أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1649
التاريخ: 27-11-2014
1916
التاريخ: 10-10-2014
1494
التاريخ: 18-11-2014
1542
|
المقدمة الاولى للشيخ فتح الله الاصفهاني في علم القراءات
إذا قلنا بتواتر القراءات السبعة إِو إِجماع علماء الاسلام طُرّاً على جواز القراءة بكلّ منها فلا إِشكال ، وعلى تقدير عدمهما وكون المنزّل واحدا يحكي عنه هذه القراءات فقد يقال : إِنَّ مقتضى الدليل أو القاعدة أيضا ذلك ، وذلك لوجوه :
أحدها : أصالة التخيير في كل حجّتين متعارضتين فإِنَّ إِطلاق الدليل الدالّ على الحجيّة لوعمومه شامل لصورة التعارض ، فإِن حال القراءات الحاكية عن المنزل حال الروايات الحاكية عن قول المعصوم ( عليه السلام ) ، فكما يقال فيها باقتضاء إِطلاق الدليل فيها وجوب العمل بكل خبر لم يعلم بكذبه ، فإذا أبتلى بالمعارض وتعذر العمل بكليهما حكم العقل بالتخير ووجوب القراءة وبعد قيام الإجماع على عدم وجوب الجمع وارتفاعه بالحرج تخيرّ في العمل .
ودعوى اختصاص الدلالة بغير صورة التعارض لظهورها في الوجوب التعيني مستلزم لأستعمال اللفظ في معنين التخيير في صورة التعارض والتعين عند عدمه مدعومة بأَنَّ التخيير ليس من باب استعمال اللفظ فيه ، أو الأعم منه ، بل من جهته أن ينجز التكليف ليس إلا من حكم العقل ، فإذا لم يكن من المقدور إلا واحد لا بعينه حكم بتنجّزه كما في أنقذ كل غريق المستعمل في الوجوب التعييني ، إلا أنَّ المنجْزِ عند التعارض ليس إلا أحدهم ، ودعوى أَنهُ إنّما يتمُّ إذا كان الدليل لفظياً ، وأمّا إذا كان لُبيّاً كما في المقام فإنهُ من شأن الإِجماع على اعتبار قول أَهل الخبرة وليس فيه دليل من آية أو رواية دالّة على حُجّية قول القرّاء : مدفوعة بعد التسليم بأَنّ معقد الإجماع أيضا أعمُّ من صورة التعارض فإنهُ منعقد على حجُية كلّ قراءة لم يعلم بمخالفتها بخصوصها للمنزل في حدّ ذاته ، ثم أَنهُ غير الإجماع الذي فرضنا عدمه فإِنهّ عبارة عن الإجماع على الحجية الفعلية حال الاختلاف وجواز الأخذ بالكلّ ، وما فرضنا وجوده هو الإِجماع على حجّية كل واحد في حدّ ذاته ، وإن شئت قلت بأصالة التخيير في الحجتين من جهة استفادة المناط من الروايات الحاكمة بالتخيير في الخبر بين المتعارضين بعد إِلقاء الخصوصيّة .
ثانيها : أَنهّ قُد ثبت بالضرورة جواز قراءة القرآن لنا ، بل استحبابها علينا بل وجوبها في الجملة ، وحينئذٍ فلا يخلو أَمّا أَنْ يكون الواجب مثلًا التلاوة بغير هذه القراءات جميعاً أو بجميعها أو بواحد منها معيناً أولا على التعيين والأول مستلزم لترك القراءة مضافاً إلى إِجماع المسلمين على بطلانه كالثاني والثالث ترجَّحَ بلا مرجح فتعّين الرابع وهو المطلوب .
ثالثها : ما رواه الكليني بإسناده ، عن مسلم بن سلمة ، وفي بعض النسخ سالم بن سلمة قال : قرأ رجل على أبي عبد الله ( عليه السلام ) ، وأنا أسمع حروفا من القرآن ليس على ما يقرئه الناس ، فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : مه ، كُفَّ عن هذه القراءة إِقرأ كما يقرأ الناس حتى يقوم القائم ( عليه السلام ) فإذا قام القائم ( عليه السلام ) قرأ كتاب الله على حدة وأخرج المصحف الذي كتبه علي ( عليه السلام ) ، وقال أخرجه علي ( عليه السلام ) إلى الناس حين فرغ منه وكتبه فقال لهم : هذا كتاب الله كما أنزله الله تعالى على محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) وقد جمعته بين اللّوحين ، فقالوا هوذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن لا حاجة لنا فيه ، فقال : أما والله ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً ، الحديث « 1».
حيث قوله ( عليه السلام ) : إِقرأ كما يقرأ الناس ، لا يراد به أقرأ كما أجمع الناس إذ لا شبهة في أشتهار القراءات السبع في ذلك الزمان ، ولا أَنْ يقرأ كقراءة بعض خاصّ منهم ، فالمراد إِقرأ كقراءة من تريد من الناس .
وما رواه أيضا باسناده ، عن سفيان بن السمط قال : سئلت أَبا عبد الله ( عليه السلام ) عن تنزيل القرآن ؟ قال : إقرؤا كما علمتم « 2 ».
وعن محمد بن سليمان ، عن بعض أصحابه عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال : قلت له : جُعلت فداك إنّا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها ولا نحسن أَنْ نقرأها كما بلغنا عنكم ، فهل نأثم ؟ قال : لا ، إقرؤا كما تعلمتم فسيجيئ من يعلمكم « 3 ».
ويمكن أَنْ يقال على الوجه الأول ، إِمّا إِجمالا فبأنَّ التخيير أمّا عقلي يتوقف على العلم ببقاء مناط الطلب في المتعارضين كليهما ، أو شرعي يدور مدار وجود الدليل الشرعي ، وكلاهما مُنْتَفٍ في المقام لعدم إِحراز مناط الحجية في القراءتين لمخالفة أحديهما لما هو القرآن ، واختصاص أَدلة التخيير بالروايات الحاكية لقول المعصوم ( عليه السلام ) ، وأما تفصيلًا فأولًا بعدم شمول الدليل للمتعارضين في شيء من المقامات لا لعدم إِمكان العمل بهما حتى يدفع بأنهَّ أخصُّ من المدّعى إذ لا يجري في خبرين تضمَّنَ أحدهما وجوب شيء كالظهر ، والاخر وجوب الجمعة أو خبرين تضمن أحدهما وجوب شيء ، والآخر إِباحته فإِنّ الإتيان به عملٌ بكليهما ، أو يُدفع بما مرَّ نقضاً وحلّاً في مثل : ( أنقذ كل غريق ) ، ولا للزوم استعمال الأمر في الوجوب التعييني والتخييري حتى يدفع بجواز استعماله في الجامع ، ولا لظهوره في الأول حتى يُدّعى أَنّ نفس العموم المستفاد من اللفظ بضميمة عدم إمكان العمل قرينة على خلاف الظاهر ، أو يدفع بأنَّ الظهور مسلَّم كاستعماله فيما هو ظاهر ولا ينافي ثبوت التخيير بحكم العقل القاضي بعدم التنجُّز إلّا في المقدور ، ولا لأَنّ العلم بكذب أحدهما ومخالفته للواقع يوجب العلم بخروجه عن تحت أدلةّ الحجّية ، وعدم إِرادة وجوب العمل به ولو مع الإمكان حتى يدفع تارة بأَنَّ الصدق والكذب ليسا مناطين للحجيّة وعدمهما ، بل يستحيل جعلهما مناطين ، وإِنمّا المناط كون الخبر راجح الصدق على الكذب في نفسه ، أو كونه محتمل المطابقة للواقع مع اجتماع باقي شرائط الحجيّة ، وهو موجود فيهما حسب الغرض ، وليست الحجية كنفس الأحكام الواقعية الدائرة مدار الواقع ، وأخُرى بالنقض بما علم كذب أحد الخبرين وإنْ لم يكونا متعارضين ، وثالثة بالنقض بالأصلين الذين علم مخالفة أحدهما للواقع من غير استلزام العمل بهما مخالفة لخطاب منجز ، كما من توضأ غفلة بمائع مردّد بين الماء والبول ، بل لعدم وجود إِطلاق نافع ناظر إلى حال التعارض ، بل لعدم إِمكان جعل طريقتين لواقع واحد ، فإنّهُ في معنى جعل المتناقضين بأنْ يقول : آبن في إِخبار زيد ، بوجوب شيء على أَنّ الواقع هو ما أخبره ، وآبن في إخبار عمرو ، بحرمة ذلك الشيء بعينه على أَنّ الواقع هو ما أَخبره .
ثانيا : وسلّمنا إِمكان الشمول بجعل طبيعة الخبر كاشفة عن ثبوت ما يقتضيه مثبتة للمضمون الذي دلَّ عليه ، إلا أَنهُ ينتج التساقط لا التخيير كما هو الشأن عند اجتماع المقتضى لشيء والمقتضى لضدّه ، كما في عقدي الوليين أو الوكيلين الواقعين في آن واحد على شيء واحد لشخصين .
وثالثا : أَنّهُ إنّما يتمُّ إذا لم يمكن الجمع لا في مثل المقام الذي كان الجمع أولى وأحوط ودفعه كسابقة بمعونة الإِجماع القائم على عدم مطلوبية الجمع ، وعدم جواز الطرح رجوع إلى الوجه الثاني من وجوه الاحتجاج على التخيير من غير الحاجة إلى ضمّ هذه المقدمات المستدركة إلا أَنْ يدفع بالتعذُّر ، كما سيأتي بيانه .
ورابعا : بأنهُ إِنما يتمُّ إذا لم يكن الترجيح وستعرف وجوها متعددة لترجيح بعض القراءات على بعض .
وخامسا : بأَنّ دعوى استفادة المناط سيّما على وجه اليقين ينتهي إلى الظهور اللفظي من أخبار التخيير مجازفة ، بل فيها تصريح أو تلويح بتقليل التخيير بعلّة مختصة بالروايات كقوله ( عليه السلام ) : بأيهما أخذت ، من باب التسليم ، وسعك « 4 » ، وفي الخبر الطويل المروي عن الرضا ( عليه السلام ) : بأيهما شئت « 5 » ، وسعك الإِختيار من باب التسليم والإِتبّاع والرد إلى رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ).
وفي التوقيع المروي في الاحتجاج بأيهما أخذت « 6 » ، من باب التسليم ، كان صواباً فيظهر فيها ومن غيرها أَنّ إِلزام الأحد بأحد الخبرين إِنمّا هو من جهة كونه القدر الممكن من وجوب تسليم ما صدر عن الأئمة والردّ إليهم ، وعدم إِنكاره وتكذيبه ، وإِن كان مما يصعب على العقول إِدراك المراد منه ، وقد عقد في الكافي باباً لوجوب التسليم لهم.
وأمّا الاحتجاج الثاني : فيمكن أَنْ يقال عليه أنَّ المشار إليه بهذه القراءات إِنْ كان خصوص القراءات السبعة فيختار الشقَّ الأول ، إذ من المعلوم أَنّ القراءة على طِبْق القراءات الثلاثة الباقية المكمّلة للعشرة ليس مستلزماً لترك القراءة ولا مخالفاً لأجماع المسلمين ، بل ادّعى العلّامة والشهيد ( قدس سرُّهما ) تواتر هذه الثلاثة وإِن كانت القراءات العشرة أمكن أيضا اختيار الأول ، إذ لا نسلّم أَنّ مَنْ قرأ في مواضع الاتفاق كما هو الغالب بما أتفقوا عليه ، وفي موارد الاختلاف بقراءة آبن عباس ، أو شيبة ، أو الأعمش ، أَنهُ ترك القراءة أو خالف الإجماع إذ الإِجماع على بعض القراءات كالقراءة المكتوبة ليس إِجماعاً على عدم جواز غيرهِ .
ونقل السيوطي في الإِتقان « 7 » : عن بعض أئمة القراءة : أَنَّ هذه السبعة ليستْ متعيّنة الجواز حتى لا يجوز غيرها كقراءة أبي جعفر وشيبة والأعمش ونحوهم ، فإِنّ هؤلاء مثلهم أو فوقهم قال : وكذا غير واحد منهم مكيّ وأبو العلاء الهمداني وآخرون من أئمة القراءة .
وقال أبو حيّان : ليس في كتاب آبن مجاهد من القراءات المشهورة إلّا النزر اليسير فهذا أبو عمرو بن العلاء اشتهر عنه سبعة عشر راويات ، ثُمَّ ساق أسمائهم وأقتصر في كتاب آبن مجاهد على اليزيدي ، واشتهر على اليزيدي عشرة أنفس فكيف يقتصر على السوسي والدوري وليس لهما قرينة على غيرهما ، لأَنَّ الجميع يشتركون في الضبط والأتقان والأشتراك ، قال : ولا أعرف لهذا سبباً إلا ما قضى من نقص العلم « 8 ».
وستعرف التصريح عن جماعة من المهَرَةَ بتجويز القراءة بما خرج عن العشرة مما صحَّ سنده ، وكان مطابقاً لرسم المصحف العثماني إلا أَنْ يقال إِنهُ لا يضرُّ بالاحتجاج
ثم نقول : يمكن اختيار الشقَّ الثالث : فإِنهُ إذا لم يجب الجمع بالإجماع ، ولم يخبر طرح الكل ، ووجب علينا قراءة القرآن المنزل وكان أحد أطراف الاحتمال مقروناً بما يظنُّ أو يطمئنّ به أَنهُ المنزل .
لم يحكم العقل بالتخيير بينه وبين الفاقد ، ولم يكن الحكم بتعيينه ترجيحاً بلا مرجَّح ، كما إذا ورد على طِبْق إِحدى القراءات رواية معتبرة من طرفنا عن أئمتنا ، أو كانت إحدهما مشهورةً بين القرّاء والأخرى تفرَّد بها واحد منهم أو اثنان ، لو ثبت أنّ أحديهما مما أتفق عليها قرّاء الحجاز من مكة والمدينة بلد الوحي ومستقرّ الصحابة الأخذين عن النبي ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، وأخرى تفرَّد بها قرّاء الشام أو البصرة .
وأما الاحتجاج الثالث وهو العمدة في الباب فيمكن أن يقال عليه بعد آشتراك الروايات الثلاثة في ضعف السند بجهالة سليم بن سلمة في الأوّل ، وضعف سهل بن زياد في الثاني ، واشتمال الثالث على سهل الضعيف ، ومحمد بن سليمان المجهول ، مضافاً إلى ما فيه من الإِرسال وإِنْ أمكن دعوى أستفاضتها أو إنجازها بالعمل ، أو رفع الضعف عن بعض ما مَرَّ بالقرائن أَنها قاصرة الدلالة على المدَّعى ، وهو جواز القراءة بما ثبت عن القراء السبعة أو العشرة .
أمّا الأول فلأنّ الذي أَفهمه منه بعد التأمّل التامّ وأظنهُ ظاهراً للمتأمل الفارغ ذهنه عن سبق الشبهة أَنّ الغرض منه مجرَّد النهيَّ عن القراءة المخالفة لمصحف عثمان ، والأمر بقراءة عثمان ، وأَمّا إذا اختلف النقل في قرائته أو وقع الاختلاف في كيفية قراءة ما كتبه بحسب رسم خطّهِ فكل هذه النقول جائز أو بعضها ، فيحتاج إلى سؤال أخر وجواب أخر ، فالمراد من المماثلة لقراءة الناس هي المماثلة في الانتهاء إلى المصحف العثماني الذي كان عليه جميع الناس في تلك الأعصار وهو القدر المشترك بين القُرّاء السبعة من الالتزام بمطابقة رسم خطّ مصحفه وإِن اختلفو في كيفية قراءتهِ من جهات عديدة .
فالغرض مجرّد النهي عن القراءة المختصّة بطريق أهل البيت ، والأمر بما يماثل ما عليه كل الناس وليس له أطلاق بالنسبة إلى ما أختاره طائفة دون طائفة ، ولا هو وارد مورد الترخيص والتخيير بين الكل ، بل يحتاج إِثباته كاثبات التعيين إلى مقدمة خارجية غير الخبر ، وحينئذ فالمراد ما أَجمع عليه الناس ولا ينافيه إشهاد القراءات السبع ، إذ المراد مجرّد الأمر بالقدر المجمع عليه بينهم من الانتهاء إلى مصحف عثمان وعدم القراءة بما يوجب الإزراء بالقوم وتخطئتهم في الأمر الذي آهتمَّ به الثالث غاية ما يُتصَوَّر من الاهتمام حتى أَنهُ أحرق جميع المصاحف الباقية ، وتحمّل هذا العار والشنار لتحصيل الانحصار فيما رجَّح واختار هذا كلّه مضافا إلى أَنّ لفظ الناس الواقع في ذيل الحديث يُراد به ما أريد بالواقع صدوره ، ولا شكَّ في أَنّ المراد بالأول كل الناس وأَغلبهم بحيث يصدق مخالفة عامّة الناس ، إذ من المعلوم أَنه لو كانت مطابقة لطائفة دون طائفة لم يكن وجه للزجر والنهي عنها ، وأَنّ كلّا من القراءات السبعة المتداولة في ذلك الزمان مخالف لطائفة من الناس فقراءة الناس الذين بمكة تخالف من كان بالمدينة ، وقرائتهما تخالف من كان بالكوفة .
وحينئذٍ فيراد بالناس ثانياً أيضا كلهم ، فلم يبقَ إلا أن يكون المراد المماثلة في الانتهاء إلى المصحف العثماني أو المماثلة في الترتيب كما سيأتي توضيحه منقّحاً مفصّلًا .
ولو تنزّلنا فيراد به المماثلة لما عليه غالبهم وعامّتهم فيصير دليلًا على جواز القراءة بما آشتهر بين القرّاء واتفق عليه غالب البلدان لا ما تفرّد به واحد من القرّاء أو اثنان إلا أن يقولَ ليست مطابقة المعنى فيما أريد بالناس في الموضوعين بلا ذّمة لا من جهة آستعماله في المعنيين ، بل من جهة أَنّ تفاوت الصدق يختلف في النفي والإِثبات فكون مما لا يطابق الناس لا يصدق إلا بعد مخالفة الجميع أو الغالب بخلاف مطابقتها للناس لصدقها بمجرد المطابقة لطائفة منهم .
لكنّنا نقول من المعلوم ظهور اللفظ فيما شاع واشتهر كما قيل ( إِلبس كما يلبس الناس ، وتكلَّم كما يتكلَّم الناس ) من غير تقييد ببلد دون بلد ولا قيام قرينة عليه ، فيكون الدليل
أخصَّ من المدَّعى مضافا إلى أَنهُ لا يراد بالحديث قطعا كون القراءة منطبقة على هذا الوصف العنواني وإنْ كان بقراءة حادثة في هذه الأعصار المتأخَّرة شائعة بين أهلها على خلاف ما اتفق عليه أئمة القراءة وإِنْ كانت مطابقة لرسم المصحف وكان المعنى مساعداً أيضا ، بل المراد به ما كان يقرأهُ الناس الموجود في أعصار الحضور فكل قراءة لم يحرز فيها هذا المعنى لم يكن الاحتجاج بالحديث لتجويزها بمجرّد ثبوت كونه قراءة أَحد السبعة إلا أَنْ يدّعي الملازمة بين ثبوت القراءة عن أحدهم وشيوعها بين طائفة من الناس ، ولا يخلو عن مجازفة .
وقد ذكر خرّيت هذه الصناعة الذي سافر لتحصيل القراءات عن مشايخها شيخنا الشهيد الثاني ( رحمه الله ) في المقاصد العليّة : أَنّ بعض ما نقل عن السبعة شاذٌّ فضلًا عن غيرهم كما حققه جماعة من أهل هذا الشأن ، إنتهى « 9 ».
وفي الأتقان « 10» : نقل عن إِمام القرّ اء وشيخ شيوخه آبن الجزري في الردّ على من اشترط التواتر فقط ما لفظه ، وإذا اشترطنا التواتر في كل حرف من حروف الخلاف انتفى كثير من الأحرف الثابتة عن السبعة ، وعن أبي . . . أَنّ القراءة المنسوبة إلى السبعة وغيرهم منقسمة إلى المجمع عليه ، والشاذّ هذا كله مضافا إلى قيام احتمال أّنْ يكون مخالفة الحروف لما يقرأهُ الناس والمماثلة المأمور بها هي المخالفة في الترتيب ، كما ستسمع في الخبرين الأخرين .
والمراد بالحروف هي الآيات كما في الحديث المعروف نزل القرآن على سبعة أحرف بناء على ما يأتي في معناه ، وغيره من موارد الاستعمال .
وأَمّا الثاني فلما مرَّ من احتمال كونه مسوقاً للأمر بالمماثلة لما علموا في المطابقة للمصحف العثماني مضافا إلى عدم العلم بالسؤال وأَنهُ عن أي شيء كان أما أولا : فلما وقع
ي جملة من النسخ أَنهُ سئلته عن ترتيب القرآن فيكون الجواب أجنبياً عمّا هو المقصود في المقام .
وثانيا : لاحتمال كون السؤال عن كيفية نزول القرآن ، وأَنها هل كانت مطابقة في الترتيب والتقديم والتأخير لهذا الموجود أم لا ، كما أَنّ الحديث الثالث أيضا يحتمل ما مرَّ ويحتمل قريباً فيه أَنْ يُراد هذا المعنى أي مخالفة للترتيب ومعنى كونهما ليس كما يسمعون عدم مطابقته لما عندهم في الترتيب ، وقد بلغهم عن الأئمة أَنَّ آية أو آيات من سورة كذا ليست منها ، بل من سورة كذا وهم متعوَّدون على ما تعلّموا فلا يحسبون القراءة ، ولذا نسب المخالفة إلى الآيات لا إلى الحروف كما في الخبر الأول توضيح المقام أَنهُ قد روى المقام أنه قد ورد في سورة النساء في قصة أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) يوم أحد حيث أمرهم الله عزَّ وجلَّ بعد ما أصابهم من الهزيمة والقتل والجراح أَنْ يطلبوا قريشاً قوله تعالى : {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [النساء: 104] ، وفي سورة آل عمران تمام هذه الآية عند قوله تعالى : {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140] ، والآيتان متصلتان في معنى واحد ونزلت على رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) متصلة بعضها ببعض وقد كتب نصفها في سورة النساء ، ونصفها في آل عمران ، ومثله في سورة العنكبوت في قوله عزَّ وجلَّ : {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 16] إلى قوله تعالى : {وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } [العنكبوت: 17] وكان المتصل بهذه الآية قوله تعالى : {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [العنكبوت: 24] ، وقد أُخّرت هذه الآية في تأليف القوم وقدّموا عليها قولَهَ تعالى : {وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} [العنكبوت: 18] ، إلى قوله تعالى : {وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [العنكبوت: 23] ، إلى غير ذلك فالغرض من الروايتين الأمر بالقراءة على الترتيب الذي تعلّموا وربّما يشهد على أَنّ المطابقة في الترتيب هو الفرد الظاهر المهمّ عند ظهور الفرج ومجئ المعلّم وأَنّ المخالفة فيه هو المصداق الواضح لخلاف المنزل ما رواه المفيد ( رحمه الله ) في الارشاد « 11 » : عن جابر ، عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : إذا قام قائم آل محمد ضرب فساطيط لمن يعلم الناس القرآن على ما أنزله الله تعالى ) .
فاصعب ما يكون على من حفظه اليوم لأنه يخالف فيه التأليف ، وبالجملة فالأنصاف أَنّ ما احتملت في الخبرين ليس على ارتكاب تكليف أو خلاف ظاهر ، ودعوى عدم الفرق بين الترخيص في القراءة على خلاف التأليف المنزل والترخيص في الأخذ بما شاء من اختلاف القراءات فإذا جاز أحدهما جاز الآخر مدفوعة بأَنّ الأول ترخيص في المتفّق عليه القراء وإِنْ كان مخالفا للمنزل في بعض الحروف لا التخيير والإِذن بما تفرد به واحد أو اثنان على خلاف الناقلين .
وبالجملة فاثبات جواز القراءة بما انفرد به بعض القرّاء من غير إِحراز تداوله وشيوعه في أعصار الحضور مجرّد هذه الروايات الثلاثة في غاية الإِشكال ، وما في كلام بعض المحدثين من دعوى تواتر الأخبار الآمرة بالقراءة على طبق قراءة القرّاء مطلقاً لا يخلو عن مجازفة ، وستسمع بعض الكلام فيما يتعلَّق بالتخيير بين الكل في المقدمات الآتية إِنْ شاء الله تعالى .
____________
( 1 ) الكافي للكليني : ج 2 ، ص 633 .
( 2 ) الكافي للكليني : ج 2 ، 631 .
( 3 ) الكافي للكليني : ج 2 ، ص 619 .
( 4 ) الكافي للكليني : ج 1 ، ص 66 ، والرواية هذه : ( . . . عن سماعة ، عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : سألته عن رجل اختلف عليه رجلان من أهل دينه في أمر كلاهما يرويه : أحدهما يأمر بأخذه والآخر ينهاه عنه ، كيف يصنع ؟ فقال : يرجئه حتى يلقي من يخبره ، فهو في سعة حتى يلقاه ، وفي رواية أخرى : بأيهما أخذت من باب التسليم وسعك .
( 5) عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : ج 1 ، ص 24 ، والحديث هذا : ( . . حدثني أحمد بن الحسن الهيثمي . . . فما كان في السنة موجودا منهيا عنه نهى حرام مأمورا به عن رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) أمر الزام فاتبعوا وافق نهى رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وأمره وما كان السنة نهى اعافه أو كراهة ثم كان الخبر الآخر خلافه فذلك رخصه فيما عافه رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وكرهه ويحرمه فذلك الذي يسع الاخذ بهما جميعا أو بأيهما شئت وسعك الاختيار من باب التسليم والاتباع والرد رسول الله ( صلى الله عليه واله وسلم ) وما لم تجدوه في شئ من الوجوه فردوا إلينا علمه فنحن أولى بذلك ولا تقولوا بآرائكم وعليكم بالكفّ والتثبت والوقوف وأنتم طالبون باحثون حتى يأتيكم البيان من عندنا .
( 6 ) الاحتجاج للطبرسي : ج 2 ، ص 108 : والرواية هذه : ( روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا ( عليه السلام ) : قال : قلت للرضا ( عليه السلام ) : تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة ؟ . قال : ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عز وجل وأحاديثنا ، فإن كان يشبهما فهو منا وإن لم يشبهما فليس منا . قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة ، بحديثين مختلفين ، فلا نعلم أيهما الحق . فقال : إذا لم تعلم فموسع عليك بأيهما أخذت .
ثبوت التخيير بالنسبة إلى القراءات العشرة وما فوقها مما ثبت نقله عن أئمة القراءة .
( 7 ) الإتقان 1 / 215 نقلًا عن أبي بكر بن العربي .
( 8 ) ذكره ابن حجر في فتح الباري : ج 9 ، ص 28 .
( 9 ) راجع الحدائق الناظرة : ج 8 ، ص 97 .
( 10 ) الاتقان : ج 1 ، 129 .
( 11 ) الارشاد للمفيد : ج 2 ، ص 386 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|