أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-4-2017
3068
التاريخ: 10-12-2014
4025
التاريخ: 28-4-2017
2988
التاريخ:
3725
|
1 - قريش تستنفر لقتل النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) بعد بيعة الأنصار
أ . بعد الحج شاع خبر بيعة العقبة ، فثارت قريش على الأنصار ! ففي المناقب : 1 / 158 : « نفر الناس من منى وفشى الخبر ، فخرجوا في الطلب فأدركوا سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو ، فأما المنذر فأعجز القوم ، وأما سعد فأخذوه وربطوه بنسع رحله وأدخلوه مكة يضربونه ، فبلغ خبره إلى جبير بن مطعم ، والحرث بن حرب بن أمية ، فأتياه وخلصاه » . المناقب : 1 / 158 .
وفي سيرة ابن هشام : 2 / 306 : « فلما بايعنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) صرخ الشيطان من رأس العقبة بأنفذ صوت سمعته قط : يا أهل الجباجب « المنازل » هل لكم في مذمم والصباة معه ، قد اجتمعوا على حربكم . قال فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هذا أَزَبُّ العقبة ، أتسمع أي عدو الله ، أما والله لأفرغن لك . ثم قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : إرفَضُّوا إلى رحالكم . . قال : فرجعنا إلى مضاجعنا فنمنا عليها حتى أصبحنا ، فلما أصبحنا غدت علينا جلة قريش حتى جاؤونا في منازلنا فقالوا : يا معشر الخزرج إنه قد بلغنا أنكم قد جئتم إلى صاحبنا هذا تستخرجونه من بين أظهرنا وتبايعونه على حربنا ، وإنه والله ما من حي من العرب أبغض إلينا أن تنشب الحرب بيننا وبينهم ، منكم . قال : فانبعث من هناك من مشركي قومنا يحلفون بالله ما كان من هذا شئ وما علمناه . قال : وقد صدقوا لم يعلموه . أتوا عبد الله ابن أبي ابن سلول فقالوا له مثل ما قال كعب من القول » . ونحوه الطبري : 2 / 95 .
وفي أمالي الطوسي / 176 ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : « تمثل إبليس لعنه الله في أربع صور : تمثل يوم بدر في صورة سراقة بن جعشم المدلجي فقال لقريش : وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيئٌ مِنْكُمْ . . وتصور يوم العقبة في صورة منبه بن الحجاج فنادى : إن محمداً والصباة معه عند العقبة فأدركوهم ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) للأنصار : لا تخافوا فإن صوته لن يعدوهم .
وتصور يوم اجتماع قريش في دار الندوة في صورة شيخ من أهل نجد ، وأشار عليهم في النبي ( صلى الله عليه وآله ) بما أشار فأنزل الله تعالى : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ . وتصور يوم قبض النبي ( صلى الله عليه وآله ) في صورة المغيرة بن شعبة فقال : أيها الناس لا تجعلوها كسروانية ولا قيصرانية ، وسِّعوها تتسع ، فلا تردوها في بني هاشم ، فتنتظر بها الحبالى » !
ب . وتواصلت مشاورات قريش بقية محرم وصفر ، حتى كانت جلستهم الشهيرة في أواخر صفر ، وقرروا فيها قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعينوا المنفذين ووقت التنفيذ .
ففي تفسير القمي : 1 / 273 : « فرجعوا إلى مكة وقالوا : لا نأمن من أن يفسد أمرنا ويدخل واحد من مشايخ قريش في دين محمد ، فاجتمعوا في الندوة وكان لا يدخل دار الندوة إلا من قد أتى عليه أربعون سنة ، فدخلوا أربعون رجلاً من مشايخ قريش ، وجاء إبليس في صورة شيخ كبير فقال له البوَّاب : من أنت ؟ فقال أنا شيخ من أهل نجد لا يعدمكم مني رأي صائب ، إني حيث بلغني اجتماعكم في أمر هذا الرجل ، فجئت لأشير عليكم ، فقال الرجل : أدخل فدخل إبليس !
فلما أخذوا مجلسهم قال أبو جهل : يا معشر قريش إنه لم يكن أحد من العرب أعزّ منا ، نحن أهل الله تغدو الينا العرب في السنة مرتين ويكرموننا ، ونحن في حرم الله لا يطمع فينا طامع ، فلم نزل كذلك حتى نشأ فينا محمد بن عبد الله فكنا نسميه الأمين لصلاحه وسكونه وصدق لهجته ، حتى إذا بلغ ما بلغ وأكرمناه ، ادعى أنه رسول الله وأن أخبار السماء تأتيه ، فسفه أحلامنا وسب آلهتنا وأفسد شبابنا وفرق جماعتنا ، وزعم أنه من مات من أسلافنا ففي النار ، فلم يرد علينا شيء أعظم من هذا ! وقد رأيتُ فيه رأياً . قالوا : وما رأيت ؟ قال : رأيت أن ندس إليه رجلاً منا ليقتله ، فإن طلبت بنو هاشم بدمه أعطيناهم عشرديات ، فقال الخبيث : هذا رأي خبيث ! قالوا وكيف ذلك ؟ قال : لأن قاتل محمد مقتول لا محالة ، فمن ذا الذي يبذل نفسه للقتل منكم ؟ فإنه إذا قتل محمد تغضب بنو هاشم وحلفاؤهم من خزاعة ، وإن بني هاشم لا ترضى أن يمشي قاتل محمد على الأرض ، فتقع بينكم الحروب في حرمكم وتتفانوا .
فقال آخر منهم : فعندي رأي آخر قالوا : وما هو ؟ قال نثبته في بيت ونلقي إليه قوته حتى يأتي عليه ريب المنون فيموت كما مات زهير والنابغة وامرؤ القيس ، فقال إبليس : هذا أخبث من الآخر ! قالوا : وكيف ذلك ؟ قال لأن بني هاشم لا ترضى بذلك ، فإذا جاء موسم من مواسم العرب استغاثوا بهم واجتمعوا عليكم فأخرجوه ! قال آخر منهم : لا ولكنا نخرجه من بلادنا ونتفرغ نحن لعبادة آلهتنا .
قال إبليس : هذا أخبث من الرأيين المتقدمين ! قالوا : وكيف ذاك ؟ قال : لأنكم تعمدون إلى أصبح الناس وجهاً وأنطق الناس لساناً وأفصحهم لهجة ، فتحملونه إلى وادي العرب فيخدعهم ويسحرهم بلسانه ، فلا يفجأكم إلا وقد ملأها عليكم خيلاً ورجلاً ! فبقوا حائرين ثم قالوا لإبليس : فما الرأي فيه يا شيخ ؟ قال : ما فيه إلا رأي واحد . قالوا وما هو ؟ قال يجتمع من كل بطن من بطون قريش واحد ، ويكون معهم من بني هاشم رجل ، فيأخذون سكيناً أو حديدة أو سيفاً ، فيدخلون عليه فيضربونه كلهم ضربة واحدة ، حتى يتفرق دمه في قريش كلها فلا يستطيع بنو هاشم أن يطلبوا بدمه وقد شاركوا فيه ، فإن سألوكم أن تعطوا الدية فأعطوهم ثلاث ديات ! فقالوا : نعم وعشر ديات .
ثم قالوا : الرأي رأي الشيخ النجدي ! فاجتمعوا ودخل معهم في ذلك أبو لهب عم النبي ، ونزل جبرئيل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأخبره أن قريشاً قد اجتمعت في دار الندوة يدبرون عليك ، وأنزل عليه في ذلك : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ .
واجتمعت قريش أن يدخلوا عليه ليلاً فيقتلوه ، وخرجوا إلى المسجد يُصَفِّرون ويُصفِّقون ويطوفون بالبيت ، فأنزل الله : وَمَا كَانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ . فالمكاء التصفير ، والتصدية صفق اليدين ، وهذه الآية معطوفة على قوله : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وقد كتبت بعد آيات كثيرة .
فلما أمسى رسول الله جاءت قريش ليدخلوا عليه فقال أبو لهب : لا أدعكم أن تدخلوا عليه بالليل ، فإن في الدار صبياناً ونساءً ولا نأمن أن تقع بهم يد خاطئة . فنحرسه الليلة فإذا أصبحنا دخلنا عليه ، فناموا حول حجرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » .
قال في الصحيح من السيرة : 4 / 8 : « إن أولئك القوم الذين انتدبتهم قريش اجتمعوا على باب النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو باب عبد المطلب على ما في بعض الروايات ، يرصدونه يريدون بياته ، وفيهم : الحكم بن أبي العاص ، وعقبة بن أبي معيط ، والنضر بن الحارث ، وأمية بن خلف ، وزمعة بن الأسود ، وأبو لهب ، وأبو جهل ، وأبو الغيطلة ، وطعمة بن عدي ، وأبي بن خلف ، وخالد بن الوليد ، وعتبة ، وشيبة ، وحكيم بن حزام ، ونبيه ، ومنبه ابنا الحجاج » .
أقول : أين كان الذين ادعوا لهم البطولة ، وأن الإسلام عز بهم كعمر وسعد وأبي بكر وطلحة ؟ ! تراهم يغيبون في الشدائد ويظهرون في الرخاء ؟ !
ج - . قال المحامي أحمد حسين يعقوب في كتابه : المواجهة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) / 181 : « في دار الندوة ، اتفقت زعامة البطون على قتل النبي ووضعت خطة القتل ، وتطرقت لأدق التفاصيل ! ومهمة الفتية الذين تم اختيارهم من كل البطون تتلخص بتنفيذ خطة الجريمة ، وتقضي الخطة بمراقبة البيت المبارك الذي يقيم فيه حتى إذا ما خيم الظلام وهجع السامر ، زحف فتية البطون بعزم وهدوء وطوقوا البيت المبارك ، فإن خرج النبي خلال فترة التطويق انقضوا عليه بسيوفهم وضربوه ضربة واحدة ، وإن لم يخرج خلال مدة معقولة ، دخلوا عليه البيت جميعاً وضربوه وهو نائم ضربة رجل واحد !
وقرار زعامة البطون واضح بأن تلك الليلة يتوجب أن تكون آخر ليالي محمد من الحياة ، فالأمور مرتبة ترتيباً محكماً ، ولا طاقة لبني هاشم على مواجهة البطون خاصة بعد موت سيدهم وعميدهم شيخ البطاح أبي طالب .
كل شئ جهزته البطون لتنفيذ الجريمة وبأعصاب هادئة ، مع أن محمداً من قريش ومع أن الهاشميين بنو عمومتهم ، ولكن عندما يتمكن الحقد من النفوس فإنها تبور ولا شئ يصلحها .
هيأ الرسول ( صلى الله عليه وآله ) نفسه للهجرة والخروج من مكة ، وكلف ولي عهده والإمام من بعده علي بن أبي طالب ، أن يتدثر ببرد النبي الحضرمي الأخضر ، وأن ينام في فراش النبي ، ليوهم المتآمرين القتلة أن النائم هو النبي وليس علياً فينشغلوا عنه . وكلف النبي ولي عهده أيضاً أن يتولى تأدية الأمانات الموجودة عند الرسول إلى أهلها ، وبعد أن يفعل ذلك يحمل أهل النبي ، ويتبعه مهاجراً إلى المدينة المنورة .
وبعد أن رتب النبي ( صلى الله عليه وآله ) أموره ودَّعَ ولي عهده وأهل بيته وخرج مهاجراً .
شاهد النبي المتآمرين القتلة يحيطون بالبيت المبارك إحاطة السوار بالمعصم ، ويطوقونه تطويقاً كاملاً ، بحيث يتعذر الدخول أو الخروج من البيت !
وقف النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقرأ : يَس . وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ . . . وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لايُبْصِرُونَ .
وطال انتظار المتآمرين ولم يخرج النبي وبدأت الوساوس تعمل في صدورهم ! لقد انبلج الفجر ولاحت الدنيا ، ومن المستحيل أن يتأخر خروج محمد إلى هذا الحد ، واقتحموا بيت النبي ودخلوا الحجرة المقدسة ، واقتربوا من فراش النبي وكشفوا الغطاء ، فإذا النائم بفراش النبي علي وليس محمداً ! فهاج القتلة وسألوا علياً عن النبي فقال لهم علي بهدوء المؤمن ورباطة جأشه : « قلتم له أخرج عنا فخرج عنكم » !
أحيطت زعامة بطون قريش علماً بما حدث ، فهاجت وماجت وجن جنونها ، فأطلقت فرسانها ورجالها ليبحثوا عن محمد وليعودوا به حياً أو ميتاً ، وخصصت جائزة كبرى مقدارها مائة ناقة لمن يقبض على محمد ، وبذلت زعامة بطون قريش كل وسعها للقبض على محمد ، ولكنها فشلت ولم تفلح ، حيث دخل النبي الغار وقضى فيه ثلاثة أيام ، حتى يئست زعامة البطون من العثور عليه ، وبعد ذلك شق طريقه بيمن الله ورعايته إلى عاصمة دولته المباركة » .
2 - مبيت علي ( ( ع ) ) في فراش النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) يفديه بنفسه
أ . اتفق الرواة على أن مندوبي قريش دخلوا البيت وهم شاهرون سيوفهم يتقدمهم خالد بن الوليد ، فتفاجؤوا بأن النائم مكانه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فنهض في وجههم وهو شاهر سيفه ، وتلاسنوا معه وأساء معه الكلام خالد ، فأمسك علي بيده وجذبه وعصر عضده ، فصاح خالد كالبَكر أي البعير الصغير ، ونزع علي سيف خالد ، فتدخل البقية وقالوا لعلي إنهم لا يريدون به شراً !
وقد روت حديث المبيت مصادرنا وبعضه مصادرهم . ففي أمالي الطوسي / 466 عن عمار وأبي رافع : « فخرج القوم عِزِين « متفرقين » وسبقهم بالوحي بما كان من كيدهم جبرئيل ، فتلا هذه الآية على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ . فلما أخبره جبرئيل بأمر الله في ذلك ووحيه وما عزم له من الهجرة ، دعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) وقال له : يا علي إن الروح هبط علي بهذه الآية آنفاً ، يخبرني أن قريشاً اجتمعوا على المكر بي وقتلي ، وأنه أوحى إليَّ ربي عز وجل أن أهجر دار قومي ، وأن انطلق إلى غار ثور تحت ليلتي ، وأمرني أن آمرك بالمبيت على مضجعي ليخفى بمبيتك عليهم أثري ، فما أنت قائل وصانع ؟ فقال علي ( عليه السلام ) : أوَتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله ؟ قال : نعم ، فتبسم علي ( عليه السلام ) ضاحكاً وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً بما أنبأه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من سلامته ، وكان علي ( عليه السلام ) أول من سجد لله شكراً ، وأول من وضع وجهه على الأرض بعد سجدته من هذه الأمة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما رفع رأسه قال له : إمض لما أمرت فداك سمعي وبصري وسويداء قلبي ، ومرني بما شئت أكن فيه بمسرتك ، واقعاً منه بحيث مرادك ، وإن توفيقي إلا بالله . قال ( صلى الله عليه وآله ) : وإنه ألقي عليك شبه مني ، فارقد على فراشي واشتمل ببردي الحضرمي . ثم إني أخبرك يا علي أن الله تعالى يمتحن أولياءه على قدر إيمانهم ومنازلهم من دينه ، فأشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأوصياء ثم الأمثل فالأمثل ، وقد امتحنك يا ابن عم وامتحنني فيك بمثل ما امتحن به خليله إبراهيم والذبيح إسماعيل « عليهم السلام » ، فصبراً صبراً فإن رحمة الله قريب من المحسنين . ثم ضمه النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى صدره وبكى إليه وجداً به ، وبكى علي ( عليه السلام ) جشعاً لفراق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . ولبث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بمكانه مع علي يوصيه ويأمره في ذلك بالصبر حتى صلى العشاءين ، ثم خرج في فحمة العشاء الآخرة والرصد من قريش قد أطافوا بداره ، ينتظرون أن ينتصف الليل وتنام الأعين ، فخرج وهو يقرأ هذه الآية : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لايُبْصِرُونَ . وأخذ بيده قبضة من تراب فرمى بها على رؤوسهم فما شعر القوم به حتى تجاوزهم !
فلما غلق الليل أبوابه وأسدل أستاره وانقطع الأثر ، أقبل القوم على علي ( عليه السلام ) يقذفونه بالحجارة والحلم « الأعواد » ولا يشكُّون أنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، حتى إذا برق الفجر وأشفقوا أن يفضحهم الصبح ، هجموا على علي ( عليه السلام ) ، وكانت دور مكة يومئذ سوائب لا أبواب لها ، فلما بصر بهم علي ( عليه السلام ) قد انتضوا السيوف وأقبلوا عليه بها ، وكان يقدمهم خالد بن الوليد بن المغيرة ، وثب له علي ( عليه السلام ) فختله وهمز يده فجعل خالد يقمص قماص البكر « يرفس كالفصيل » ويرغو رغاء الجمل ويذعر ويصيح ، وهم في عرج الدار « منعطفها » من خلفه ، وشد عليهم علي ( عليه السلام ) بسيفه يعني سيف خالد ، فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى ظاهر الدار ، فتبصروه فإذا هو علي ( عليه السلام ) ، فقالوا : إنك لعلي ؟ قال : أنا علي . قالوا : فإنا لم نردك فما فعل صاحبك ؟ قال : لا علم لي به . وقد كان علم يعني علياً ( عليه السلام ) أن الله تعالى قد أنجى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بما كان أخبره من مضيه إلى الغار واختبائه فيه ، فأذكت قريش عليه العيون ، وركبت في طلبه الصعب والذلول .
وأمهل علي ( عليه السلام ) حتى إذا أعتم من الليلة القابلة انطلق هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الغار ، فأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هنداً أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين ، فقال أبو بكر : قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين نرتحلهما إلى يثرب . فقال : إني لا آخذهما ولا أحدهما إلا بالثمن . قال : فهي لك بذلك ، فأمر ( صلى الله عليه وآله ) علياً ( عليه السلام ) فأقبضه الثمن ، ثم أوصاه بحفظ ذمته وأداء أمانته .
وكانت قريش تدعو محمداً ( صلى الله عليه وآله ) في الجاهلية الأمين ، وكانت تستودعه وتستحفظه أموالها وأمتعتها ، وكذلك من يقدم مكة من العرب في الموسم ، وجاءته النبوة والرسالة والأمر كذلك ، فأمر علياً ( عليه السلام ) أن يقيم صارخاً يهتف بالأبطح غدوةً وعشياً : ألا من كان له قبل محمد أمانة أو وديعة ، فليأت فلتؤد إليه أمانته .
وقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) « أي كتب إلى علي » : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه حتى تقدم عليَّ ، فأدِّ أمانتي على أعين الناس ظاهراً .
ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي ، ومستخلف ربي عليكما ومستحفظه فيكما ، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ، ومن أزمع للهجرة معه من بني هاشم .
قال أبو عبيدة : فقلت لعبيد الله ، يعني ابن أبي رافع : أوَكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يجد ما ينفقه هكذا ؟ فقال : إني سألت أبي عما سألتني وكان يحدث بهذا الحديث فقال : فأين يذهب بك عن مال خديجة « عليها السلام » ؟ وقال : إن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال خديجة . .
وقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي وهو يوصيه : وإذا أبرمت ما أمرتك ، فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله ، وسر إليَّ لقدوم كتابي إليك ، ولا تلبث بعده .
وانطلق رسول الله لوجهه يؤم المدينة ، وكان مقامه في الغار ثلاثاً ، ومبيت علي على الفراش أول ليلة . قال عبيد الله بن أبي رافع : وقد قال علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) شعراً يذكر فيه مبيته على الفراش ومقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الغار ثلاثاً :
وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى * ومن طاف بالبيت العتيق وبالحِجْرِ
محمدُ لما خاف أن يمكروا به * فوقَّاه ربي ذو الجلال من المكر
وبتُّ أراعيهم متى ينشرونني * ووطنت نفسي على القتل والأسرج
ويأت رسول الله في الغار آمناًج * هناك وفي حفظ الإله وفي ستر
أقام ثلاثاً ثم زمت قلائص * قلائص يفرين الحصا أينما تفري »
وفي إعلام الورى : 1 / 146 : « أجمعوا أن يدخلوا عليه ليلاً وكتموا أمرهم ، فقال أبو لهب : بل نحرسه فإذا أصبحنا دخلنا عليه . فباتوا حول حجرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أن يفرش له ، وقال لعلي بن أبي طالب : يا علي إفدني بنفسك . قال : نعم يا رسول الله . قال : نم على فراشي والتحف ببردي . فنام ( عليه السلام ) على فراش رسول الله والتحف ببردته ، وجاء جبرئيل ( عليه السلام ) إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال له : أخرج والقوم يشرفون على الحجرة فيرون فراشه وعلي ( عليه السلام ) نائم عليه فيتوهمون أنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » !
وفي الخرائج : 1 / 143 : « فدعاني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : إن قريشاً دبرت كيت وكيت في قتلي ، فنم على فراشي حتى أخرج أنا من مكة ، فقد أمرني الله تعالى بذلك . فقلت له : السمع والطاعة ، فنمت على فراشه وفتح رسول الله الباب وخرج عليهم وهم جميعاً جلوس ينتظرون الفجر وهو يقول : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ . ومضى وهم لا يرونه ، فرأى أبا بكر قد خرج في الليل يتجسس عن خبره ، وقد كان وقف على تدبير قريش من جهتهم فأخرجه معه إلى الغار . فلما طلع الفجر تواثبوا إلى الدار وهم يظنون أني محمد ، فوثبت في وجوههم وصحت بهم ، فقالوا : علي ! قلت : نعم . قالوا : وأين محمد ؟ قلت : خرج من بلدكم . قالوا : والى أين خرج ؟ قلت : الله أعلم فتركوني وخرجوا » .
وفي تفسير القمي : 1 / 275 : « وأمر رسول الله أن يفرش له ففرش له ، فقال لعلي بن أبي طالب : إفدني بنفسك ، قال نعم يا رسول الله . قال : نم على فراشي ، والتحف ببردتي ، فنام علي على فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والتحف ببردته ، وجاء جبرئيل فأخذ بيد رسول الله فأخرجه على قريش وهم نيام وهو يقرأ عليهم : وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لايُبْصِرُونَ . وقال له جبرئيل : خذ على طريق ثور وهو جبل على طريق منى له سنام كسنام الثور ، فدخل الغار وكان من أمره ما كان . فلما أصبحت قريش وأتوا إلى الحجرة وقصدوا الفراش ، فوثب عليٌّ في وجوههم فقال : ما شأنكم ؟ قالوا له أين محمد ؟ قال أجعلتموني عليه رقيباً ؟ ألستم قلتم نخرجه من بلادنا فقد خرج عنكم !
فأقبلوا يضربون أبا لهب ويقولون أنت تخدعنا منذ الليلة ، فتفرقوا في الجبال ، وكان فيهم رجل من خزاعة يقال له أبو كرز يقفو الآثار ، فقالوا له يا أبا كرز اليومَ اليوم ، فوقف بهم على باب حجرة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : هذه قدم محمد والله إنها لأخت القدم التي في المقام ! وكان أبو بكر استقبل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرده معه فقال أبو كرز : وهذه قدم ابن أبي قحافة أو أبيه ، ثم قال : وهاهنا عبر ابن أبي قحافة . فما زال بهم حتى أوقفهم على باب الغار ، ثم قال : ما جاوزا هذا المكان ! إما أن يكونا صعدا إلى السماء أو دخلا تحت الأرض . وبعث الله العنكبوت فنسجت على باب الغار ، وجاء فارس من الملائكة حتى وقف على باب الغار ثم قال : ما في الغار واحد فتفرقوا في الشعاب وصرفهم الله عن رسوله ( صلى الله عليه وآله ) ثم أذن لنبيه في الهجرة » . واليعقوبي : 2 / 39 .
ب . وروى الجميع حديث مباهاة الله تعالى لملائكته بفداء علي ( عليه السلام ) للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بنفسه ، ففي أمالي الطوسي / 469 : « قال أبو اليقظان : فحدثنا رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ونحن معه بقباء عما أرادت قريش من المكر به ، ومبيت علي ( عليه السلام ) على فراشه ، قال : أوحى الله عز وجل إلى جبرئيل وميكائيل أني قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه ؟ فكلاهما كرها الموت ، فأوحى الله إليهما : عبديَّ ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين نبيي فآثره بالحياة على نفسه ، ثم رقد على فراشه يفديه بمهجته ، إهبطا إلى الأرض كلاكما فاحفظاه من عدوه ، فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجعل جبرئيل يقول : بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب والله عز وجل يباهي بك الملائكة ! قال : فأنزل الله عز وجل في علي ( عليه السلام ) : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ .
وفي المناقب : 1 / 339 : « الثعلبي في تفسيره ، وابن عقبة في ملحمته ، وأبو السعادات في فضايل العشرة ، والغزالي في الإحياء ، وفي كيمياء السعادة أيضاً ، برواياتهم عن أبي اليقظان . وجماعة من أصحابنا ومن ينتمي الينا ، نحو ابن بابويه ، وابن شاذان ، والكليني ، والطوسي ، وابن عقدة ، والبرقي ، وابن فياض ، والعبدلي ، والصفواني ، والثقفي ، بأسانيدهم عن ابن عباس ، وأبي رافع ، وهند بن أبي هالة ، أنه قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : أوحى الله إلى جبرئيل وميكائيل أني آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر صاحبه فأيكما يؤثر أخاه ؟ فكلاهما كره الموت فأوحى الله إليهما : ألا كنتما مثل وليي علي بن أبي طالب ، آخيت بينه وبين محمد نبيي ، فآثره بالحياة على نفسه ، ثم ظل بائتاً على فراشه يقيه بمهجته ! إهبطا إلى الأرض جميعاً فاحفظاه من عدوه . فهبط جبرئيل فجلس عند رأسه وميكائيل عند رجليه وجعل جبرئيل يقول : بخٍ بخٍ ، من مثلك يا ابن أبي طالب والله يباهي بك الملائكة ، فأنزل الله : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ » . وشواهد التنزيل : 1 / 123 ، الثعلبي في تفسيره : 2 / 125 ، المسترشد لابن جرير الطبري / 360 والصراط المستقيم : 1 / 173 ، أسد الغابة : 4 / 25 ، الفضائل لابن عقدة / 179 ، كشف اليقين / 89 ، الصراط المستقيم : 1 / 173 ، الصحيح من السيرة : 4 / 32 ، أمالي الطوسي / 468 ، العمدة / 239 ، الطرائف / 37 ، سعد السعود / 216 ، خصائص الوحي المبين / 120 ، الجواهر السنية / 307 والمراجعات / 216 .
ج - . وذكر علي ( عليه السلام ) في مناسبات هجرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ومبيته في فراشه يفديه بنفسه ، وروى الصدوق في الخصال / 365 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أن حاخام اليهود الأكبر أتى علياً ( عليه السلام ) فقال : « يا أمير المؤمنين إني أريد أن أسألك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي أو وصي نبي ! قال : سل عما بدا لك يا أخا اليهود ؟ قال : إنا نجد في الكتاب أن الله عز وجل إذا بعث نبياً أوحى إليه أن يتخذ من أهل بيته من يقوم بأمر أمته من بعده ، وأن يعهد إليهم فيه عهداً يحتذي عليه ويعمل به في أمته من بعده ، وأن الله عز وجل يمتحن الأوصياء في حياة الأنبياء ويمتحنهم بعد وفاتهم . فأخبرني كم يمتحن الله الأوصياء في حياة الأنبياء ، وكم يمتحنهم بعد وفاتهم من مرة ؟ . . فقال : يا أخا اليهود إن الله عز وجل امتحنني في حياء نبينا محمد ( صلى الله عليه وآله ) في سبعة مواطن فوجدني فيهن من غير تزكية لنفسي ، بنعمة الله له مطيعاً .
قال : فيمَ وفيم يا أمير المؤمنين ؟ قال : أما أولاهن . . . وأما الثانية يا أخا اليهود ، فإن قريشاً لم تزل تخيل الآراء وتعمل الحيل في قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى كان آخر ما اجتمعت في ذلك يوم الدار دار الندوة وإبليس الملعون حاضر في صورة أعور ثقيف ، فلم تزل تضرب أمرها ظهراً لبطن حتى اجتمعت آراؤها على أن ينتدب من كل فخذ من قريش رجل ، ثم يأخذ كل رجل منهم سيفه ، ثم يأتي النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو نائم على فراشه فيضربونه جميعاً بأسيافهم ضربة رجل واحد فيقتلوه ، وإذا قتلوه منعت قريش رجالها ولم تسلمها ، فيمضي دمه هدراً ! فهبط جبرئيل ( عليه السلام ) على النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأنبأه بذلك ، وأخبره بالليلة التي يجتمعون فيها والساعة التي يأتون فراشه فيها ، وأمره بالخروج في الوقت الذي خرج فيه إلى الغار ، فأخبرني رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) بالخبر وأمرني أن أضطجع في مضجعه وأقيه بنفسي ، فأسرعت إلى ذلك مطيعاً له مسروراً بأن أقتل دونه ، فمضى ( صلى الله عليه وآله ) لوجهه واضطجعت في مضجعه ، وأقبلت رجالات قريش موقنة في أنفسها أن تقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما استوى بي وبهم البيت الذي أنا فيه ناهضتهم بسيفي فدفعتهم عن نفسي بما قد علمه الله » .
آية مبيت علي ( ( ع ) ) على فراش النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) )
1 - أنزل الله في علي ( عليه السلام ) : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ . ففي تفسير العياشي : 1 / 101 عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « فإنها أنزلت في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) حين بذل نفسه لله ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، ليلة اضطجع على فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) » . وأمالي الطوسي / 446 و 469 ، عن علي بن الحسين ( ( ع ) ) ، وشواهد التنزيل : 1 / 123 ، 129 و 130 ، عن أبي سعيد الخدري . والإرشاد : 1 / 53 ، والمسترشد / 360 ، الصراط المستقيم : 1 / 173 ، مناقب الخوارزمي / 127 ، منهاج الكرامة / 122 ، الخصال : 2 / 364 ، أمالي الطوسي / 446 ، التعجب للكراجكي / 122 وشرح الأخبار : 2 / 345 .
2 - ضاقت السلطة ذرعاً بنزول الآية في علي ( عليه السلام ) ، فقال رواتها نزلت في صهيب الرومي ، لأن المشركين قبضوا عليه ومنعوه من الهجرة ، فبذل لهم ماله فنزلت فيه الآية ! وتقدم أن صهيباً من قبيلة نمر بن قاسط ، وعرف بالرومي لأن الروم أسروه وباعوه عبداً . وكان محباً لعمر . راجع : أسباب النزول للواحدي / 39
ومجمع الزوائد : 6 / 318 .
ثم قالوا إن الآية لا تخص علياً ، بل تعم المهاجرين والأنصار ! عبد الرزاق : 1 / 81 .
ثم قالوا : اختلف أهل التأويل فيمن نزلت ، فقال بعضهم في المهاجرين والأنصار ، وقال بعضهم في من باع نفسه في الجهاد واستقتل ، وقال بعضهم في رجال من المهاجرين بأعيانهم منهم علي ، ثم رجح الطبري أنها نزلت فيمن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، كما قال عمر . تفسير الطبري : 2 / 437 .
وذكر الفخر الرازي : 5 / 233 ، في سبب نزولها أقوالاً ، أحدها في صهيب ، وعمار وبلال وغيرهم ، والثاني : في من أمر بمعروف ونهى عن منكر . والثالث : « نزلت في علي بن أبي طالب بات على فراش رسول الله ليلة خروجه إلى الغار ، ويروى أنه لما نام على فراشه قام جبريل عند رأسه وميكائيل عند رجليه ، وجبريل ينادي : بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب يباهي الله بك الملائكة . ونزلت الآية » .
أما الحاكم : 3 / 4 فصحح مضمونها ، ولم يذكر الآية ! قال : « عن ابن عباس قال : شرى عليٌّ نفسه ولبس ثوب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم نام مكانه وكان المشركون يرمون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ألبسه بردة ، وكانت قريش تريد أن تقتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فجعلوا يرمون علياً ويرونه النبي ( صلى الله عليه وآله ) وقد لبس بردة ، وجعل علي يتضوَّر « يظهر الضجر من الحصى الذي يصيبه » فإذا هو علي ، فقالوا إنك للئيم ، إنك لتتضور وكان صاحبك لا يتضور ولقد استنكرناه منك . . » ثم روى عن علي بن الحسين ( عليه السلام ) قال : « إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله علي بن أبي طالب وقال علي عند مبيته على فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . . وذكر أبيات علي ( عليه السلام ) » . ونسج على منوال الحاكم بعض علمائهم ، كالصالحي في سبل الهدى : 3 / 233 .
وأنصف بعضهم كالمقريزي ، فقال في الإمتاع : 1 / 57 : « فلما كان العتمة اجتمعوا على باب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه . فلما رآهم ( صلى الله عليه وآله ) أمر علياً بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينام على فراشه ويتشح ببرده الحضرمي الأخضر ، وأن يؤدي ما عنده من الودائع والأمانات ونحو ذلك . فقام علي مقامه وغطي ببرد أخضر ، فكان أول من شرى نفسه وفيه نزلت : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ . وخرج ( صلى الله عليه وآله ) وأخذ حفنة من تراب وجعله على رؤوسهم وهو يتلو الآيات من : يس وَالْقٌرْآنِ الحَكِيم . . إلى قوله : فهم لا يبصرون ، فطمس الله تعالى أبصارهم فلم يروه وانصرف . وهم ينظرون علياً فيقولون إن محمداً لنائم » .
وبهذا ترى عمل السلطة لإبعاد الآية عن علي ( عليه السلام ) ، بل رووا أن معاوية بذل مالاً لصحابي ليجعل الآية في ابن ملجم ويجعل آية أخرى في علي ( عليه السلام ) !
« قال أبو جعفر الإسكافي : وروي أن معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتى يروي أن هذه الآية نزلت في علي : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَأَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعىَ فِي الأرض لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ . « البقرة / 204 - 205 » وأن الآية الثانية نزلت في ابن ملجم وهي : وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ . فلم يقبل ، فبذل له مأتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل ، فبذل أربعمائة فقبل ! وقال : إن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي فاختلقوا ما أرضاه ! منهم أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير » .
شرح النهج : 4 / 73 والغارات : 2 / 840 .
3 - وأنكر بعض النواصب نزول الآية في علي ( عليه السلام ) ، وحديث أن الله باهى به الملائكة ولو استطاع أن ينكر مبيته في فراش النبي ( صلى الله عليه وآله ) لفعله ! لكنه قال إنه لافضيلة لعلي فيه لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أخبره بأنه لا يصيبهم منهم مكروه ! مع أن ذلك كان في رسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) له من المدينة بعد مبيته على فراشه !
فعندما ساق أبو واقد يسوق بعائلة النبي ( صلى الله عليه وآله ) سوقاً عنيفاً في الهجرة ، قال له علي ( عليه السلام ) : « إرفق بالنسوة يا أبا واقد ، إنهن من الضعائف . قال : إني أخاف أن يدركنا الطلب ! فقال علي ( عليه السلام ) : إربع عليك فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لي : يا علي ، إنهم لن يصلوا من الآن إليك بما تكرهه ، ثم جعل يسوق بهن سوقاً رفيقاً » . أمالي الطوسي / 469 وراجع : نفحات الأزهار : 17 / 211 والغدير : 2 / 47 .
وقال في الصحيح من السيرة : 4 / 17 ، 32 و 251 : « أنكر ابن تيمية على عادته في إنكار فضائل أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وقال : كذبٌ باتفاق أهل العلم بالحديث والسير . وأيضاً قد حصلت له الطمأنينة بقول الصادق له : لن يخلص إليك شئ تكرهه منهم ، فلم يكن فيه فداء بالنفس ولا إيثار بالحياة ، والآية المذكورة في سورة البقرة ، وهي مدنية باتفاق ، وقد قيل إنها نزلت في صهيب لما هاجر » .
ثم رد صاحب الصحيح مكذوبات ابن تيمية وغيره من النواصب .
|
|
دور النظارات المطلية في حماية العين
|
|
|
|
|
العلماء يفسرون أخيرا السبب وراء ارتفاع جبل إيفرست القياسي
|
|
|
|
|
اختتام المراسم التأبينية التي أهدي ثوابها إلى أرواح شهداء المق*ا*و*مة
|
|
|