تعد حرفة الصناعة من أكثر الحرف انتشاراً بين السكان، وقد تكون أكثرها أهمية للعديد من الشعوب من جهة مكانتها وأسبقيتها في الهيكل الاقتصادي. ولا تتماثل في هذه الأهمية فروع الصناعة ، فالصناعة الاستخراجية Extracting Industry يعتمد قيامها ونجاحها على جملة من العوامل أهمها وفرة خامات المعادن ثم إمكانية استثمارها وتسويقها، والمعادن قد لا تكون موجودة، أو أن الاحتياطي منها ضئيل أو واطئ الرتبة، وقد يكون في موقع منعزل، ثم أن عملیات استثمارها قد لا تكون متاحة لسبب أو آخر. وعموماً فإن الأهمية التي تكتسبها الصناعات الاستخراجية أدنى من فرع الصناعة الآخر وهو الصناعة التحويلية Manufacturing Industry عدا بعض حالات الاستثناء مثل تصدير النفط بكميات كبيرة. تكتسب الصناعة التحويلية أهميتها من بين قطاعات الاقتصاد عامة لقدرتها على إمداد تلك القطاعات بأسباب النجاح والتطور، إلا أن فروع الصناعة التحويلية هي الأخرى لا تتصف في التماثل في الأهمية زماناً ومكاناً.

 وعندما زاد دخل الفرد عن 600 دولار ارتفعت الإنتاجية إلى 35% وانخفضت الاستهلاكية إلى 45% وبقيت الوسيطة ثابتة . والدول الصناعية ذاتها تختلف بأهمية فروع الصناعات الإنتاجية، فبعضها تتقدم فيها الصناعات الهندسية مثل اليابان وفرنسا وإيطاليا، وفي أخرى تتقدم الكيمياوية مثل الولايات المتحدة وألمانيا ، وقد تنال الصناعات الالكترونية قريباً المرتبة الأولى في الولايات المتحدة واليابان لتطورها بسرعة فائقة في هاتين الدولتين وفي الدول النامية أيضاً تتباين فروع الصناعات التحويلية في أهميتها، فمنها ما تحتل فيه الصناعات الغذائية أهمية كبرى وغيرها النسيجية. تتميز الصناعات الإنتاجية بارتفاع القيمة المضافة لعملياتها الصناعية، وقدرتها على استيعاب التطور التقني والجديد فيه من المخترعات Inventions والابتكارات Innovations وإنتاجها الواسع Mass Production، وبإنتاجها سلعاً وسيطة نصف مصنعة تدخل كمواد أولية في صناعات أخرى قبل وصولها المستهلك كمنتجات نهائية، مما يجعلها ذات قدرة فائقة على الربط بين فروع النشاط الصناعي، والقائم منها يحفز إقامة غيره مفيداً له ومستفيداً منه.

إن الهيكل الصناعي الذي يتصف بهيمنة الصناعات الإنتاجية فيه يعتبر قويا ويوفر قاعدة صناعية راسخة، وذا قدرة على إحداث تغيير إيجابي كمي ونوعي في بنية الاقتصاد المحلي والقومي لهذا تسعى الدول الى تطوير صناعاتها الإنتاجية، من دون أن يعني ذلك إهمال الصناعات الاستهلاكية لضرورتها الماسة في توفر السلع التي يحتاجها السكان يومياً.

إن سعي الدول لتطوير هذه الصناعات قد يعرقله ضعف قدرتها على توفير مطالبها الضخمة والمتنوعة أهمها الحاجة لرؤوس أموال ضخمة، كوادر فنية عالية التأهيل أسواق واسعة تتمثل بمصانع كبيرة تستوعب منتجاتها نصف المصنعة مراكز بحث ومختبرات دؤوبة تتابع وتطور حلقات العلم والتكنولوجيا ، وقدرة على تطبيق العديد من الانجازات التقنية.

تتغير حالة الهيكل الصناعي بين آونة وأخرى تبعاً لمقدار واتجاه التغير في فروع الصناعة إيجاباً وسلباً. وتتفاعل العديد من العوامل في ذلك، ومن أبرزها التطبيق غير المتماثل للتقنيات في العمليات الصناعية لفروع الصناعة، تبدل أحوال السوق في سعتها وقدرتها أو في أنماط الطلب على السلع الصناعية، تطور أو تراجع قدرة الإقليم أو الموقع على إمداد صناعة ما بمطالبها.

وقد يحصل التغير أيضاً عند إعادة النظر بالتنظيمات الصناعية والإدارية، وتلك التي تخدم الصناعة مثل إنشاء مراكز للبحث والتطوير الصناعي، ومراكز لتدريب العاملين معاهد وجامعات تقنية ، اكتشاف واستثمار موارد معدنية جديدة، إنتاج محاصيل صناعية والصناعات التي تتمكن من الإفادة من هذه الإجراءات تتطور بنسب تفوق غيرها.

لا تحدث التغيرات في الهيكل الصناعي بشكل منتظم وإيجابي دائماً ، لذلك فإن السيطرة عليها والتحكم بها وتنظيمها أمر حيوي لكنه في غاية الصعوبة في أحيان عدة، إضافة الى أن تصحيح الاتجاهات المكانية والقطاعية لها يتطلب وقتاً وجهداً وإمكانات كبيرة وقد لا تثمر جهود التصحيح الا بعد حين. وإذا كان الهيكل الصناعي القائم قد اتخذ نمطاً معيناً له بشكل تلقائي، فإن دور التخطيط الصناعي Industrial Planning سيكون أكثر وضوحاً في رسم وتحديد نمطاً من الممكن الوصول إليه في المرحلة القريبة وربما هدفاً آخر في الأمد البعيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

، OP.Cit., P. 147 ، 155-156.، (1). Harry Richard Regional conomies