المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
الفرعون رعمسيس الثامن
2024-11-28
رعمسيس السابع
2024-11-28
: نسيآمون الكاهن الأكبر «لآمون» في «الكرنك»
2024-11-28
الكاهن الأكبر (لآمون) في عهد رعمسيس السادس (الكاهن مري باستت)
2024-11-28
مقبرة (رعمسيس السادس)
2024-11-28
حصاد البطاطس
2024-11-28

ثورة زيد بن علي بن الحسين (عليهم السّلام)
7-5-2019
التنظيم باللجـان : فوائده وأسسـه والمآخذ عليه
23-9-2021
الحجب في الارث
23-5-2017
تعريف مجلس العقد .
29-5-2016
العسل غذاءٌ مفيدٌ ودواءٌ شافٍ‏
14-10-2015
اللون الأبيض في الصفحة الأولى
23-7-2020


آيات الله في خلق الطيور  
  
33024   05:05 مساءاً   التاريخ: 13-11-2015
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : نفحات القران
الجزء والصفحة : ج2 ، ص 295-308.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / الإعجاز القرآني / الإعجاز العلمي والطبيعي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 8-10-2014 1835
التاريخ: 2023-09-21 972
التاريخ: 2-12-2015 1639
التاريخ: 12-7-2016 1786

لقد أَحْبَّ الإنسان على‏ مرّ التاريخ الطيورَ وتمتَّع بتربيتها ومشاهدتها تُحلقُ فوقَ رأسهِ في السماء بشكلٍ جميلٍ ، وكانت هذه الظاهرة تبعث على‏ دهشته دائماً ، وهي كيفية امكان أنْ يحلِّق جسم ثقيل في السماء ويتحرك بتلك السرعةِ خلافاً لقانون جاذبية الأرض؟!.

وليست هذه الصفة فقط بل صفات اخرى‏ كالريش والجناحين ، التغريد اللطيف لبعضها ، طراز بناء البيت والعش ، تربيةِ الفراخ واطعامها ، الهجرة الطويلة لقسمٍ منها ، وامور اخرى‏ من هذا القبيل كانت مصدراً لدهشته ، بالرغم من أنّ تكرار هذه الحالات المثيرة أدّى‏- وبالتدرج- إلى‏ أن يمرَّ بعض الناس عليها مرور الكرام.

وقد أشارَ القرآن الكريم في جانبٍ من آياتِ التوحيد إلى‏ هذه المسألة ، ودعا الجميع ‏مشاهدة عالم الطيور ، كي يَرَوْا آيات وبراهين الباري تعالى‏.

بهذا التمهيد نتأمل خاشعين في الآيات الآتية.

1- {أَلَمْ يَرَوْا إِلىَ الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِى جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. (النحل/ 79)

2- {أَوَلَمْ يَرَوا إِلىَ الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافّاتٍ ويَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ الَّا الرَّحمَنُ انَّهُ بِكُلِّ شَي‏ءٍ بَصِيرٌ}. (الملك/ 19)

3- {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِى السَّمَواتِ وَالأَرْضِ والطَّيْرُ صَافَاتٍ كُلٌ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيْحَهُ وَاللَّهُ عَلِيْمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}. (النور/ 41)

4- {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيْرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا امَمٌ أَمْثالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتابِ مِنْ شَى‏ءٍ ثُمَّ إِلَى‏ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}. (الانعام/ 38)

شرح المفردات :

«طَير» : جمع‏ (طائر) وتُقال لكلِّ حيوانٍ ذي جناحٍ وريشٍ ، ويحلِّقُ في الهواء ، ومصدرها «الطيران» «1» و«تَطَيَّر» تقالُ لطالع السوء الذي كانوا يستلهمونه في الجاهلية من حركة الطيور ، ولكن اطلقَ فيما بعد على‏ كل أشكال التشاؤم وسوء الطالع.

كما جاء لفظ «تَطايُر» بمعنى‏ الحركة بسرعة أيضاً «2».

«صافّات» : من مادة «صف» وتعني وضع الأشياء في خطٍ مستقيمٍ ، كالناس أو الأشجار حينما يكونون في خطٍ واحد ، فعندما يُطلق هذا اللفظ وصفاً أو حالًا للطيور : «والطَّيْرُ صافّاتٍ» ، فهو إشارة إلى‏ بسط الأجنحةِ في السماء أثناء الحركة ، ويعاكسها : «ويَقْبِضْنَ».

ولفظ «إصطفاف» كناية عن التسليم والطاعة المحضة والخضوع التام ، وإشارة للخدمِ الذين يقفون في صفٍ واحدٍ استعداداً لتقديم الخدمة «3».

وبطبيعة الحال أنّ احتمال : {والطيرَ صافاتٍ} إشارة إلى‏ مجموعة من الطيور التي تتحرك بشكلٍ جماعيٍّ في صفٍ أو عدة صفوف حيث تلفتُ الانتباه بتناسقها وارداً أيضاً ، إلّا أنَّ عبارة «ويقبضنَ» تمنعُ هذا التفسير.

الطيرُ يُسبّحُ وأنا صامت !

أكدت الآية الاولى‏ على‏ أن تحليق الطيور في جو السَّماءِ خلافاً للجاذبية الأرضية هو آيةٌ من آيات اللَّه : {أَلمْ يَرَوْا الَى‏ الطَّيرِ مُسَخَّراتٍ فى جَوِّ السَّماءِ} «4».

ونظراً لطبيعة الأجسام في الانجذاب نحو الأرض فانَّ حركة الطيور في أعالي الجو تبدو شيئاً عجيباً ، ويجب أنْ تُؤخذ مأخذ جدّ ، فمن المسَّلم به أنَّ هناك مجموعة من المزايا لدى‏ الطيور تمكنها من الطيران بيُسرٍ في السماء مستثمرة مختلف القوانين الطبيعية المعقّدة ، إنّه لشي‏ء يبعث على‏ الدهشة بلا شك.

إنّ لهذا الميدان العجيب والقوانين التي تسبب هذه الظاهرة المدهشة ربّاً قادراً حكيماً مطلعاً على‏ أسرار العلوم ، بل ليست العلوم إلّا شيئاً من القوانين التي وضعها ، لهذا يقول في سياق الآية : {مَا يُمْسِكُهنَّ الَّا اللَّهُ}.

ويضيف في ختام الآية : {إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}.

وسنرى‏ في الايضاحات التي ستأتي في نهاية هذه الآيات- إن شاء اللَّه- ما هي القوانين التي يجب أنْ تتظافر كي تحصل هذه الظاهرة التي تُدعى‏ «الطيران» ، لذلك نواجه في كلِّ خطوةٍ آيةً جديدةً من آيات مُبدي‏ء الوجود العظيم.

والآية الثانية تتشابه مع الاولى‏ من عدة وجوه ، إلّا أنَّه يُلاحظُ فيما بينهما اختلافاتٌ أيضاً ، ففي هذه الآية يدعو الناس‏ «لا سيما المشركين» إلى‏ تفحّص اوضاع الطيور ، هذه الموجودات التي تنطلق من الأرض خلافاً لقانون الجاذبية الأرضية ، وتتحرك مسرعةً بكل‏ يُسرٍ في جو السّماء لساعاتٍ وأحياناً لأسابيع ، وحتى‏ أحياناً لعدة شهور بدون توقفٍ ، حركةً مرنة وسريعةً ، بنحوٍ تبرهن على‏ أنّها لا تواجه مشكلةً في عملها.

فيقول : {أَوَلَمْ يَرَوا الَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ ويَقْبِضْنَ} «5».

فلا أحد سوى‏ الرحمن الذي عمَّت رحمتُه كلَّ شي‏ء ، يستطيع أن يُمسكَهُنَّ هناك : {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرحْمَنُ».

أجل .. اللَّهُ الذي منَحها كلَّ أدوات الطيران ، وعلَّمها طريقته واسلوبه ، كما وضعَ قوانين وانظمةً تستفيدها فتحلّق بيسر وسهولة ، فهو العليم بحاجات كل الموجودات والبصير بكلِّ شي‏ءٍ : {إِنَّه بِكُلِّ شَى‏ءٍ بَصِيْرٌ}.

وابتداءً من الذرات حتى‏ المنظومة الشمسية ، والمنظومات الاخرى‏ الجبارة ، ومن النباتات والحيوانات المجهرية ، حتى‏ الموجودات العملاقة ، والكل يستمر في وجوده بتدبيره جلَّ وعلا ، التدبير الذي يُطلعنا في كلِّ مرحلةٍ منه على‏ آيةٍ جديدةٍ من علمه وقدرته تبارك وتعالى‏ ، وينفي كل أشكال الاحتمال بوجود الصدفةِ وقدرتها على‏ الخلق ، ويملأ القلب بحبّه والإيمان به.

ويُمكن أن يكون التعبير ب «صافاتٍ» و«يَقْبِضْنَ» إشارة إلى‏ وضع الطير ، حيث يبسطنَ أجنحتهنَّ تارةً ، ويجمعنَها اخرى‏ ، ويقدرنَ على‏ الطيران من خلال هذين الفعلين ، ويرِدُ هذا الاحتمال أيضاً بأنْ يكون إشارة إلى‏ صنفين من الطيور : الطيور التي غالباً ما تكون أجنحتها مبسوطة ، وتركبُ أمواجَ الهواء ، وفي نفس الوقت تسيرُ في كلِّ اتجاهٍ بسرعة ، فكأنّما هناك قدرةٌ خفيَّةٌ تُحركُها لا نراها بأعيننا ، والطيور التي تخفق اجنحتها باستمرار أثناء طيرانها ، ولبعضِ الطيور حالةٌ وسطٌ بين هاتين الحالتين أثناء الطيران‏ «6».

وفي الآية الثالثة نواجه صياغة جديدة بصدد الآيات التوحيدية لحياة الطيور إذ يخاطبُ النبي صلى الله عليه وآله قائلًا : {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِى السمَّواتِ وَالأَرْضِ» «والطَّيْرُ صافَّاتٍ}.

الطيور التي تتحرك في الجو صفوفاً ، بجلالٍ وعظمةٍ وجمال ولا تتعبُ العين من مشاهدتها أبداً ، فهي ترسمُ أشكالًا هندسيةً مختلفة على‏ صفحة السماء بحيث تذهلُ الإنسان ، إذ قد تطير المئات بل الآلاف من الطيور وتغيُّر طريقها باستمرار من خلالِ أمرٍ خفيٍّ من دون أن يحدث اصطدامٌ فيما بينها.

ويضيف في سياق الآية : {كُلٌ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيْحَهُ} «7».

نعم .. فلكلٍّ منها صلاةٌ وابتهال ومناجات ودعاءٌ وحاجاتٍ في عالمها الخاص ، ولكلٍّ تسبيحه وتعظيمه وثناؤه ، ومن المعروف أنَّ ذرات وجود أيٍّ منها وبناء مختلف أعضائه وحركاته وسكناته تُخبرُ عن مُبدي‏ءٍ عظيمٍ يجمعُ كافة الكمالات ومُنَزَّهٍ عن جميع النواقص ، وهي دائمةُ التّسبيح بحمده بلسان حالها.

ويعتقد بعضهم أنَّ حمدَها وتسبيحها وصلاتها عن وعي ، ويعتبرون لكلِّ موجودٍ حتى‏ الذي نَحسبُه جماداً وبلا روح ، عقلًا واحساساً ، بالرغم من جهلنا به ، كما نقرأ في مكانٍ آخر : {وَإِنْ مِّنْ شَى‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَّا تَفْقَهُوْنَ تَسْبِيْحَهُم}. (الاسراء/ 44)

وكل تفسير من ذينك التفسيرين الصحيحين يصلح أن يكون شاهداً على‏ ادعائنا بأنَّ جميع الموجودات في هذا العالم ، لا سيما الطيور التي تطير في جوِّ السماء ، آياتٌ وبراهينٌ على‏ قدْرةِ وعلم خالق الكون.

ويقول في نهاية الآية : {وَاللَّهُ عَلِيْمٌ بِمَا يَفْعَلُوْنَ}.

فهو يعلم كل أعمالهم ونواياهم وجميع حاجاتهم ، وهنا لماذا استند في هذه الآية إلى بسط أجنحة الطيور فقط «صافات»؟ لعلَّ السبب هو هذا الوضع العجيب والمدهش حيث تستطيع أن تتحرك في جو السماء بسرعة بدون تحريك اجنحتها كما أشرنا إلى‏ ذلك سابقاً.

والاحتمال الوارد أيضاً هو أنّ الطيور تتحرك في السماء بشكلٍ جماعي بنحوٍ يبعث على‏ الحيرة ، حركة هندسية منظّمة ، متناسقة تماماً ، وبلا قيادةٍ ظاهرةٍ.

وأشار في الآية الرابعة والأخيرة من البحث إلى‏ مسألةٍ جديدةٍ اخرى‏ من عجائب عالم الطيور فقال : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِى الأَرْضِ وَلَا طائِرٍ يَطِيْرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا امَمٌ أَمْثالُكُم}.

والتعبير ب «امَمْ» جمع‏ «امهّ» يدللُ على‏ أنَّ لها عقلًا واحساساً في عالمها ، والتعبير ب «أمثالكم» يؤكد هذا المعنى‏ أيضاً ، لأنّها تشابه الإنسان في مسألة الإدراك والفهم والشعور ، وهذا تأكيد مجدد للتفسير الذي ورد في الآية السابقة ، بأنَّ لها تسبيحاً ودعاءً عن وعيٍ في عالمها الخاص بها «8».

إنَّ القرائن المتوفرة لدى‏ الطيور ، وباقي الحيوانات ، تؤيد بأنّها ذات ذكاءٍ وشعور.

لأنَّ : أولًا : الكثير من الحيوانات تعمل بمهارةٍ ودقةٍ في بناءِ بيوتها وجمع غذائها وتربية فراخها ، ورعايتها ، وسعيها لسد حاجات حياتها الاخرى‏ بدقة ومهارة لا يُصدق معها ، صدور هذا العمل عن غير عقلٍ وشعور؟.

وهي تبدي ردود فعلٍ مناسبة ازاء الاحداث التي لا تمتلك تجربةً سابقةً حيالها ، فمثلًا نرى‏ أنَّ الخروف الذي لم يَرَ ذئباً طيلة حياته له وعيٌ كاملٌ عن خطر هذا العدو ويدافع عن نفسهِ بكلِّ وسيلةٍ يستطيعها.

لقد قاموا بتربية الحيوانات من أجل غاياتٍ مهمّةٍ ، كالطيور التي تنقل الرسائل ، والحيوانات التي تُرسلُ إلى‏ السوق للشراء ، وحيوانات الصيد ، وكلاب الشرطة التي تستعمل للكشف عن المخدّرات ، وملاحقة المجرمين وامثال ذلك ، فتُربّى‏ هذه الحيوانات بنحوٍ قد تكون أفضل وأكثر ذكاءً من الإنسان في انجاز مهمتها ، حتى‏ في هذا العصر الذي تنوعت فيه معدات كشف الجرائم لم يجدوا في انفسهم غنىً عن هذه الكلاب!.

خصوصاً أنَّ بعض الحيوانات كالنحل والنمل والأرضة ، وبعض الطيور كالطيور المهاجرة ، وبعض حيوانات البحر كالأسماك الحرّة التي تقطع آلاف الأميال في اعماق البحر باتجاه منشئها الأصلي أثناء وضع البيوض ، تعيش حياةً دقيقةً ومليئةً بالأسرار بحيث لا يمكن نسبتُها إلى‏ الغريزة ، لأنَّ الغرائز تُعتبر عادةً مصدراً للأعمال ذات النَسق الواحد ، في حين أنَّ حياة هذه الحيوانات ليست كذلك ، وأعمالها دليلٌ على‏ فهمها واحساسها النسبي.

يقول مؤلف تفسير «روح المعاني» :

أنا لا أرى‏ مانعاً من القول بأنّ للحيوانات نفوساً ناطقة وهي متفاوتة الإدراك حسب تفاوتها في أفراد الإنسان وهي مع ذلك كيفما كانت لا تصل في إدراكها وتصرفها إلى‏ غاية يصلها الإنسان ، والشواهد على هذا كثيرة وليس في مقابلتها دَليل يجب تأويلها لأجله‏ «9».

والظاهر أنّ مقصوده من الشواهد هذه التلميحات أو التصريحات التي جاءت في القرآن الكريم في قصة «الهدهد وسليمان» وكذلك‏ «النملة وسليمان» ، وكذلك الروايات التي نُقلت في تفسير آية البعث بأنَّ الحيوانات تُحشرُ وتُنشرُ وتحاسبُ يوم القيامةِ أيضاً «10».

ولكن على‏ أيّةِ حالٍ فسواء كانت أعمالها وتصرفاتها ناتجة عن عقلٍ وإرادةٍ أو عن غريزة فلا أثر لذلك على‏ بحثنا ، فهي بأيَّ نحوٍ آيةٌ من آيات اللَّه وبرهانٌ من براهين علمه وقدرته.

واللطيف أنّه يقول في نهاية الآية : {مَا فَرَّطْنَا فِى الْكِتابِ مِنْ شَى‏ءٍ} «11». {ثُمَّ إِلَى‏ ربِّهِمْ يُحْشَرُوْنَ}.

والتعبير ب «حَشر» يشير أيضاً إلى‏ أنّها ذات عقلٍ وإرادةٍ نوعاً ما.

يُستفادُ من الآيات أعلاه أنَّ الطيور ومن عدة جوانب تعتبر من آيات اللَّه ولا يمكن نسبة هذه الظواهر الدقيقة والمعقدة والمليئة بالأسرار إلى‏ الصدفة العمياء والصماء أو إلى‏ الطبيعة التي لا عقل ولا شعور لها.

توضيحات‏

1- فَنُّ الطيران الْمعقَّد

منذ سنواتٍ والإنسان يُفكر : ما هذه القوة الخفيّة التي تساعد الطيور الثقيلة نسبياً على الطيران خلافاً لجاذبية الأرض وتجعلها تطير بانسيابية ويُسرٍ ومهارةٍ في أعالي السماء ، وتتنقلُ بسرعةٍ؟ ولكن باختراع الطائرة وصناعتها تمّ اكتشاف هذا السر بانَّ هناك قوة تسمى‏ (القوة الرافعة) تستطيع أنْ ترفع الأجسام الثقيلة جدّاً وتجعلها تطير في السماء ، فضلًا عن الطيور. ويمكن توضيح ذلك في عبارةٍ بسيطةٍ وخاليةٍ من المصطلحات الفنية بما يلي :

لو كان لجسمٍ سطحان مختلفان (كأجنحة الطيور أو اجنحة الطائرة حيث يكون سطحها العلوي منحنياً وبارزاً ، فلو تحرك هذا الجسم افقياً ستتولد قوةٌ خاصةٌ ترفعُهُ إلى‏ الأعلى‏ ، وهذا يعود إلى‏ أنَّ ضغط الهواء سيتضاعف على‏ السطح السفلي أكثر من العلوي (لأنَّ السطح العلوي أوسع من السفلي).

وتعدّ الاستفادة من هذا القانون السبب الرئيس في تحليق الاجسام الثقيلة في الجو ، ولو تأملنا اجنحة الطيور جيداً للمسنا هذا القانون الفيزيائي بكل دقة.

غير أنّ هذه مسألة واحدة فقط من عشرات المسائل المهمّة في الطيران ، ومن أجل تصور أوسع له لابد من التطرق إلى‏ الامور الآتية :

1- السرعة الأولية لحصول القوّة الرافعة (فالطائرة تسير وقتاً طويلًا على‏ الأرض للحصول على‏ هذه السرعة ، أمّا الطيور فقد تركض قليلًا أو بقفزةٍ سريعةٍ في الهواء فتصل ‏هذه الغاية!).

2- كيفية التحكم بهذه القوّة أثناء الهبوط (وهذا الأمر يجري في الطيور والطائرة بتقليل السرعة وتغيير هيئة الجناح!).

3- كيفية تغيير الاتجاه أثناء الطيران (ويتم هذا الأمر عن طريق الاستفادة من حركات مؤخرة الطائرة أو الريش الخاص في قوافي الطيور التي تحدث حركات في مختلف الاتجاهات وتسوق الطائر نحو أيِّ اتجاه).

4- اتخاذ الشكل المناسب للطيران بالنحو الذي يجعل مقاومة الهواء على‏ جسم الطائر تصل إلى‏ الحد الأدنى‏ (وهذا الأمر تمَّ تأمينه من خلال الهيكل المغزلي للطيور ، والرأس البيضوي ، والمنقار المدبَّب والحاد ، وهيئة الطائرة تقليدٌ له!).

5- أدوات التنسيق مع الطيران (وهذا المعنى‏ متوفرٌ من خلال الريش الذي يسمح للطيور أنْ تسبح في الهواء ، ووضع البيوض بدلًا من الحمل ، كي لا يصبح جسمها ثقيلًا ، والعيون الحادّة حيث ترى‏ الفريسة أو الصيد جيداً من مكان بعيد وأمثال ذلك).

6- لقد كان العلماء ولمدةٍ من الزمن يلاحظون أنَّ عجلات الطائرات علاوة على‏ تخفيفها لسرعتها فهي لا تخلو من الأخطار أثناء طيرانها ، حتى‏ شاهدوا الطيور تجمع أرجُلَها أثناء الطيران وتفتحها قبل الهبوط بقليل فادركوا أنّه يجب الاستفادة من العجلات المتحركة التي تُجمع بعد الارتفاع ، وتُفتح قبيل الهبوط!.

ولا عجب في إجراء العلماء لبحوث كثيرة ولسنواتٍ متماديةٍ على‏ مختلف أنواع الطيور مهتمين بكيفية الطيران ، والهبوط ، وشكل الأجنحة والأذناب ، وقاموا بصِناعةِ أنواع مختلفة من الطائرات تقليداً لمختلف الطيور.

فهل يُمكن أن تكون الاسس الضرورية المذكورة في الطيران وليدة للطبيعة العمياء والصّماء؟ أوَليسَ جملةُ : {مَا يُمسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ} إشارة دقيقة وجميلة إلى‏ جميع تلك الاسس؟ لا سيما وأنّ المعنى‏ يتم بعد جملة : {إِنَّهُ بِكُلِّ شَى‏ءٍ بَصيرٌ}.

2- «عجائب الطيور» و«الطيور العجيبة»

للطيور أنواع مختلفة وعجيبة ، وبعضها أكثرُ عجباً ، إذ يقول بعض العلماء : شوهد 289 نوعاً من الحمام و209 نوع من الحجل و100 ألف نوع من الفراشة لحد الآن‏ «12».

ويمكن ذكر «الخفاش» مثلًا من بين الطيور العجيبة ، فهو يضجر من ضوء الشمس على‏ عكس سائر الطيور ، ويطير في ظلام الليل بكل شجاعةٍ وجرأةٍ وبأيّ اتجاه شاء ، وجسمه خالٍ من الريشِ تماماً واجنحتُه متشكلة من جلد رقيق ، وهو لبونٌ ولودٌ ، فيحيضُ ، ويأكل اللحم ، ويقالُ إنَّ الطيور تنصبُ له العداء ، كما أنّه يعاديها أيضاً! لهذا فهو يقضي حياته منعزلًا.

وحركته السريعة والجريئة في ظلمة الليل من دون أن يصطدمَ بمانعٍ تبعث على‏ الحيرةِ ، فهو يَمر من خلال انحناءاتٍ والتواءاتٍ كثيرة بدون أن يضِّل طريقه ، ويوفر طعامه بدقّة أينما كان مختفياً ومن دون خطأٍ ، لامتلاكه لجهازٍ خفي يشبه‏ «الرادار».

فهو يرى‏ بأذنه «أَجَلْ بأذنه!» لأنَّ الأمواجَ الخاصَّة التي يصدرها من حنجرته ويرسلها إلى‏ الخارج عبر أنفهِ ترتطمُ بكل ما يصادفها وتعود ، وهو يلتقط الأمواج المنعكسة بأذنه ، ويتحسسُ الوضعَ في جميع الجهات فيتجنب العقبات.

إنَّ بناءَ حنجرته وانفهِ وأذنهِ عجيبٌ ، دقيقٌ لا يوجد له مثيل في أيٍّ من اللبائن.

والأمواج التي يرسلها إلى‏ الخارج هي أمواج ما وراء الصوت ، التي لا نستطيع سماعها ، وفي كلِّ ثانيةٍ يرسل 30- 60 مرّة إلى‏ كل الاتجاهات المحيطة به ويستلم ردَّها.

لقد اجروا بحوثاً كثيرة حول‏ «الخفّاش» وأَلّفُوا مقالاتٍ عديدةً ، تتشكل منها دروس حقة لمعرفة اللَّه.

ولهذا يتحدث أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة في خطبةٍ معروفةٍ باسمِ‏ «خطبة الخفّاش» عن هذا الحيوان ، ويُبينُ مهارتَه ودقته في بيانهِ العظيم والبليغ ، حيث يقول :

«من لطائف صنعته ، وعجائب خلقته ، ما أرانا من غوامض الحكمة في هذه الخفافيش ...» «13» ثم يضيف بصدده قائلًا :

«وقيل من الحيوانات من يحتضن صغاره ، ويحمله تحت جناحه وربما قبض عليه بفيه وهو في حنوه عليه واشفاقه عليه وربما ارضعت الانثى‏ ولدها وهي طائرة ...» «14».

ومن عجائب الخلق طائرٌ آخر يُسمى‏ «الطاووس» ، بريشه الجميل الذي تصيب الدهشة من يتمعن بألوانه ، فكأنّما خرجَ لتوِّهِ من تحت يد رسّام ماهر مليئاً بالألوان الخلابة الزاهية الشفّافة والجذّابة ، مصففاً ريشه بمظلة عجيبة التي إذا رأيتها فسوف لن تغيب عن بالك ، أنّ ذلك لآية اخرى‏ من آيات خلقِ اللَّه.

لهذا أكَّد معلمُ التوحيد ومعرفة اللَّه ، الإمام علي عليه السلام في احدى‏ خطب نهج البلاغة «خطبة الطاووس» على‏ هذا الأمر قائلًا :

«ومِنْ أَعجبِها خلقاً الطاووس الذي أَقامَهُ في أَحكَمِ تعديلٍ ، ونضّد ألوانه في أحسن تنضيد بجناحٍ أشرج قَصَبَهُ وذنب أطال مَسْحَبَه إذا درج إلى‏ الانثى‏ نثره من طيّه وسما به مطلًا على‏ رأسه كأنّه قلع داري عنجة نوتيّةٌ يختال بألوانه ...» «15».

و «الطيور المهاجرة» من أكثر أنواع الطيور إثارة للدهشة أيضاً ، فهي تقطع أحياناً كل المسافة بين القطب الشمالي والقطب الجنوبي ، ثم تعودُ إلى‏ مكانها الأول ، قاطعة سفراً طويلًا بعيداً قد يبلغ آلاف الأميال ، والعجيب أنّها تستخدم في هذه المسافة الشاسعة آلاتٍ‏ خفية تستطيع بها تشخيص طريقها بين الجبال والغابات والصحارى‏ والبحار.

والأعجب من كل هذا مواصلة طيرانها لعدّة أسابيع بدون توقف ليلًا ونهاراً دون الحاجة إلى‏ غذاء ، لأنّها تبدأ بالأكل قبل بداية سفرها- بدافع داخليِّ- ، أكثر من الحد اللازم ، وتختزن هذه الأطعمة على‏ هيئةِ دهون في جسمها ، كي تكتسب الطاقة اللازمة لهذا الطيران الطويل المستمر.

فهل تستفيد من الجاذبية المغناطيسية للأرض من أجل تشخيص طريقها؟ أو من استقرار الشمس في السماء والنجوم أثناء الليل؟ وفي هذه الحالة يجب أن تكون هذه الطيور من الفلكيين المرموقين ، أو تستفيد من طريقةٍ خفيَّة اخرى‏ نجهلها لحد الآن ؟

والأهم من ذلك أنّها تنام في السماء أحياناً وهي طائرةٌ وتواصل مسيرتها نحو هدفها! كما أنّها تتوقعُ التحولات في الجو قبل حصولها من خلال تنبؤ ذاتي ، فتستعد للحركة.

لعلكم شاهدتم بأعينكم أنَّ الطيور المهاجرة تتحرك بشكلٍ جماعيٍّ وتُشكِّلُ نسقاً على‏ هيئةِ رقم 7 ، فهل هذا حدثَ صدفةً؟ لقد أثبتت بحوث العلماء أنَّ الطير عندما يحرِّك جَناحَيهُ في الهواء فهو يخفضه ممّا يسهل عملية تحريك جناح الطائر الذي يليه ، لهذا فانَّ الطيور حينما تتحرك بالشكل أعلاه قليلًا ما تتعب ، وتختزن كميةً لا بأس بها من طاقتها ، فايُّ معلِّمٍ اعطاها هذا الدرس الدقيق ؟

3- الطيور في خدمة الإنسان والبيئة

يقول أحد العلماء : إنَّ شقاءَ وقسوة الإنسان ، وغفلته وجهله لا عدّ ولا حدود لها ، فيجب أن يعلَم أنَّ قتلَ الطيور يكلفه خسارةً فادحةً ، ويحرمُهُ عون ونصرة أعزِّ وأغلى‏ الاصدقاء والرفاق في صراعه مع الحشرات الضارة.

فللإنسان طريقتان في مكافحته للحشرات الضارة : إحداهما الاسلوب البدائي وهو عبارة عن إبادة اليرقات في البساتين والمزارع وقتلها ، والقضاء على‏ الجراد وحشرة المنّ ، عن طريق السموم ، والاخرى‏ الصراع العلمي عن طريق‏ «البيولوجيا» بواسطة الفايروسات‏ والطفيليات الخاصة التي يتم تكثيرها لهذا الغرض.

إلّا أنّه يدفعُ ثمناً غالياً في هذين الاسلوبين من الصراع ويتحملَ المتاعب والمشقة ، بينما لو ترك الطيور سالمةً ، وقام بتكثير الطيور التي تقتل الحشرات كالبوم ، وبعض الطيور التي تتغذى‏ على‏ الحشرات فستكون المكافحة أسهل وافضل (وارخص).

يقول عالمٌ يُدعى‏ «ميشيل» : «لولا وجود الطيور ستصبح الأرض فريسةً للحشرات» ، ويكتبُ آخرُ يُسمى‏ «فابر» في تأييده : «لولا وجود الطيور سيقضي القحط على‏ البشر»!.

وتحدِّثنا الاحصاءات ، بأنْ لو حصلنا على‏ حسابات دقيقة نسبياً عن معدل اليرقات والحشرات التي تستهلكها الطيور الصغيرة سنوياً في طعامها وطعام فراخها فستتضح هذه المسألة كثيراً.

فهنالك طيرٌ صغيرٌ يُدعى‏ «رواتوله» يأكل سنوياً «ثلاثة ملايين» من هذه الحشرات المهاجمة! وهناك نوع من الطيور يُسمى‏ «الطائر الازرق» يأكل سنوياً «ستة ملايين ونصف المليون» من الحشرات ، ويستهلك «أربعاً وعشرين مليوناً» لإطعام فراخه التي لا تقل عادةً عن اثني عشر أو ستة عشر فرخاً ...

والسنونو تطوي يومياً أكثر من ستمائة كيلو متر وتأكل «الملايين» من الذباب ، وهناك طيرٌ يُدعى‏ «تروغلوديت» يتغذى‏ على‏ «تسعة ملايين» حشرة منذ أن يخرج من البيضة وحتى‏ طيرانه من العش! وغالباً ما يعتبر الناس أنَّ الغراب الاسود مضرٌ ، ولكن لو ذبحتم أحد الغربان وتفحصتم حوصلته تجدونه مليئاً بنوعٍ من الديدان البيضاء «16».

هذا جانبٌ من خدمات الطيور للمزارعين والبيئة ، فافرضوا الآن لو أنّها تأخذُ نصيباً من محاصيلنا الغذائية الذي لا يساوي واحداً بالألف ممّا تستحقه من هدية! فهل يؤدّي بنا هذا إلى‏ اعتبارها حيواناتٍ ضارةً ومؤذية؟

فَمَنْ أَوْدَعَ هذا التكليف لدى‏ هذه الطيور بأن تتكفَّل بدورٍ مهمٍ بموازنة القوى‏ في عالم الحيوانات والحشرات التي لها فوائدها أيضاً.

4- دروس التوحيد في وجود الطيور

يقول الإمام الصادق عليه السلام معلمُ التوحيد العظيم في الحديث المشهور ب «المفضل» :

«تأمّل يا مفضل جسم الطائر وخلقته فإنه حين قدّر أن يكون طائراً في الجو خفّف جسمه وادمج خلقه فأقتصر به من القوائم الأربع على‏ اثنتين ومن الأصابع الخمس على‏ أربع ، ومن منفذين للزبل والبول على‏ واحد يجمعهما ثم خلق ذا جؤجؤ محدد ليسهل عليه أن يخرق الهواء كيف ما أخذ فيه كما جعل السفينة بهذه الهيئة لتشق الماء وتنفذ فيه وجعل في جناحيه وذنبه ريشات طوال متان لينهض بها للطيران وكُسيَ كله بالريش ليدخله الهواء فيقله ، ولما قدّر أن يكون طعمه الحبّ واللحم يبلعه بلعاً بلا مضغ نقص من خلقه الأسنان وخلق له منقار صلب جاس يتناول به طعمه فلا ينسجح من لقط الحب ولا يتقصف من نهش اللحم ، ولمّا عدم الاسنان وصار يزدرد الحبّ صحيحاً واللحم غريضاً اعين بفضل حرارة في الجوف تطحن له الطعم طحنا يستغني به عن المضغ؛ واعتبر ذلك بأنّ عجم العنب وغيره يخرج من أجواف الانس صحيحاً ويطحن في أجواف الطير لا يرى‏ له أثر ثم جعل ممّا يبيض بيضاً ولا يلد ولادةً لكيلا يثقل عن الطيران ...» «17».

ثمَّ يشرحُ الإمام عليه السلام بعد ذلك ، الامورَ المهمّة والدقيقة الاخرى‏ حول الطيور حيث نُعرض عنها مراعاةً للاختصار.

______________________________
(1) وقد قالوا إنّ مصدر هذا الفعل «طَير» أيضاً ، وطيور جمع الجمع (جمع طَير) وذكر بعضهم أنّ «طيور» جمع «طائر».

(2) مفردات الراغب؛ لسان العرب؛ كتاب العين؛ ومجمع البحرين.

(3) التحقيق في كلمات القرآن الكريم؛ ومفردات الراغب.

(4) لقد اتخذ بعضهم لفظ «جَوّ» بمعنى‏ الفضاء الذي يحيط بالأرض ، وبعضٌ بمعنى‏ «الهواء» قريباً كان أم بعيداً عن الأرض ، ولكن يبدو أنّ ما يستعمل عادةً هو المعنى‏ الأول ، وهو الذي يناسب الآية أعلاه حيث يمكن أن يكون مصدراً للأعجاب.

(5) يقول بعض المفسرين لو تعدت «الرؤية» ب «إلى‏» فهي تعني الرؤية الحسّية ، وإذا تعدت ب «في» فهي تعني المشاهدة القلبية والمطالعة العقلية (تفسير روح البيان ، ج 10 ، ص 91).

(6) لماذا جاءت «صافاتٍ» بصيغة الاسم الفاعل ، و«يقبضنَ» بصيغة الفعل المضارع؟ وردت تفسيرات كثيرة أفضلها : يقال إنّه عند انبساط الاجنحة يأخذ وضع الطائر نسقاً واحداً ، بينما يتكرر رفيف اجنحته عند خفقانها ، وهذا ما يناسب الفعل المضارع ويكسبه صفة الاستمرارية. وذُكر تفسير آخر في «الكشاف» وأيده بعض المفسرين : بأنّ منشأ هذا التفاوت ينبع من أنّ الطيران هو الحالة الأصلية الاولى‏ للطيور ، والحالة الثانية هي عرضية. غير أن الغموض يكتنف هذا التفسير.

(7) هنا حيث يعود الضمير في «عَلِمَ» إلى‏ «اللَّه» أو إلى‏ «كلّ» هنالك جدالٌ بين المفسِّرين ، ولكن ما يناسب وضع الآية هو أن يعود الضمير إلى‏ «كل» فيعني : «كل واحد» أي أنَّ كلَّ واحدٍ من موجودات الأرض والسماء والطيور يعرف صلاته وتسبيحه جيداً.

(8) لقد اعطى‏ المفسرون احتمالات كثيرة في تفسير تشبيهها بالإنسان حيث يبدو أنَّ ما اوردناه أعلاه أكثر تناسباً بالرغم من عدم وجود تعارضٍ بين هذه الاحتمالات. يراجع تفسير المنار ، ج 7 ، ص 392؛ وتفسير القرطبي ، ج 4 ، ص 2417.

(9) تفسير روح المعاني ، ج 7 ، ص 147.

(10) تفسير مجمع البيان ، ج 3 ، ص 298.

(11) «فَرَّطنا» من مادة «تفريط» أي التقصير في اداء العمل وتضييعه بنحوٍ يضيع (صحاح اللغة) ويردُ هذا الاحتمال أيضاً بأنَّ المقصود من عدم التفريط في هذا الكتاب السماوي يعني أنَّ للقرآن مفهوماً جامعاً حيث يشمل كافة حاجات الإنسان إلّا أنّه نظراً إلى‏ ذيل الآية فانَّ المعنى‏ أعلاه يعتبر أكثر مناسبة.

(12) يراجع كتاب أسرار حياة الحيوانات ، ص 142 إلى‏ 196.

(13) نهج البلاغة ، الخطبة 155.

(14) سفينة البحار ، ج 1 ، ص 403.

(15) تراجع بقية هذا الحديث في الخطبة 165 من نهج البلاغة.

(16) نظرةٌ إلى‏ الطبيعةِ وأسرارها ، ص 195- ص 197 «مع الاختصار».

(17) بحار الأنوار ، ج 3 ، ص 103 وما بعدها.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .