هل صحيح أنّ آية : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] نزلت في أبي طالب؟ |
148
08:09 صباحاً
التاريخ: 2024-10-21
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-19
347
التاريخ: 2024-10-19
345
التاريخ: 2024-10-21
164
التاريخ: 2024-10-21
149
|
الجواب : لا يخفى عليكم : أنّ معاوية بن أبي سفيان انفق الكثير من بيت مال المسلمين في سبيل تزوير الأحاديث ، وتحريف الآيات النازلة في حقّ أهل البيت عليهم السلام ، فوضع في حقّ الإمام علي عليه السلام وأبيه أبي طالب عليه السلام الأراجيف والتهم انتقاماً منهما.
ومن تلك التهم التي وضعها هي : أنّ أبا طالب عليه السلام مات مشركاً ، والنبيّ صلى الله عليه وآله كان يستغفر لعمّه ، فنزلت الآية الشريفة لتنهاه عن الاستغفار له ، وذلك من خلال وضع الأحاديث المحرّفة في شأن نزول هذه الآية ، والتي ترويها بعض الكتب السنّية ، منها : ما جاء في « صحيح البخاري » عن ابن المسيّب عن أبيه : إنّ أبا طالب لمّا حضرته الوفاة ، دخل عليه النبيّ صلى الله عليه وآله ، وعنده أبو جهل ، فقال : أي عم ، قل : لا اله إلاّ الله ، كلمة أحاج لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أُمية : يا أبا طالب ترغب عن ملّة عبد المطّلب ، فلم يزالا يكلّمانه ، حتّى قال آخر شيء كلّمهم به : على ملّة عبد المطلب ، فقال النبيّ صلى الله عليه وآله : لاستغفرن لك ما لم أُنه عنه ، فنزلت : {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا} [التوبة: 113] (1).
وبهذا المضمون وردت روايات أُخرى بأسانيد مختلفة.
والجواب عن هذه الشبهة ، تارة يقع عن الحديث ، وأُخرى عن الآية.
أمّا الحديث ففيه : إنّ رواته ورواة الأحاديث الأُخرى بين ضعيف ومجهول ومطعون به ، فالروايات إذاً ضعيفة السند ، خصوصاً وأنّ راويها سعيد بن المسيّب ، الذي اختلف فيه اختلافاً كبيراً ، بين التعديل والتجريح ، ومن القادحين فيه ابن أبي الحديد في « نهج البلاغة » (2) ، حيث سلكه في عداد المنحرفين عن علي عليه السلام ، وأنّ في قلبه شيئاً منه.
إذاً كيف نستطيع أن نأخذ حديثاً في قدح علي عليه السلام من شخص متهم عليه؟
وإذا عرفنا أنّ سعيداً هو القائل : « من مات محبّاً لأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وشهد للعشرة بالجنّة ، وترحّم على معاوية ، كان حقيقاً على الله أن لا يناقشه الحساب » (3) ، فحينئذ نعرف بعد ما أوضح موقفه من معاوية ، قيمة هذا الحديث الذي وضعه في حقّ أبي طالب عليه السلام.
وأمّا الآية ففيها :
1 ـ تدلّنا رواية البخاري على أنّ الآية نزلت عند احتضار أبي طالب ، ولكنّا إذا رجعنا إلى نزولها وجدناها مدنية ، فبين وفاة أبي طالب ونزول هذه الآية ، ما يزيد على ثمانية أعوام.
فمجرى الحديث يدلّ على استمرار استغفار الرسول صلى الله عليه وآله لعمّه وهو كذلك ولم ينقطع إلاّ عند نزول هذه الآية : (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ...).
وهنا نتساءل : كيف جاز للرسول صلى الله عليه وآله أن يستغفر لعمّه في الفترة التي بعد موته حتّى نزول هذه الآية؟ وكانت قد نزلت على الرسول آيات زاجرة تنهاه ، وتنهى المؤمنين أن يستغفروا للمشركين ، قبل نزول هذه الآية بأمد طويل ، من تلك الآيات قوله : {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ} (4) فهل يجوز للرسول صلى الله عليه وآله أن يستغفر لعمّه ، ولديه آيات ناهية وزاجرة عن الاستغفار للمشركين؟
2 ـ هناك روايات وأقوال تنقض حديث البخاري وغيره في وجه نزول الآية.
على سبيل المثال :
أ ـ عن الإمام علي عليه السلام قال : « سمعت رجلاً يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فذكرت ذلك للنبيّ صلى الله عليه وآله ، فنزلت الآية المذكورة » (5).
ب ـ وفي رواية أُخرى : وقال المؤمنون : ألا نستغفر لآبائنا كما استغفر إبراهيم؟ فنزلت (6).
3 ـ اختلف في تفسير الآية ، فالبعض قال : تحمل معنى النفي لا معنى النهي ، أي : أن الآية تنفي عن الرسول أنّه كان يستغفر للمشركين ، لا أنّها تنهاه عن الاستغفار.
إذاً كلّ من استغفر له الرسول فهو مؤمن ما دمنا نقرّ له بالنبوّة والعصمة ، والعمل الحقّ.
4 ـ لو سلّمنا بحديث البخاري ، فإنّ قول أبي طالب : على ملّة عبد المطّلب ، ليس سوى دليل على إيمانه ، أليست ملّة عبد المطّلب هي الحنفية ، ففي الحقيقة آمن أبو طالب طبقاً لهذه الرواية ، وأنّه أعلن عن إيمانه بشكل تورية ، حتّى لا يشعر به الكفّار من قريش آنذاك.
والخلاصة : إنّ الآية لم تنزل بحقّ أبي طالب عليه السلام ، وإنّه مات مؤمناً لا مشركاً.
_______________
1 ـ صحيح البخاري 4 / 247 .
2 ـ شرح نهج البلاغة 4 / 101.
3 ـ تاريخ مدينة دمشق 59 / 207.
4 ـ المجادلة : 22 ، وقوله في سورة النساء : 139 و 144 ، وآل عمران : 28 ، والمنافقون : 6 ، وغيرها.
5 ـ الغدير 8 / 12 ، مسند أحمد 1 / 99 و 131 ، الجامع الكبير 4 / 344 ، المستدرك على الصحيحين 2 / 335 ، فتح الباري 8 / 391 ، مسند أبي يعلى 1 / 458 ، كنز العمّال 2 / 421 ، جامع البيان 11 / 60 ، تفسير القرآن العظيم 2 / 407 ، الدرّ المنثور 3 / 282 ، فتح القدير 2 / 411.
6 ـ فتح الباري 8 / 391 ، جامع البيان 11 / 57 ، زاد المسير 3 / 345 ، أسباب نزول الآيات : 178 ، تاريخ مدينة دمشق 66 / 329.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|