المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

Oxidation of Secondary alcohols
11-9-2019
تخطيط الخدمات الثقافية
2023-02-16
هل توجد أصناف نباتية مقاومة للأدغال؟
20-12-2021
أثار الوساطة الجنائية على الدعوى الجزائية
2023-09-13
Strong Frobenius Pseudoprime
25-1-2021
الحديث جلاء القلب
15-5-2020


معرفة الإمام المهدي عليه السلام بالنورانية  
  
451   10:28 صباحاً   التاريخ: 2024-07-26
المؤلف : الشيخ علي الكوراني
الكتاب أو المصدر : الحق المبين في معرفة المعصومين
الجزء والصفحة : ص507-523
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام محمد بن الحسن المهدي / خصائصه ومناقبه /

هذه ليلةٌ ولد فيها المولود السعيد ، والسبب المتصل بين الأرض والسماء ، الإمام المهدي أرواحنا فداه .

إن معرفة الإمام صاحب الزمان عليه السلام نوعان ، معرفة لعامة الناس أن يعرفوا إمامهم المفترض الطاعة . ومعرفة خاصة تسمى معرفته بالنورانية ، وينبغي التعرف عليها من الروايات والأدعية والزيارات الصادرة عن الأئمة عليه السلام والتي هي كنزٌ من المفاهيم الإسلامية والمعارف الإلهية ، غاية الأمر أنها عميقة تحتاج إلى فهم ، والفهم يحتاج إلى تأمل ومعايشة لمدرسة الوحي الإسلامية .

إن من الأمور الدقيقة العميقة ، القدرة على التفريق بين الكلام الذي مصدره الفكر البشري ، والكلام الذي مصدره مدرسة الوحي الإلهي ! وإن جهات الافتراق بينهما كثيرة وكبيرة من البداية إلى النهاية ! فالكلام الناشئ من الفكر البشري كالسراج النفطي ، الذي تُشْعِلُ فتيلته حتى يضئ ، ويكون نوره ضعيفاً ، يرافقه الدخان ، ورائحة النفط ، ولا يمكنك فصلهما عنه !

لكن الكلام الصادر من الوحي سراجٌ متصل بنور السماوات والأرض : اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ . ( سورة النور : 35 ) . ولذا كان كلام الأئمة عليهم السلام بحراً من النور لا نهاية له ! ومع أن وصفه بكلمة بحر غلط ، لكننا مضطرون إلى أمثال هذه التعابير ، لعدم وجود غيرها في عالمنا الأرضي !

في الكلام الصادر من الوحي لا مجال لدخان الخطأ ، ولا لدخان الهواء لأنه : يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ .

على أن هذا الامتياز بين هذين الكلامين أو ( الفكرين ) هو الامتياز الأصغر !

أما الامتياز الأكبر فهو أن الفكر الصادر من التفكير البشري مباح لكل وارد ، فأي شخص عنده قدرة تفكير يمكنه أن يفكر وينتج ، لا شرط فيه لطهارة بدن ولا جيب ، ولا صفات كمال ، ولا جمال ! ولذا ترى في قمة الفكر البشري أشخاصاً حتى من الوثنيين والمجوس والزردشتين ، أمثال بهمنيار في مدرسة ابن سينا ! وليس واضحاً ما يؤثره فيهم هذا الفكر !

أما الفكر الناشئ من الوحي الإلهي فليس مباحاً لكل وارد ، بل إن لأهله مواصفات وشروطاً ، هكذا صانه الله تعالى إلا عن أهله ، فاقرأ آخر آية النور : يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ . فهو علم خاص لمن قرر الله أن يهديه اليه ، وهذا هو المائز الأكبر له عن الفكر البشري العام ، الذي يجعل المسافة بينهما أبعد من السماء إلى الأرض ! ويجعله علماً لأخص الخواص من البشر !

والشاهد على ذلك أن ابن سينا في أواخر حياته ، بعد أن قضى عمره في التفكير البشري ، والتعمق في طرق الإستدلال النظرية ، وتعبت جبهته من الاصطدام بصخور المعرفة . . وصل إلى الحقيقة وأعلن مقولة الوحي : ( جل جناب الحق أن يكون شريعة لكل وارد ) !

لقد فهم أن الحكمة الإلهية ليست كالفكر البشري مباحة لكل وارد مهما كانت شخصيته وسلوكه : قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ . ( سورة المائدة : 15 - 16 ) فما لم يتبع رضوان ربه ، لا يجد الطريق إلى سبل السلام ! وأين تنتهي به سبل السلام ؟ هذا بحث آخر !

في هذا اليوم نستفيد من هذا الدعاء لمعرفة الإمام عليه السلام معرفة ابتدائية ، فواظبوا عليه جميعاً وأوصوا الناس أن يقرؤوه بعد صلاة الصبح .

وعندما تقرؤونه وجهوا فكركم القوي الذي توجهونه إلى المباحث العلمية العميقة فتفهمونها ، وجهوه إلى دقائق هذا الدعاء ولطائفه .

هذا الدعاء كنز معرفة ، وكل أدعية أهل البيت عليهم السلام كذلك ، وقد رواه السيد ابن طاووس وغيره مرسلاً ومسنداً ، وإن كانت مضامينه الغنية تغنيه عن الحاجة إلى بحث سنده ، فبحث السند كما يعرف أهله ، نحتاج اليه عندما لا يكون عندنا دليل على أن هذا الكلام صادر من أهل بيت الوحي عليهم السلام .

فاستمعوا بدقة لما يقوله : ( اللهم ربَّ النور العظيم ، وربَّ الكرسي الرفيع ، وربَّ البحر المَسْجُور ، ومُنَزِّلَ التوراة والإنجيل والزبور ، وربَّ الظلِّ والحَرُور ، ومُنزلَ الفرقان العظيم ، وربَّ الملائكة المقربين ، والأنبياء والمرسلين .

اللهم إني أسألك بوجهك الكريم ، وبنور وجهك المنير ، وبملكك القديم ، يا حي يا قيوم ، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون ، يا حيَُ قبل كل حي ، يا حيَاً بعد كل حي ، يا حيَاً لا إله إلا أنت .

اللهم بَلَّغْ مولانا الإمام الهادي المهدي ، القائم بأمر الله ، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ، في مشارق الأرض ومغاربها ، وسهلها وجبلها ، وبرها وبحرها ، عني وعن والديَّ وعن المؤمنين ، من الصلوات زنة عرش الله ، وعدد كلماته ، وما أحاط به علمه ، وأحصاه كتابه . . ) . ( المزار لابن المشهدي ص 663 )[1]

فتأمل في تسلسل فقرات الدعاء إلى هنا . .

اللهم ربَّ النور العظيم . . بدأ الدعاء باسم الله تعالى ، وهو الأصل من أربعة أسماء هي أركان من أسماء الله تعالى ، أولها اسم ( الله ) ، وهو اسم الذات الإلهية ، الحاكي عن جميع الأسماء الحسنى والأمثال العليا . وخصوصيات هذا الاسم مهمة ، وللدعاء به دلالات ليست في غيره ، ولا يقبل التوحيد إلا به : ( لا إله إلا الله ) .

والثاني : ( الرب ) وهو الاسم الحاكي عن ربوبيته التكوينية والتشريعية ، وأفعاله في جميع نشآت الوجود الإمكاني . ولمعرفة عظمة هذا الاسم إقرؤوا مثلاً هذه الآيات من سورة آل عمران : إِنَّ في خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَار لآيَِاتٍ لأُولي الأَلْبَابِ ، الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِى خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ .

رَبَّنأَ إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِى لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ .

رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ . فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّى لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَاب . ( سورة آل عمران : 190 - 195 )

فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ . . إلى آخر الأسرار في اسم ( الرب ) تبارك وتعالى .

بعد هذين الإسمين نصل إلى الاسم الأعظم للذات المقدسة ، الذي باطنه من خزائن أسرار الله تعالى ، والذي ورد في ثلاث آيات من القرآن الكريم :

في مطلع آل عمران : بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ . ألم . اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُو الْحَىُّ الْقَيُّوم ُ . نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ .

وفي مطلع آية الكرسي : اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَئٍْ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُو الْعَليُّ الْعَظِيمُ . ( سورة البقرة : 255 )

وختامه في سورة طه : ( وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا ) .

يبدأ دعاء العهد بالدعاء باسم الله تعالى الجامع لجميع الأسماء الحسنى ( اللهم ) ، ثم يدعو باسم الرب سبحانه ( اللهم ربَّ النور العظيم ) . ولا يتسع المجال الآن لبيان سلسلة استعمالات اسم ( الرب ) . ونلاحظ أن الدعاء انتهى باسمي ( يا حيُّ يا قيُّوم ) ، فهو يجمع الأركان الأربعة من أسماء الله تعالى .

اللهم ربَّ النور العظيم . . تأملوا هذه الكلمة التي بدأ فيها الدعاء ، وفي ارتباطها بالمدعو له . . فمن هو النور العظيم الذي بدأ الدعاء له بسؤال رب النور العظيم ؟

النور العظيم . . موضوع عظيم ، لا يتسع وقتنا للإفاضة فيه فنكتفي بالإشارة اليه عسى أن يعفو الله تعالى عن ظلمنا له ، ويفتح لنا باباً من الحكمة والمعرفة لحجته وخليفة العصر والزمان صلوات الله عليه . هذا النور العظيم أين يجب أن نبحث عنه ؟ هل كما يزعم مخالفونا أن الشيعة يبحثون عنه في السرداب !

مساكين هؤلاء ، لم يعرفوا أن هذا السرداب بيت خليفة الله في أرضه وحجته على عباده ، وأنه مشبع بنور الله العظيم كقلوب المؤمنين !

نحن نستذكر في حرم بيت الإمام المهدي عليه السلام وسردابه نور الله العظيم ، ونسعى لأن تتصل قلوبنا بشعاع منه ! ونزوره بقولنا ( السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديين ، السلام عليك يا وصي الأوصياء الماضين ، السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين . . . إلى أن نقول : السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى ، وسدرة المنتهى ، السلام عليك يا نور الله الذي لا يُطْفَى ) .[2]

إنه روحي له الفداء ذلك النور الرباني العظيم الذي لا يطفأ . فالذي نبحث عنه صلوات الله عليه ، تبدأ صفاته بخليفة الله تعالى حتى تصل إلى نور الله الذي لا يطفأ ولا ينطفئ ! وينتهي سيرنا إلى هذا النور الإلهي في سورة الصف وسورة التوبة ، حيث نجد أصل ذلك النور العظيم الذي لا يطفى ! قال تعالى : يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ( سورة الصف : 8 - 9 )

وقال تعالى : يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ . ( سورة التوبة : 32 - 33 )

وعندما نرجع إلى المفسرين نجد أن الإمام الصادق ، لسان الله الناطق عليه السلام فسرها بالإمام المهدي أرواحنا فداه ، قال عليه السلام : ( لم تخل الأرض منذ كانت من حجة عالم ، يحيي فيها ما يميتون من الحق ثم تلى هذه الآية : يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَو كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) . ( كمال الدين للصدوق ص 221 )

وقال عليه السلام في قول الله عز وجل : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ، قال : والله ما نزل تأويلها بعد ، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام . فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه ، حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله ) ! ( كمال الدين ص 670 )

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في قوله تعالى : هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، أظَهَرَ بعد ذلك ؟ قالوا : نعم ، قال : كلا ، فوالذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله ، بكرة وعشياً ) . انتهى . ( مجمع البيان : 5 / 280 )[3]

وبهذا يتضح معنى المعرفة بالنورانية ، وأن الإمام المهدي نور الله الأعظم في أرضه . صلوات الله عليه وعلى آبائه المعصومين .

إن على كل فرد منكم أن يتوجه بفكره وقلبه إلى الإمام المهدي أرواحنا فداه ، ويسعى لأن يتصل قلبه بشعاعه المبارك ، فلو أن شعاعاً منه مس عقولنا ، لأحدث فينا تحولاً كبيراً .

صلوات الله عليك يا مولاي يا صاحب العصر والزمان . . أيُّ وجود خصك الله به ، تعجز عقولنا عن فهمه ، وتعيا ألسنتنا عن وصفه ؟ !

لقد جعلك الله نوره ، وعبر عنك بتعبيرين ، فأضافك مرة إلى اسمه الظاهر ومرة إلى اسمه المضمر فقال تعالى : يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ . فمن الخصائص الذاتية للإضافة أن المضاف يكتسب معرفته وخصائصه من المضاف إليه ، وكلما كان المضاف اليه أعلى درجة كان حيث التعريف في المضاف أعلى !

وفي الإضافتين المظاهرة والمضمرة بحث عميق ، تكمن فيه معرفة الإمام صاحب الزمان عليه السلام فالإضافة الأولى هي الظاهرة لمرحلة ظهوره : لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ ، والثانية المضمرة لمرحلة غيبته عليه السلام : وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ، فهو عليه السلام مظهر اسم الله الظاهر ، ومظهر اسمه الباطن ، فهو نور الله الذي لا يطفى ، وفيه جمع الله الغيب والشهود ، ونحن الآن في عصر غيبته ، حتى يأذن الله بظهور نوره فيه ، فيتكئ على ركن الكعبة ويخطب ، ويبدأ نور الله مرحلة الظهور المقدسة .

هذا هو الإمام المهدي أرواحنا فداه ، الذي ظلمناه فلم نعرفه ، ولم نؤد معه الأدب المفروض له .

لو أنكم قرأتم هذا الدعاء كل يوم بعد صلاة الصبح ، وتأملتم في فقراته بدقة ، ثم راقبتم سلوككم اليومي فجعلتم اهتامكم بالإمام المهدي عليه السلام بقدر اهتمام أحدكم بنفسه . . لرأيتم ماذا سيحدث لكم من نور في الفكر والروح !

إن قاعدة : يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ . ( سورة إبراهيم : 27 ) ، قاعدة ثابتة ، شاملة لأنواع الظلم وصغيره وكبيره : وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً . فلا بد أولاً أن نطهر أنفسنا من الظلم لإمام الزمان أرواحنا فداه ، والخطوة الأولى لذلك أن نتذكره في مجالسنا ومحافلنا ودروسنا ، وأن نكون في شهر رمضان في ضيافة الله وضيافته . فاتركوا الحواشي والإضافات من تفكيركم واهتماماتكم ، واهتموا بالأصل والمتن ! وهل بلاؤنا ومشكلاتنا وسوء حظنا أفراداً وجماعات ومجتمعاً إلا بسبب انشغالنا بأنفسنا عن الله تعالى ، وعن وليه وحجته أرواحنا فداه ؟ !

إن الإمام المهدي عليه السلام هو السبب بين الأرض والسماء ، والرابط بين الخالق تعالى وخلقه ! وشخصيةٌ كهذه لا يجوز أن يكون منسياً في مجالسكم وتدريسكم ، فليكن ابتداء مجلس أحدكم وختامه بذكر المولى الموعود ونور الله في أرضه صلوات الله عليه ، لعل الله يفتح لي ولك أبواب رحمته ولطفه .

اللهم صل على وليك صاحب الزمان عددَ ما في علمك صلاةَ دائمة بدوام ملكك وسلطانك . اللهم بحق فاطمةَ وأبيها وبعلها وبنيها والسرِّ المستودع فيها

اجعلنا من شيعته وأنصاره ، ولا تفرق بيننا وبينه أبداً في الدنيا والآخرة .

والحمد لله رب العالمين .

 

[1] في المزار لابن المشهدي رحمه الله ص 663 : ( ذكر العهد المأمور به في زمان الغيبة : روي عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أنه قال : من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا عليه السلام ، فإن مات قبله أخرجه الله تعالى من قبره . وأعطاه الله بكل كلمة ألف حسنة ، ومحا عنه ألف سيئة ، وهو :

( اللهم رب النور العظيم ، ورب الكرسي الرفيع ، ورب البحر المسجور ، ومنزل التوراة والإنجيل والزبور ، ورب الظل والحرور ، ومنزل الفرقان العظيم ، ورب الملائكة المقربين ، والأنبياء والمرسلين .

اللهم إني أسألك بوجهك الكريم ، وبنور وجهك المنير وبملكك القديم ، يا حي يا قيوم ، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون ، يا حي قبل كل حي ، يا حياً بعد كل حي ، يا حياً لا إله إلا أنت .

اللهم بلغ مولانا الإمام الهادي المهدي ، القائم بأمر الله ، صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ، في مشارق الأرض ومغاربها ، وسهلها وجبلها ، وبرها وبحرها عني وعن والديَّ وعن المؤمنين من الصلوات ، زنة عرش الله ، وعدد كلماته ، وما أحاط به علمه ، وأحصاه كتابه .

اللهم إني أجدد له في صبيحة هذا اليوم وما عشت به في أيامي عهداً وعقداً وبيعةً له في عنقي ، لا أحول عنها ولا أزول .

اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه الذابين عنه ، المسارعين في حوائجه ، الممتثلين لأوامره المحامين عنه ، المستشهدين بين يديه .

اللهم وإن كان الموت الذي جعلته على عبادك حتماً يحول بيني وبينه فأخرجني من قبري مؤتزراً كفني ، شاهراً سيفي ، مجرداً قناتي ، ملبياً دعوة الداعي في الحاضر والبادي .

اللهم أرني طلعته الرشيدة ، وغرته الحميدة ، وأكحل مرهمي بنظرة مني إليه وعجل فرجه ، وسهل مخرجه ، وأوسع منهجه ، واسلك بي محجته ، وأنفذ أمره ، واشدد أزره ، واعمر اللهم به بلادك ، وأحيِ به عبادك ، فإنك قلت وقولك الحق على لسان نبيك محمد صلى الله عليه وآله : ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ ( سورة الروم : 41 ) اللهم فأظهر لنا وليك وابن بنت نبيك ، المسمى باسم نبيك ، حتى لا يظفر بشئ من الباطل إلا دحضه ، ويحق الحق ويحققه .

اللهم واجعله مفزعاً للمظلوم من عبادك ، وناصراً لمن لا يجد ناصراً غيرك ، ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك ، ومشيداً لما ورد من أعلام دينك وسنن نبيك صلى الله عليه وآله واجعله اللهم ممن حصنته من بأس المعتدين .

اللهم وسرَّ نبيك محمداً صلى الله عليه وآله الطاهرين برؤيته ، ومن تبعه على دعوته ، وارحم استكانتنا من بعده .

اللهم اكشف هذه الغمة عن الأمة بحضوره ، وعجل اللهم لنا ظهوره : إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً وَنَرَاهُ قَرِيباً ، برحمتك يا أرحم الراحمين . ثم تضرب يديك ثلاثاً تقول : العجل العجل العجل ، يا صاحب الزمان ) . انتهى .

ورواه في مستدرك الوسائل : 5 / 393 ، ورواه في البحار : 53 / 95 و 327 ، وفي : 83 / 284 ، وفي : 91 / 41 ، قال : ( نقل من خط الشيخ محمد بن علي الجبعي ، نقلاً من خط الشيخ علي بن السكون قدس الله روحهما ، أخبرني شيخنا وسيدنا السيد الأجل العالم الفقيه جلال الدين أبو القاسم عبد الحميد بن فخار بن معد بن فخار العلوي الحسيني الموسوي الحائري أطال الله بقاءه قراءة عليه ، وهو يعارضني بأصل سماعه الذي بخط والده رحمه الله المنقول من هذا الفرع في شهور سنة ست وسبعين وستمائة قال : أخبرني والدي رضي الله عنه قال : أخبرني الأجل العالم تاج الدين أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن الدربي أطال الله بقاءه سماعاً من لفظه وقراءة عليه في شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين وخمسمائة ، قال : أخبرني الشيخ الفقيه العالم قوام الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله البحراني الشيباني رحمه الله ، قراءة عليه سنة ثلاث وسبعين وخمس مائة ، قال : قرأت على الشيخ أبي محمد الحسن بن علي قال : قرأت هذا العهد على الشيخ علي بن إسماعيل قال : قرأت على الشيخ أبي زكريا يحيى بن كثير ، قال : قرأت على السيد الأجل محمد بن علي القرشي قال : حدثني أحمد بن سعيد بقراءته على الشيخ علي بن الحكم قال : قرأت على الربيع بن محمد المسلي قال : قرأت على أبي عبد الله بن سليمان قال : سمعت سيدنا الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام يقول : من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا ، وإن مات أخرجه الله إليه من قبره ، وأعطاه الله بكل كلمة ألف حسنة ومحا عنه ألف سيئة ، وهذا هو العهد . . . إلى آخر الدعاء ، وليس فيه : ثم تضرب بيدك . . الخ . ثم نقله في البحار : 99 / 110 ، عن مزار ابن المشهدي . وله مصادر أخرى ذكرناه في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام : 4 / 118 .

أقول : ورد هذا الدعاء بصيغ أخرى ليس فيها هذا الدعاء للإمام المهدي عليه السلام ، ففي مصباح المتهجد للشيخ الطوسي رحمه الله ص 227 : ( ومما خرج عن صاحب الزمان عليه السلام زيادة في هذا الدعاء ، إلى محمد بن الصلت القمي : اللهم رب النور العظيم ، ورب الكرسي الرفيع ، ورب البحر المسجور ومنزل التورية والإنجيل ، ورب الظل والحرور ، ومنزل الزبور والقرآن العظيم ، ورب الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين ، أنت إله من في السماء وإله من في الأرض ، لا إله فيهما غيرك ، وأنت جبار من في السماء وجبار من في الأرض ، لا جبار فيهما غيرك ، وأنت خالق من في السماء وخالق من في الأرض ، لا خالق فيهما غيرك ، وأنت حكم من في السماء وحكم من في الأرض ، لا حاكم فيهما غيرك .

اللهم إني أسألك بوجهك الكريم ، وبنور وجهك المشرق ، وملكك القديم ، يا حي يا قيوم ، أسألك باسمك الذي أشرقت به السماوات والأرضون ، وباسمك الذي يصلح عليه الأولون والآخرون ، يا حياً قبل كل حي ، ويا حياً بعد كل حي ، ويا حياً حين لا حي ، يا محيي الموتى ، ويا حي لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم .

أسألك أن تصلي على محمد وآل محمد ، وارزقني من حيث أحتسب ومن حيث لا أحتسب ، رزقاً واسعاً حلالاً طيباً ، وأن تفرج عني كل غم وهم ، وأن تعطيني ما أرجوه وآمله ، إنك على كل شئ قدير ) . انتهى .

ورواه السيد ابن طاووس رحمه الله في إقبال الأعمال : 1 / 239 ، قال : ( ومن الدعاء المختص بالإفطار في شهر الصيام وما رويناه بإسنادنا إلى المفضل بن عمر رحمه الله قال : قال الصادق عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لأمير المؤمنين عليه السلام : يا أبا الحسن هذا شهر رمضان قد أقبل فاجعل دعاءك قبل فطورك فإن جبرئيل عليه السلام جاءني فقال يا محمد من دعا بهذا الدعاء في شهر رمضان قبل أن يفطر ، استجاب الله تعالى دعاءه وقبل صومه وصلاته ، واستجاب له عشر دعوات ، وغفر له ذنبه وفرج همه ونفَّس كربته ، وقضى حوائجه ، وأنجح طلبته ، ورفع عمله مع أعمال النبيين والصديقين ، وجاء يوم القيامة ووجهه أضوأ من القمر ليلة البدر ، فقلت : ما هو يا جبرئيل ؟ فقال : قل : اللهم رب النور العظيم ، ورب الكرسي الرفيع ، ورب البحر المسجور ، ورب الشفع الكبير ، والنور العزيز ، ورب التوراة والإنجيل والزبور والفرقان العظيم . أنت إله من في السماوات وإله من في الأرض لا إله فيهما غيرك ، وأنت جبار من في السماوات وجبار من في الأرض لا جبار فيهما غيرك ، أنت ملك من في السماوات ، وملك من في الأرض ، لا ملك فيهما غيرك ، أسألك باسمك الكبير ، ونور وجهك المنير ، وبملكك القديم . يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم يا حي يا قيوم ، أسألك باسمك الذي أشرق به كل شئ ، وباسمك الذي أشرقت به السماوات والأرض ، وباسمك الذي صلح به الأولون ، وبه يصلح الآخرون . يا حياً قبل كل حي ، ويا حياً بعد كل حي ، ويا حي لا إله إلا أنت ، صل على محمد وآل محمد ، واغفر لي ذنوبي ، واجعل لي من أمري يسراً وفرجاً قريباً ، وثبتني على دين محمد وآل محمد وعلى هدى محمد وآل محمد ، وعلى سنة محمد وآل محمد ، وعليه وعليهم السلام . واجعل عملي في المرفوع المتقبل ، وهب لي كما وهبت لأوليائك وأهل طاعتك ، فإني مؤمن بك ومتوكل عليك منيب إليك ، مع مصيري إليك ، وتجمع لي ولأهلي ولولدي الخير كله ، وتصرف عني وعن ولدي وأهلي الشر كله . أنت الحنان المنان بديع السماوات والأرض ، تعطي الخير من تشاء ، وتصرفه عمن تشاء ، فامنن عليَّ برحمتك يا أرحم الراحمين .

وهو كما رأيت ليس فيه دعاء للإمام المهدي عليه السلام ، وقد رواه في الإقبال أيضاً : 2 / 217 ، بتفاوت . وكذا في جمال الأسبوع ص 87 ، ورواه غيرهما أيضاً . لكن يبدو أن أصل الدعاء عن الإمام الصادق عليه السلام ، ثم روي بدون الدعاء للإمام المهدي عليه السلام وروي معه .

أما وصفه عليه السلام بالنور الأعظم ، فلأنه خاتم أنوار النبي وآله الطاهرين صلى الله عليه وآله .

[2] في المزار للشهيد الأول رحمه الله ص 203 : ( زيارة سيدنا ومولانا حجة الله الخلف الصالح أبي القاسم محمد المهدي صاحب الزمان صلوات الله عليه وعلى آبائه ، بسر من رأى :

فإذا وصلت إلى حرمه بسر من رأى فاغتسل والبس أطهر ثيابك ، وقف على باب حرمه عليه السلام قبل أن تنزل السرداب وزر بهذه الزيارة فقل : السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديين . السلام عليك يا وصي الأصياء الماضين . السلام عليك يا بقية الله من الصفوة المنتجبين . السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين . السلام عليك يا ابن الأوار الظاهرة . السلام عليك يا ابن الأعلام الباهرة . السلام عليك يا ابن العترة الطاهرة . السلام عليك يا معدن العلوم النبوية . السلام عليك يا باب الله الذي لا يؤتي إلا منه . السلام عليك يا سبيل الله الذي من سلك غيره هلك . السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى وسدرة المنتهى . السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفى . السلام عليك يا حجة الله التي لا تخفى السلام عليك يا حجة الله على من في الأرض والسما . السلام عليك سلام من عرفك بما عرفك به الله ، ونعتك ببعض نعوتك التي أنت أهلها وفوقها .

أشهد أنك الحجة على من مضى ومن بقي ، وأن حزبك هم الغالبون وأولياءك هم الفائزون ، وأعداءك هم الخاسرون ، وأنك خازن كل علم ، وفاتق كل رتق ، ومحقق كل حق ، ومبطل كل باطل . رضيتك يا مولاي إماماً وهادياً وولياً ومرشداً ، لا أبتغي بك بدلاً ولا أتخذ من دونك ولياً .

أشهد أنك الحق الثابت الذي لا عيب فيه ، وأن وعد الله فيك حق ، لا أرتابُ لطول الغيبة وبعد الأمد ، ولا أتحيرُ مع من جهلك وجهل بك . منتظرٌ متوقعٌ لأيامك ، وأنت الشافع الذي لا تنازع ، والولي الذي لا تدافع . ذخرك الله لنصرة الدين وإعزاز المؤمنين ، والانتقام من الجاحدين المارقين .

أشهد أنه بولايتك تقبل الأعمال وتزكى الأفعال ، وتضاعف الحسنات وتمحى السيئات فمن جاء بولايتك واعترف بإمامتك قبلت أعماله وصدقت أقواله وتضاعفت حسناته ومحيت سيئاته ، ومن عدك عن ولايتك وجهل معرفتك واستبدل بك غيرك أكبه الله على منخره في النار ، ولم يتقبل الله منه عملاً ، ولم يقم له يوم القيمة وزناً .

أُشهد الله وأشهدك يا مولاي بهذا ، ظاهره كباطنه وسره كعلانيته ، وأنت الشاهد على ذلك ، وهو عهدي إليك وميثاقي لديك ، إذ أنت نظام الدين ويعسوب المتقين وعز الموحدين ، وبذلك أمرني رب العالمين ، لو تطاولت الدهور وتمادت الأعمار لم أزدد فيك إلا يقيناً ولك إلا حباً ، وعليك إلا متكلا ومعتمداً ، ولظهورك إلا متوقعاً ، ومنتظراً لجهادي بين يديك ، ومترقباً فأبذل نفسي ومالي وولدي وأهلي وجميع ما خولني ربي بين يديك ، وأتصرف بين أمرك ونهيك .

مولاي فإن أدركت أيامك الزاهرة وأعلامك الباهرة ، فها أنذا عبدك ، متصرف بين أمرك ونهيك ، أرجو به الشهادة بين يديك ، والفوز لديك .

مولاي فإن أدركني الموت قبل ظهورك ، فإني أتوسل بك وبآبائك الطاهرين إلى الله تعالى ، وأساله أن يصلي على محمد وآل محمد ، وأن يجعل لي كرَّةً في ظهورك ، ورجعة في أيامك ، لأبلغ من طاعتك مرادي ، وأشفي من أعدائك فؤادي .

مولاي وقفت في زيارتك موقف الخاطئين النادمين الخائفين من عقاب رب العالمين وقد اتكلت على شفاعتك ، ورجوت بموالاتك وشفاعتك محو ذنوبي ، وستر عيوبي ومغفرة زللي ، فكن لوليك يا مولاي عند تحقيق أمله ، واسأل الله غفران زلله ، فقد تعلق بحبلك وتمسك بولايتك ، وتبرأ من أعدائك .

اللهم صل على محمد وآل محمد ، وأنجز لوليك ما وعدته .

اللهم أظهر كلمته وأعلِ دعوته ، وانصره على عدوه وعدوك يا رب العالمين .

اللهم صل على محمد وآل محمد وأظهر كلمتك التامة ، ومغيبك في أرضك الخائف المترقب .

اللهم انصره نصراً عزيزاً وافتح له فتحاً قريباً يسيراً . اللهم وأعزَّ به الدين بعد الخمول وأطلِعْ به الحق بعد الأفول ، واجْلُ به الظلمة ، واكشف به الغمة . اللهم وآمن به البلاد واهد به العباد . اللهم املأ به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، إنك سميع مجيب .

السلام عليك يا ولي الله ، إئذن لوليك في الدخول إلى حرمك ، صلوات الله عليك وعلى آبائك الطاهرين ، ورحمة الله وبركاته .

فإذا نزلت السرداب فقل : السلام على الحق الجديد ، والعالم الذي علمه لا يبيد ، السلام على محيي المؤمنين ، ومبير الكافرين .

السلام على مهدي الأمم ، وجامع الكلم . السلام على خلف السلف ، وصاحب الشرف . السلام على حجة المعبود ، وكلمة المحمود . السلام على معز الأولياء ، ومذل الأعداء . السلام على وارث الأنبياء وخاتم الأوصياء . السلام على الإمام المنتظر والغائب المشتهر . السلام على السيف الشاهر والقمر الزاهر والنور الباهر . السلام على شمس الظلام وبدر التمام . السلام على ربيع الأيتام وفطرة الأنام . السلام على صاحب الصمصام وفلاق الهام . السلام على صاحب الدين المأثور والكتاب المسطور . والسلام على بقية الله في بلاده ، وحجته على عباده ، والمنتهى إليه مواريث الأنبياء ، ولديه موجود آثار الأصفياء . السلام على المؤتمن على السر ، والولي للأمر ، والسلام على المهدي الذي وعد الله تعالى به الأمم أن يجمع به الكلم ويلم به الشعث ويملأ به الأرض قسطاً وعدلاً ، ويمكن له وينجز به وعد المؤمنين .

أشهد أنك والأئمة من آبائك أئمتي ومواليَّ في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد . أسألك يا مولاي أن تسأل الله تبارك وتعالى في صلاح شأني ، وقضاء حوائجي وغفران ذنوبي ، والأخذ بيدي في ديني ودنياي وآخرتي ، لي ولكافة إخواني المؤمنين والمؤمنات ، إ نه غفور رحيم ) .

وفي البحار : 99 / 116 : ( وقال الشيخ المفيد والشهيد ومؤلف المزار الكبير رحمهم الله في وصف زيارته عليه السلام : فإذا فرغت من زيارة جده وأبيه فقف على باب حرمه فقل : السلام عليك يا خليفة الله وخليفة آبائه المهديين ، السلام عليك يا وصي الأوصياء الماضين ، السلام عليك يا حافظ أسرار رب العالمين ، السلام عليك يا بقية الله من الصفوة المنتجبين ، السلام عليك يا ابن الأنوار الزاهرة ، السلام عليك يا ابن الاعلام الباهرة ، السلام عليك يا ابن العترة الطاهرة ، السلام عليك يا معدن العلوم النبوية ، السلام عليك يا باب الله الذي لا يؤتى إلا منه ، السلام عليك يا سبيل الله من سلك غيره هلك ، السلام عليك يا ناظر شجرة طوبى ، وسدرة المنتهى ، السلام عليك يا نور الله الذي لا يطفى ، السلام عليك يا حجة الله التي لا تخفى ، السلام عليك يا حجة الله على من في الأرض والسماء ) .

[3] في كمال الدين للصدوق رحمه الله ص 221 ، عن عمار بن موسى الساباطي ، عن الإمام الصادق عليه السلام : قال : سمعته وهو يقول : لم تخل الأرض منذ كانت من حجة عالم ، يحيي فيها ما يميتون من الحق ، ثم تلى هذه الآية : يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون ) .

وفي كمال الدين ص 670 ، عن أبي بصير قال : قال أبو عبد الله ( الإمام الصادق عليه السلام ) في قول الله عز وجل : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) قال : والله ما نزل تأويلها بعد ، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم عليه السلام . فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم ولا مشرك بالإمام إلا كره خروجه ، حتى أن لو كان كافراً أو مشركاً في بطن صخرة لقالت يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله ) !

وفي مجمع البيان : 5 / 280 : روى العياشي بالإسناد عن عمران بن ميثم ، عن عباية أنه سمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله . أظهر بعد ذلك ؟ قالوا : نعم ، قال : كلا فوالذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله ، بكرة وعشياً ) . انتهى . ولم نجده في نسخة العياشي الموجودة .

وفي تأويل الآيات : 2 / 689 : ما رواه أيضاً ( محمد بن العباس ) عن أحمد بن إدريس ، عن عبد الله بن محمد ، عن صفوان بن يحيى ، عن يعقوب بن شعيب ، عن عمران بن ميثم ، عن عباية بن ربعي ، أنه سمع أمير المؤمنين عليه السلام يقول : - كما في مجمع البيان ، لكن فيه : وأن محمداً رسول الله . ورواه في تفسير الصافي : 2 / 338 ، وفي حلية الأبرار : 2 / 649 وفي تفسير البرهان : 4 / 329 ، وفي المحجة : ص 86 ، وفي البحار : 51 / 60 ، جميعاً كما في تأويل الآيات .

وفي الكافي : 1 / 432 ، عن محمد بن الفضيل ، عن الإمام الكاظم عليه السلام : سألته عن قول الله عز وجل : يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ؟ قال : يريدون ليطفئوا ولاية أمير المؤمنين عليه السلام بأفواههم . قلت : والله متم نوره ؟ قال : والله متم الإمامة ، لقوله عز وجل : الذين آمنوا بالله ورسوله ولنور الذي أنزلنا ، فالنور هو الإمام . قلت : هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ؟ قال : هو الذي أمر رسوله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق . قلت : ليظهره على على الدين كله ؟ قال : يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم ، قال : يقول الله : والله متم نوره ، ولاية القائم . ولو كره الكافرون ، بولاية علي عليه السلام ) . ورواه ابن شهرآشوب في المناقب : 3 / 82 ، كما في الكافي مختصراً . والبياضي في الصراط المستقيم : 2 / 74 ، كما في الكافي . وغيرهم .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.