أقرأ أيضاً
التاريخ: 3-04-2015
3346
التاريخ: 3-04-2015
3996
التاريخ: 22-3-2016
3675
التاريخ: 19-10-2015
18045
|
الإخلاص, من أبرز صفات أبي عبد الله عليه السلام
يتميّز تألّق وجود أبي عبد الله عليه السلام بأبعاد مختلفة, وكلّ واحد من هذه الأبعاد يستتبع أبحاثاً وشروحاً عديدة, لكن إذا تناولنا صفتين أو ثلاثاً من بين كلّ هذه الإشراقات, فإنّ "الإخلاص" يأتي على رأسها, بمعنى رعاية التكليف والوظيفة الإلهيّة وعدم إدخال المنافع الشخصيّة والجماعيّة والدوافع الماديّة في العمل.
تجلّي الإخلاص في واقعة كربلاء
من خصائص هذه الواقعة أنَّ خروج الإمام الحسين عليه السلام كان خالصاً لله ولا تشوبه أي شائبة، وكان للدّين ولإصلاح المجتمع الإسلاميّ، وهذه خصوصيّة بالغة الأهمّيّة. فعندما يقول الإمام عليه السلام: "إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ولا مفسداً"[1] أي إنّ ثورتي لم تكن رياءً وغروراً ولا أطلب فيها أيّ شيء لنفسي, وليست فيها ذرّة من الظلم والفساد، بل: "إنّما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي"
وهذه نقطة مهمّة جدّاً, فـ "إنّما" يعني فقط, أي أنّه لا وجود لأيّ هدف أو قصد آخر يكدّر تلك النيّة الصافية وذلك الذهن النيّر المشعّ.
حينما يخاطب القرآن الكريم المسلمين في صدر الإسلام يقول: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ﴾[2]، وهنا يقول الإمام عليه السلام: "إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً".
فها هنا نهجان وخطّان. وهناك يقول القرآن: لا تكونوا مثل الذين خرجوا "بطراً" أي غروراً وتكبّراً، ولا أثر للإخلاص في تحرّكهم، وما هو مطروح لديهم في هذا المنهج الفاسد هو الـ "أنا" و "الذات"، و"رئاء النّاس"، أي إنّه تزيَّنَ ولبس الحليّ وامتطى جواداً غالياً وخرج وهو يرتجز، إلى أين؟ إلى الحرب، التي يهلك فيها أمثال هؤلاء أيضاً، فخروج مثل هذا الشخص هو بهذا الشكل. ليس لديه سوى نفسه. فهذا خطّ.
وهناك خطّ ونهج آخر في الجهة المقابلة, ومثاله الأرقى ثورة الإمام الحسين عليه السلام، والتي لا وجود فيها للـ "أنا" وللـ "ذات" والمصالح الشخصيّة والقوميّة والفئويّة أبداً، إذاً هذه أوّل خَصيصة من خصائص ثورة الحسين بن عليّ عليهما السلام.
فكلّما ازداد الإخلاص في أعمالنا ازدادت قيمتها، وكلّما ابتعدنا عن محور الإخلاص اقتربنا من محور الغرور والرياء والعمل للمصالح الشخصيّة والقوميّة، وهذا طيف آخر.
فهناك ساحة وسيعة بين ذاك الاخلاص المطلق وتلك الأنانيّة المطلقة.
وكلّما اقتربنا من هذا الطرف (المقابل للإخلاص) نقصت قيمة عملنا, وقلّت بركته وبقاؤه وديمومته. هذه هي ميزة هذه القضيّة. وكلّما ازدادت الشوائب في الشيء كلّما أسرع فيه الفساد، فلو كان نقيّاً وخالصاً لما فسد أبداً.
وإنْ أردنا أن نعطي مثالاً من الأمور المحسوسة، نقول: إذا كان الذهب خالصاً ونقيّاً بنسبة 100? لم يقبل الفساد والصدأ أبداً، وإنْ كان مخلوطاً بالنّحاس والحديد وبقيّة الموادّ الرخيصة الثمن، احتمل الفساد أكثر، فهذا في المادّيّات.
أمّا في المعنويّات فإنّ هذه المعادلة أكثر دقّة، إنّما نحن لا نفهمها بسبب نظرتنا الماديّة، لكن يدركها أهل المعنى والبصيرة، و إنّ الله تعالى هو النقّاد والصائغ والناقد في هذه الواقعة، "فإنّ الناقد بصير"[3]، فوجود شائبة بمقدار رأس إبرة في العمل يقلّل من قيمة العمل بالمقدار نفسه ويخفّف من ديمومته.
فالله تعالى ناقد بصير. وإنّ حركة الإمام الحسين عليه السلام هي من الأعمال التي لم يكن فيها شائبة ولو بمقدار رأس إبرة، لذا ترون أنّ هذا الصنف الخالص النقيّ باقٍ إلى الآن وسيبقى خالداً إلى الأبد.
ثلاث خصال بارزة ومهمّة في شخصيّة أبي عبد الله عليه السلام
من جملة عشرات، بل مئات الخصائص التي تنفرد بها الأمّة الإسلاميّة بفضل القرآن والإسلام وأهل البيت عليهم السلام، أنّ لهذه الأمّة، نصب عينيها، قدوات كبيرة ومشرقة. ووجود القدوة في حياة الشعوب مسألة ذات أهمّيّة كبيرة, فاذا ما وجد لدى أمّة شخصيّة فيها نفحة عظمة، فإنّ تلك الأمّة لا تنفكّ عن تمجيدها والتغنّي بها وتخليد اسمها، من أجل توجيه المسار العامّ لحركة أجيال الأمّة في الاتجاه المطلوب. وقد لا يكون هناك في الواقع أي وجود حقيقيّ لمثل هذه الشخصيّة، وإنّما يُستقى من شخصيّة خياليّة مطروحة في القصص والأشعار والأساطير الشعبيّة, وهذا كلّه نابع من حاجة الأمّة لرؤية قدوات عظيمة أمامها من بين ظهرانَيْها. وهذه الظاهرة موجودة في الإسلام على نحو وافر ومنقطع النظير، ومن بين الأكابر الذين صاروا قدوةً تَنهض شخصيّة أبي عبد الله الحسين عليه السلام إمام المسلمين وسبط الرسول، وشهيد تاريخ الإنسانيّة الكبير.
إنّ لتألّق شخصيّة أبي عبد الله عليه السلام أبعاداً شتّى يتطلّب كلّ واحد منها بياناً وتوضيحاً شاملاً،.. من جملتها "الإخلاص"، والإخلاص معناه الالتزام بالواجب الإلهيّ وعدم إدخال المصالح الشخصيّة والفئويّة والدوافع الماديّة فيه.
ومن الصفات الأخرى البارزة أيضاً[4]: هي "الثقة بالله تعالى", كانت ظواهر الأمور تقضي بأنّ تنطفئ تلك الشعلة في صحراء كربلاء, مثلما كان الفرزدق الشاعر[5] يرى ذلك في حين لم يكن يراه الحسين! ويراه الناصحون القادمون من الكوفة[6]، ولا يراه الحسين الذي كان عين الله! لقد كانت ظواهر الأمور توحي بهذا المآل، إلّا أنّ الثقة بالله كانت توجب عليه اليقين.. وجوهر القضيّة هو أن تتحقّق نيّة المرء وغايته. والإنسان المخلص لا تهمّه ذاته فيما إذا تحقّقت الغاية التي يرمي إليها.
أمّا الخصوصيّة الثالثة فهي إدراك "الموقف"، وعدم الوقوع في الخطأ فيه، فقد كان الإمام الحسين متصدّياً لزمام المسؤوليّة والإمامة مدّة عشر سنوات[7]، مارس خلالها نشاطات أخرى ليست من طراز الفعل الاستشهاديّ في كربلاء، ولكن بمجرّد أن سنحت له الفرصة للإتيان بعمل كبير استغلّ تلك الفرصة ونهض وتمسّك بها، ولم يدَعْها تفلت من بين يديه.
لهذه الأبعاد الثلاثة طابع مصيريّ, وهي على هذا النحو في كلّ العهود. وفي أحداث ثورتنا أيضاً منح الباري تعالى إمامنا الخمينيّ منزلة رفيعة ﴿وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا﴾[8]، وصانه وحفظه وخلّده بالرغم من كلّ القوى الماديّة والاستكباريّة في العالم التي كانت تكيد له المكائد وتسعى للقضاء عليه.
الوفاء
في الزيارات[9] والكلمات[10] الواردة عن الأئمّة عليهم السلام بشأن أبي الفضل العبّاس عليه السلام، تمّ التأكيد على خصلتين: الأولى البصيرة، والثانية الوفاء.
أمّا وفاء أبي الفضل العبّاس عليه السلام فقد تجلّى أكثر ما تجلّى في بلوغه شريعة الفرات من غير أن يشرب قطرة من الماء، فالمشهور على الألسنة أنّ الإمام الحسين عليه السلام بعث بأبي الفضل لجلب الماء[11], إلّا أنّ الذي رأيته في الروايات المعتبرة الواردة في كتب مثل "الإرشاد" للمفيد، و"اللهوف" لابن طاووس يختلف قليلاً عمّا ذكرته, فقد جاء في هذه الكتب المعتبرة أنّ العطش قد اشتدّ بالأطفال وبلغ مبلغه من حرم آل البيت عليهم السلام في اللحظات الأخيرة, فذهب الإمام الحسين وأبو الفضل عليهما السلام معاً في طلب الماء[12]، وتوجّها إلى شريعة الفرات - التي هي شعبة من نهر الفرات - لعلّهما يحصلان على بعض الماء. هذان الاثنان هما من الإخوة الشجعان والأقوياء وقد كانا معاً دائماً في ساحة القتال، الإمام الحسين عليه السلام بعمره الذي شارف على الستّين عاماً[13] لكنّه لم يكن يُشقّ له غبار في البسالة والقوّة، وأخوه الشابّ أبو الفضل العبّاس الذي جاوز الثلاثين بقليل[14], بما يتميّز به من خصال يعرفها الجميع. فهذان الأخوان لم يفارق أحدهما الآخر في ساحة الحرب، وكان كلّ منهما يحمي ظهر الآخر عند اشتداد القتال وتخلُّل صفوف الأعداء أملاً في الوصول إلى الفرات وجلب الماء. وخلال هذه الجولة القاسية من المعركة وجد الإمام الحسين عليه السلام فجأة بأنّ العدوّ قد فصل بينه وبين أخيه العبّاس عليه السلام لدى اشتداد القتال, وفي هذه المعمعة كان أبو الفضل قد اقترب من الماء ووصل إلى شريعة النهر. وكما جاء في الروايات، فإنّه ملأ قربةً للعودة بها إلى الخيام, وفي مثل هذه الحالة يعطي كلّ واحد الحقّ لنفسه بأن يروي ظمأه، ولكنّ أبا الفضل العبّاس عليه السلام أظهر وفاءه في هذا الموقف الصعب. فعندما غرف غرفة من الماء "فذكر عطش الحسين عليه السلام"، وتذكّر صيحات: العطش.. العطش.. التي أطلقها أطفاله وبناته، وربّما تذكر بكاء عليّ الأصغر وظمأه، فلم يشرب وألقى الماء وغادر الشريعة.
[1] بحار الأنوار, ج44, ص329.
[2] سورة الأنفال, الآية: 47.
[3] الاختصاص, ص341, بحار الأنوار, ج13, ص432.
[4] إشارة إلى أنّ هناك صفات أخرى والتي هي الإخلاص والتوكّل ومعرفة الزمان.
[5] الفتوح, ج5, ص71, إعلام الورى, ج1, ص445, بحار الأنوار, ج44, ص374.
[6] الأخبار الطوال, ص247, مثير الأحزان, ص30, بحار الأنوار, ج44, ص314.
[7] روضة الواعظين, ص195, كشف الغمّة, ج2, ص250, بحار الأنوار, ج44, ص200.
[8] سورة مريم، الآية 57.
[9] كامل الزيارات, ص440-442, بحار الأنوار, ج98, ص217-219.
[10] سرّ السلسلة العلويّة, ص89, عمدة الطالب, ص356.
[11] المنتخب للطريحيّ, ج2, ص305-306, بحار الأنوار, ج45, ص41.
[12] اللهوف, ص69-70, بحار الأنوار, ج45, ص50.
[13] تاريخ الأئمّة, ص8, المعجم الكبير, ج3, ص98, بحار الأنوار, ج45, ص90.
[14] إعلام الورى, ج1, ص395, سرّ السلسلة العلويّة, ص89.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|