المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الاخلاق و الادعية
عدد المواضيع في هذا القسم 6253 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

الْجَمَاعَة وأحكامها
20-8-2017
الازهار والتلقيح في نخيل التمر
12-1-2016
المحاور الدلالية
3-8-2017
تقويم المايا وتطور الوعي
18-2-2022
التكتيكات
1/9/2022
تعريفات في الأصول الأربعة للحديث.
22-1-2023


الغرور.  
  
912   09:45 صباحاً   التاريخ: 2024-02-24
المؤلف : محمد حسن بن معصوم القزويني.
الكتاب أو المصدر : كشف الغطاء عن وجوه مراسم الاهتداء.
الجزء والصفحة : ص 320 ـ 331.
القسم : الاخلاق و الادعية / الرذائل وعلاجاتها / العجب والتكبر والغرور /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-12-2021 1869
التاريخ: 30-9-2016 3338
التاريخ: 30-9-2016 1648
التاريخ: 30-9-2016 3170

الغرور انخداع النفس بميلها [ما يوافق] (1) الهوى بسبب شبهة فاسدة تزيّنت لها.

وقد قيل: إنّه مركبّ من الاعتقاد المخالف للواقع وحبّ مقتضيات الشهوة والغضب كالواعظ الذي يقصد بوعظه طلب الجاه حيث يعتقد أنّه يستحقّ به الثواب مع رغبته إليه فيكون من رذائل العاقلة (2) وإحدى القوتين الأخريين (3).

وفيه نظر، فإنّ الواعظ المزبور قد أغفلته نفسه عن كون فعله مضراً له لقصده المنزلة فيه، ولبّست عليه الأمر فزيّنت في نظره أنّه لكونه سبباً لهداية الناس يستحقّ به الأجر والثواب فهو وإن كان صادقاً في ذلك الا أنّه مخطىء في خصوص ما اعتقده موجباً للثواب من فعله لغفلته عن حبّ الجاه المستكنّ في قلبه، فهذا الاعتقاد الفاسد الصادر عن الغفلة يسمّى غروراً وما استكنّ في قلبه من الحبّ المذكور لا دخل له في حقيقة الغرور.

والحاصل الغرور اعتقاد كون ما قصد به الجاه موجباً للثواب دون المركّب منه ومن حبّه له، والحقّ انّه راجع إلى الجهل المركّب فيكون من رذائل القوّة العاقلة خاصّة، وهذه الخصلة من أمّهات الخبائث، ولذا ورد النهي الشديد عنه.

قال الله تعالى: {فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان: 33].

وسميّت الدنيا دار غرور لتلبيسها الأمر على أبنائها وإغفالها إيّاهم عن مضارّها وعن فعل ما فيه خيرهم وصلاحهم.

قال الصادق عليه‌السلام: «المغرور في الدنيا مسكين وفي الآخرة مغبون؛ لأنّه باع الأفضل بالأدنى» (4).

ولمّا كان لمعرفة مداخل الآفات ومجاري الفساد مدخل في الاحتياط والاجتناب حسن التنبيه عليها إجمالاً.

فنقول: فرق المغترّين غير محصورة وجهات غرورهم موفورة.

فمنهم الكفّار بأسرهم، ومن جهات غرورهم كون نقد الدنيا أحسن من نسيئة الآخرة، وفساده ظاهر؛ لأنه صحيح مع التساوي في المقدار والمقصود والنفع والبقاء والا فالتاجر يتعب نفسه بأنواع المتاعب ويبذل نقوده مع إيقاعها في الأخطار لتحصيل النسيئة والمريض يصرف نقده في الدواء والطبيب للصحّة التي هي نسيئة والزارع يبثّ بذره في التراب طلباً للنسيئة وكذا سائر الناس في حرفهم وصنائعهم، فإذا رجحت نسيئة الدنيا مع تناهيها وقلّتها وفنائها وشوبها بالكدورات وأنواع المنغّصات على نقدها فالآخرة لمن عرف نسبة الدنيا إليها أجدر بالتر جيح لكونها دائمة صافية عن الكدورات، ولو حصل اليقين بوجود الواجب وحقّية الرسول بالبراهين صدّقهما في الأخبار الصادرة عنهم ممّا ذكر سيّما مع تأكّدها بالتجربة والعيان.

وإمّا أنّ لذّة الدنيا يقينيّة والآخرة لم يرها أحد حتى يعلم ما فيها، وفساده أيضاً ظاهر، إذ لا شكّ في الآخرة بعد ما يرى من اتّفاق العقلاء والعظماء من الأنبياء والأولياء والحكماء والعلماء عليها فمن لم يعرف المرض والداء يطمئنّ نفسه بما يقوله أرباب فنّ الطبّ فيهما ولا يطالبهم بالدليل أصلاً، وهذا مدرك عامّ يشمل طبقات الناس بأسرهم لحصول اليقين، وللخواصّ مسلك آخر، وهو كشف حقائق الأشياء على ما هي عليها بطريق الوحي والالهام.

وإمّا التقديرات الوهميّة الكاذبة مثل أنّ المؤمن لو كان له حظ عند الله لكان ذا حظ من الدنيا، فحسن حالنا فيها يدل عليه في الآخرة وأنّه لو لم يحبّنا لما أحسن إلينا، وفسادها ظاهر أيضاً، بل هذا هو الغرور بالله العظيم، كما أشار إليه في كتابه الكريم؛ لأنّ نعماء الدنيا مهلكات مبعدات عن الله يحمي بها أولياءه كما يحمي الوالد الشفيق ولده المريض عن لذائذ الأطعمة حباً له، فمن كان له عبدان يمنع أحدهما من اللهو واللعب ويلزمه التعلم والأدب والاحتياط من لذائذ الأطعمة المضرّة له ويأمره بالأدوية النافعة ويهمل الآخر فلا يسأل عن حاله ولا يبالي بأفعاله، فهذا الفعل منه يدل على حبّه للأول دون الثاني لا العكس، وقد كان السلف يحزنون من إقبال الدنيا ويقولون: ذنب عجّلت عقوبته، ويفرحون بإدبارها ويقولون: مرحباً بشعار الصالحين، والمغرور بالعكس، حيث يظنّ الأول كرامة، والثاني إهانة كما أخبر الله تعالى عنه ولو تدبّر كلمات الله ورسله وأوليائه ولاحظ أحوالهم وأيقن بالله وصفاته لم يغتر بهذه الخيالات الفاسدة، ونظر إلى حال الفراعنة الماضين وما انتهى إليه أمرهم من الهلاك والبوار وانقطاع الآثار.  قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55، 56] {سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ} [الأعراف: 182] {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].

ومنهم عصاة أهل الحق وفسّاقهم ومن جهات غرورهم مضافاً إلى ما ذكر، رحمة الله وفضله وحلمه وصفحه، وما ورد في مدح الرجاء، وربّما اغتروا بالأنساب كالذريّة العلويّة، فيطمئنون من كثرة المعاصي والخروج عن طريقة أجدادهم بذلك، وقد تقدّم في بحث الرجاء أنّ من رجا شيئاً طلبه، فالذي لم ينكح أو نكح ولم يجامع ولم ينزل وهو يرجو الولد فهو مغرور أحمق.

وقد قال الله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم: 39 - 41].

وقال: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38].

فالرجاء بدون العمل تمنّ وغرور.

وكذا النسب لا نفع له، فالله تعالى يقول:

{فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} [المؤمنون: 101].

ويقول: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164].

فمن زعم أنّه ينجو بصلاح أبيه كمن زعم أنّه يشبع بأكلة أبيه ويصل إلى المنزل بمشي أبيه أو يصير عالماً بعلم أبيه، هيهات بل التقوى فرض عين على كلّ أحد، و{..لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ..} [لقمان: 33] بل {..يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس: 34 - 36] ولا شفاعة الا مع حصول شرائطها {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28].

ومنهم العلماء، إمّا في تحصيل العلوم فمنهم من يقتصر على الكلام والجدال ومعرفة آداب التعرّض في أندية الرجال من غير تحصيل العقائد الحقّة أو رسوخ فيها فهو كخيط مرسل في الهواء تفيّؤه الريح تارة كذا وتارة كذا، وهو يظنّ أنّه أعلم الناس بالله وصفاته وأفعاله وآياته.

ومنهم المقتصر على العلوم الآلية ظنّاً منه أنّها مقدّمات للعلوم الشرعيّة، فيفني عمره في طلبها ولم يحصّل شيئاً ممّا خلق لأجلها (لأجله ظ).

ومنهم المقتصر على الفقهيّات أو بعضها أو بعضها كالمعاملات أو مع مقدّماتها القريبة كأصول الفقه معرضاً عمّا خلق لأجله من المعارف الحقّة، وتزكية نفسه عن ذمائم الصفات وتحلّيها بمحاسن الملكات وشرائف الطاعات.

ومنهم من تعمّق في جميع العلوم بأسرها مهملاً للقوّة العمليّة معرضاً عن تزكية نفسه عن الرذائل الخلقيّة أو مكتفياً فيها بالظاهر الجلي بدون تعمّق في إدراك الخفايا المكنونة في الزوايا فإنّها أغمض وأدقّ من كلّ شيء كما أشرنا مراراً إليه.

وقد بيّنا لك ما به يحصل النجاة ويفوز المرء بالسعادات.

وإمّا في صفات القلب حيث يتكبّر ويسمّيه إعزازاً للدين وإرغاماً لأنف الجاهلين ويحسد ويغتاب ويسمّيه ردّاً على المبطلين وغضباً للحقّ والدين ويرائي ويسمّيه إرشاداً للمسلمين. وكلّ هذا تغرير لنفسه والله مطّلع على سريرته.

ومن أعظم ما اغترّ به [بعض] علماء عصرنا الخوض في أموال اليتامى والمساكين، وصرفها في شهواتهم ومن يختلف إليهم بنوع من الأنصار والمريدين ظنّاً منهم أنّهم يستحقّون بذلك جزيل الأجر والمثوبة بإعانة الفقراء ذوي المتربة وتخليص الأغنياء عن اشتغال الذمّة بالحقوق الواجبة وترويجاً للعلم بإعانة الطلبة والله مطّلع على سرائرهم عالم بما في ضمائرهم.

وبالجملة فجهات الغرور سيّما في هذا الزمان أكثر من أن يسطر ببنان البيان، بل انتهى الأمر إلى كونهم قطّاع طريق الاسلام والمسلمين، فهلاكهم أنفع للإيمان والمؤمنين؛ لأنّهم عملة الجبت والطاغوت والشياطين، فإلى الله المشتكى منهم، ونسأله أن يخلّص الناس بظهور قائمهم عنهم (5).

ومنهم الوعّاظ، فمنهم المتكلّم في شرائف الملكات ومرغّب الناس في فضائل الصفات، ومحذّرهم عن الذمائم والآفات مع كون المسكين مليّاً من الرذائل خليّاً من الفضائل، فيزعم أنّه بمجرّد قوله واطّلاعه على الاصطلاحات وفهمه لمعاني الألفاظ والعبارات يعدّ من جملة السالكين وبإصلاحه الخلق وإهدائهم إلى الحقّ يستحقّ الأجر الجزيل من ربّ العالمين، مع ما عرفت من أنّه من أعظم الناس حسرة يوم القيامة، وأشدّهم تأسّفاً وندامة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 2، 3].

ومنهم المشتغل بالطامّات وتلفيق كلمات خارجة عن قوانين الشرع والعقل مع تصدّعات في التشبيهات والاستعارات وتعيينات للألفاظ والعبارات طلباً للأعوان والأنصار بكثرة التواجد والرغبات والتذاذاً من ضجّة الناس وتحريك رؤوسهم على ما يلفّقه من الكلام وفرحاً من تكاثر المريدين من العوام الذين هم كالأنعام، وربّما لم يبال بالكذب في نقل الأخبار الغريبة، وتلفيق الحكايات العجيبة حرصاً منه على حصول وقع لمقالته في الصدور مع أنّه في غاية الحمق والغرور، وإنّما هو شرّ الناس، بل أضرّ بهم من الخنّاس لقصر همّته على ذكر ما يؤدي إلى سرورهم ويزيد في غرورهم من تقوية رجائهم وازدياد رغبتهم في المعاصي واجتراهم، وهو يظنّ انّه سالك مسلك الهداية وإنقاذ الهك من الجهالة والغواية، مع أنّ ضرره أبقى وأدوم وفساده أكثر وأعظم.

ومنهم من وصل إلى الدرجة العليا في تهذيب الصفات وتصفية النفس عن لوث الكدورات وتخليصها عن الشواغل والعوائق وقطع الموانع والعلائق، وصرف طمعه عن الخلائق إلى الخالق، وإنّما دعته إلى سلوك سبيل الهداية والارشاد مجرّد الرحمة والشفقة على العباد، الا أنّه بعد الاشتغال بذلك وجد الشيطان سبيلاً إلى ما هنالك، فدعاه إلى الرئاسة دعاء خفيّاً، ثمّ لم يزل يربو وينمو إلى أن صار قويّاً فصار يتصنّع لهم في الألفاظ والنغمات، ثم في الزيّ والهيأة والحركات، فقبله الناس قبولاً عميماً وآثروه بأموالهم وأنفسهم إيثاراً عظيماً، وصاروا له بمنزلة الخدم والعبيد، فعند ذلك ذاق لذّة مالها من مزيد، وابتلي بشهوة هي فوق الشهوات، ووقع في آفة هي من أعظم الآفات، بعد ما كان مطمئناً بتركه لجميع اللذّات، فابتلاه الشيطان بالإثم الأعظم وغرّه من حيث لا يعلم، وربّما ترقّى فاطّلع على هذه المكيدة واجتهد في استخلاص نفسه فترك ما كان يفعله خوفاً من المفسدة فأعجبه علمه بكيد الشيطان وفراره من شروره، فوقع في غرور آخر بعد غروره، ولو كان سالكاً مسلك النجاة لم يأمن كيد الشيطان في حال من الحالات، بل كان مواظباً على التضرّع والابتهال والاستعانة في دفع غوائله من الكريم المتعال، خائفاً على نفسه من سلب ما أوتي ثم من خطر الخاتمة الذي لا يمكن منه التفصّي.

قيل: ظهر الشيطان لبعض الأولياء في حالة النزع وقد بقي له نفس.

فقال: أفلتّ منّي يا فلان؟ فقال: لا بعد.

ومنهم: العبّاد والزهّاد، فمنهم الغالب عليه الوسواس في الطهارات والنيّات، والمبالغة في إجراء البعيد من الاحتمالات فيها، وفي أداء الحروف من المخارج في الصلوات وأمثال ذلك من الجزئيات، ثم يعكس تقديراته في المأكل وأخذ الأموال بطلب محامل بعيدة لتبديل الحرام بالحلال، ظانّاً أنّه محتاط في تصحيح عباداته مع أنّه مضيع أوقاته، وصارف عمره فيما لا يعنيه، [وتارك للتوجّه] (6) والحضور وغيرهما ممّا يعنيه، فهو من أقبح أنواع الغرور والجهل بمواقع الأمور.

ثم من أغلب ما يقعون فيه العجب والرياء في العبادات، مع ظنّهم أنّهم على تقوى وإخبات، وربّما يصومون في غالب الأوقات، زعماً منهم انّه مجرّد كفّ عن المفطرات، مع عدم احتفاظهم عن الغيبة وسائر الأذيّات والافطار على المحرّمات وهم يرجون فيه جزيل الثواب من الكريم الوهّاب، وكذا يحجّون بالمال الحرام من غير ردّ للمظالم وقضاء للديون الواجبات، وعدم الاحتفاظ على الصوات والطهارات والتجنّب عن النجاسات، مع قلوب ملوّثة بذمائم الصفات ورذائل الملكات، وهم يظنّون انّهم مسارعون إلى الخيرات.

ومنهم من يترك نفائس الملابس ولذائذ المطاعم، زعماً منه أنّه سالك مسلك الزهّاد مع حبّه للرئاسة باشتهاره بذلك بين العباد، فقد ترك الأهون فساداً لأعظم الفساد.

ومنهم المغترّ بفعل النوافل والمستحبّات مع عدم معرفته بحدود الفرائض والواجبات ولا أخذ لمسائله الدينية على وجه يحصل له البراءة اليقينيّة.

ومنهم الصوفيّة، فنهم القلندريّة المنكرون لعقائد أهل الايمان، والتاركون لشعائر الاسلام، والجاهلون بمسائل الحلال والحرام، الصرافون عمرهم في التكدّي وإيذاء الأنام، ظنّاً منهم أنّهم معرضون من كلّ لذّة وشهوة، ولو أقبل عليهم شيء منها بغتة ماتوا من الفرح فجأة، فهم أرذل البريّة، وأجهلهم في الفكر والرويّة.

ومنهم من اكتفى من التصوّف بالنطق والزيّ واللبس وخفض الصوت وإطراق الرأس وتنفّس الصعداء وفعل ما يشبه البكاء سيّما إذا سمعوا كلاماً في العشق والوحدة مع عدم معرفة معناه بالمرّة، وربّما يتجاوز بعضهم إلى الرقص والصعق وإبداء الشهيق والنهيق واختراع الأذكار والتغنّي بالأشعار وسائر الحركات الشنيعة والهيئات القبيحة الفظيعة، ظنّاً منهم الوصول بأمثال هذه الحركات إلى أعلى المنازل والمقامات، مع أنّها يقرب العبد إلى سخطه تعالى وعذابه، ويستوجب بها الأليم من عقابه، وبعض منهم يطوي بساط الشرع والأحكام، والفصل بين الحلال والحرام متكالب على الشبهات والمحرّمات تاركاً للسنن بل الواجبات مدّعياً أنّ الله غنّي عن الطاعات وأنّه لا عبرة بعمل الجوارح بل العبرة بالقلوب وأنّها واصلة إلى المطلوب والهة في مشاهدة المحبوب فيخوض في الشهوات الدنيوية زاعماً أنّها لا تصد عن المعارف الحقيقية مع قوة النفوس وثبات الأقدام، وإنّما المحتاج إلى رياضة البدن خصوص العوام، ولا يتفكّرون في أنّ أنبياء الله المرسلين وأولياء الله المقرّبين مع كونهم المقصود من خلق السماوات والأرضين وعن أدناس السيّئات والمعاصي طاهرين معصومين يبكون على ترك الراجح بل المرجوح (7) سنين متوالية ويحسبونها صادّة عن الدرجات الرفيعة العالية، فهم أضعف الناس عقلاً وأشدّهم حمقاً وجهلاً، وربّما ادّعى بعضهم غاية المعرفة واليقين، والوصول إلى أعلى درجات المقرّبين ومشاهدة المعبود ومجاورة المقام المحمود، والملازمة في عين الشهود ملفّقاً من الطامّات كلمات مزخرفات، زاعماً أنّه المطّلع على عالم الملك والملكوت، بل ساحة القدس والجبروت، ناظراً إلى الصلحاء والفقهاء والمحدّثين وسائر العلماء بعين الحقارة والازدراء، مدّعياً لنفسه من خوارق العادات ما لم يدّعه أحد من الأنبياء والأولياء مع أنّه لم يعرف من المعارف الا ألفاظاً مسموعة وكلمات موضوعة لم يتفطّن لحقائقها ولا أدرك دقائقها، وربّما ارتكب بعضهم قبائح الأعمال وشائع الأفعال المزيلة للمرويات، زعماً منه أنّه كسر النفس وإزالة لرذائل الملكات، ولا يدري أنّها بنفسها من ذمائم الصفات.

ومنهم من اشتغل بالرياضات وقطع بعض المراحل ووصل إلى بعض المقامات، فتوقّف في البين ظنّاً منه الوصول إلى العين، فإنّ لله سبعين حجاباً من نور لا يصل السالك إلى واحد منها [الا] (8) وهو يظنّ أنّه لا مجال للتعدّي عنها.

قال بعض العرفاء (9): وإليه الإشارة في الكتاب الكريم في حكاية إبراهيم ـ على نبيّنا وعليه أفضل التحيّة والتسليم ـ حيث رأى كوكباً فقال: «هذا ربّي» ثم انتقل إلى القمر، ثم إلى الشمس، إذ ليس المراد منها الأجسام المضيئة؛ لأنّ شأنه أرفع من ذلك وأجلّ من أن يكون سلوكه من هذه المسالك، بل استعيرت للأنوار الالهيّة المرئيّة للسالك الحاجبة عن الوصول إلى ما هنالك مع عدم إمكانه الا بالوصول إليها والتعدّي عنها، وبعضها أعظم من بعض، فلم يزل الخليل يصل عند سيره إلى حجاب أكبر بعد تجاوزه عن الحجاب الأصغر فيتراءى له في بادئ الرأي الوصول إلى المقصد، ثم يكشف له أنّ وراءه أمراً آخر فيترقّى إليه، فيقول: «هذا أكبر»، ومتى ظهر له إنّه مع عظمه غير خالٍ عن الهوى في حضيض النقص عن ذروة الكمال، قال: «لا أحبّ الآفلين».

ومن أصغر تلك الحجب القلب لكونه من سنخ عالم الربوبيّة ونوراً من أنوار الحضرة الالهيّة يتجلّى فيه صور الأشياء بأسرها، فيشرق إشراقاً عظيماً يظهر به عوالم الوجود على ما هي عليها، وقد كان محجوباً عنه في الابتداء، فلمّا أشرق نور الله الأسنى ورأى بعد الالتفات إليه جمالاً فائقاً أسنى أدهشه ذلك، فربّما سبق إلى لسانه كلمة أنا الحقّ، فإن لم يتّضح له بعد ذلك ما كان محجوباً عنه من الحجب الاخر كان فيه هلاكه، مع أنّه كان مغترّاً بصغرها.

وهذا محلّ الالتباس؛ لأنّ المتجلّي ملتبس بما يتجلّى فيه كالمرآة الملتبس نورها بنور ما ظهر فيها، ولذا قيل:

رقّ الزجاج ورقّت الخمر ***  فتشابها وتشاكل الأمر

فكأنّما خمر ولا قدح ***  وكأنّما قدح ولا خمر

وبهذه العين نظرت النصارى في المسيح (عليه السلام) فرأوا إشراق نور الله متلألئاً فيه فغلطوا فيه كمن يرى كوكباً في المرآة فيظنّ أنّه فيها أو في الماء فيمدّ يده إليه وهو مغرور.

انتهى ملخّصاً (10).

ومنهم الأغنياء وأصحاب الدول، فمنهم من يحرص على بناء المساجد والمدارس والرباطات وغيرها بالأموال المحرّمة، بل في الأراضي المغصوبة من دون باعث سوى الرياء والشهرة ويظنّ بفعله ذلك استحقاق المثوبة والمغفرة مع أنّه قد تعرّض للسخط والعذاب في كسبها وإنفاقها، وكان اللازم عليه الامتناع من أخذها، ثم الردّ على أهلها والتوبة منها، وربما طلب فقير منهم درهماً فيبخلون منه، ومنهم من ينفق جهراً على المشاهير، ويكره الانفاق سرّاً على المستور الفقير للسمعة والرياء والاشتهار بالبذل والعطاء والجود والسخاء، ومنهم من يمنّ ويؤذي بالإعطاء، ومنهم من يبخل في الحقوق المالية ويصرف عمره في العبادات البدنية وكلّ ذلك محض الغرور الناشئ عن الجهل بحقائق الأمور.

تذنيب:

إذ قد عرفت أنّ الغرور من فروع الجهل وآثاره، فضدّه العلم واليقين بما يقرّبه إلى الله ويبعّده عن سخطه وبآفات طريقهما وغوائله، فلا يتمكّن الشيطان من تغريره ولا تسكن نفسه إلى الشهوات، ولا يطمئن بلذّات الدنيا لما فيها من الآفات.

قال الصادق عليه‌السلام: «واعلم أنّك لن تخرج من ظلمات الغرور والتمنّي الا بصدق الإنابة إلى الله تعالى والإخبات له، ومعرفة عيوب نفسك من حيث لا يوافق العلم والعقل ولا يحمله الدين والشريعة وسنن القدوة وأئمّة الهدى، وإن كنت راغباً بما أنت فيه، فما أحد أشقى منك وأضيع عمراً، فأورثت حسرة يوم القيامة» (11).

 

 

__________________

(1) ساقط من «ج».

(2) في «ج»: «الغضبيّة» بدل «العاقلة».

(3) جامع السعادات: 3 / 4.

(4) مصباح الشريعة: الباب 36، في الغرور.

(5) من شؤون فقهائنا العظام الولاية على أموال اليتامى وتخليص الأغنياء عن اشتغال الذمة بالحقوق الواجبة وترويج العلم بإعانة الطلبة وغير ذلك، ولا بدّ في كل عصر وزمان منهم حتّى يرجع الناس إليهم في الفتيا والحلال والحرام وسائر امورهم الدينية ويجب على الناس أيضاً الرجوع إليهم والأخذ منهم. نعم يمكن أن يوجد في كل زمان من يتصدّى هذا المقام وليس أهلاً له ولكن هذا لا يختص بهم فكم من مدّعٍ للسير والسلوك أيضاً في كل عصر وزمان وليس عنده الا الدعوى الفارغ من الواقع.

(6) ساقط من «ألف» و «ب».

(7) كذا، ولعلّ الصحيح: يبكون على فعل المرجوح، بل ترك الراجح.

(8) ساقط من «ألف» و «ج».

(9) هو أبو حامد الغزالي.

(10) المحجة البيضاء: 6 / 342 ـ 343. لا يخفى أنّ الصوفية ـ خذلهم الله ـ هم أصحاب البدع والتأويلات يحرّفون الكلم عن مواضعه، يفسّرون القرآن بالرأي ويؤوّلون الروايات حسب أهوائهم ويعتمدون على آرائهم وآراء أقطابهم الفاسدين ومرشديهم المبطلين في الدين فالتفصيل بين فرقهم والحكم بأنّ بعضهم مغترّون والسكوت بالنسبة إلى آخرين منهم لا وجه له.

(11) مصباح الشريعة: الباب 36، في الغرور، مع اختلاف.

 

 




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.