العاقلة في دفع الدية يساهم في تقوية العلاقات والاواصر الاجتماعية بين ابناء العشيرة الواحدة ويجعلها تقف متحدة في المحن والمصائب التي يتعرض لها افرادها.

3 ـ ان جمع مبلغ الدية عن طريق العاقلة يخفف من العبء الذي تتحمله عائلة المجني عليه ، خصوصاً اذا عجز الجاني عن تسديد ذلك المبلغ ، فتصبح العائلة المفجوعة ضحية لجريمة اقتصادية ومعاشية خارجة عن ارادتها . فتكون العاقلة عندئذ وسيلة ضمان لاستلام الدية.

نقطة مهمة اخرى نود ان نعرضها هنا ، وهي ان القيمومة الشرعية على الاسرة هي المقياس في مقدار الدية ، وليس تفضيل جنس على جنس آخر كما يدعيه اعداء النظرية الدينية . فدية قتل الذكر المسلم عمداً الف دينار ذهب أو نحوه ، ودية المرأة الحرة المسلمة على النصف من اصناف الديات الست ، سواءً كانت الجناية عليها عمداً أو خطأً أو شبه عمد ، صغيرة كانت أو كبيرة ، عاقلة كانت أو مصابة بالاضطراب العقلي ( الجنون ) . وكذلك في حالة الجراح والقطع والشجاج ، فان المرأة ـ الضحية ـ تتساوى مع الرجل قصاصاً ودية الى حد الثلث ، فان زاد عن الثلث رجعت ديتها على النصف من الرجل . ولاشك ان مقادير هذه الديات لم توضع لتقدير قيمة المرأة ، فيكون مقدارها نصف قيمة الرجل مثلاً . بل ان الاسلام أراد منها معالجة وضع ما بعد الجريمة . فالرجل المقتول الذي يفترض فيه ان يكون معيلاً لعائلة ما ، تذهب ديته الى عائلته التي افتقدت المعيل ، فيكون الدخل المقدر بالف دينار ذهب أو نحوه ضماناً لنفقات العائلة المعيشية . اما المرأة المقتولة ، فان ديتها المقدرة بنصف دية الرجل تدخل وارد الرجل الذي يفترض فيه ان يكون قيماً على عائلته ، زوجة كانت المجني عليها أو اختاً أو بنتاً . ودليل آخر على مساواة الاسلام للمرأة والرجل في نظام العقوبات ، هو ان حد القذف وحد المسكر وهو ثمانون جلدة يتساوى فيه القاذف والشارب ، ذكراً كان أم أنثى.

اما فيما يتعلق بالاجهاض او الاسقاط المتعمد للجنين ، فان النظام الاسلامي شرع أدق العقوبات الخاصة بهذا الانحراف ، فقسم ديته بحسب عمر الجنين ؛ ففي النطفة المستقرة في الرحم عشرون ديناراً ، وفي العلقة أربعون ، وفي المضغة ستون ، وفي العظم ثمانون ، وفي الجنين التام الذي لم تلجه الروح مائة دينار ، وفي الجنين الذي ولجته الروح دية كاملة (4) . وهذا الحكم الشرعي يرجع بالتأكيد الى اصالة قوله تعالى في خلق الانسان : {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون : 12 - 14]

وفي حين حل الاسلام مشكلة الاجهاض من الصميم قبل نشوء الثورة الصناعية بقرون ، الا ان قضاة النظام الرأسمالي الغربي يحاولون لحد اليوم الاجابة على السؤال الذي يناقش أحقية المرأة في الاجهاض . فمنذ تشريع المحكمة الامريكية العليا سنة 1973 م القاضي بشرعية الاجهاض في قضية ( جين رو ضد هنري ويد ) (5) ، والقانون يتبدل بين شد وجذب ، وجواز وحرمة ، وكلما يتبدل عضو من اعضاء المحكمة العليا يتبدل القانون الخاص بالاجهاض . وهذا الاضطراب دليل قوي على فشل النظام الاجتماعي الغربي في معالجة مشاكل قضائية خطيرة عالجها الاسلام بكل دقة قبل اربعة عشر قرناً من الزمان.

2 ـ جرائم ضد الملكية : ولا ريب ان النظرية الاسلامية الخاصة بالعقوبات الجنائية تنظر الى الجرائم المتعلقة بالملكية نظرة خاصة وترتب عليها عقوبات صارمة ؛ لأن ضمان سلامة حقوق الناس من تعدي الاخرين يعتبر من أهم اسباب استقرار النظام الاجتماعي وتطوره الاقتصادي . ولاشك ان الاقرار بأحكام اليد ودلالتها على الملكية ، تضع للمجتمع الانساني الحدود العامة لانتقال الملكية ، ودوران المال بين افراد النظام الاجتماعي عيناً كان ذلك المال أو نقداً ، منقولاً كان أو غير منقول . ولولاها لاضطرب النظام الاقتصادي والاجتماعي ، وانعدم البيع والشراء الذي هو الاصل في سد حاجات الناس الاستهلاكية والكمالية . ولذلك فان اقرار الاسلام لهذا الاصل وربطه بالصدق العرفي ينسجم مع الطبيعة الفطرية للتعامل الاجتماعي وتنظيم سلوك الافراد.

وتنقسم الجرائم المتعلقة بالملكية الى قسمين :

القسم الاول : الانحرافات التي تؤدي الى سلب الملكية من مالكها قهراً وظلماً كالغصب ويتحقق بصدق الاستيلاء عرفاً على حق الغير . وقد شدد الاسلام على حرمة غصب اموال الناس . وحرم الصرف بالمال مطلقاً الا مع العلم بالاذن الشرعي ، لقوله تعالى : {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة : 188] ، وعموم قوله (صلى الله عليه واله وسلم) : ( لا يحل مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس منه ) (6) ، وقوله (صلى الله عليه واله وسلم) ايضاً : ( من غصب شبراً من الارض طوقه الله من سبع ارضين ) (7).

ان حرمة الغصب تتعدى من مجرد الاثم الى وجوب الرد على الغاصب وضمانه تلف المادة المغصوبة . فالغاصب ـ حسب النظرية الاسلامية ـ يتحمل مسؤولية كاملة في ارجاع المادة المغصوبة سليمةً من كل عيب ، بل يتعين عليه وجوب الرد فوراً ودون تأخير ؛ بينما لا يتحقق الضمان ولا الفورية في قانون العقوبات الرأسمالي الغربي (8).

ولاشك ان المباشرة أو التسبيب أو اجتماعهما في تلف المغصوب توجب الضمان بأي حال من الاحوال ، باعتبار ان الخطابات الوضعية تشمل الجميع . وعليه فان الطفل والمجنون اذا اتلفا مال الغير ، تعين على وليهما دفع البدل ان كان لهما مالٌ ؛ والمسبب لتلف مال الغير يدفع للمالك بدل التالف من المثل والقيمة ؛ والمستولي على مال الغير بغير اذن ونحوه يدخل في عهدته ، وعليه مسؤولية تلفه اذا تلف . والنتيجة ان وجوب الضمان يحفظ اموال الافراد من الضياع والتلف ، ويصون الثروة الاجتماعية والانسانية من الهدر والتبذير.

القسم الثاني : السرقة وهي سلب مال الغير المودع في حرز سراً وفيها شروط . ولعل السرقة أشد من الغصب ، باعتبار ان انتهاك حرمة الشيء المسروق الذي اطمأن صاحبه على سلامته بالسر والحرز ، يعرض النظام الاجتماعي لمخاطر كبيرة فيما يتعلق بالوضع الاقتصادي للمجتمع الاسلامي . وقد أوجب الشارع الحد فيها على السارق دون الغاصب ، كما ورد في قوله تعالى : {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة : 38]

ونستلهم من كتب السيرة والتاريخ عدالة النظرية الاسلامية في معاقبة المنحرفين . فقد روي ان امرأة من طبقة الاشراف سرقت ، فتشفع لدى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أحد الصحابة ، فقام (صلى الله عليه واله وسلم) وخطب في الناس خطبة قوية قصيرة ، معلناً فيها مبدأ مساواة جميع الافراد امام الشريعة والقانون : ( ايها الناس ، انما ضل من قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف تركوه ، واذا سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد ، وأيم الله لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمدٌ يدها ) (9) .

ولابد للسارق ـ بموجب الشريعة الاسلامية ـ من اعادة المادة المسروقة ( الغرم ) حيث لا يسقط عنه بحال من الاحوال حتى مع اقامة الحد . وهذا الضمان لا تلتزم به النظرية الغربية . فاذا صرف السارق المال المسروق في المجتمع الرأسمالي فانه يعاقب بالسجن ولا يجبر على رد ما سرقه الى صاحبه (10).

ولا يحد السارق الا بتوفر الشروط الشرعية ، وهي البلوغ والعقل ، لقاعدة ( رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ، وعن المجنون حتى يفيق ، وعن النائم حتى يستيقظ ) (11) ، والاختيار (12)، وارتفاع الشبهة (13) ، وكون المال المسروق في حرز (14) ، وان تبلغ قيمة المسروق نصاب القطع وهو ربع دينار ذهب (15) . بمعنى ان المضطر الجائع لا يقطع اذا سرق ما يسد رمقه ورمق عائلته . بل ان وجود الشبهة تدرأ تنفيذ الحد لقاعدة ( ادرأوا الحدود بالشبهات ) (16) . واذا تمت السرقة في مكان عام غير مقفل لا يقطع ايضاً ، لأن القطع مختص بكون المال المسروق موضوع في حرز أو نحوه . ومن المسلم به ان الفرد المسروق اذا طلب عدم معاقبة السارق بالحد ، يترك السارق دون قطع ، لأن عقوبة السرقة متعلقة بالحقوق المالية للناس وليست من حقوق الله.

وطريقة القطع ـ المراد منها تأديب المنحرفين وردعهم عن ارتكاب الجريمة ـ لا تجعل الفرد المذنب معاقاً عن العمل الانتاجي . فالأصل في القطع ، هو الاصابع الاربع فقط من اليد اليمنى للمنحرف ، فتترك له الراحة والابهام . وهذا لا يعتبر تعطيلأً لإنتاجية الفرد ، بل ان للفرد الحق بعد توبته الدخول في الحقل الانتاجي الاجتماعي ليكون عضواً نافعاً في مجتمعه الانساني ، علماً بأن عنصر ابداع الانسان في العمل والبناء يعتمد على الابهام وراحة اليد بالاصل . وفكرة القطع تناقض تماماً فلسفة نظام العقوبات الغربي التي جعلت السجن محور العقوبات ، مما سبب انخفاضاً في الانتاج واستهلاكاً لموارد وثروات المجتمع ، لأن السجين معطل عن الانتاج الاجتماعي بالاكراه (17).

3 ـ الجرائم الخلقية : ولما كانت رسالة الاسلام العظيمة اجتماعية المنشأ ـ فتتعامل مع الفرد والمجتمع ضمن الاطار الاخلاقي المرسوم لها من قبل السماء ـ اصبح تعاملها الشديد مع الجرائم والانحرافات الخلقية امراً حتمياً ؛ لأن القاعدة الاخلاقية هي الاصل في ضمان سلامة اجهزة النظام الاجتماعي وتكاملها لبناء المجتمع الانساني السعيد . وهذا الاطار الاخلاقي الذي نادت به الشريعة وتبنته على امتداد تاريخها الحافل بالوقائع والاحداث ، هو الذي حفظ المجتمع الاسلامي من الانحرافات التي يعيشها المجتمع الغربي وهو في أوج تقدمه المدني والاقتصادي (18) . وأهم الجرائم والانحرافات الاخلاقية التي يواجهها النظام الاجتماعي هي الانحرافات الجنسية كالزنا واللواط والمساحقة والقيادة ، والانحرافات السلوكية كالقذف وشرب الخمر ، والانحرافات العقائدية كالارتداد.

والاصل في العقوبات الاخلاقية القرآنية لردع المنحرفين هو التشديد والحسم ، فتتعين عقوبة القتل في الزنا بذات محرم نسباً ، وفي الاغتصاب الجنسي ونحوها ؛ والرجم في الزانية المحصنة والزاني المحصن ؛ والجلد على الزاني والزانية غير المحصنين ؛ والجلد والرجم معاً في الشيخ والشيخة المحصنين الزانيين ؛ والجلد والتغريب والجز في البكر الزاني الذي تزوج ولم يدخل . ومع ان هذا التفصيل يستند الى السنة الشريفة الا ان دليل تحريم الزنا ظاهر في النص القرآني الشريف : {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } [الإسراء : 32] ، وقوله تعالى في وصف المؤمنين : {وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا } [الفرقان : 68] ، {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [النور : 3] ، {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } [النور : 2]

ويحد اللوطي بالقتل ضرباً بالسيف أو حرقاً بالنار أو الالقاء من شاهق ، أو هدم الجدار عليه . وهذا اللون من الانحراف من أخطر مراتب الانحرافات الجنسية ؛ ومعناه اللغوي : اللصوق ، وسمي لواطاً نسبة الى قوم لوط الذين ادانهم القرآن الكريم بالقول : {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ (161) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (162) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (163) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (164) أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ (165) وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ} [الشعراء : 161 - 166] ، {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ} [العنكبوت : 29] ، وقد شدد التحريم فيه ، كما ورد في قول رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : ( من جامع غلاماً جاء جنباً يوم القيامة ، لا ينقيه ماء الدنيا ، وغضب الله عليه ، ولعنه واعد له جهنم وساءت مصيرا ) (19).

وفي السحق مائة جلدة ، وقيل ان « اصحاب الرس كانت نساؤهم سحاقات » (20) ، وهو « اشارة الى قوله تعالى : {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ } [الفرقان : 38] » (21) . وفي القيادة ـ وهو الجمع بين فردين على الحرام ـ خمسٌ وسبعون جلدة ، وفي القذف والسكر ثمانون جلدة ، لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [النور : 4] ، وقوله ايضاً : {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ } [المائدة : 90] ، وللنص الوارد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) : ( ان الرجل اذا شرب الخمر سكر ، واذا سكر هذى ، وان هذى افترى ، فاجلدوه حد المفتري ) (22).

ولاشك ان هذا التشديد في التعامل مع المنحرفين اخلاقياً منسجم مع النظرية الاخلاقية الاسلامية . فلابد من أجل بناء مجتمع متكامل نظيف يهتم بحقوق الاسرة وحقوق الافراد الذين يشكلون تركيبتها البشرية وحقوق النظام الاجتماعي ، من انزال أقصى العقوبات الجسدية بالذين يحاولون تمزيق ذلك النظام الاسري والاجتماعي عن طريق الانزلاق في الشهوات المحرمة وخلط الانساب . وبطبيعة الحال ، فان الاسلام لم يغفل حاجة الفرد المتعلقة بالجنس ، بل اشبعها ضمن ضوابط الزواج الشرعية والعرفية ، وجعل العقاب صارماً فيما وراء ذلك.
ومع التشديد المذكور في انزال العقاب بفعلية الانحراف ، هناك تشديد آخر في الشهادة على الجرائم الخلقية ، وخصوصاً الزنا واللواط والسحق وهو اربعة شهود ، وفي القيادة والقذف والسكر شاهدان . ففي ثبوت الزنا الموجب للحد رجماً أو جلداً ينبغي شهادة اربعة عدول يتواردون على الشهادة برؤية الواقعة رؤية دقيقة ، ولابد من اتفاقهم على المشهود به زماناً ومكاناً وفعلاً . واذا نقص عدد الشهود عن أربعة ، أو اختلفوا في التفصيل حد الشهود على القذف ثمانين جلدة ، وهذا مصداق قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور : 4، 5] ، وقد ورد ان ثلاثة شهود شهدوا على رجل بالزنا ، فقال امير المؤمنين علي (عليه السلام) : اين الرابع ؟ قالوا : الآن يجيء ، فقال : ( حدوا الشهود ، فليس في الحدود نظر ساعة ) (23) . ولاشك ان هذا التشديد في دقة الشهادة وعدالة الشهود ، له ناحيتان ايجابيتان ؛ الاولى : ردع الافراد عن اتهام الآخرين بالزنا بمجرد الظن أو الشك . فلابد من اجتماع الاربعة على رؤية الواقعة بتفصيلاتها الدقيقة ، والا فستكون العقوبة من نصيبهم . الثانية : ان الذي يرتكب هذا الانحراف امام اربعة رجال دون ادنى حياء ، يستحق العقوبة الجسدية لانه عنصر افساد للنظام الاجتماعي ينبغي استئصاله دون رحمة.

وقد جعل الاسلام تطبيق الحدود آخر الحلول لمعالجة الجريمة والانحراف . فقد أمر الافراد اولاً بالستر والتوبة وسد الحاجات الغريزية بالطرق الشرعية . فاذا استتر المنحرف وتاب الى الله قبل قيام البينة فهو في ستر الله ولا يقام عليه الحد : { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران : 89] (24) ، ولكن اذا أقر على نفسه بالجرم أو ثبت عليه الجرم بالبينة اقيم عليه الحد . وقد ورد في الروايات ان الامام (عليه السلام) مسؤول عن تزويج الزانية بحيث يعصمها عن ارتكاب هذا الانحراف ؛ وهو دليل قوي على ان أهم اسباب انحراف الفرد هو الحاجة المالية أو الغريزية التي لا تسد الا عن طريق الزواج الشرعي.

4 ـ جرائم ضد النظام الاجتماعي العام : ولما كان الاسلام يعكس جوهر العدالة الاجتماعية بين الافراد ، فان نظامه السياسي والقضائي والاقتصادي لابد وان يتحرك بكل قوة لمعاقبة المنحرفين الذين يحاولون العبث بمقدرات الافراد على الصعيد الاجتماعي . ولذلك فان الانحرافات التي يقوم بها هؤلاء الافراد ـ وتؤدي بقصد او دون قصد الى زعزعة النظام الاجتماعي ، كإرهاب الناس ، واحتكار اقواتهم ، وظلمهم ـ تعتبر جرائم تستحق نوعاً من العقوبات المنصوص عليها في الشريعة ؛ ومن امثلة هذه الجرائم : المحاربة.

 فالمحاربة هي ارادة الافساد في الارض . والمحارب هو الذي يجهز سلاحه لإرعاب الناس ، ذكراً كان أم انثى ، قوياً كان أم ضعيفاً ، لعموم الآية في قوله تعالى : {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة : 33]. ولاشك ان من أهم نتائج هذا التشريع هو استتباب الامن والسلام الاجتماعي في المجتمع الاسلامي . فليس لأولياء المقتول عن طريق المحاربة العفو عن المحارب ، بل ان على الامام قتله بأي شكل من الاشكال ، الا اذا تاب من تلقاء نفسه ؛ فعندئذ يسقط الحق العام ، لقوله تعالى : {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [المائدة : 34] وهذا الامن الاجتماعي الذي ينعم به المجتمع الاسلامي يعتبر من أهم مصادر استقرار النظام وتنشيط طاقات افراده الانتاجية.

 ولاشك ان الدولة في الاسلام ينبغي ان تتمتع بأمان اقتصادي ومعاشي ينعم به جميع الافراد ؛ بل ان اي انتهاك لهذا الامان يجب ان يعامل بقوة اخلاقية وشرعية من قبل الحاكم الشرعي أو الدولة بمؤسساتها القضائية والتنفيذية . والاحتكار ـ وهو خزن المادة الغذائية الاساسية التي يحتاجها الافراد وقت الاضطرار من أجل رفع سعرها أو إضرار الدولة ـ يمثل هذا الانحراف الموجه ضد النظام الاجتماعي العام . الا ان الاسلام يتعامل مع هذا الانحراف الاقتصادي تعاملاً حاسماً ، فيجبر المحتكر على بيع المادة المحتكرة فوراً . وفي عهد الامام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر اشارة الى ذلك : ( فمن قارف حكرة بعد نهيك اياه فنكل به وعاقب في غير اسراف ) (25) . وهذا التشريع ـ اضافة الى تجنيبه الافراد للفوضى الاقتصادية والمعيشية ـ منسجم تماماً مع تطلعات الاسلام نحو العدالة الاجتماعية بين الافراد.

 اما فيما يتعلق بظلم الحاكم ، فان المجتمع الانساني لما كان بحاجة مستمرة الى نظام اجتماعي مستقر ، وبحاجة ماسة الى مدير يدير هذا النظام ويرعى شؤونه المالية والقضائية والدفاعية والسياسية ، تعين ان تكون للقائد شروط ومواصفات موضوعية مستمدة من الشريعة نفسها . وقد جابه القرآن الكريم بكل قوةٍ النظام السياسي الظالم وأدان وجوده اللاشرعي بمختلف الاساليب ، وجعل فرعون مثلاً يعكس فساد جوهر الظلم السياسي : {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ } [الشعراء : 10، 11] ، {وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا } [الفرقان : 19] ، {وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا } [طه : 111] ، {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ } [الشورى : 40]. وورد ما يشير الى وجوب الكفر بالحكومة التي لا تقضي بما انزل الله و تعمل في الناس بالجور والظلم والعدوان وسماها بالطاغوت ، فقال عز وجل : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ } [النساء : 60]. وفي خطبة الامام الحسين بن علي (عليه السلام) في الناس في ( منى ) تأكيد آخر على التصدي للظلم الاجتماعي : ( اعتبروا ايها الناس بما وعظ الله به اولياءه من سوء ثنائه على الاحبار اذ يقول : {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ } [المائدة : 63]. وقال : {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة : 78، 79]. وانما عاب الله ذلك عليهم لأنهم كانوا يرون من الظلمة الذين بين اظهرهم المنكر والفساد فلا ينهون عن ذلك رغبة فيما كانوا ينالون منهم ورهبة مما يحذرون والله يقول : {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} [المائدة : 44] ، وقال : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة : 71] . فبدأ الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة منه لعلمه بأنها اذا أديت وأقيمت ، استقامت الفرائض كلها هينها وصعبها ؛ وذلك ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء الى الاسلام مع رد الظالم ، ومخالفة الظلم ، وقسمة الفيء والغنائم ، وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها في حقها ) (26).

 واذا كان الاسلام دين العدالة الاجتماعية حقاً ـ وهو بالتأكيد كذلك ـ فان أول عدو يسعى لمحاربته ، هو نظام الظلم الاجتماعي والسياسي ضد الافراد . ولذلك ، فان قاعدة العدالة الاجتماعية المتمثلة باطار الحكم الاسلامي والدولة الاسلامية يجب ان تستمر حتماً ، حتى قيام الساعة ؛ ان كانت تحت أمر النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أو الامام المعصوم (عليه السلام) أو نائبه الفقيه الجامع للشرائط { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء : 59] . فلا مكان للحاكم الظالم في دنيا الاسلام ، دنيا العدالة الاجتماعية والحقوقية.

___________________________

(1) مجمع البيان ج 20 ص 270.

(2) ( مارشال كلينارد ) و( روبرت ميير ) . علم اجتماع السلوك المنحرف . الطبعة السادسة . نيويورك : هولت ، راينهارت ، وونستن ، 1985 م.

(3) الجواهر ج 42 ص 330.

(4) الكافي ج 7 ص 343.

(5) ( آرثر شوستاك ) و( كيري مكلوث ) . الاجهاض والرجال : الخسائر ، الدروس ، والحب . نيويورك : مطبعة العلوم الانسانية ، 1984 م.

(6) الكافي ج 7 ص 274.

(7) كنز العمال ج 10 ص 639.

(8) ( جاك جيبز ) . الجريمة ، العقاب ، والردع . نيويورك : السفاير ، 1975 م.

(9) البخاري ـ كتاب الحدود باب 12.

(10) ( اليوت كيري ) . مواجهة الجريمة : التحدي الامريكي . نيويورك : بانثيون ، 1986 م. (11) سفينة البحار ج 1 ص 530.

(12) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 43.

(13) المقنع للشيخ الصدوق ص 147.

(14) تفسير العياشي ج 1 ص 319.

(15) المقنع للصدوق ص 150.

(16) المصدر السابق ص 147.

(17) ( جاك جيبز ) . العرف ، الانحراف ، والسيطرة الاجتماعية . نيويورك : السفاير ، 1981 م.

(18) ( جاك جيبز ) . العرف ، الانحراف ، والسيطرة الاجتماعية . نيويورك : السفاير ، 1981 م.

(19) الكافي ج 2 ص 70.

(20) مجمع البيان ج 19 ص 107.

(21) تفسير القمي ص 465.

(22) الكافي ج 7 ص 215.

(24) من لا يحضره الفقيه ج 4 ص 24.

(25) نهج البلاغة ص 615.

(26) تحف العقول للحراني ص 237.

 

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .