المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
الإمام عليٌ (عليه السلام) بشّره رسول الله بالجنة
2024-05-04
معنى الـمُبطئ
2024-05-04
{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}
2024-05-04
معنى الصد
2024-05-04
معنى الظليل
2024-05-04
معنى النقير
2024-05-04

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تعريف بعدد من الكتب / العلل للفضل بن شاذان.  
  
165   05:38 مساءً   التاريخ: 2024-04-25
المؤلف : أبحاث السيّد محمّد رضا السيستانيّ جمعها ونظّمها السيّد محمّد البكّاء.
الكتاب أو المصدر : قبسات من علم الرجال
الجزء والصفحة : ج3، ص 306 ـ 337.
القسم : الرجال و الحديث والتراجم / علم الرجال / مقالات متفرقة في علم الرجال /

العلل للفضل بن شاذان (1):
ذكر سيّدي الأستاذ الوالد (دامت بركاته) أنّ الظاهر كون ما ورد في (رسالة العلل) من استنباطات الفضل واستفاداته من سائر الروايات وليس ممّا حكاه عن الإمام الرضا (عليه السلام) خلافاً لما نسبه إليه تلميذه ابن قتيبة وبعض آخر من النيشابوريّين، وقد نقلت مختصر ما أفاده (دامت بركاته) في هذا المجال في موضع سابق (2) وهناك العديد من التوضيحات والاستدراكات بشأنه دفعاً لبعض المناقشات والاعتراضات، فينبغي إعادة الكلام فيه بشيء من التفصيل:
فأقول: إنّ النجاشي ذكر في رجاله (3) في عداد كتب الفضل بن شاذان کتاب (العلل) والظاهر أنّه هو المراد بما أورده الصدوق في (عيون أخبار الرضا عليه السلام)(4) و(علل الشرائع)(5) في ما يزيد على عشرين صفحة بإسناده إلى علي بن محمد بن قتيبة كما في العلل وإليه وإلى أحمد بن شاذان كما في العيون عن الفضل بن شاذان النيشابوري أنّه قال: (إن سأل سائل فقال: أخبرني هل يجوز أن يكلّف الحكيم عبده فعلاً من الأفاعيل لغير علّة ولا معنى؟ قيل له: لا يجوز ذلك، لأنّه حكيم غير عابث ولا جاهل ..) إلى آخره، وكلّه بهذا النسق من السؤال والجواب أي بصيغة: (إن قال قائل كذا قيل له كذا).
وقد أورد الصدوق مقاطع منها في بعض كتبه الأخرى أيضاً كالفقيه، ولكنّه عمد في جملة من الموارد إلى حذف صيغة السؤال والجواب منها والاقتصار على نسبة مضمون الجواب إلى الإمام الرضا (عليه السلام) كما لوحظ في المقطع المتقدّم نقله، ونحوه ما ورد في باب الأذان والإقامة في الفقيه بقوله: (وفيما ذكره الفضل بن شاذان من العلل عن الرضا (عليه السلام) أنّه قال: إنّما أمر الناس بالأذان لعلل كثيرة منها أن يكون تذكيراً للناسي.. إلخ) (6)، مع أنّ المذكور في العلل والعيون هكذا: (فإن قال قائل: أخبرني عن الأذان لم أمروا به؟ قيل: لعلل كثيرة منها أن يكون تذكيراً للساهي)(7)، وقد صنع صاحب الوسائل نظير ذلك إذ حذف صيغة السؤال والجواب من كل ما أورده من العلل والعيون عن الرسالة ليصير في صورة سائر الروايات(8).
والملاحظ أنّ الصدوق بعد أن أورد تمام الرسالة عن الفضل بالنحو المتقدّم روى بسنده عن ابن قتيبة أنّه قال: (قلت للفضل بن شاذان لمّا سمعت منه هذه العلل: أخبرني عن هذه العلل التي ذكرتها عن الاستنباط والاستخراج، وهي من نتائج العقل أو هي ممّا سمعته ورويته؟ فقال لي: ما كنت لأعلم مراد الله تعالى بما فرض ولا مراد رسول الله (صلى الله عليه وآله) بما شرع وسنَّ ولا أعلّل ذلك من ذات نفسي بل سمعتها من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) المرة بعد المرة والشيء بعد الشيء فجمعتها، فقلت له: فأحدّث بها عنك عن الرضا (عليه السلام) قال: نعم) (9)، وأضاف في العيون بسنده إلى أبي عبد الله محمد بن شاذان عن الفضل أنّه قال: سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فجمعتها متفرّقة وألّفتها) (10).
ولكن الذي يثير الريب - بل ما يفوق الريب - في صحّة هذه الحكاية ـ أي في نسبة الفضل بن شاذان هذه العلل إلى الإمام الرضا (عليه السلام) – أمور:
(الأمر الأول): أنّ هذه العلل لو كان قد سمعها الفضل من الإمام (عليه السلام) فلا يخلو إمّا أنّه كان قد طرح الأسئلة عليه فأجاب عنها أو أنّه (عليه السلام) بنفسه طرح الأسئلة والأجوبة جميعاً، وعلى التقدير الأول كان ينبغي أن يقول الفضل في ابتداء كلامه: (سألت الرضا (عليه السلام): هل يجوز أن يكلّف الحكيم عبده فعلاً من الأفاعيل بلا علّة ولا معنى؟ فقال له: لا يجوز ذلك..)، وهكذا في بقيّة الفقرات، وعلى التقدير الثاني كان ينبغي أن يقول الفضل: (قال الرضا (عليه السلام): إن سأل سائل فقال: أخبرني..) إلى آخر الرسالة.
وأمّا أن يورد الأسئلة والأجوبة غير منسوبة إلى الرضا (عليه السلام) حتى إذا أكملها وختمها بالصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين وقرأها على ابن قتيبة ـ وربّما على غيره من تلامذته ـ يبادر التلميذ ويسأل أستاذه هل أنّ ما كتبه هو من مرويّاته أو من استنباطاته؟ فيجيب بأنّه سمعها من الإمام (عليه السلام)، فإنّ هذا الأسلوب يثير الاستغراب ولا يُعهَد نظير له في سائر الموارد، ويبدو أنّ ما حكاه تلميذه الآخر (محمد بن شاذان) من أنّه ـ أي الفضل - قال: سمعت هذه العلل من الإمام الرضا ـ عليه السلام ـ ) إنّما كان مستنداً أيضاً إلى كلام شفوي سمعه منه ولم يكن شيئاً مكتوباً في الرسالة.
وبالجملة: ظاهر ما أورده الصدوق في العلل والعيون هو أنّ الفضل بن شاذان كان قد ألّف رسالة العلل ولم يذكر لا في أوّلها ولا في آخرها ما يشير إلى أنّ ما دونه فيها هو من مسموعاته من الإمام الرضا (عليه السلام) ولكن لمّا قرأها على تلامذته سأله ابن قتيبة عن مصدر ما ذكره من التعليلات فأجاب بأنّه سمعها من الإمام (عليه السلام) والظاهر أنّ ما حكاه عنه محمد بن شاذان بهذا الشأن من هذا القبيل أيضاً.
والأمر المذكور - أي خلو الرسالة نفسها عمّا يشير إلى كون محتوياتها من إفادات الإمام (عليه السلام) - في غاية الغرابة، فإنّه لو كان الفضل قد سمع ما أورده فيها منه (عليه السلام) لكان ينبغي أن يذكر ذلك في الرسالة نفسها لا أن يغفله حتّى إذا سأله بعض تلامذته يكشف له أنّه أورد فيها مسموعاته من الإمام (عليه السلام)! فإنّ مثل هذا غير معهود في كتب أصحاب الأئمة (عليهم السلام) فيها ممّا سمعوه منهم ولا يناسب الفضل ـ الذي كان من أجلّاء الطائفة وأحد أصحابنا الفقهاء والمتكلّمين كما نصّ عليه النجاشي والشيخ (11) ـ أن يؤلّف كتاباً في علل الأحكام ويورد فيه كمّاً هائلاً منها وتكون كلها من مسموعاته من الإمام الرضا (عليه السلام) ولا يشير إلى ذلك فيها أصلاً بحيث يعتقد الناظر لها والمستمع إلى من يقرؤها أنّها من استنباطاته واستخراجاته، ويثير ذلك التساؤل حتّى لدى تلامذته فيحتاج إلى رفع الشك من نفوسهم، وما الذي كان يدعو الفضل إلى عدم بيان المعنى المذكور في الرسالة نفسها؟! بل كان ذكره فيها بالإضافة إلى إضفاء الاعتبار عليها يكشف عن أنّه كان في شبابه المبكّر قد دخل على الإمام (عليه السلام) مرة بعد مرة وتلقّى العلم مباشرة، وهذه مزيّة كبيرة له فكيف لم يذكرها في الكتاب نفسه؟!
والحاصل: أنّه كما يلاحظ أنّ محمد بن سنان حكى في أول رسالته في العلل ـ وهي ما يقرب من عشر صفحات (12) - أنّ الإمام الرضا (عليه السلام) كتب إليه بها في جواب مسائله كان ينبغي للفضل لو أنّه قد سمع منه (عليه السلام) ما أورده من العلل أن يصرّح بذلك في أول الرسالة أو في آخرها وحيث خلا كلامه عن أيّ إشارة إلى ذلك وإنّما زعم القتيبيّ وصاحبه أنهّ أخبرهما بذلك بعد الاستفسار منه عن مصدر تعليلاته فمن الطبيعي أن يثير ذلك الريب في صحّة ما حكياه عنه.
(الأمر الثاني): أنّ في الرسالة عبارات وتعليلات لا يناسب صدورها من الإمام (عليه السلام)، منها (13):
ما ورد فيها في علّة جعل مسافة التقصير مسيرة يوم لا أكثر من قوله:
(فإن قال: فلِمَ وجب التقصير في مسيرة يوم لا أكثر؟ قيل: لأنّه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة وذلك أنّ كل يوم يكون بعد هذا اليوم فإنّما هو نظير هذا اليوم فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذ كان نظيره مثله ولا فرق بينهما فإنَّ هذا التعليل غريب جداً لا يناسب صدوره من الإمام (عليه السلام).
نعم، حاول السيد البروجردي (قده) للتوجيه قائلاً: (إنّ مراد الإمام (عليه السلام) أنّ ما يوجب الترخيص في القصر أعني المشقّة الزائدة الحاصلة بالسفر إنّما يتحقّق في حال السير فقط فكل يوم يتحقق فيه بالسير مشقة زائدة على حال الحضر، وهي التي توجب القصر وهذه المشقة ترتفع في الليل بالاستراحة وتتجدّد في اليوم الثاني بالسير وهكذا، فإذا لم يكفِ المشقة الحاصلة في يوم لإيجاب القصر لم يكفِ المشقة الحاصلة بعد هذا اليوم أيضاً، وبعبارة أخرى: الناس في الحضر أيضاً يتحملّون المشاق لتأمين المعاش، غاية الأمر أنّ السفر يزيد المشقّة فثبت القصر لتلك المشقّة الزائدة، ومشقة كل يوم ترتفع بالاستراحة في الليل فلو لم يكن هذا المقدار من المشقة موجباً للقصر لما وجب في مسيرة ألف سنة أيضاً لحصول الفترة بين المشقّات بالاستراحة في الليل)(14).
ولكن هذه المحاولة غير مقنعة فإنّه يفترض فيها أنّ الذي يسير في النهار ويستريح في الليل إذا أصبح يكون كمن لم يسافر أصلاً من حيث القوة البدنيّة والحالة النفسيّة مع وضوح أنّ الأمر ليس كذلك، ومن هنا كان السفر ليوم واحد أخف وطأة وأقل مشقّة من السفر ليومين أو لثلاثة فضلاً عمّا زاد على ذلك.
بل لو سُلّم أنّ الأمر كما ادّعاه (قده) وأنّ مَن يستريح من سفره في الليلة الأولى يكون كمن لم يسافر أصلاً، إلا أنّ هذا وحده لا يقتضي أن يجب التقصير في سفر يوم واحد ولا يمنع من أن يكون الحكم - كما ذهب إليه بعض الجمهور - من أنّ العبرة بمسيرة يومين أو مسيرة ثلاثة أيام أي يجب التقصير لمن يسافر يومين أو ثلاثة إرفاقاً به لما يلاقيه من المشقّة في مسيرة الأيام الثلاثة دون من يسير يوماً واحداً فهذا التوجيه ليس توجيهاً صحيحاً، وبالجملة: هذا التعليل وأضرابه - وهي متعدّدة في رسالة العلل - لا يناسب أن يكون صادراً من الإمام (عليه السلام).
إن قيل: لم لا يُبنَى على كون التعليلات المذكورة من قبيل الأجوبة الإقناعيّة حيث لا يكون المجيب بصدد بيان العلّة الحقيقيّة للحكم - ولو لعدم استيعاب السائل لها بحسب مستواه الفكريّ أو بمقتضى خلفياته الذهنيّة - بل بصدد ذكر ما يؤدّي إلى إقناعه وإسكاته ، وأمثلته متعدّدة في الروايات؟ قلت: إنّما يلجأ إلى الجواب الإقناعيّ في مورد الضرورة حيث يطرح أحدهم سؤالاً ولا يكون مؤهّلاً لفهم الجواب الحقيقيّ أو يكون هناك محذور من بیانه وظاهر رسالة العلل أنّ الأسئلة الواردة فيها إنّما هي افتراضيّة بحتة لا واقعيّة فلا ينبغي أن تكون بعض أجوبتها إقناعيّة فإنّه ليس من المناسب أن يقوم الشخص بطرح أسئلة افتراضيّة في مؤلفه ثم يجيب عليها بأجوبة لا تقنع إلا بعض الناظرين على أبعد تقدير بل توجب استغراب النابهين منهم.
ثم ما الذي كان يدعو إلى جواب السؤال عن وجه تحديد مسافة التقصير بثمانية فراسخ بما ورد في الرسالة؟! ألم يكن بالإمكان أن يجاب عنه بأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا سافر إلى ذي خشب وهي مسيرة يوم من المدينة ثمانية فراسخ قصّر فصارت سُنّة كما ورد ذلك في بعض الروايات؟! فإن قيل: فلماذا سنَّ النبي(صلى الله عليه وآله) التقصير في مسيرة يوم واحد دون ما هو أقل منه أو أزيد؟ قيل في الجواب: إنّه إنّما وجد المصلحة في الإرفاق بالمسافرين من أمّته والتخفيف عنهم بهذا المقدار لا فيما يقل عنه أو يزيد عليه، وهذا جواب تام ومقنع لمن يؤمن بالله وبرسوله (صلى الله عليه وآله)، ولم تكن هناك حاجة إلى ما ذكر من ذلك الوجه الغريب بل وغير المقنع للمعظم. والحاصل أنّ جملة من التعليلات المذكورة في الرسالة ممّا يمكن الاطمئنان بعدم صدورها من المعصوم (عليه السلام).
إن قيل: ولكن العلم بعدم صدور بعض مقاطع الرواية من الإمام (عليه السلام) لا يقتضي رفع اليد عن بقيّة المقاطع.
قلت: ليس المقام من هذا القبيل، بل من قبيل أن يُعثَر على مؤلف في علم الأصول وقد نسب أحدهم إلى مؤلفه أنّه قال: (هو من تقريرات الشيخ الأنصاري قده) مثلاً ولكن لوحظ أنّ فيه العديد من الآراء التي لا تنسجم مع مباني الشيخ الأصوليّة المعروفة، فإنّه في مثل ذلك يُبنَى على عدم كون ذلك المؤلف من تقريراته وخطأ ما نسب إلى مؤلّفه لا أن يلتزم بصدق النسبة وكون المؤلف من تقريراته إلا في ما أحرز خلافه، وهذا هو الأسلوب الذي يعتمده أهل التحقيق في نسبة المصنّفات إلى أصحابها، أي إذا وجدوا كتاباً يقال إنّه من تقريرات العالم الفلاني مثلاً ولكن وجدوا أنّ جملة من الآراء والأفكار والتعابير الواردة فيه لا يناسب صدورها من ذلك العالم فإنّهم يبنون على عدم كونه من تقريراته لا أن يلتزموا فيه بالتبعيض.
وبالجملة: اشتمال رسالة العلل - التي هي من تأليف الفضل قطعاً وإنّما يدور الأمر بين كون ما فيها من استنباطاته واستخراجاته، أو من مسموعاته من المعصوم (عليه السلام) ـ على ما لا يناسب صدوره من المعصوم (عليه السلام) قرينة على تعيّن الاحتمال الأول، ولا يقاس هذا برواية مروية عن الإمام (عليه السلام) وتشتمل على فقرة يحرز عدم صدورها منه حيث يمكن الأخذ بالباقي على تفصيل مذكور في محلّه. (الأمر الثالث): يظهر من بعض كلمات الصدوق (قده) أنّه لم يكن يعتقد أنّ ما ورد في رسالة العلل كان من مسموعات الفضل من الإمام (عليه السلام) بل إنّما كان من اجتهاده واستنباطه ولذلك حكم بغلط الفضل في موارد متعدّدة في ثنايا نقله للرسالة في كتاب (علل الشرائع) فقد علّق على قوله: (إنّ الاستنجاء بالماء فرض) قائلاً: (قال مصنّف هذا الكتاب: غلط الفضل وذلك لأنّ الاستنجاء به ليس بفرض وإنّما هو سنة(15).
وعلّق على قوله: (إنّ تكبيرة الافتتاح فريضة) قائلاً: (قال مصنّف هذا الكتاب: غلط الفضل أنّ تكبيرة الافتتاح فريضة وإنّما هي سنّة واجبة) (16).
لا يقال: إنَّ مقصود الصدوق من تغليطه للفضل إنّما هو تخطئته في النقل عن الإمام (عليه السلام).
فإنّه يقال: هذا ليس صحيحاً، فإنَّ الملاحظ أنَّ الصدوق لا يُخطّئ الرواة في ما يروونه عن الأئمة (عليهم السلام)، بل أقصى الأمر أنّه لا يفتي بمضمون رواياتهم أحياناً كما نجد ذلك في علل الشرائع في العديد من الموارد (17)، وإنّما يُغلّط المفتين ويُخطّئهم في فتاواهم منهم يونس بن عبد الرحمن والفضل بن شاذان كما في موارد متعدّدة من الفقيه (18) فقوله : (غلط الفضلُ) في بعض ما ورد في رسالة العلل شاهد قوي على أنّه اعتقد كونه من اجتهادات الفضل نفسه لا ممّا رواه عن الإمام الرضا (عليه السلام)، ولا يضر خلو بعض نسخ (علل الشرائع) من أحد الموردين المتقدّمين فإنّ من المطمأن به سقوطه عنها وليس هو زيادة بفعل بعض الناظرين في النسخ الأخرى.
وأمّا ما يُلاحظ في العيون (19) من عدم اشتمال الجواب عن السؤال بشأن جعل الاستفتاح في الصلاة سبع تكبيرات على قوله: (لأنّ الفرض فيها واحدة وسائرها سُنّة) مع وجود هذا المقطع في العلل (20) وتعقيب الصدوق عليهما بما تقدّم نقله، وما يلاحظ في العيون أيضاً (21) من عدم وجود السؤال والجواب المتعلق بالاستنجاء بالماء مع وجودهما في العلل (22) وتعقيب الصدوق عليهما بما تقدم نقله فالوجه فيه هو ما يعرف من طريقة الصدوق (قده) من أنّه يحذف أحياناً ما لا يوافق عليه من الرواية وما يجري مجراها وأحياناً أخرى يذكره ويعلّق عليه، ولا ينبغي - الاختلاف المذكور بين العلل والعيون وجهاً للتشكيك في صحّة ما ورد في العلل من تغليطه للفضل في الموردين.
وبالجملة: إنّ الذي يظهر من الصدوق (قده) في بعض الموارد أنّه كان يرى أنّ ما ورد في رسالة الفضل من العلل إنّما هو من اجتهاداته وآرائه، نعم له (قده) كلمات أخرى يظهر من بعضها بناؤه على كون ما أورده الفضل من مسموعاته من الإمام (عليه السلام)، ومن بعضها تردّده في ذلك ولعله لهذا قال العلامة المجلسي (قده): (يظهر منه ـ أي من الصدوق - أنّه يعتقد أنّ بعض هذه العلل سماعي وبعضها استنباطي ولذلك تراه يقول في مواضع: وغلط الفضل في ذلك) وهذا ممّا يُضعف الاحتجاج به) (23).
وبالجملة: إنّ كلمات الصدوق بشأن ما ورد في رسالة العلل مختلفة:
منها: ما اقتصر فيه على إيراد ما تضمن رواية الفضل عن الرضا (عليه السلام) بطريق القتيبي من دون الإشارة إلى تصديقه لروايته عنه أو عدمه (24).
ومنها: ما جعل فيه عهدة رواية العلل عن الرضا (عليه السلام) على الفضل نفسه، كقوله: (وفيما ذكره الفضل بن شاذان من العلل عن الرضا (عليه السلام)..) (25)، وقوله: (باب العلل التي ذكر الفضل في آخرها أنّه سمعها من الرضا (عليه السلام) مرّة بعد مرّة وأطلق لعلي بن محمد بن قتيبة روايتها عنه عن الرضا (عليه السلام(26).
ومنها ما يظهر منه الترديد في رواية الفضل للعلل عن الرضا (عليه السلام) كقوله: (في العلل التي تُروى عن الفضل بن شاذان النيسابوري ويذكر أنّه سمعها من الرضا (عليه السلام)) (27).
ومنها: ما يظهر منه إقراره برواية الفضل للعلل عن الرضا (عليه السلام) ، وهو قوله الذي تقدّم ذكره: (ذكر الفضل بن شاذان النيشابوري (رحمه الله) في العلل التي سمعها من الرضا (عليه السلام))(28)، ويوجد في الفقيه خبر عن الرضا (عليه السلام)(29) بشأن علّة جعل القراءة في الأوليين والتسبيح في الأخيرتين من ركعات الصلاة وهو موجود بلفظه في رسالة العلل، فالظاهر أنّه أخذه منها.
ومنها: ما يظهر منه أنّه كان بانياً على كون العلل من استنباطات الفضل نفسه، وهو موارد تغليطه للفضل في بعض ما ذكره ـ ومرّت آنفاً ـ .
وهاهنا وجهان:
الوجه الأول: أنّ الصدوق (قده) لم يكن على رأي واحد في أمر علل الفضل بن شاذان فحيناً كان يرجح في نظره أنّه يتضمّن اجتهادات الفضل، وحيناً آخر كان يرجح لديه كونه ممّا سمعه الفضل من الرضا (عليه السلام)، وربّما كان يتردّد بين الاحتمالين. الوجه الثاني: أنّ ما يظهر منه تسليمه رواية الفضل للعلل عن الرضا (عليه السلام) إنّما جرى فيه على ظاهر ما حكي عن القتيبي وصاحبه من نسبة ذلك إلى الفضل ولم يكن مقصوده به هو الإقرار بذلك.
والوجه الأول لا يخلو من بعد؛ لأنّه لا يناسب مكانة الصدوق (عليه السلام)، وأمّا التفريق بين الموارد - كما ربّما يظهر من العلّامة المجلسي (قده) (30) ـ فليس له وجه ظاهر كما لا يخفى.
(الأمر الرابع): أنّ النجاشي - الذي عدّ رسالة العلل من تأليفات الفضل لم يذكر أنّ ما فيها مروي عن الرضا (عليه السلام) مع أنّ من دأب النجاشي فيما إذا كان الكتاب مرويًّا بتمامه عن إمام واحد أن يبيّن ذلك كما يلاحظ مثله في ترجمة غير واحد كـ(أحمد بن عامر بن سليمان) و(عبد الله بن محمد التميمي) حيث ذكر أنّ لهما نسخة عن الرضا(عليه السلام).
وقد يوجّه عدم إشارته إلى كون رسالة العلل من مرويّات الفضل عن الرضا (عليه السلام) بأنّه لمّا لم يكن ما أورده الفضل بألفاظ الإمام (عليه السلام) عينها بل وفق مضمون ما سمعه منه لم ينسبه النجاشي إليه (عليه السلام).
ولكن هذا الكلام ضعيف، فإنَّ النقل بالمعنى جائز ومتداول في الروايات ولا يمنع من صدق النسبة، واذا كان المدّعى أنَّ الفضل لم يقتصر على ذلك بل غيّر وبدّل في ما سمعه من الإمام (عليه السلام) وكتب الرسالة بأسلوب مغاير وتعبيرات مختلفة لما صدر منه (عليه السلام) فهذا ممّا لا ينسجم مع ما حكي عنه من أنّه قال: (سمعت هذه العلل من مولاي أبي الحسن الرضا (عليه السلام) فجمعتها متفرّقة وألّفتها) أو ما نُسب إليه من قوله: (سمعتها من مولاي المرة بعد المرّة والشيء بعد الشيء فجمعته)، فإنّ مقتضى هذا أنّه لم يكن له دور في ما أورده إلا الجمع والتأليف، وهو الدور المتوقّع ممّن يحكي ما يسمعه من المعصوم (عليه السلام) ، وأمّا أن يجري عليه من التبديل والتغيير في الأسلوب والتعبير ما لا يناسب صدوره منه (عليه السلام) فهو غير معهود من الثقات، وليس في التعبير بـ(التأليف) إشعار - فضلاً عن الدلالة ـ على قيامه بذلك.
وبالجملة: ظاهر كلام النجاشي هو كون العلل كسائر كتب الفضل من مؤلفاته وليست له ميزة عنها بكون ما ورد فيه مرويًّا عن الإمام الرضا (عليه السلام).
ولا وجه لدعوى: (أنّ من المقطوع به كون كتاب العلل رواية للفضل عن الإمام (عليه السلام) ولكن يتردّد أمره بين أن يكون رواية معتبرة لصحّة الطريق إليه وأن يكون رواية غير معتبرة) فإنّ من المحتمل أنّ الفضل لم يدّعِ أنّ ما أورده في كتابه هو ممّا سمعه من الرضا (عليه السلام) وإنّما نسب ذلك إليه باطلاً، في مقابل احتمال أنّه ادّعى ذلك مع كون السند إليه تامّاً أو غير تام كسائر الكتب الروائيّة التي يثبت أصل انتسابها إلى مؤلفيها ولكن الطريق إليها قد يكون معتبراً وقد لا يكون كذلك.
وتجدر الإشارة إلى أنّ النجاشي روى كتب الفضل ومنها العلل عن (أستاذه ابن نوح عن أحمد بن جعفر، عن أحمد بن إدريس، عن علي بن محمد بن قتيبة النيشابوري عن الفضل)، ورواها الشيخ عن (المفيد، عن الصدوق، عن ابن الوليد، عن أحمد بن إدريس، عن ابن قتيبة عن الفضل)؛ وأيضاً عن (المفيد، عن الصدوق، عن حمزة بن محمد العلوي، عن أبي نصر قنبر بن علي بن شاذان، عن أبيه، عن الفضل).
فيلاحظ أنّ طريق النجاشي وأحد طريقَي الشيخ إلى كتب الفضل ـ ومنها العلل - ينتهيان إلى ابن قتيبة ولكن ليس بطريق بعض مشايخ الصدوق من النيشابوريّين ممّن نسب إلى ابن قتيبة أنّه حكى عن الفضل كون العلل المذكورة من مسموعاته من الرضا (عليه السلام).
وكيف ما كان، فإنّ عدم إشارة النجاشي إلى كون علل الفضل بن شاذان من مرويّاته عن الرضا (عليه السلام) يصلح شاهداً على خلاف ذلك، نعم قد يقال: إنّ كتاب العلل المذكور في عداد مؤلفات الفضل في رجال النجاشي لا مؤشّر إلى أنّه هو المقصود بما أورده الصدوق في العيون والعلل ولعلّه في موضوع آخر غير علل الأحكام ولا سيما أنّ الفضل بن شاذان كان من المتكلّمين فلعلّه تطرّق في هذا الكتاب إلى بعض مباحث العلل التي يبحث عنها في علم الكلام.
ولكن لا يبعد أن يكون كتاب العلل بهذا العنوان منصرفاً في عناوين كتب أصحابنا إلى ما يتضمّن علل الأحكام ونحوها، كما يظهر ذلك بملاحظة كتاب العلل من المحاسن للبرقي (31) وكتاب العلل لمحمد بن علي بن إبراهيم الذي وصلت نسخته إلى العلّامة المجلسيّ وهو من مصادره في البحار (32).
مضافاً إلى أنّه لمّا كان من المقطوع به أن رسالة العلل التي أوردها الصدوق إنّما هي من تأليف الفضل - وإن وقع الخلاف في كونها من استنباطه أو ممّا سمع مضمونها من الإمام (عليه السلام) - فإنّ مقتضى المغايرة بينها وبين العلل المذكور في رجال النجاشي وكذلك في فهرست الشيخ هو أن يكون للفضل كتابان بهذا العنوان، وهو أمر لا يخلو من بعد.
وقد يقال: إنّه لم يتأكد أنّ عدّ العلل من مؤلفات الفضل هو من كلام النجاشي ولعله من كلام الكنجي (الكشي) الذي حكى عنه قبله أنّ الفضل صنّف (180) كتاباً فلا سبيل إلى الاستشهاد المذكور.
ولكن الملاحظ أنّ التعبير بـ(ما وقع إلينا) عند ذكر أسامي الكتب والمصنّفات هو من التعابير المتداولة في كلمات النجاشي (33)، ومن هنا لا يبعد أن يكون استعراض أسماء كتب الفضل من كلام النجاشي نفسه.
وقد يقال: إنّ من المحتمل أنّ النجاشي إنّما يذكر كون النسخة عن الإمام (عليه السلام) فيما إذا لم يكن لصاحبها إلّا تلك النسخة دون ما إذا كان له العديد من المؤلّفات، ولكن هذا الاحتمال ضعيف فإنّه لا وجه للتفريق المذكور، ولم يفرّق بين ذينك الموردين كما يظهر بملاحظة ترجمة عبد الله أحمد بن عامر وحسن بن محمد بن الفضل(34).
وقد يقال: إنّ تنبيه النجاشي على كون النسخة عن الإمام الرضا (علبيه السلام) ربّما يكون للإشارة إلى عدم تأكّده من مذهب صاحبها وكونه من الإماميّة أو لا ولم یكن محل لذلك في المقام بالنسبة إلى رسالة العلل للفضل.
ولكن هذا الاحتمال أيضاً ضعيف، إذ يلاحظ أنّه ذكر مثل ذلك في تراجم رواة لا يشك في كونهم من الإماميّة (35).
وأمّا القول بأنّ التعبير المذكور ربّما يختص بما إذا كانت النسخة تقريرًا لما أملاه الإمام (عليه السلام) في مجلس واحد أو استنساخاً لما كتبه بقلمه الشريف ـ ومن المعلوم أنّ علل الفضل ليس من هذا القبيل - فيرد عليه بأن من المؤكّد في العديد من الموارد الأخرى اشتمال النسخ على ما سمعه أصحابها من الإمام (عليه السلام) بصورة متفرّقة من خلال أجوبته على أسئلتهم أو غير ذلك كما لا يخفى على الممارس. (الأمر الخامس): - وهو العمدة - أنّ رواية الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا (عليه السلام) مباشرة ممّا يصعب التصديق بوقوعها، بل يمكن الاطمئنان بعدمها وأنّه لم يدركه (عليه السلام) بحيث يتلقّى مضامين ما ورد في رسالة العلل منه له شيئاً فشيئاً ومرة بعد أخرى.
ويشهد لذلك أمور:
أحدها: أنّ الشيخ الطوسي (قده) عدّ ابن شاذان في أصحاب الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام) (36) ولم يذكره في أصحاب الإمام الجواد (عليه السلام) فضلاً عن الإمام الرضا (عليه السلام).
وقد يُقال: إنّ أقصى ما يدل عليه ذلك هو أنّ الشيخ لم يطّلع على رواية الفضل عن الرضا (عليه السلام)، ومن المعلوم أنّه لم يستوعب جميع من رووا عن الأئمة (عليهم السلام).
والجواب: أنّ عدم ذكر الشيخ إيّاه فيمَن روى عن الرضا (عليه السلام) يكشف عن عدم ذكره في عداد أصحابه (عليه السلام) في المصادر التي اعتمد عليها في ذكر من روى عنه، والفضل ليس راوياً كبقيّة الرواة لكي يمكن أن يخفى حاله على الرجاليّين فلا يعلموا بروايته عن الإمام (عليه السلام) ولا سيما أنّ روايته عنه تقتضي لقاءه به وهو حدث السن فتكون أدعى لأن يُعرَف ويشتهر لدى أهل الاختصاص.
وتجدر الإشارة إلى أنّه ورد في المطبوع من رجال الشيخ في عداد مَن روى عن الرضا (عليه السلام): (الفضل بن سنان: نيسابوري وكيل) (37)، وعلّق عليه المحقّق التستري في قاموس الرجال بقوله: (لم يُعثَر عليه في خبر فلعلّه محرّف (الفضل بن شاذان النيسابوري) فكان من أصحاب الرضا (عليه السلام) ولم يعدّه الشيخ فيهم(38).
ولكن ما أفاده (قده) غير تام، فإنّ الفضل بن شاذان لو سلّم أنّه ممَّن روى عن الرضا (عليه السلام) فإنَّ من المستبعد جدًا كونه من وكلائه (عليه السلام) ولا سيما أنّه لا يوجد ما يشير إلى كونه وكيلاً لمن بعده من الأئمة (عليهم السلام) بل يظهر ممّا ذكره الكشي في ترجمته (39) أنّه لم يكن وكيلاً للعسكري (عليه السلام) بل كان الوكيل في نيسابور غيره.
ثانيها: أنّ النجاشي ذكر في ترجمة الفضل ما نصّه: (الفضل بن شاذان بن الخليل كان أبوه من أصحاب يونس، وروى عن أبي جعفر الثاني، وقيل عن الرضا (عليه السلام) أيضاً)، وفي قوله: (وقيل عن الرضا (عليه السلام) أيضاً) إشارة إلى الارتياب في صحّة ما ذكره بعضهم من كون شاذان بن الخليل - والد الفضل ـ ممّن روى عن الرضا (عليه السلام) فإذا كان هذا حال الوالد فكيف بالفضل نفسه؟! هل يُحتمل أنّه أدركه (عليه السلام) وروى عنه؟! (40).
نعم، قد يقال إنّه لا منافاة بين عدم رواية شاذان عن الرضا (عليه السلام) مع ورواية ولده الفضل عنه، كما لو فرض أنّ الفضل حجّ فالتقى بالإمام (عليه السلام) في المدينة المنوّرة وروى عنه، وأمّا والده شاذان فلم يحجَّ في تلك السنة ولم يلتقِ به همّه في وقت آخر ولذلك لم يروِ عنه.
ولكن هذا الكلام ليس بتام، فإنَّ المتعارف أن يكون الولد متأخّراً طبقةً عن أبيه ولو بعض الشيء ويظهر بملاحظة الأسانيد أنّ الفضل كان كذلك، ومن هنا توجد لأبيه روايات عن يونس ولا توجد للفضل روايات عنه، وظاهر كلام أن تشكيكه في رواية شاذان عن الرضا (عليه السلام) إنّما هو من حيث الشك في إدراكه له، وإلا لقال: (وأدرك الرضا، وقيل: روى عنه أيضاً) كما يلاحظ نظيره في بعض الموارد الأخرى(41).
وعلى ذلك، فإنّ مقتضى عدم رواية شاذان عن الرضا (عليه السلام) هو عدم رواية
ولده الفضل عنه (عليه السلام) بالأولويّة.
ويضاف إلى هذا أنّ سكوت النجاشي عن رواية الفضل عن الرضا (عليه السلام) يشير إلى أنّه لم يكن يرى أنّه روى عنه (عليه السلام).
نعم، قد يقال إنّ النجاشي لم يكن مهتمّاً بذكر من روى الفضل عنهم من الأئمة (عليهم السلام)؛ لأنّ الصفة الأبرز له هي كونه متكلّماً لا محدّثاً ولذلك لم يذكر روايته عن الإمامين الهادي والعسكري (عليهما السلام) مع ثبوتها كما ورد في رجال الشيخ، حيث ذكره في البابَينِ المخصّصين لذكر أصحابهما، وقد ذكر في مقدمة رجاله أنّ أبواب كتابه ـ عدا الباب الأخير - مخصّصة لذكر مَن رووا عن النبي (صلى الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام) (42).
ويلاحظ على هذا الكلام:
أولاً: أنّ من دأب النجاشي أن يذكر في تراجم المتكلّمين روايتهم عن الأئمة (عليهم السلام) كما نجد ذلك في ترجمة حديد بن حكيم وهشام بن الحكم (43).
وثانياً: أنّ من دأبه أيضاً إذا ذكر الأب في ترجمة ابنه وبين من يروي عنه من الأئمة (عليهم السلام) أن يعقّبه بذكر من روى الابن عنه أيضاً، فقد قال في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد: (روى أبوه عن أبي جعفر، وروى هو عن أبي عبد الله) (44).
وقال في ترجمة صفوان بن يحيى: (روى أبوه عن أبي عبد الله (عليه السلام)، وروى هو عن الرضا (عليه السلام)) (45).
وقال في ترجمة عبد الله بن ميمون القدّاح: (روى أبوه عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام)، وروى هو عن أبي عبد الله (عليه السلام) (46).
وقال في ترجمة محمد بن ميسر: روى أبوه عن أبي جعفر وأبي عبد الله، وروى هو عن أبي عبد الله) (47)، وحيث إنّه ذكر في ترجمة الفضل (أنّ أباه روى عن الجواد (عليه السلام) وقيل عن الرضا (عليه السلام) أيضاً) (48) كان ينبغي أن يذكر من روى عنه الفضل لو كان قد روى عن أيّ من الأئمة (عليهم السلام)، ولمّا لم يذكر ذلك فهو مؤشّر إلى عدم موافقته على كون الفضل ممّن روى عن الهادي والعسكري (عليهما السلام) ويؤيّد ذلك عدم العثور على رواية له عن أي منهما بينها في شيء من المصادر.
وأمّا ذكر الشيخ إيّاه في عداد من روى عنهما (عليهما السلام) بينها فلا يمكن التعويل عليه كثيراً فإنّ الملاحظ في العديد من الموارد أنّه (قده) اكتفى في عدّ الشخص من أصحاب أحد الأئمة (عليهم السلام) بكونه ممّن أدرك عصره، فليلاحظ (49).
ثالثها: أنَّ الفضل لم يروِ عن يونس بن عبد الرحمن مع أنّه توفّي بعد شهادة الإمام الرضا (عليه السلام)، وإنّما روى عن ابنه محمد بن يونس (50) الذي ذكر الشيخ في كتاب الرجال أنّه لحق الرضا (عليه السلام) (51) ، ولو كان الفضل يروي عن يونس لتمثّل ذلك في رواياته، وأمّا ما في موضع من الكافي (52) ممّا ظاهره رواية الفضل عن يونس مباشرة فالأقرب سقوط الواسطة بينهما فيه، كما أنّ ما ورد في موضع آخر منه بقوله: (وبهذا الإسناد عن يونس) (53) إنّما هو من رواية محمد بن عيسى عن يونس - المذكور في سند سابق عليه - وليس من رواية الفضل عنه فليراجع.
وبالجملة: ليس للفضل رواية عن يونس في ما بأيدينا من المصادر، ويؤيّد عدم روايته عنه ما نقل عنه أنّه كان يقول: (أنا خَلَفٌ من مضى أدركت محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وغيرهما وحملت عنهم منذ خمسين سنة، ومضى هشام بن الحكم (رحمه الله) وكان يونس بن عبد الرحمن (رحمه الله) خلفه كان يرد على المخالفين، ثم مضى يونس بن عبد الرحمن ولم يُخلّف خَلَفاً غير السكّاك فردَّ على المخالفين حتى مضى (رحمه الله)، وأنا خَلَف لهم من بعدهم (رحمهم الله)) (54) فإنّه لو كان قد تتلمذ لدى يونس كما تتَلْمذ لدى ابن أبي عمير وصفوان لكان من الأولى أن يذكره بالاسم ولا سيما أنّه كان يعدّ نفسه خليفة له مع الواسطة.
والحاصل أنّ الظاهر عدم رواية الفضل عن يونس نفسه بلا واسطة، ويبدو أنّه لم يدركه في سن تؤهّله لذلك بالرغم من قربه إليه حيث إنّ أباه كان من أصحابه والرواة عنه، ومن المعلوم أنّ يونس ممّن توفّي في حياة الإمام الجواد (عليه السلام) فإذا لم يكن الفضل قد أدركه ليروي عنه فمن الأولى عدم إدراكه للرضا (عليه السلام) في مجالس متعدّدة ليروي عنه علل الأحكام كما نُسب إليه.
إن قيل: ولكن الفضل روى كثيراً عن حمّاد بن عيسى (المتوفى عام 208 أو 209) ويونس أيضاً ممّن توفّي عام (208) كما أنّ صفوان بن يحيى الذي روى عنه الفضل كثيراً قد توفي عام (210) فعلى ذلك ينبغي أن يكون عدم رواية الفضل عن يونس لأمر آخر لا لعدم إدراكه إيّاه.
قلت: لم يرد في شيء من المصادر أنّ يونس بن عبد الرحمن توفّي في سنة (208) إلا في خلاصة العلّامة (55)، ولم يُعلَم مستنده في ذلك ولعلّه اعتمد فيه على بعض الكتب غير المعتبرة كرجال علي بن أحمد العقيقي الذي نقل عنه في موارد شتّى فإنّ هذا الرجل لم يوثّق بل وصفه الشيخ بأنّه: (مخلط) (56)، وحكى عن ابن عبدون أنّ في حديث العقيقي مناكير (57).
وبالجملة: يُشكل التعويل على ما تفرّد به العلّامة في الخلاصة في تاريخ وفاة يونس بن عبد الرحمن، والمؤكّد أنّه توفّي بعد شهادة الرضا (عليه السلام) بقرينة الترحّم عليه من الإمام الجواد (عليه السلام) في العديد من الروايات وعدم ورود مثله عن الرضا (عليه السلام) ولو في رواية واحدة (58)، وأمّا الرواية التي أوردها الكشي في ترجمته الدالّة على موت يونس في أيام الرضا فهي لا تتعلّق به بل بسميّه يونس بن يعقوب كما يظهر بالمراجعة (59).
والحاصل أنّ بقاء يونس بن عبد الرحمن إلى عام (208) غير ثابت، بل عدم رواية الفضل عنه مباشرة شاهد قوي على خلاف ذلك.
وإذا كان الفضل لم يروِ عن يونس - المتوفّى بعد شهادة الرضا (عليه السلام) - لعدم إدراكه إيّاه فإنّه لا يكون قد أدرك الرضا (عليه السلام) أيضاً، علماً أنّ الفاصل بين إدراك شخص وعدم إدراك شخص آخر قد يكون قليلاً جداً كسنة واحدة، فلا منافاة بين إدراك الفضل لصفوان وحماد - اللذين توفيا سنة (208) أو بعد ذلك ـ وعدم إدراكه ليونس إذا كانت وفاته سنة (204) أو (205) أو نحو ذلك.
رابعها: أنّ الكشي أورد رواية في ترجمة الحسن بن علي بن فضال ورد فيها قول الفضل بشأن ابن فضّال: (ثم خرجت إليه بعد إلى الكوفة فسمعت منه کتاب ابن بكير وغيره من الأحاديث وكان يحمل كتابه ويجيء إلى حجرتي فيقرؤه عليَّ - إلى أن قال: - فعلمتُ بعدها أن مجيئه اليَّ وأنا حدث غلام وهو شيخ لم يكن إلا لجودة النيّة)(60)، والظاهر أنّ عنوان (حَدَثُ غلام) ـ أي حديث السن - لا ينطبق على من تجاوز العشرين، بل أقصى الأمر صدقه على من كان في أوائل شبابه أي في النصف الثاني من العقد الثاني من عمره.
وأمّا (الشيخ) فقد عرفه ابن سيده أنّه: (الذي استبانت فيه السن وظهر عليه الشيب - ثم قال: - قيل: هو شيخ من خمسين إلى آخر عمره، وقيل: هو إحدى وخمسين إلى آخر عمره، وقيل: هو من الخمسين إلى الثمانين) (61) ولكن يشكل صدق (الشيخ) على من بلغ الخمسين، بل الظاهر عدم صدقه عليه إلى حوالي الستين وهو المنسجم مع ما ذكره الأزهري في تهذيب اللغة بقوله: (إذا بلغ الخمسين فإنّه يقال له كهل، ومنه قوله : (هل كَهل خمسين إن شاقته منزلة * مُسفَّه رأيه فيها ومسبوب؟!) جعله كهلاً وقد بلغ الخمسين) (62).
وفي ضوء ذلك يمكن أن يقال: إنّ المستفاد من الكلام المتقدّم للفضل هو أنّ الفاصل السنّي بينه وبين ابن فضّال كان حوالي أربعين سنة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ الظاهر أنّ ابن فضال (المتوفى سنة 221 أو 224) لم يكن من المعمّرين - أي لم يكن ممّن بلغ التسعين ونحوها - وإلا لوجدت شواهد على ذلك في طبقات مشايخه والراوين عنه ولأشير إليه بطبيعة الحال في ترجمته كما نجد نظيره من النجاشي وغيره في تراجم غير واحد من الرواة، وأمّا الفضل - المتوفّى سنة 259 أو 260 - فلا يبعد أنّه لم يبلغ حتّى الثمانين بقرينة ما تقدّم من أنّه لم يُدرك يونس بن عبد الرحمن في سن تؤهّله للرواية عنه.
وعلى هذا فالمناسب أن يكون تاريخ تلمذة الفضل وهو حدث غلام على يد ابن فضال وهو شيخ في حدود سنة (200) أو بعدها (63) حيث كان للفضل أقل من عشرين سنة من العمر ولابن فضّال ما يقرب من الستّين، ولا يظن بشاب بسن الفضل آنذاك أن يتسنّى له الدخول على الرضا (عليه السلام) مرة بعد مرة ليسمع منه علل الأحكام في حين أنّ شيوخ الأصحاب لم يكن يتسنّى لهم الدخول عليه (عليه السلام) إلا بالاستئذان مسبقاً كما يظهر من بعض الروايات (64) ، علمًا أنّه لمّا كان إلى سنة (200) في المدينة المنوّرة وأشخصه المأمون في هذه السنة كما في العيون (65) إلى خراسان وذلك من طريق العراق ولكنّه لم يدخل الكوفة.
وأمّا احتمال لقاء الفضل بالإمام (عليه السلام) في خراسان قبل شهادته في سنة (202) أو (203) فهو بعيد جداً، فإنّ الظاهر أنّ الفضل كان في تلك المدة في العراق لا في نيسابور، مع أنّه لو فرض حضوره في نيسابور لمّا كان يتسنّى لمثله في العادة أن يلتقي بالإمام (عليه السلام) مرة بعد أخرى بملاحظة أنّه (عليه السلام) كان يتبوّأ منصباً مهماًّ وحسّاساً في الدولة - وهو ولاية العهد - مع صعوبة الظرف الذي كان يعيش فيه ويحيط به ولذلك قلَّ مَن وافاه وروى عنه في تلك المدّة.
خامسها: أنّ الكشي قد ترجم للفضل بن شاذان (66) وأورد جملة وافية ممّا يتعلّق به، ومن ذلك التوقيع الذي نُسب صدوره إلى الإمام العسكري (عليه السلام) في ذمّه، وذكر أسماء جماعة ممّن كان يروي عنهم ولم يشر إلى روايته عن الرضا (عليه السلام) ولا عن غيره من الأئمة (عليهم السلام)، مع أنّه لو كانت له رواية عنهم من الأولى التعرّض لها كما يلاحظ أنّه ذكر نحو ذلك في ترجمة غير واحد من الرواة الذين ترجم لهم كإبراهيم بن عبد الحميد وعبد الله بن يحيى الكاهلي، وسهل بن زياد(67)، والملاحظ أيضاً أنّ البرقي لم يورد اسمه في أصحاب أي من الأئمة (عليهم السلام) ، والفضل بن شاذان من أشهر فقهاء أصحابنا ومتكلّميهم وغريب أن يخفى على الرجاليّين أنّه كان ممّن روى عن الرضا (عليه السلام) لو كان صحيحاً ما نُسب إليه من ذلك عن طريق بعض تلامذته.
سادسها: أنّه لا توجد للفضل رواية عن الرضا (عليه السلام) إلا في رسالة العلل بالطريق المتقدّم وفي موارد قليلة أخرى من كتب الصدوق خاصة(68)، والجميع بطريق القتيبي عدا مورد واحد في العيون عن طريق محمد بن شاذان الذي روى أيضاً عن الفضل رسالة العلل عن الرضا (عليه السلام) على ما تقدّم، وأمّا حديث محض الإسلام - الذي حكى الصدوق في العيون (69) عن طريق القتيبي وعلي بن شاذان وأبي عبد الله محمد بن شاذان عن الفضل بن شاذان أنّ الرضا (عليه السلام) كتبه للمأمون فلا دلالة له على أنّ الفضل التقى الإمام (عليه السلام) ولعلّه اطّلع على نسخة خطّه (عليه السلام) وعرفه لقرب عهده منه، ولو سلّم دلالته على ذلك يكون من حكى لقاء الفضل بالرضا (عليه السلام) وسماعه منه منحصرًا في القتيبي واثنين من أقرباء الفضل وهم جميعاً من أهل نيسابور ولا توثيق لأيّ منهم، ولا يحصل الاطمئنان بصحة الحكاية من اجتماع ثلاثة أشخاص بهذه الصفة كما مرَّ التنبيه عليه في مباحث الحج(70).
وكيف ما كان، فإنّ رواية الفضل عن الإمام الرضا (عليه السلام) تنحصر - فيما بأيدينا من المصادر - في موارد محدودة لا تتجاوز عدد أصابع اليدين وكلّها عن طريق القتيبيّ وزميله ابن شاذان، مع أنَّ للفضل مئات الروايات في الكافي وغيرها فكيف لا يُعثَر فيها حتّى على رواية واحدة عن الإمام الرضا (عليه السلام)؟! وقد يُجعَل هذا شاهداً على عدم صحّة ما ادّعي من روايته عنه (عليه السلام) مباشرة.
ولكن يمكن أن يوجّه بما ذكرته في موضع من مباحث الحج (71)، وملخصّه:
أنّ روايات الكليني في الكافي عن الفضل بن شاذان تبلغ حوالي خمسمائة رواية، والظاهر أنّه لم يعتمد في إيرادها على كتب الفضل نفسه إلا في موارد نادرة، وذلك لأنّ جميع تلك الروايات - باستثناء سبعة منها - مرويّة عن الفضل عن ثلاثة من المشايخ هم: (محمد بن أبي عمير) و (صفوان بن يحيى) و(حمّاد بن عيسى)، ومن المؤكّد أنّ للفضل بن شاذان عشرات المشايخ الآخرين غير هؤلاء الثلاثة كما يظهر بمراجعة أسانيد كتاب الغيبة للشيخ الطوسي واختيار معرفة الرجال للكشي وغيرهما، فلو كان الكليني قد أخذ الروايات الخمسمائة المرويّة عن الفضل من كتب الفضل لاشتملت على ذكر العديد من مشايخه الآخرين. وعلى ذلك، فمن المطمأن به أنّه إنّما أخذ ما عدا الروايات السبع المشار إليها من كتب المشايخ الثلاثة أو من كتب من هم قبلهم في سلسلة السند كمعاوية بن عمّار، وإبراهيم بن عبد الحميد، وعبد الرحمن بن الحجاّج، وأضرابهم.
وهناك شواهد وافية على أنّه (رحمه الله) كان له طريقان رئيسان إلى كتب المشايخ الثلاثة أو من يروون عنه، ولكنّه للتفنّن في التعبير كان يختار حيناً ذكر طريق وحيناً آخر ذكر طريق ثانٍ وحيناً يجمع بين الطريقين وحيناً يضيف إليهما طريقاً ثالثاً أو رابعاً، ولا يبعد أن تكون الإضافة آنذاك من قبيل الجمع بين المصادر كأن يجد الرواية نفسها - المرويّة عن ابن أبي عمير بطريقيه إليه ـ في كتاب شخص ثانٍ أو ثالث يمر به أيضاً فيورد السند إليه من ذلك الكتاب كذلك.
ومهما يكن، فإنّ من المؤكّد أنّ الكليني لم يعتمد في ما رواه عن الفضل على كتبه إلا في موارد نادرة تبلغ سبعة موارد حيث كان لديه كتاب الطلاق وكتاب المواريث من كتب ابن شاذان وقد نقل عنهما في مواضع من الكافي(72)، والملاحظ أنّ خمساً من الروايات السبع المشار إليها هي ممّا ورد في كتاب الإرث من الكافي (73) ممّا يشير إلى أنّه (قده) قد اقتبسها من كتاب ابن شاذان في المواريث، وأمّا الرواية السادسة فقد وردت في كتاب الوصايا (74) ويناسب كونها مذكورة في كتاب المواريث أيضاً، وأمّا الرواية السابعة فهي مذكورة في كتاب النكاح (75) ولم يتأكّد ما هو مصدرها. هذا، وممّا يؤيد أنّ مصدر الكليني في ما رواه عن الفضل عن المشايخ الثلاثة لم يكن هو كتب الفضل أنّ مقتضى الشواهد والقرائن أنّ الفضل لم يكن محدّثاً معنيّاً بسرد الأحاديث ولا فقيهاً يهتم بذكر الأحكام وما ورد فيها من الروايات، بل كان متكلّماً معنيّاً يبحث المسائل العقائديّة وما يرتبط بها وفقيهاً يهتم ببحث المسائل الخلافيّة، ونحوها، ويبدو أنّ مؤلفاته كلّها هي في أحد البابين حتّى كتابه في الطلاق وكتابه الآخر في المواريث لم يؤلّفا لسرد الأحكام الفقهيّة وإيراد النصوص الشرعيّة فيها بل لمناقشة آراء الآخرين وأحياناً ذكر بعض الروايات، ومراجعة المقاطع التي حكاها الكلينيّ عنه في المواضع المشار إليها آنفاً تكفي شاهداً على هذه الحقيقة.
وفي ضوء ما ذكر يمكن أن يقال: إنّه لا غرو في عدم اشتمال الكافي على رواية للفضل عن الرضا (عليه السلام)؛ لأنّ المفروض أنّ الكليني لم ينقل فيه من كتبه إلا في موارد نادرة، وأمّا في التهذيبين فقد اعتمد الشيخ على الكافي في كل ما أورده فيهما من روايات الفضل حتّى ما ابتدأه باسمه باستثناء عدد محدود من الروايات في باب المواريث اعتمد في ايرادها على كتاب الفضل في هذا الباب، وقد ذكر طريقه إلى الفضل مرّتين في المشيخة تارة بسند الكليني، وأخرى بسند غيره (76).
وأمّا الفقيه فقد أورد الصدوق فيه عدة روايات عن الفضل عن الرضا (عليه السلام) ممّا اشتملت عليه رسالة العلل ورواية غيرها بطريق القتيبيّ بالإضافة إلى مقاطع من كتاب المواريث للفضل وهي تشتمل على بعض الروايات، وقد ذكر طريقه في المشيخة إلى خصوص ما أورده من رسالة العلل.
فالنتيجة: أنّ عدم اشتمال الكتب الأربعة على روايات للفضل عن الرضا (عليه السلام) غير ما أورده الصدوق عن رسالة العلل ورواية مفردة أخرى ـ إنّما هو من جهة عدم كون كتبه الروائيّة في الأحكام - إن كان له مثلها ـ هي من مصادر المحمدين الثلاثة الكليني والصدوق والطوسي (رضوان الله عليهم) ولكن الملاحظ أنّ هناك عشرات الروايات للفضل بن شاذان في موضوعات شتّى مبثوثة في المصادر الأخرى كتفسير العيّاشي واختيار معرفة الرجال للكشي والإرشاد للمفيد والاختصاص - المنسوب إليه ـ والغيبة للطوسي وشواهد التنزيل للحسكاني وتأويل الآيات الباهرة للأسترآبادي وكفاية المهتدي للمير لوحي السبزواري وغيرها، وليس فيها رواية للفضل عن الرضا (عليه السلام) بلا واسطة إلا ما ورد في كتب الصدوق عن طريقي القتيبي ومحمد بن شاذان، وتقدّم أنّ الأول في ستّة موارد والثاني في مورد واحد غير رواية العلل وحديث محض الإسلام.
وهذا الأمر يثير الاستغراب فإنّه لو كان الفضل قد أدرك الرضا (عليه السلام) في شبابه المبكّر لكان ينبغي أن نجد له العديد من الروايات عنه (عليه السلام) من طريق سائر تلامذته وهم كثيرون منهم محمد بن إسماعيل - وهو البندقيّ النيسابوريّ الذي أكثر الكلينيّ الرواية عن الفضل من طريقه - ومنهم جعفر بن محمد كما في موضع
من تفسير العيّاشي (77)، ومنهم: أحمد بن محمد بن علي الباشاني، وسهل بن بحر وأبو العباس بن المغيرة كما في شواهد التنزيل (78) ، ومنهم نصر بن صباح، ومكرم بن بشير، وعبد الله بن حمدويه البيهقي، وحسن بن علويّة، وجعفر بن معروف كما في رجال الكشي (79)، ومنهم علي بن محمد الحدّادي كما في رجال الشيخ (80).
وبالجملة: إنّ انحصار رواية الفضل عن الرضا (عليه السلام) في نقل القتيبي وبعض أقرباء الفضل وفي عدد من كتب الصدوق عن طريق بعض مشايخه النيسابوريّين يثير الريب حقاً ولا سيما مع ما تقدّم من أنّها لا تناسب طبقة الفضل وتقتضي اجتماعه بالإمام (عليه السلام) وتلقّي العلم منه وهو غلام شاب ولم يكن مثل ذلك متاحاً عادة في تلك الأزمنة.
وقد تحصّل من جميع ما تقدّم: أنّ ما أفاده سيّدي الأستاذ الوالد (دامت بركاته) من ترجيح كون رسالة العلل من استنباطات الفضل وليست من مسموعاته من الإمام الرضا (عليه السلام) هو الأحرى بالقبول والله العالم بحقائق الأمور.



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحوث في أحكام صلاة المسافر ج1 (مخطوط).
(2) يلاحظ ج 2 ص : 188 - 194.
(3) رجال النجاشي ص: 307
(4) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 99 - 121
(5) علل الشرائع ج 1 ص 251 –274
(6) مَن لا يحضره الفقيه ج1 ص 290.
(7) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 112؛ علل الشرائع ج1 ص 258.
(8) يلاحظ: وسائل الشيعة ج1 ص 251، 367، 394، وعشرات الموارد الأخرى.
(9) عيون أخبار الرضا ج2 ص 127.
(10) عيون أخبار الرضا ج2 ص 99 ـ 121.
(11) رجال النجاشي ص 306؛ الفهرست ص 197.
(12) عيون أخبار الرضا ج2 ص 88.
(13) ومنها: قوله: (فإن قيل: لم غيّرت - أي صلاة الآيات - عن أصل الصلاة التي قد افترضها الله (عزّ وجلّ)، قيل: لأنّها صلاة لعلّة تغيّر أمر من الأمور وهو الكسوف، فلمّا تغيّرت العلّة تغيّر المعلول) فإنّ الملاحظ أنّ هذا النحو من التعليل وما استخدم فيه من التعبير ممّا لا يناسب صدوره من الإمام (عليه السلام)، وإنّما ينسجم مع ما كان متداولاً عند المتكلّمين في ذلك العصر.
ولكن قد يقال: إن ّأصل التعليل المذكور ممّا لا بعد في صدوره من الإمام (عليه السلام) بأن يكون المقصود به هو أنّ إيجاب صلاة الكسوف لمّا كان لحدوث تغيّر غير متعارف في الكون أمر الشارع بالصلاة له بنحو مختلف عن الصلوات اليوميّة التي أوجبها عند حصول تغيّرات متعارفة من طلوع الفجر ودلوك الشمس وغروبها، لتمتاز بذلك عنها ، وأمّا كون التعبير بالعلة والمعلول من تعابير المتكلّمين فهو صحيح ولكنّه من جهة عدم محافظة الفضل على تعبير الإمام (عليه السلام) وتبديله بالتعبير المستخدم عند المتكلّمين.
ولكن هذا الكلام ضعيف، فإنّ ظاهر ما ذكره الفضل هو أنّ كون الكسوف تغيّراً كونيّاً مختلفاً عن الغروب - مثلاً - هو الذي أوجب أن تكون صلاة الكسوف بصورة مختلفة عن صلاة المغرب، من باب أن تغيّر العلّة يوجب تغيّر المعلول، وهذا ليس صحيحاً ولا يناسب أن يصدر من الإمام (عليه السلام).
وأمّا دعوى أنّ التعابير الواردة في الرسالة إنّما هي منسجمة مع لغة الفضل بصفته متكلّماً ولا ينافي ذلك كون المضمون من الإمام فهي مردودة، فإنّه لا يصح للراوي أن يغيّر فيما ينسبه إلى الإمام (عليه السلام) بحيث لا ينسجم مع أسلوبه ولغته وأدبيّاته، ولا يعهد ذلك من عمل الثقات من الرواة كما تقدّم.
ومنها: قوله: (فإن قيل: فلم لا يجب الغسل على من مسّ شيئاً من الأموات من غير الإنسان كالطير والبهائم والسباع وغير ذلك؟ قيل: لأنّ هذه الأشياء كلها ملبسة ريشاً وصوفاً وشعراً ووبراً وهذا كله ذكي ولا يموت، وإنّما يماس منه الشيء الذي هو ذكي من الحي والميت الذي قد ألبسه وعلاه).
وهذا الكلام أيضاً ممّا لا يناسب صدوره من الإمام (عليه السلام)، فإنّ مقتضاه أنّه لو مسّ الإنسان لحم الحيوان الميت لوجب عليه أن يغتسل!! نعم، قد يقال: إنّ ما ذكر في جواب السائل إنّما هو مجرد حكمة، لعدم وجوب غسل مس الميت بمس الميت من الحيوان حيث إنّ الغالب عدم مس الإنسان لما تحله الحياة من جثة الحيوان الميت بل ما لا تحله الحياة كالصوف والريش والوبر والشعر.
ولكن هذا الكلام ضعيف أيضاً، فإنّ الجواب واضح الدلالة على أنّ العبرة في وجوب غسل المس وعدم وجوبه هي بكون ما يتم مسه ممّا تحلّه الحياة من الميت وعدمه، وهذا ليس صحيحاً، إذ يجب الغسل بمس الإنسان الميت وإن كان ما تمّ مسّه من أجزائه التي لا تحلّه الحياة كالظفر والسن، كما لا يجب الغسل بمسّ الميت غير الإنسان وإن كان ما يمس منه من أجزائه التي تحلهّا الحياة.
ومنها: قوله: (وقد روي عن بعض الأئمة قال: ليس من ميت يموت إلا خرجت منه الجنابة فلذلك وجب الغسل).
فإنّ التعبير بـ(قد روي عن بعض الأئمة) غير متعارف في كلامهم (عليهم السلام). فالإمام (عليه السلام) إن روى شيئًا عن بعض آبائه ذكره بالاسم ولا يعبّر عنه ببعض الأئمة، بل هذا تعبير الآخرين عنهم.
ونظيره ما ورد في جواب بعض الأسئلة من قوله: (من صام في كل عشرة يوماً واحداً فكأنّما صام الدهر كله، كما قال سلمان الفارسي: صوم ثلاثة أيام في الشهر صوم الدهر كلّه فمن وجد شيئاً غير الدهر فليصمه).
وفي موضع آخر: (قال الصادق (عليه السلام): يعرض كل خميس أعمال العباد على الله (عزّ وجل)) و (إن الصادق (عليه السلام) أخبرنا بأنّ الله تعالى خلق النار في ذلك اليوم وفيه أهلك الله القرون الأولى) علل الشرائع (ج1 ص 272).
فإنّ استشهاد الإمام (عليه السلام) في حكم شرعي بما قاله سلمان الفارسي (رض) غريب، كما أنّه ليس من المعهود نقله (عليه السلام) عن جدّه الإمام جعفر بن محمد (عليه السلام) أو عن بعض آبائه بعنوان (الصادق).
ثم إنّ المضمون المذكور أولاً غريب في حد ذاته، وذلك لأنّ غسل الميت يجب حتّى بالنسبة إلى الطفل الصغير بل والسقط الذي بلغ أربعة أشهر! فما معنى أن يعلّل وجوبه بخروج الجنابة من كل میت؟!
علماً أنّ هناك روايات أخرى دلت على أنّ الوجه في وجوب غسل الميت هو خروج النطفة منه، ولكنّها ضعاف الأسانيد ومضامينها منكرة، لمخالفتها لما يعرف من التكوين بالضرورة، وأحسن الوجوه فيها وفي مثيلاتها من الروايات الواردة في الأمور التكوينية ممّا ثبت خلافها بالعلم الحديث بصورة بيّنة لا لبس فيها أصلاً هو أنّ البعض كان ينسب إلى أئمة الهدى (عليهم السلام) ما كان يظن أنّه من العلم الذي يجب أن يكون لهم نصيب منه لئلا يكونوا أدنى منزلة من أصحابه في ذلك العصر!
وتجدر الاشارة إلى أنّ في بعض الروايات المذكورة أنّه تخرج من الإنسان عند الموت النطفة التي خلق منها ( الكافي ج 3 ص 161، 163. تهذيب الأحكام ج 1 ص 450. علل الشرائع: ص300)، وهذا مضافاً إلى وضوح بطلانه لا يصح من جهة أخرى وهي أنّ ما يوجب الجنابة إنّما هو خروج المني من مجراه لا خروج النطفة التي خلق منها الميت.
ومنها قوله: (أخبرني لِمَ كلّف الخلق؟ قيل لعلل، فإنّ قال فأخبرني عن تلك العلل معروفة موجودة أم هي غير معروفة ولا موجودة قيل: بل هي معروفة موجودة عند أهلها، فإن قيل: أتعرفونها أنتم أم لا تعرفونها؟ قيل لهم: منها ما نعرفه ومنها ما لا نعرفه). وهذا الكلام لا يحتمل صدوره من الإمام (عليه السلام) الذي هو من الراسخين في العلم، وإذا لم يكن هو من أهل المعرفة بتلك العلل فمن الذي يعرفها إذا؟! نعم، قد يقال: إنّ الإمام قصد بكلامه أنّ الإنسان العادي يعرف بعض علل تكليف الخلق ولا يعرف البعض الآخر ولكن الفضل صاغ الكلام بما يوهم أنّ الإمام كذلك.
وهذا توجيه ضعيف لا يمكن المساعدة عليه بوجه كما لعله واضح، وأوجه منه أن يقال: إنّ المحكي عن الفضل هو كون العلل المذكورة في الرسالة من الرضا (عليه السلام) وما ورد في جواب السؤال المذكور لم يشتمل على علة، فهو منه لا من الإمام (عليه السلام)، فيرتفع الإشكال.
ولكن مقتضى هذا الكلام هو أن لا يكون بعض الأجوبة الأخرى من الإمام (عليه السلام) أيضاً كما في قوله: (فإن قال قائل: فما أول الفرائض؟ قيل: الإقرار بالله وبرسوله وحجته وبما جاء من عند الله) مع أنّ سياق الكلام في الرسالة ظاهر جداً في أنّ الجواب على جميع الأسئلة المطروحة في الرسالة من شخص واحد ولا يختلف من سؤال إلى سؤال، فليتدبّر.
ومنها : قوله: (فإن قال قائل: فلِمَ لا يجوز أن يكون الامام من غير جنس الرسول؟ قيل: لعلل .. ومنها: أنّه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسل، إذ جعل أولاد الرسول أتباعاً لأولاد أعدائه كأبي جهل وابن أبي معيط لأنّه قد يجوز بزعمهم أن ينتقل في أولادهم إذا كانوا مؤمنين فيصير أولاد الرسول تابعين وأولاد أعداء الله وأعداء رسوله متبوعين فكان الرسول أولى بهذه الفضيلة من غيره وأحق. وبطلان هذا التعليل من الواضحات.
ومنها: قوله: (فإن قال قائل: فلِمَ أمروا بالغسل من الجنابة ولم يؤمروا بالغسل من الخلا وهو أنجس من الجنابة وأقذر؟ قيل: من أجل أنّ الجنابة من نفس الإنسان وهو شيء يخرج من جميع جسده، والخلا ليس هو من نفس الإنسان إنّما هو غذاء يدخل من باب ويخرج من باب)، وهذا التعليل واضح البطلان أيضاً.
(14) البدر الزاهر في صلاة الجمعة والمسافر: ص 101.
(15) علل الشرائع ج 1 ص 258
(16) علل الشرائع ج 2 ص 262
(17) علل الشرائع : ص 441 ، 451، 501، 502، 511، 518
(18) من لا يحضره الفقيه ج 4: ص 197 ، 200، 208، 213، 215
(19) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 108.
(20) علل الشرائع ج1 ص 261.
(21) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 105
(22) علل الشرائع ج1 ص 258.
(23) بحار الأنوار ج86 ص 206.
(24) علل الشرائع ج1 ص 274؛ التوحيد ص 137، 270؛ الخصال ص 58؛ صفات الشيعة ص 50.
(25) من لا يحضره الفقيه ج1 ص 195، 200، 342؛ ج4 ص 53 (المشيخة).
(26) عيون أخبار الرضا ج2 ص 18.
(27) من لا يحضره الفقيه ج1 ص330
(28) من لا يحضره الفقيه ج1 ص290.
(29) من لا يحضره الفقيه ج1 ص 202.
(30) بحار الأنوار ج86 ص 206.
(31) المحاسن ج 2 ص 299 ، وتجدر الإشارة إلى أنّ كتاب العلل من المحاسن ورد بهذا العنوان في فهرست الشيخ (ص52) وهو المطابق لما يوجد في النسخة الواصلة إلينا من المحاسن، ولكن المذكور في رجال النجاشي ( ص 76) (كتاب علل الحديث) وبذلك يعرف أنّه لا يراد بـ(علل الحديث) في عناوين كتب أصحابنا ما يراد به عند بعض مؤلّفي الجمهور من الخلل الواقع في الأحاديث، بل المراد ما اشتملت عليه الأحاديث من وجوه التعليل.
(32) بحار الأنوار ج1 ص 28؛ ج 55: ص 94؛ ج 56: ص 46.
(33) رجال النجاشي ص 80، 81، 86، 177، 236، 258 وغيرها.
(34) رجال النجاشي ص 51، 229.
(35) رجال النجاشي ص 51، 101، 227، 272، 278.
(36) رجال الطوسي ص 390، 395.
(37) رجال الطوسي ص 363.
(38) قاموس الرجال ج8 ص 404.
(39) رجال الكشي ج2 ص 821.
(40) تجدر الإشارة إلى ما ذكره السيّد الأستاذ (قده) من أنّ والد الفضل روى عن أبي الحسن الأول (عليه السلام) فلا يبعد في رواية الفضل نفسه عن الرضا (عليه السلام). (معجم رجال الحديث ج13 ص 323).
ويلاحظ عليه بأنّ الرواية المشار اليها (الكافي ج 8: ص 152) ضعيفة السند فلا يمكن الاعتماد عليها في قبال ما جاء في كلامي الشيخ والنجاشي، مضافاً إلى أن مبناه كون المراد بـ(شاذان) راوي الرواية هو والد الفضل كما بنى عليه في معجم رجال الحديث (ج9 ص 9 ط النجف الأشرف)، ولكن يظهر من السيد البروجردي أنه بنى على المغايرة بينهما، ومن هنا عد من روى عن الكاظم (عليه السلام) من الطبقة الخامسة في حين عدّ شاذان بن الخليل من الطبقة السابعة (رجال أسانيد الكافي ص 197).
وقد يقال: إنّ شاذان والد الفضل روى عن معمر بن عمر (الكافي ج 3 ص29) الذي كان من الطبقة الرابعة ومن أصحاب الباقر والصادق (عليهما السلام) ، وأيضاً روى عن سماعة بن مهران (الكافي ج: ص 241) الذي كان من الطبقة الخامسة، ومقتضى ذلك أنّه كان ممّن يمكنه الرواية عن الكاظم (عليه السلام) فلا حاجة في إثبات ذلك إلى الرواية المذكورة.
ولكن الصحيح أنّ روايته عن معمر مرسلة كما نبّه عليه السيد البروجردي (قده) (رجال أسانيد الكافي: ص179)، بل لا يبعد أن تكون روايته عن سماعة مرسلة أيضاً وقد سقط اسم يونس بينهما، فإنّه يروي عن سماعة وكان شاذان من أصحابه وممّن يروي عنه (الكافي ج 3: ص 24، 30، 45).
هذا والظاهر أنّ شاذان بن الخليل كان متأخّراً بعض الشيء عن الطبقة السادسة، ولذلك عدّه النجاشي من أصحاب يونس وله روايات عنه، وذكر الكشي أنّه ممّن روى عن محمد بن سنان (اختيار معرفة الرجال ج 2 ص 796) وهما من الطبقة السادسة، وقد روى عنه أحمد بن محمد بن عيسى، ومقتضى ذلك أنّ شاذان كان من كبار الطبقة السابعة - وقد عدّه السيد البروجردي (قده) من هذه الطبقة - ولعلّه لذلك شكك النجاشي في روايته عن الرضا (عليه السلام).
(41) رجال النجاشي ص 205.
(42) يلاحظ: رجال الطوسي ص 390، 401.
(43) رجال النجاشي ص 148، 433.
(44) رجال النجاشي ص 25.
(45) رجال النجاشي ص 197.
(46) رجال النجاشي: ص213
(47) رجال النجاشي: ص 368.
(48) رجال النجاشي: ص 306.
(49) قد يقال: إنّ صريح كلام الشيخ في ديباجة كتاب الرجال جعل المناط في من يدرجهم ضمن أصحاب الأئمة (عليهم السلام) هو روايتهم عنهم ، ومن ثم أفرد باباً مستقلاً ذكر فيه (من عاصرهم ولم يرو عنهم)، وقد جرى على ذلك في من ترجم لهم في عداد أصحاب الأئمة (عليهم السلام) إذ يلاحظ أنّه ـ في غير مورد ـ حيث ذكر في عدادهم من لم يرو عنهم - ولعله اقتفى وتعقب بعض مصادره من الفهارس والإجازات - استدرك ذلك كي ينفي ما لإدراجهم ضمن الأصحاب من الدلالة كما بالنسبة لأحمد بن إدريس القمي الذي ذكره في أصحاب العسكري (عليه السلام) ثم قال: (لحقه ولم يرو عنه)، وكذا الحسين بن الحسن بن أبان حيث قال: (أدركه ولم أعلم أنّه روى عنه)، وقال عن سعد بن عبد الله القمي: (عاصره ولم أعلم أنّه روى عنه) كما وجّه ذكر إدريس بن عيسى الأشعري في عداد أصحاب الرضا (عليه السلام) قائلاً: (دخل عليه، وروى عنه حديثاً واحداً) وعلى ذلك يشكل البناء على أنّ ذكر الفضل بن شاذان في أصحاب الإمامين بينما كان لمجرد إدراكه لعصرهما.
ولكن يمكن أن يقال: إنّ أمر الشيخ في تأليف كتاب الرجال لا يخلو من اضطراب، ولعلّه لذلك رجح السيد البروجردي لأن هذا الكتاب كان مسودة ولم يتسنَّ للشيخ تبييضه، والموارد التي عدّ فيها رجالاً من أصحاب الأئمة (عليهم السلام) مع عدم كونهم من الرواة عنهم متعدّدة، ولعلّه اعتمد على ما كان عنده من بعض كتب الرجال من دون التدقيق فيمن أثبتوا لهم الصحبة بين من رووا عنهم ومن لم يرووا، ولا يبعد أن تكون العبارات المذكورة في أعلاه إنّما نقلها من المصادر التي كانت عنده وليست هي له، فليتأمّل.
(50) يُلاحظ: اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ج 2 ص 773، 774، 779.
(51) رجال الطوسي: ص 378
(52) الكافي ج7 ص 10.
(53) الكافي ج3 ص 339.
(54) رجال الكشي ج2 ص 818.
(55) خلاصة الأقوال: ص 114
(56) رجال الطوسي: ص 434
(57) الفهرست ص 285
(58) يلاحظ : اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ج 2 ص 779 ، 780، 781، 782، .783
(59) يلاحظ : اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ج 2 ص 681، 784.
(60) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ج 2 ص 801.
(61) المحكم والمحيط الأعظم ج 5: ص 243.
(62) تهذيب اللغة ج 6: ص 15
(63) ورد في رواية الكشي المذكورة قوله: (فلمّا حج سد وشب ختن طاهر بن الحسين، وعظّمه الناس لقدره وحاله ومكانه من السلطان، وقد كان وصف - أي الحسن بن علي بن فضال ـ له فلم يصر إليه الحسن فأرسل إليه أحب أن تصير إليّ فإنّه لا يمكنني المصير إليك، فأبى، وكلّمه أصحابنا في ذلك، فقال: ما لي ولطاهر وآل طاهر. لا أقربهم ليس بيني وبينهم عمل).
وقد يستظهر أنّ ما حكي في هذه الرواية من امتناع ابن فضال من اللقاء بختن طاهر بن الحسين كان في سنة (196) أو (197) حيث كان الحجاز تحت سلطة طاهر وهو الذي كان قد عيّن أمير الحاج فيهما، وأمّا بعد ذلك أي في سنة (198) وبعد مقتل الأمين فقد ولّى المأمون الحسن بن سهل كل ما كان طاهر افتتحه من كور الجبال وفارس والأهواز والبصرة والكوفة والحجاز، وأمر أن يشخص عن ذلك كلها إلى الرقّة وجعل إليه حرب نصر بن شبث وولّاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب (تاريخ الطبري ج 7 ص 116) ، وقد عدّ ذلك إبعاداً لطاهر من قبل المأمون حتى قال له كبار أعوانه: (إنّ طاهر بن الحسين قد أبلى في طاعته ما أبلى وافتتح ما افتتح وقاد إليه الخلافة مزمومة حتى إذا وطأ الأمر أخرج من ذلك كله وصير في زاوية من الأرض بالرقةّ قد حظرت عليه الأموال حتى ضعف أمره فشغب عليه جنده .. وقد تنوسي في هذه السنين منذ قتل محمد في الرقّة لا يستعان به في شيء من هذه الحروب) (تاريخ الطبري ج 7 : ص148). ثم ولّى المأمون طاهر خراسان وجانب المشرق في سنة (205) واستمر في ذلك إلى وفاته سنة (207) (تاريخ الطبري ج 7: ص 158) وعلى ذلك ينبغي أن يكون تاريخ الحادثة المذكورة في رجال الكشي بين ابن فضال وختن طاهر - والظاهر أنّه محمد بن أبي العباس الذي كان طاهر زوج اخته كما في تاريخ الطبري (ج : ص 157) - في أحد عامَي (196) و (197) ، ومقتضى ذلك أنّ تلمذة الفضل بن شاذان لدى ابن فضّال كانت قبل التاريخ المذكور.
هذا مختصر ما قيل في المقام، ولكنّه لا يتم، فإنّ المأمون كان بعد وصوله إلى العراق - في صفر سنة (204) - قد ولّى طاهر بن الحسين الجزيرة والشرطة بجانبي بغداد والسواد (تاريخ ابن خلدون ج 3 ص 251)، علماً أنّ خروج طاهر إلى خراسان بعد تعيينه والياً عليها كان في ذي القعدة سنة (205) (تاريخ الطبري ج 7 ص158)، فهو كان صاحب سلطة واسعة في العراق في مدة معتد بها بعد سنة مائتين، ومن ذلك في موسم الحج من سنة (204).
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ ابن فضال لمّا كان ساكناً في العراق فإنّ الذي كان يتوقع منه هو مداراة من بيده السلطة فيه لا في الحجاز الذي كان مسافراً إليه لأداء الحج، ولا يبعد أنّ ختن طاهر بن الحسين كان قد توجّه من العراق لأداء الحج ولم يكن مستقراً في الحجاز، وعلى ذلك فما الذي يمنع من أن يكون تاريخ الحادثة المذكورة في عام (204)؟! بل ما الذي يمنع من أن يكون تاريخها بعد هذا العام؟! إذ يجوز أنّه بقي لختن طاهر وأقربائه من بعده دور مهم في بغداد ونفوذ واسع في بلاط المأمون ولو اعتماداً على مكانة طاهر الذي لم يكن تعيينه والياً على المشرق من مدينة السلام إلى أقصى خراسان الا ترفيعاً لمحله وتحكيماً لمكانته في الدولة العباسيّة وقد بقيت الولاية على خراسان في ذرّيته بعد وفاته حيث تولاها بعده ولده طلحة ثم عبد الله الذي مات سنة 230.
وأمّا استظهار أنّ ختن طاهر كان هو أخا زوجته محمد بن أبي العباس فلا وجه له، إذ لا قرينة عليه، بل لا يبعد أنّه كان بعض أصهاره - والختن يطلق على زوج البنت كما في معاجم اللغة ـ ولا سيما بمناسبة التعبير المذكور في اختيار معرفة الرجال: ما لي ولطاهر وآل طاهر)، وأيضاً كلمة: (سد وشب) في قوله: (فلمّا حج سد وشب ختن طاهر..) ليس لها معنى مناسب هنا، فلا يبعد كونها تصحيفاً لاسم الختن وقد حصل ذلك من جهة كونه اسماً غير مأنوس وكان الخط رديئًا فلم تتيسّر قراءته وكتب بهذه الصورة التي لا تناسب اسم (محمد بن أبي العباس) بوجه، علماً أنّ النجاشي لم يذكره عند نقل كلام الكشي، ولعلّه اسقطه للسبب المتقدّم.
ومهما يكن فقد ظهر ممّا مرّ أنّه ليس في الرواية المذكورة ما يقتضي أن يكون الفضل قد تلقّى الحديث من ابن فضّال قبل عام (197) ليبنى على ذلك أنّه كان مؤهّلاً للرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام) قبل شهادته مضافاً إلى أنَّ كون الفضل مؤهّلاً لتلقّي الحديث من ابن فضال وهو دون العشرين من عمره لا يقتضي أنّه كان ممّن يناسب أن يدخل على الإمام ويتلقّى علل الأحكام منه مرة بعد أخرى بعد سنتين أو ثلاث، فليتدبّر.
(64) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ج 2 ص 789
(65) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 159
(66) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ج 2 ص 817 - 822
(67) اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي) ج 2 : ص 704 ، 744 ، 837.
(68) التوحيد ص 137، وهو في عيون أخبار الرضا ج 2 ص 109 ، 270، والخصال: ص58، وهو في عيون أخبار الرضا ج1 ص 187 ، وصفات الشيعة : 50، وعيون أخبار الرضا ج 2 ص 19، 25، 26.
وتجدر الإشارة إلى أنّه ورد في فرائد السمطين ( ج 2 ص 225) للحموي الشافعي رواية عن الفضل شاذان عن الرضا (عليه السلام) ، وهي أيضاً بطريق علي بن محمد بن قتيبة.
(69) عيون أخبار الرضا ج 2 ص 127 - 134.
(70) بحوث في شرح مناسك الحج ج20، ص310.
(71) بحوث في شرح مناسك الحج ج9 ص 248؛ يلاحظ: قبسات في علم الرجال ج2 ص 474 وما بعدها.
(72) نقل عن الأول في الكافي ج6 ص 93، ونقل عن الثاني في موارد كثيرة، وبلاحظ: الكافي ج7 ص 88 ...
(73) الكافي ج 7: ص 79، 113، 136، 148.
(74) الكافي ج7 ص 10.
(75) الكافي ج 5: ص 384.
(76) يلاحظ تهذيب الأحكام ج 10: ص 47، 86 (المشيخة).
(77) تفسير العيّاشي ج2 ص 303.
(78) شواهد التنزيل ج1 ص 187، 255، 422.
(79) رجال الكشي ج2 ص 471، 710، 748، 780، 796.
(80) رجال الطوسي ص 433.




علم من علوم الحديث يختص بنص الحديث أو الرواية ، ويقابله علم الرجال و يبحث فيه عن سند الحديث ومتنه ، وكيفية تحمله ، وآداب نقله ومن البحوث الأساسية التي يعالجها علم الدراية : مسائل الجرح والتعديل ، والقدح والمدح ؛ إذ يتناول هذا الباب تعريف ألفاظ التعديل وألفاظ القدح ، ويطرح بحوثاً فنيّة مهمّة في بيان تعارض الجارح والمعدِّل ، ومن المباحث الأُخرى التي يهتمّ بها هذا العلم : البحث حول أنحاء تحمّل الحديث وبيان طرقه السبعة التي هي : السماع ، والقراءة ، والإجازة ، والمناولة ، والكتابة ، والإعلام ، والوجادة . كما يبحث علم الدراية أيضاً في آداب كتابة الحديث وآداب نقله .، هذه عمدة المباحث التي تطرح غالباً في كتب الدراية ، لكن لا يخفى أنّ كلاّ من هذه الكتب يتضمّن - بحسب إيجازه وتفصيله - تنبيهات وفوائد أُخرى ؛ كالبحث حول الجوامع الحديثية عند المسلمين ، وما شابه ذلك، ونظراً إلى أهمّية علم الدراية ودوره في تمحيص الحديث والتمييز بين مقبوله ومردوده ، وتوقّف علم الفقه والاجتهاد عليه ، اضطلع الكثير من علماء الشيعة بمهمّة تدوين كتب ورسائل عديدة حول هذا العلم ، وخلّفوا وراءهم نتاجات قيّمة في هذا المضمار .





مصطلح حديثي يطلق على احد أقسام الحديث (الذي يرويه جماعة كثيرة يستحيل عادة اتفاقهم على الكذب) ، ينقسم الخبر المتواتر إلى قسمين : لفظي ومعنوي:
1 - المتواتر اللفظي : هو الذي يرويه جميع الرواة ، وفي كل طبقاتهم بنفس صيغته اللفظية الصادرة من قائله ، ومثاله : الحديث الشريف عن النبي ( ص ) : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
قال الشهيد الثاني في ( الدراية 15 ) : ( نعم ، حديث ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) يمكن ادعاء تواتره ، فقد نقله الجم الغفير ، قيل : أربعون ، وقيل : نيف وستون صحابيا ، ولم يزل العدد في ازدياد ) .



الاختلاط في اللغة : ضمّ الشيء إلى الشيء ، وقد يمكن التمييز بعد ذلك كما في الحيوانات أو لا يمكن كما في بعض المائعات فيكون مزجا ، وخالط القوم مخالطة : أي داخلهم و يراد به كمصطلح حديثي : التساهل في رواية الحديث ، فلا يحفظ الراوي الحديث مضبوطا ، ولا ينقله مثلما سمعه ، كما أنه ( لا يبالي عمن يروي ، وممن يأخذ ، ويجمع بين الغث والسمين والعاطل والثمين ويعتبر هذا الاصطلاح من الفاظ التضعيف والتجريح فاذا ورد كلام من اهل الرجال بحق شخص واطلقوا عليه مختلط او يختلط اثناء تقييمه فانه يراد به ضعف الراوي وجرحه وعدم الاعتماد على ما ينقله من روايات اذ وقع في اسناد الروايات، قال المازندراني: (وأما قولهم : مختلط ، ومخلط ، فقال بعض أجلاء العصر : إنّه أيضا ظاهر في القدح لظهوره في فساد العقيدة ، وفيه نظر بل الظاهر أنّ المراد بأمثال هذين اللفظين من لا يبالي عمّن يروي وممن يأخذ ، يجمع بين الغثّ والسمين ، والعاطل والثمين)




موكب أهالي كربلاء يستذكر شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
العتبة العباسية تستذكر شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) بإقامة مجلس عزاء
أهالي كربلاء يحيون ذكرى شهادة الإمام الصادق (عليه السلام) في مدينة الكاظمية
شعبة مدارس الكفيل النسوية تعقد اجتماعًا تحضيريًّا لوضع الأسئلة الامتحانية