المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

المغرب
26-3-2018
Glycomacropeptides
29-6-2018
خواص حجية الاقرار القضائي
6-3-2017
Osmium Properties
15-1-2019
أقسام المال الذي تجب فيه الزكاة
28-11-2015
آداب العشرة
25-8-2020


جيش أسامة وهدف النبي "ص" منه  
  
474   04:51 مساءً   التاريخ: 2024-11-13
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة : ج2، ص630-647
القسم : سيرة الرسول وآله / النبي الأعظم محمد بن عبد الله / قضايا عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2-4-2017 2954
التاريخ: 2024-09-12 397
التاريخ: 17-12-2017 2729
التاريخ: 2023-02-05 3271

1 - عاش النبي « صلى الله عليه وآله » سبعين يوماً بعد حجة الوداع

عاد النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة من حجة الوداع في أواخر ذي الحجة ، وأمضى بقية أيامه في المدينة . وهى نحو سبعين يوماً حسب روايتنا ، لأن وفاته ( صلى الله عليه وآله ) عندنا في الثامن والعشرين من صفر . ونحو ثمانين يوماً في رواية السلطة ، لأن وفاته عندهم في الثاني عشر من ربيع . وفى هذه المدة وقعت أحداث وأمور ، ونزلت آيات ، وصدرت منه ( صلى الله عليه وآله ) خطب وأحاديث !

2 - عَرَضَ الأنصار على النبي « صلى الله عليه وآله » ثلث أموالهم

في الكافي : 1 / 293 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « فلما قدم المدينة « من حجة الوداع » أتته الأنصار فقالوا : يا رسول الله إن الله جل ذكره قد أحسن إلينا وشرفنا بك وبنزولك بين ظهرانينا ، فقد فرح الله صديقنا وكبت عدونا . وقد يأتيك وفود فلا تجد ما تعطيهم فيشمت بك العدو ، فنحب أن تأخذ ثلث أموالنا حتى إذا قدم عليك وفد وجدت ما تعطيهم . فلم يردَّ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عليهم شيئاً ، وكان ينتظر مايأتيه من ربه ، فنزل جبرئيل ( عليه السلام ) وقال : قُلْ لا أَسْئَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَي ، ولم يقبل أموالهم فقال المنافقون : ما أنزل الله هذا على محمد وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه ويحمل علينا أهل بيته ! يقول أمس : من كنت مولاه فعلى مولاه واليوم : قُلْ لا أَسْئَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَي . ثم [ كان ] نزل عليه آية الخمس فقالوا يريد أن يعطيهم أموالنا وفيأنا ! ثم أتاه جبرئيل فقال : يا محمد إنك قد قضيت نبوتك واستكملت أيامك ، فاجعل الاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة عند على ( عليه السلام ) ، فإني لم أترك الأرض إلا ولى فيها عَلَمٌ تُعرف به طاعتي وتعرف به ولايتي ، ويكون حجة لمن يولد بين قبض النبي إلى خروج النبي الآخر .

قال : فأوصى إليه بالاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة ، وأوصى إليه بألف كلمة وألف باب ، يفتح كل كلمة وكل باب ألف كلمة وألف باب » .

وفى الإرشاد : 1 / 179 ، أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « أيها الناس ، إني فرطكم وأنتم واردون على الحوض ، ألا وإني سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما ، فإن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يلقياني ، وسألت ربى ذلك فأعطانيه . ألا وإني قد تركتهما فيكم : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فلا تسبقوهم فتفرقوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم .

أيها الناس ، لا ألفينكم بعدى ترجعون كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقونى في كتيبة كمجرى السيل الجرار ! ألا وإن علي بن أبي طالب أخي ووصيي يقاتل بعدى على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله . فكان يقوم مجلساً بعد مجلس بمثل هذا الكلام ونحوه . ثم إنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة » .

أقول : أكد القرآن على أن الأنبياء « عليهم السلام » كانوا يقولون لأممهم إنهم لا يطلبون منهم أجراً على تبليغ الرسالة ، وكذلك نبينا ( صلى الله عليه وآله ) ، قال تعالي : قُلْ لا أَسْأَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِنْ هُوَإِلا ذِكرَى لِلْعَالَمِينَ . وقال تعالي : وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَإِلا ذِكرٌ لِلْعَالَمِينَ .

لكنه خص هذه الأمة بأن جعل أجر نبيها ( صلى الله عليه وآله ) محبتها وطاعتها لعترته « عليهم السلام » فقال : قُلْ لا أَسْئَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَنْ يقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ

غَفُورٌ شَكورٌ . الشوري : 23 .

ثم بين لهم أن هذا الأجر هو السبيل إلى رضا الله تعالى وثوابه فقال : قُلْ مَا أَسْأَلُكمْ عَلَيهِ مِنْ أَجْرٍ إِلا مَنْ شَاءَ أَنْ يتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً .

ثم قال لهم إن هذا الأجر الذي فرضه الله على هذه الأمة ليس غرماً عليها بل غنمٌ لها ، فقال : قُلْ مَا سَأَلْتُكمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكمْ إِنْ أَجْرِى إِلا عَلَى اللهِ . أي أنتم المنتفعون به لأنكم بمودتهم وطاعتهم لا تضلون .

وفى تفسير فرات / 392 ، عن عطاء بن أبي رباح قال : « قلت لفاطمة بنت الحسين : أخبريني جعلت فداك بحديث أحدث ، وأحتج به على الناس . قالت : نعم ، أخبرني أبى أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان نازلاً بالمدينة وأن من أتاه من المهاجرين عرضوا أن يفرضوا لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فريضة يستعين بها على من أتاه ، فأتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقالوا : قد رأينا ما ينوبك من النوائب ، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها على من أتاك . قال : فأطرق النبي ( صلى الله عليه وآله ) طويلاً ثم رفع رأسه فقال : إني لم أؤمر أن آخذ منكم على ما جئتم به شيئاً ، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشئ وإن أمرت به أعلمتكم . قال : فنزل جبرئيل فقال : يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك وما عرضوا عليك وقد أنزل الله عليهم فريضة : قُلْ لا أَسْئَلُكمْ عَلَيهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَي . . قال فخرجوا وهم يقولون : ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبنى عبد المطلب .

قال : فبعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى علي بن أبي طالب أن اصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل : أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار ! ومن ادعى إلى غير مواليه فليتبوأ مقعده من النار ! ومن انتفى من والديه فليتبوأ مقعده من النار ! قال : فقام رجل وقال : يا أبا الحسن ما لهن من تأويل ؟ فقال : الله ورسوله أعلم . فأتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره ، فقال رسول الله : ويل لقريش من تأويلهن ، ثلاث مرات ! ثم قال : يا علي انطلق فأخبرهم أنى أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء ، ثم أنا وأنت مولى المؤمنين ، وأنا وأنت أبوا المؤمنين » !

أقول : يظهر أن هؤلاء قرشيون جاؤوا إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد مجئ الأنصار ، وطلبوا أن يفرضوا له فريضة في أموالهم ، فأجابهم بآية المودة في القربى ، فنكصوا !

وفى الكافي : 1 / 293 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « أوصى موسى ( عليه السلام ) إلى يوشع بن نون وأوصى يوشع بن نون إلى ولد هارون ، ولم يوص إلى ولده ولا إلى ولد موسي ، إن الله تعالى له الخيرة يختار من يشاء ممن يشاء . وبشرموسى ويوشع بالمسيح ، فلما أن بعث الله عز وجل المسيح قال المسيح لهم إنه سوف يأتي من بعدى نبي اسمه أحمد ، من ولد إسماعيل ، يجئ بتصديقى وتصديقكم ، وعذرى وعذركم . وجرت من بعده في الحواريين في المستحفظين ، وإنما سماهم الله تعالى المستحفظين لأنهم استحفظوا الاسم الأكبر وهو الكتاب الذي يعلم به علم كل شئ ، الذي كان مع الأنبياء صلوات الله عليهم . يقول الله تعالى : لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَينَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكتَابَ وَالْمِيزَانَ . الكتاب الاسم الأكبر . فلم تزل الوصية في عالم بعد عالم حتى دفعوها إلى محمد ( صلى الله عليه وآله ) .

وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يتألفهم ويستعين ببعضهم على بعض ، ولا يزال يخرج لهم شيئاً في فضل وصيه . . . وقال : إني تارك فيكم أمرين إن أخذتم بهما لن تضلوا : كتاب الله عز وجل وأهل بيتي عترتي . . . فلا تسبقوهم فتهلكوا ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم . . . فوقعت الحجة بقول النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبالكتاب الذي يقرأه الناس فلم يزل يلقى فضل أهل بيته بالكلام ويبين لهم القرآن . فلما رجع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل فقال : يا أَيهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيك مِنْ رَبِّك . . .

فنادى الناس ، فوقعت حسيكة النفاق في قلوب القوم وقالوا : ما أنزل الله جل ذكره هذا على محمد قط ، وما يريد إلا أن يرفع بضبع ابن عمه » !

3 - النبي « صلى الله عليه وآله » يجهر بالحقيقة ويتحدى قريشاً !

وقد بدأ النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذا التحدي في حجة الوداع بصيغة اللعنة النبوية على من ادعى لغير أبيه ، كما تقدم ! فقد روى ابن ماجة : 2 / 905 ، أنه ( صلى الله عليه وآله ) خطبهم في حجة الوداع على راحلته فقال : « ومن ادعى إلى غير أبيه أو تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل منه صرف ولا عدل » والترمذي : 2 / 293 ، أحمد : 4 / 239 ، الدارمي : 2 / 244 و 344 والبخاري : 2 / 221 ، و 4 / 67 . .

واستعمل النبي ( صلى الله عليه وآله ) هذا الأسلوب عمداً لتنقله الأجيال ولا تطمسه قريش ! وقد روت مصادرهم أنه كتبه في صحيفة صغيرة معلقة في ذؤابة سيفه الذي ورَّثه لعلى ( عليه السلام ) ، فرواه بخارى في صحيحه : 4 / 67 ، مسلم : 4 / 115 ، بروايات والترمذي : 3 / 297 ، وفى تلك الصحيفة لعن من تولى غير مواليه ! ويقصد بذلك من تولى غيره وغير على ( عليه السلام ) ، لأنهما الأبوان المعنويان لهذه الأمة !

ويدل عليه أن الولد الذي يهرب من أبيه وينتسب إلى آخر ويتوب ، تقبل توبته ! بينما هذا الذي لعنه النبي ( صلى الله عليه وآله ) لا يقبل منه صرف أي توبة ، ولا عدل أي فدية ! فهي عقوبة الردة والخروج من الملة ، وليست عقوبة ولد يدعو نفسه لغير أبيه ! سنن البيهقي : 8 / 26 ، الزوائد : 1 / 9 ، وكنز العمال : 5 / 872 و 10 / 324 .

وقد رووا هذه اللعنة بعد ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) لأهل بيته وحقهم في الخمس .

ففي مسند أحمد : 4 / 186 : « خطبنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو على ناقته فقال : ألا إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي ، وأخذ وبرة من كاهل ناقته ، فقال : ولا ما يساوى هذه أو ما يزن هذه . لعن الله من ادعى إلى غيرأبيه ، أو تولى غير مواليه » !

وفسرته بذلك مصادرنا . وروت أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) استعمله عندما كثر طلقاء قريش في المدينة ، وتصاعد عملهم ضد أهل بيته « عليهم السلام » وقالوا : إنما مثل محمد في بني هاشم كمثل نخلة نبتت في كبا ، أي مزبلة ! فبلغ ذلك النبي فغضب وأمر علياً ( عليه السلام ) أن يصعد المنبر ويجيبهم وقال له : « يا علي انطلق حتى تأتى مسجدى ثم تصعد منبري ، ثم تدعو الناس إليك ، فتحمد الله تعالى وتثنى عليه وتصلى عَلَى صلاة كثيرة ، ثم تقول : أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم : إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي على من انتمى إلى غير أبيه ، أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره ! فأتيت مسجده وصعدت منبره ، فلما رأتني قريش ومن كان في المسجد أقبلوا نحوى فحمدت الله وأثنيت عليه ، وصليت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صلاة كثيرة ثم قلت : أيها الناس إني رسول رسول الله إليكم وهو يقول لكم : ألا إن لعنة الله ولعنة ملائكته المقربين وأنبيائه المرسلين ولعنتي ، على من انتمى إلى غير أبيه ، أو ادعى إلى غير مواليه ، أو ظلم أجيراً أجره . قال : فلم يتكلم أحد من القوم إلا عمر بن الخطاب فإنه قال : قد أبلغت يا أبا الحسن ولكنك جئت بكلام غير مفسر ، فقلت : أُبْلِغُ ذلك رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرجعت إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخبرته الخبر فقال : إرجع إلى مسجدى حتى تصعد منبرى فاحمد الله وأثن عليه وصل على ثم قل : أيها الناس ، ما كنا لنجيئكم بشئ إلا وعندنا تأويله وتفسيره ، ألا وإني أنا أبوكم ، ألا وإني أنا مولاكم ألاوإنى أنا أجيركم » ! أمالي المفيد / 353 والطوسي / 123 .

4 - جيش أسامة لإفراغ المدينة من خصوم علي « عليه السلام »

في الإرشاد : 1 / 179 : « ثم إنه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة ، وندبه أن يخرج بجمهور الأمة إلى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم ، واجتمع رأيه ( عليه السلام ) على إخراج جماعة من متقدمى المهاجرين والأنصار في معسكره ، حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته ( صلى الله عليه وآله ) من يختلف في الرئاسة ويطمع في التقدم على الناس بالإمارة ويستتب الأمر لمن استخلفه من بعده ، ولا ينازعه في حقه منازع . فعقد له الأمرة على من ذكرناه وجدَّ ( صلى الله عليه وآله ) في إخراجهم ، فأمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره إلى الجرف ، وحث الناس على الخروج إليه والمسير معه وحذرهم من التلوُّم والإبطاء عنه . فبينا هو في ذلك إذ عرضت له الشكاة التي توفى فيها ، فلما أحس بالمرض الذي عراه أخذ بيد علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) واتبعه جماعة من الناس وتوجه إلى البقيع ، فقال لمن تبعه : إنني قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع ، فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم فقال ( صلى الله عليه وآله ) : السلام عليكم يا أهل القبور ، ليهنئكم ما أصبحتم فيه مما فيه الناس ، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها !

ثم استغفر لأهل البقيع طويلاً وأقبل على أمير المؤمنين فقال : إن جبرئيل ( عليه السلام ) كان يعرض على القرآن كل سنة مرة ، وقد عرضه عَلَى العام مرتين ، ولا أراه إلا لحضور أجلي » .

وفى إعلام الوري : 1 / 263 : « ولما قدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) المدينة من حج الوداع بعث بعده أسامة بن زيد وأمره أن يقصد حيث قتل أبوه ، وقال له : أوطئ الخيل أواخر الشام من أوائل الروم . وجعل في جيشه وتحت رايته أعيان المهاجرين ووجوه الأنصار وفيهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة . وعسكر أسامة بالجرف فاشتكى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) شكواه التي توفى فيها ، وكان يقول في مرضه : نفذوا جيش أسامة ويكرر ذلك ، وإنما فعل ذلك لئلا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الإمامة ويطمع في الإمارة ، ويستوسق الأمر لأهله » .

وفى كتاب سليم بن قيس « رحمه الله » / 424 : « وفى ذلك الجيش أبو بكر وعمر ، فقال كل واحد منهما : لا ينتهى يستعمل علينا هذا الصبى العبد » !

وقال ابن حجر في فتح الباري : 8 / 115 ، وهو من كبار أئمة السلطة : « وقد أنكر ابن تيمية في كتاب الرد على ابن المطهر أن يكون أبو بكر وعمر في بعث أسامة ، ومستند ما ذكرناه ما أخرجه الواقدي بأسانيده في المغازي ، وذكره ابن سعد أواخر الترجمة النبوية بغير إسناد ، وذكره ابن إسحاق في السيرة المشهورة ولفظه : بدأ برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجعه يوم الأربعاء فأصبح يوم الخميس فعقد لأسامة فقال : أُغز في سبيل الله وسر إلى موضع مقتل أبيك ، فقد وليتك هذا الجيش . فذكر القصة وفيها : لم يبق أحد من المهاجرين الأولين إلا انتدب في تلك الغزوة منهم أبو بكر وعمر . . وعند الواقدي أن عدة ذلك الجيش كانت ثلاثة آلاف ، فيهم سبعمائة من قريش » .

أقول : أوردنا كلام ابن حجر لإثبات أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) تعمد أن يفرغ المدينة من القرشيين ، ومن كل من يمكن أن يعارض استخلاف على ( عليه السلام ) .

وتعمد أن يؤمِّر عليهم أسامة الشاب الأسود ابن الثمان أو السبع عشرة سنة ، حتى لايعترض أحد على سن على ( عليه السلام ) الذي كان في الثالثة والثلاثين من عمره .

كما نلاحظ أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبر عن النتائج السيئة لما يجرى حوله ، وأطلق تحذيره لأجيال الأمة من الفتن التي سيسببها طمع قريش في خلافته !

وروى ابن هشام : 4 / 1057 قوله ( صلى الله عليه وآله ) لعائشة لما رجع من البقيع وتحدث عن الفتن : « ما ضرك لو مِتِّ قبلي فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك ؟ قالت قلت : والله لكأني بك لو قد فعلتُ ذلك ، لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك » !

5 - أمير المؤمنين « عليه السلام » يصف عملهم لإفشال جيش أسامة

في الخصال / 371 ، عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، في جوابه للحبر اليهودي عن امتحانات الله للوصي النبي ، قال ( عليه السلام ) : « وأما الثانية يا أخا اليهود ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمَّرنى في حياته على جميع أمته ، وأخذ على من حضره منهم البيعة بالسمع والطاعة لأمري ، وأمرهم أن يبلغ الشاهد الغائب في ذلك ، فكنت المؤدى إليهم عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمره إذا حضرته ، والأمير على من حضرني منهم إذا فارقته ، لا تختلج في نفسي منازعة أحد من الخلق لي في شئ من الأمور ، في حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا بعد وفاته .

ثم أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بتوجيه الجيش الذي وجهه مع أسامة بن زيد ، عند الذي أحدث الله به من المرض الذي توفاه فيه ، فلم يدع النبي أحداً من أفناء العرب ولا من الأوس والخزرج وغيرهم من سائر الناس ، ممن يخاف على نقضه ومنازعته ، ولا أحداً ممن يراني بعين البغضاء ممن قد وترته بقتل أبيه أو أخيه أو حميمه ، إلا وجهه في ذلك الجيش ، ولا من المهاجرين والأنصار والمسلمين وغيرهم ، والمؤلفة قلوبهم والمنافقين ، لتصفو قلوب من يبقى معي بحضرته ، ولئلا يقول قائل شيئاً مما أكرهه ، ولا يدفعني دافع من الولاية والقيام بأمر رعيته من بعده . ثم كان آخر ما تكلم به في شئ من أمر أمته أن يمضى جيش أسامة ولا يتخلف عنه أحد ممن أنهض معه ، وتقدم في ذلك أشد التقدم ، وأوعز فيه أبلغ الإيعاز ، وأكد فيه أكثر التأكيد !

فلم أشعر بعد أن قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلا برجال من بعث أسامة بن زيد وأهل عسكره ، قد تركوا مراكزهم وأخلوا مواضعهم ، وخالفوا أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيما أنهضهم له وأمرهم به ، وتقدم إليهم من ملازمة أميرهم والسير معه تحت لوائه ، حتى ينفذ لوجهه الذي أنفذه إليه ، فخلفوا أميرهم مقيماً في عسكره ، وأقبلوا يتبادرون على الخيل ركضاً إلى حل عقدة عقدها الله عز وجل لي ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) في أعناقهم ، فحلوها ، وعهد عاهدوا الله ورسوله فنكثوه ، وعقدوا لأنفسهم عقداً ضجت به أصواتهم ، واختصت به آراؤهم ، من غير مناظرة لأحد منا بنى عبد المطلب ، أو مشاركة في رأي ، أو استقالة لما في أعناقهم من بيعتي ! فعلوا ذلك وأنا برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مشغول ، وبتجهيزه عن سائر الأشياء مصدود ، فإنه كان أهمها وأحق ما بدئ به منها !

فكان هذا يا أخا اليهود أقرح ما ورد على قلبي مع الذي أنا فيه من عظيم الرزية وفاجع المصيبة ، وفقد من لا خلف منه إلا الله تبارك وتعالي ، فصبرت عليها إذ أتت بعد أختها على تقاربها وسرعة اتصالها » . والاختصاص / 170 .

وفى المراجعات / 365 : « سرية أسامة بن زيد بن حارثة إلى غزو الروم ، وهى آخر السرايا على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد اهتم فيها بأبى وأمي اهتماماً عظيماً فأمر أصحابه بالتهيؤ لها وحضهم على ذلك ، ثم عبأهم بنفسه الزكية إرهافاً لعزائمهم واستنهاضاً لهممهم ، فلم يبق أحداً من وجوه المهاجرين والأنصار ، كأبي بكر وعمر وأبى عبيدة وسعد وأمثالهم ، إلا وقد عبأه بالجيش . . . فخرج بلوائه معقوداً فدفعه إلى بريدة وعسكر بالجرف ، ثم تثاقلوا هناك فلم يبرحوا ، مع ما وعوه ورأوه من النصوص الصريحة في وجوب إسراعهم . . . وطعن قوم منهم في تأمير أسامة كما طعنوا من قبل في تأمير أبيه ، وقالوا في ذلك فأكثروا مع ما شاهدوه من عهد النبي له بالإمارة . . . حتى غضب ( صلى الله عليه وآله ) من طعنهم غضباً شديداً ، فخرج بأبى وأمي معصب الرأس مدثراً بقطيفته محموماً ألماً . . . فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال فيما أجمع أهل الأخبار على نقله واتفق أولوا العلم على صدوره : أيها الناس ما مقالةٌ بلغتني عن بعضكم في تأميري أسامة ، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله ! وأيم الله إنه كان لخليقاً بالإمارة وإن ابنه من بعده لخليق بها ! وحضهم على المبادرة إلى السير فجعلوا يودعونه ويخرجون إلى العسكر بالجرف وهو يحضهم على التعجيل .

ثم ثقل في مرضه فجعل يقول : جهزوا جيش أسامة ، أنفذوا جيش أسامة ، أرسلوا بعث أسامة . . لعن الله من تخلف عنه . . . وقد تعلم أنهم إنما تثاقلوا عن السير أولاً ، وتخلفوا عن الجيش أخيراً ، ليحكموا قواعد سياستهم ويقيموا عمدها ، ترجيحاً منهم لذلك على التعبد بالنص .

وإنما أمَّر عليهم أسامة وهو ابن سبع عشرة سنة ، لياً لأعِنَّة البعض ، ورداً لجِمَاح أهل الجماح منهم ، واحتياطاً على الأمن في المستقبل من نزاع أهل التنافس . . لكنهم فطنوا إلى ما دبر ( صلى الله عليه وآله ) فطعنوا في تأمير أسامة وتثاقلوا عن السير معه ، فلم يبرحوا من الجرف حتى لحق النبي ( صلى الله عليه وآله ) بربه . . .

فهذه خمسة أمور في هذه السرية لم يتعبدوا فيها بالنصوص الجلية ، إيثاراً لرأيهم في الأمور السياسية ، وترجيحاً لاجتهادهم فيها على التعبد بنصوصه ( صلى الله عليه وآله ) » .

وفى منهاج الكرامة / 100 : « وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في مرض موته مرة بعد أخرى مكرراً لذلك : أنفذوا جيش أسامة ! لعن الله المتخلف عن جيش أسامة ! وكان الثلاثة معه » .

وفى تقريب المعارف / 314 : « ولا فرق بين خلافه ( صلى الله عليه وآله ) فيما أمر به من المسير مع أسامة ، وبين خلافه فيما أمر به من الصلاة والزكاة والإمامة ، وذلك فسق لا شبهة فيه ، ودعوى خروج أبى بكر من البعث لايفى شيئاً ، لثبوت الرواية به » .

وفى الإرشاد : 1 / 182 : « واستمر به المرض أياماً وثقل ( صلى الله عليه وآله ) ، فجاء بلال عند صلاة الصبح ورسول الله مغمور بالمرض فنادي : الصلاة يرحمكم الله ، فأوذن رسول الله بندائه فقال : يصلى بالناس بعضهم فإنني مشغول بنفسي . فقالت عائشة : مروا أبا بكر ! وقالت حفصة : مروا عمر ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حين سمع كلامهما ، ورأى حرص كل واحدة منهما على التنويه بأبيها وافتتانهما بذلك ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حي : أُكففن فإنكن صويحبات يوسف !

ثم قام ( صلى الله عليه وآله ) مبادراً خوفاً من تقدم أحد الرجلين وقد كان أمرهما بالخروج إلى أسامة ، ولم يكن عنده أنهما قد تخلفا ، فلما سمع من عائشة وحفصة ما سمع علم أنهما متأخران عن أمره ، فبدر لكف الفتنة وإزالة الشبهة ، فقام وإنه لا يستقل على الأرض من الضعف ، فأخذ بيده علي بن أبي طالب والفضل بن عباس فاعتمدهما ورجلاه تخطان الأرض من الضعف ! فلما خرج إلى المسجد وجد أبا بكر قد سبق إلى المحراب ، فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه ، فتأخر أبو بكر وقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مقامه فكبر فابتدأ الصلاة التي كان قد ابتدأ بها أبو بكر ، ولم يبن على ما مضى من فعاله . فلما سلَّم النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الصلاة انصرف إلى منزله ، واستدعى أبا بكر وعمر وجماعة ممن حضر المسجد من المسلمين ، ثم قال : ألم آمر أن تنفذوا جيش أسامة ! قالوا : بلى يا رسول الله . قال : فلم تأخرتم عن أمري ؟ فقال أبو بكر : إنني كنت خرجت ثم عدت لأجدد بك عهداً . وقال عمر : يا رسول الله ، لم أخرج لأننى لم أحب أن أسأل عنك الركب ! فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : فأنفذوا جيش أسامة ، فأنفذوا جيش أسامة يكررها ثلاث مرات ، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه والأسف ، فمكث هنيهة مغمى عليه ، وبكى المسلمون ، وارتفع النحيب من أزواجه وولده والنساء المسلمات ومن حضر من المسلمين » .

6 - حذيفة يصف تسلل أبى بكر وعمر ليلاً إلى المدينة

« أراد النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن تفرغ المدينة من دعاة الفتنة وأرسلهم جميعاً في جيش أسامة إلى فلسطين ، وفيهم سبع مئة رجل من قريش ! وأمره بالتحرك ولعن من تخلف عن جيش أسامة ! فافتعلوا المشاكل والأعذار حتى سوفوا الوقت وأفشلوا برنامج النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتسللوا من معسكره من الجرف لواذاً عائدين إلى المدينة !

وقد روى في إرشاد القلوب : 2 / 237 والدرجات الرفيعة / 290 ، أن حذيفة صاحب سر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان حاكم المدائن فلما جاءه خبر بيعة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) فرح بذلك ، وصعد المنبر ودعا الناس إلى بيعته وخطب خطبة طويلة ، بين فيها فضائل على ( عليه السلام ) وكشف مؤامرة قريش على عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) . ومما قاله « رحمه الله » : « وأمر ( صلى الله عليه وآله ) أسامة بن زيد فعسكر بهم على أميال من المدينة ، فأقام بمكانه الذي حد له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) منتظراً القوم أن يرافقوه إذا فرغوا من أمورهم وقضاء حوائجهم ، وإنما أراد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بما صنع من ذلك أن تخلو المدينة منهم ولا يبقى بها أحد من المنافقين . قال : فهم على ذلك من شأنهم ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دائب يحثهم ويأمرهم بالخروج والتعجيل إلى الوجه الذي ندبهم إليه ، إذ مرض رسول الله مرضه الذي توفى فيه ، فلما رأوا ذلك تباطؤوا عما أمرهم رسول الله من الخروج ، فأمر قيس بن سعد بن عبادة وكان سياف رسول الله والحباب بن المنذر في جماعة من الأنصار أن يرحلوا بهم إلى عسكرهم ، فأخرجهم قيس بن سعد والحباب بن المنذر حتى ألحقاهم بمعسكرهم ، وقالا لأسامة : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لم يرخص لك في التخلف فسر من وقتك هذا ، ليعلم رسول الله ذلك . فارتحل بهم أسامة وانصرف قيس بن سعد والحباب بن المنذر إلى رسول الله فأعلماه برحلة القوم ، فقال لهم : إن القوم غير سائرين من مكانهم !

قال : فخلا أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بأسامة وجماعة من أصحابه فقالوا : إلى أين ننطلق ونخلي المدينة ، ونحن أحوج ما كنا إليها وإلى المقام بها ؟ !

قالوا : إن رسول الله قد نزل به الموت ، ووالله لئن خلينا المدينة ليحدثن بها أمور لا يمكن إصلاحها ! ننظر ما يكون من أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ثم المسير بين أيدينا !

قال : فرجع القوم إلى المعسكر الأول فأقاموا به ، فبعثوا رسولاً يتعرف لهم بالخبر من أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأتى الرسول عائشة فسألها عن ذلك سراً فقالت : إمض إلى أبى بكر وعمر ومن معهما فقل لهما : إن رسول الله قد ثقل ولا يبرحن أحد منكم ! وأنا أعلمكم بالخبر وقتاً بعد وقت ! واشتدت علة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فدعت عائشة صهيباً فقالت : إمض إلى أبى بكر وأعلمه أن محمداً في حال لاترجي ، فهلموا إلينا أنت وعمر وأبو عبيدة ومن رأيتم أن يدخل معكم ، وليكن دخولكم المدينة بالليل سراً ! قال : فأتاهم بالخبر فأخذوا بيد صهيب فأدخلوه إلى أسامة بن زيد فأخبروه الخبر وقالوا له كيف ينبغي لنا أن نتخلف عن مشاهدة رسول الله ، واستأذنوه للدخول فأذن لهم بالدخول ، وأمرهم أن لا يعلم أحد بدخولهم ، وقال : إن عوفي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) رجعتم إلى عسكركم ، وإن حدث حادث الموت عرفونا ذلك لنكون في جماعة الناس ، فدخل أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ليلاً المدينة ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد ثقل .

قال : فأفاق بعض الإفاقة فقال : لقد طرق ليلتنا هذه المدينة شر عظيم ! فقيل له وما هو يا رسول الله ؟ قال فقال : إن الذين كانوا في جيش أسامة قد رجع منهم نفر يخالفون أمري ، ألا إني إلى الله منهم بريء !

ويحكم نفذوا جيش أسامة ! فلم يزل يقول ذلك حتى قالها مرات كثيرة .

قال : وكان بلال مؤذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يؤذن بالصلاة في كل وقت صلاة ، فإن قدر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على الخروج تحامل وخرج وصلى بالناس ، وإن هو لم يقدر على الخروج أمر علي بن أبي طالب فصلى بالناس ، وكان على ( عليه السلام ) والفضل بن العباس لا يزايلانه في مرضه ذلك . فلما أصبح رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من ليلته تلك التي قدم فيها القوم الذين كانوا تحت يدي أسامة ، أذن بلال ثم أتاه يخبره كعادته فوجده قد ثقل فمنع من الدخول إليه ، فأمرت عائشة صهيباً أن يمضى إلى أبيها فيعلمه أن رسول الله قد ثقل ، وليس يطيق النهوض إلى المسجد وعلي بن أبي طالب قد شغل به وبمشاهدته عن الصلاة بالناس ، فأخرج أنت إلى المسجد وصل بالناس فإنها حالة تهيئك وحجة لك بعد اليوم .

قال : ولم يشعر الناس وهم في المسجد ينتظرون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو علياً ( عليه السلام ) يصلى بهم كعادته التي عرفوها في مرضه ، إذ دخل أبو بكر المسجد وقال : إن رسول الله قد ثقل وقد أمرني أن أصلى بالناس ! فقال له رجل من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وأنَّى لك ذلك وأنت في جيش أسامة ! لا والله ما أعلم أحداً بعث إليك ولا أمرك بالصلاة ! ثم نادى الناس بلالاً فقال : على رسلكم رحمكم الله لأستأذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في ذلك ، ثم أسرع حتى أتى الباب فدقه دقاً شديداً ، فسمعه رسول الله فقال : ما هذا الدق العنيف فانظروا ما هو ؟ قال فخرج الفضل بن العباس ففتح الباب فإذا بلال فقال : ما وراءك يا بلال ؟ فقال : إن أبا بكر دخل المسجد وتقدم حتى وقف في مقام رسول الله ، وزعم أن رسول الله أمره بذلك ! فقال أوليس أبو بكر مع أسامة في الجيش ! هذا والله هو الشر العظيم الذي طرق البارحة المدينة ! لقد أخبرنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بذلك !

ودخل الفضل وأدخل بلالاً معه فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ما وراءك يا بلال ؟ فأخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الخبر فقال : أقيمونى أخرجوني إلى المسجد والذي نفسي بيده قد نزلت بالإسلام نازلة وفتنة عظيمة من الفتن !

ثم خرج ( صلى الله عليه وآله ) معصوب الرأس يتهادى بين على ( عليه السلام ) والفضل بن عباس ورجلاه تجران في الأرض ، حتى دخل المسجد وأبو بكر قائم في مقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله )

وقد طاف به عمر وأبو عبيدة وسالم وصهيب والنفر الذين دخلوا ، وأكثر الناس قد وقفوا عن الصلاة ينتظرون ما يأتي به بلال ، فلما رأى الناس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد دخل المسجد وهو بتلك الحالة العظيمة من المرض أعظموا ذلك ، وتقدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجذب أبا بكر من ردائه فنحاه عن المحراب ، وأقبل أبو بكر والنفر الذين كانوا معه ، فتواروا خلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! وأقبل الناس فصلوا خلف رسول الله وهو جالس وبلال يسمع الناس التكبير حتى قضى صلاته ، ثم التفت فلم ير أبا بكر ! فقال : أيها الناس لا تعجبون من ابن أبي قحافة وأصحابه الذين أنفذتهم وجعلتهم تحت يدي أسامة ، وأمرتهم بالمسير إلى الوجه الذي وجهوا إليه فخالفوا ذلك ورجعوا إلى المدينة ابتغاء الفتنة ، ألا وإن الله قد أركسهم فيها !

أعرجوابى إلى المنبر فقام وهو مربوط حتى قعد على أدنى مرقاة ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أيها الناس إنني قد جاءني من أمر ربى ما الناس صائرون إليه وإني قد تركتكم على المحجة الواضحة ليلها كنهارها ، فلا تختلفوا من بعدى كما اختلف من كان قبلكم من بني إسرائيل !

أيها الناس : لا أحِلُّ لكم إلا ما أحله القرآن ولا أحَرِّم عليكم إلا ما حرَّمه القرآن وإني مخلِّف فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله وعترتي أهل بيتي هما الخليفتان ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، فأسألكم ماذا خلفتموني فيهما . وليذادن يومئذ رجال عن حوضي كما تذاد الغريبة من الإبل ، فيقول أنا فلان وأنا فلان ، فأقول أما الأسماء فقد عرفت ولكنكم ارتددتم من بعدى

فسحقاً لكم سحقاً !

ثم نزل عن المنبر وعاد إلى حجرته . ولم يظهر أبو بكر وأصحابه حتى قبض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ! وكان من الأنصار سعد وغيرهم من السقيفة ما كان ، فمنعوا أهل بيت نبيهم ( صلى الله عليه وآله ) حقوقهم التي جعلها الله عز وجل لهم » .

7 - أبو بكر وعمر يظهران الندم على تركهما جيش أسامة !

في الخصال / 171 : « عن جابر بن عبد الله قال : شهدت عمر عند موته يقول : أتوب إلى الله من ثلاث : من ردى رقيق اليمن ، ومن رجوعي عن جيش أسامة بعد أن أمَّره رسول الله علينا ، ومن تعاقدنا على أهل هذا البيت إن قبض الله رسوله لا نولى منهم أحداً » . وروى نحوه عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) .

وفى الإيضاح / 159 ، عن إياس بن قبيصة الأسدي ، من حديث قال : « سمعت أبا بكر يقول . . وأما الثلاث اللاتي لم أفعلهن وليتني كنت فعلتهن ، فوددت أنى كنت أقدت من خالد بن الوليد بمالك بن نويرة ، ووددت أنى لم أتخلف عن بعث أسامة ، ووددت أنى كنت قتلت عيينة بن حصين وطلحة بن خويلد » .

8 - الرواية الرسمية لجيش أسامة

في سيرة ابن هشام : 4 / 1025 و 1064 : « ثم قفل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأقام بالمدينة بقية ذي الحجة والمحرم وصفراً ، وضرب على الناس بعثاً إلى الشام وأمَّر عليهم أسامة بن زيد بن حارثة مولاه ، وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين ، فتجهز الناس وأوعب مع أسامة بن زيد المهاجرون الأولون . . .

استبطأ الناس في بعث أسامة بن زيد وهو في وجعه ، فخرج عاصباً رأسه حتى جلس على المنبر ، وقد كان الناس قالوا في إمرة أسامة : أمَّر غلاماً حدثاً على جلة المهاجرين والأنصار ! فحمد الله وأثنى عليه بما هو له أهل ثم قال : أيها الناس ، أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لئن قلتم في إمارته لقد قلتم في إمارة أبيه من قبله وإنه لخليق للإمارة وإن كان أبوه لخليقاً لها ! قال : ثم نزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وانكمش الناس في جهازهم ، واستعز برسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجعه ، فخرج أسامة وخرج جيشه معه حتى نزلوا الجرف من المدينة على فرسخ « نحو 6 كيلومتر » فضرب به عسكره ، وتتامَّ إليه الناس ، وثقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأقام أسامة والناس لينظروا ما الله قاض في رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » .

وفى صحيح بخاري : 1 / 175 ، عن عائشة : « لما ثقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) جاء بلال يؤذنه بالصلاة فقال : مروا أبا بكر أن يصلى بالناس ، فقلت : يا رسول الله إن أبا بكر رجل أسيف ، وإنه متى ما يقم مقامك لا يسمع الناس ، فلو أمرت عمر . فقال : مروا أبا بكر يصلي ، فقلت لحفصة ، قولي له إن أبا بكر رجل أسيف وإنه متى يقم مقامك لا يسمع الناس فلو أمرت عمر . قال : إنكن لأنتن صواحب يوسف ، مروا أبا بكر أن يصلى بالناس ! فلما دخل في الصلاة وجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في نفسه خفة فقام يهادى بين رجلين ورجلاه يخطان في الأرض ، حتى دخل المسجد ، فلما سمع أبو بكر حسه ذهب أبو بكر يتأخر فأومأ إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فجاء رسول الله حتى جلس عن يسار أبى بكرفكان أبو بكر يصلى قائماً ، وكان رسول الله يصلى قاعداً يقتدى أبو بكر بصلاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والناس مقتدون بصلاة أبى بكر » !

9 - رد قولهم إن النبي « صلى الله عليه وآله » نصب أبا بكر للصلاة

رد علماؤنا روايتهم بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمر أن يصلى أبو بكر بالناس ، وقال السيد الميلاني في إبطال ما استدل به لإمامة أبى بكر / 33 : « أما أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) كان يؤكد على بعث أسامة ، وإلى آخر لحظة من حياته ، فلم يخالف فيه أحد ولا خلاف فيه أبداً ، وهو مذكور في كتبنا وفى كتبهم . . وأما أن كبار الصحابة وعلى رأسهم أبو بكر وعمر كانا في هذا البعث ، فهذا أيضاً ثابت بالكتب المعتبرة التي نقلت هذا الخبر ، فكيف يأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بخروج أبى بكر في بعث أسامة ويؤكد على خروجه إلى آخر لحظة من حياته ، ومع ذلك يأمر أبا بكر أن يصلى في مكانه ؟

وهنا يضطر مثل ابن تيمية لأن ينكر وجود أبى بكر في بعث أسامة ، ويقول هذا كذب ، لأنه يعلم بأن وجود أبى بكر في بعث أسامة يعنى كذب خبر إرسال أبى بكر إلى الصلاة . . ولذا لما توفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان أسامة بجيشه في خارج المدينة ، ولذا لما ولى أبو بكر اعترض أسامة ولم يبايع أبا بكر قال : أنا أمير على أبى بكر وكيف أبايعه ؟ ولذا لما سير أبو بكر أسامة بما أمره رسول الله به استأذن منه إبقاء عمر في المدينة المنورة ليكون معه في تطبيق الخطط المدبرة . فالقرائن الداخلية والخارجية تقتضى كذب هذا خبر أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أرسل أبا بكر إلى الصلاة » .

وقال السيد الميلاني في رسالة في صلاة أبى بكر : 76 : « خرج معتمداً على أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ورجل آخر وهو في آخر رمق من حياته ليصرفه « أبا بكر » عن المحراب . . ويعلن بأن صلاته لم تكن بأمر منه بل من غيره » !

وقال كبير أئمة الزيدية الهادي يحيى بن الحسين في تثبيت الإمامة / 18 : « وكيف تنعقد بيعة لمن هو في بيعة غيره ؟ ألم يكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجه أبا بكر وعمر وغيرهما في جيش أسامة بن زيد قبل وفاته صلوات الله عليه ، وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا ويصلوا بصلاته ويأتمروا بأمره ؟ وقال ( صلى الله عليه وآله ) : أنفذوا جيش أسامة ولا يتخلف إلا من كان عاصياً لله ولرسوله . فلما صار أسامة بعسكره على أميال من المدينة بلغهم مرض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرجع أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح ، فلما دخلوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تغير لونه وقال : اللهم إني لا آذن لأحد أن يتخلف عن جيش أسامة ! وهمَّ أبو بكر بالرجوع إلى أسامة واللحوق به فمنعه عمر !

ثم قال : وقال عمر لأبى بكر : أُكتب إلى أسامة بن زيد يقدم عليك ، فإن في قدومه عليك قطع الشنعة عنا ! فكتب إليه أبو بكر : بسم الله الرحمن الرحيم ، من عبد الله أبى بكر خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى أسامة بن زيد : أما بعد ، فانظر إذا أتاك كتابي هذا فأقبل إلى أنت ومن معك ، فإن المسلمين قد اجتمعوا عَلَي ، وولونى أمرهم ، فلا تتخلفن فتعصينى ويأتيك ما تكره ، والسلام . فأجابه أسامة بن زيد ، وكتب إليه : بسم الله الرحمن الرحيم . من عبد الله أسامة بن زيد عامل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) على غزوة الشام إلى أبى بكر بن أبي قحافة ، أما بعد فقد أتاني كتابك ينقض أوله آخره ! ذكرت في أوله : أنك خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وذكرت في آخره أن الناس قد اجتمعوا عليك ، وولوك أمرهم ورضوا بك ! واعلم أنى ومن معي من المهاجرين والأنصار وجميع المسلمين ما رضيناك ولا وليناك أمرنا ، فاتق الله ربك ، وإذا قرأت كتابي هذا فأقدم إلى ديوانك الذي بعثك فيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا تعصه ، وأن تدفع الحق إلى أهله فإنهم أحق به منك ، وقد علمت ما قال رسول الله في علي يوم الغديروما طال العهد فتنسي ؟ ! فانظر أن تلحق بمركزك ولا تتخلف فتعصى الله سبحانه وتعالى ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) وتعصى من استخلفه رسول الله عليك وعلى صاحبك ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) استخلفنى عليكم ولم يعزلني ، وقد علمت كراهة رسول الله لرجوعكم منى إلى المدينة وقال : لا يتخلفن أحد عن جيش أسامة إلا كان عاصياً لله ولرسوله ! فيالك الويل يا ابن أبي قحافة ! تعدل نفسك بعلى بن أبي طالب وهو وارث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ووصيه وابن عمه وأبو ولديه ؟ ! فاتق الله أنت وصاحبك فإنه لكما بالمرصاد وأنتما منه في غرور !

والذي بعث محمداً بالحق نبياً ما تركت أمة وصى رسولها ولا نقضوا عهده إلا استوجبوا من الله اللعنة والسخط !

فلما وصل الكتاب إلى أبى بكر هم أن يخلعها من عنقه فقال عمر : لا تفعل ، قميص قمصك الله تعالى لا تخلعه فتندم ! فقال له : يا عمر أكفرٌ بعد إسلام ؟ فألح عليه عمر وقال : أُكتب إليه وإلى فلان وأمر فلاناً وفلاناً وفلاناً جماعة من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يكتبوا إليه أن أقدم ، ولا تفرق جماعة المسلمين !

فلما وصلت كتبهم قدم المدينة ودخل إلى علي ( عليه السلام ) فعزاه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وبكى بكاءً شديداً وضم الحسن والحسين إلى صدره وقال : يا علي ما هذا ؟ ! قال : هو ما أنت تري ! قال : فما تأمرني ؟ فأخبره بما عهد إليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من تركهم حتى يجد أعواناً ! ثم أتى أبو بكر إلى أسامة وسأله البيعة ؟ فقال له أسامة : إن رسول الله أمَّرنى عليك فمن أمَّرك عَلَي ؟ والله لا أبايعك أبداً ولا حللت لك عهدي فلا صلاة لك إلا بصلاتي ! أفلا يرى من عقل أن أسامة أمير على أبى بكر وهو أحق بهذا الأمر وأولى منه ، لأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مات وهو عليه أمير ، ولم يعزله عن إمرته . فأين الإجماع والرضا مع هذه الأخبار ؟ ! » .

وقال في تثبيت الإمامة / 22 : « فسألناهم البينة من غير أهل مقالتهم على أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أمر أبا بكر بالصلاة بالناس ؟ فلم يأتوا بالبينة على ذلك ! وأجمعت الثلاث الفرق التي خالفتهم أن عائشة هي التي أمرت بلالاً عندما آذن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقالت : مر أبا بكر أن يصلى بالناس ! فبطلت حجة من زعم أن رسول الله أمر أبا بكر بالصلاة ، ولم نجد أحداً يشهد لها على هذا الادعاء !

ثم أجمع جميع أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) على أنه لما أفاق من غشيته سأل : من المتولى للصلاة ؟ فقالوا : أبو بكر . فنهض ( صلى الله عليه وآله ) متوكئاً على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه . . . تخط الأرض قدماه حتى جر أبا بكر من المحراب فأخره وتقدم ( صلى الله عليه وآله ) فصلى بالناس » .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.