أقرأ أيضاً
التاريخ: 6-4-2019
1947
التاريخ: 4-5-2019
1652
التاريخ: 23-11-2021
1722
التاريخ: 6-4-2019
1808
|
المقصد الثاني:
العلوم إمّا شرعيّة أي مستفادة من سفرائه تعالى بحيث لا يستقلّ العقل بإدراكها أو عقليّة كالحساب والهندسة أو تجريبيّة كالطبّ أو سماعيّة كاللغة.
والمحمود من غير الشرعيّة ما ترتبط به مصلحة دنيويّة، فإن كانت ممّا لا يستغنى عنها في قوام أمور الدنيا كالطبّ الضروري في بقاء الأبدان، والحساب الضروري في قسمة المواريث وغيرها، وأصول الصناعات وغيرها، فهي من الفروض الكفائية، وإن كانت تفيد زيادة قوّة في القدر الضروري كالتعمّق في دقائق علم الطبّ والحساب كانت فضيلة لا فريضة.
وأمّا المذموم منها، فإنّ العلم من حيث إنّه معرفة للأشياء على ما هي عليه كمال ممدوح، وعدمه نقص مذموم، لكن عروض الذّم له من أحد وجوه:
أحدها: أداؤه إلى الاضرار بصاحبه أو بغيره، كالسحر والطلسمات والشعبذة، حيث يتوصّل بها غالباً إلى الأذيّات.
وثانيها: ورود النهي عنه في الشريعة كالنجوم، وسرّه ـ كما قيل ـ أنّ غالب أحكامهم حدسيّة تخمينيّة، فذمّه لكونه جهلاً، ولو كان علماً كان ممدوحاً.
وقد روي أنّه كان معجزة لإدريس عليه السلام (1).
وعن الصادق عليه السلام: ((انّه علم الأنبياء وانّ أمير المؤمنين عليه السلام كان أعلم الناس به)) (2).
والإصابة اتّفاقيّة، إذ يطّلع على بعض الأسباب وهناك أسباب أخر لا يعلم، فإن قدّر الله حصولها أيضاً وقعت الاصابة والا أخطأ، وما أشبهه بتخمين الأمطار من انطباق الغيم، وتخمين سلامة السفينة من موافقة الريح، ولذا قال الصادق عليه السلام: ((إنّ كثيره لا يدرك، وقليله لا ينتفع به)) (3).
مع أنّه خوض في بطالة؛ لأنّ المقدر كائن والاحتراز غير ممكن، ولا كذلك الطبّ، لشدّة مسيس الحاجة إليه وظهور أدلّته، ولا التعبير أيضاً لعدم الحظر فيه، بل ورد أنّه جزء من ستّة وأربعين جزء من النبوّة (4) مضافاً إلى إضراره بعقائد الضعفاء، فتعظم وقع الكواكب في نفوسهم بترتّب الآثار عليها فتلتفت إليها وتحذر من الشرور من جهتها، ويمحو ذكر الله من قلوبهم بسببها لقصور نظر الضعيف على الوسائط القريبة.
ثالثها: عظم الخطر فيه، وعدم استقلال الخائض فيه بإدراكه، فيستضرّ بها كما ليستضر الطفل الرضيع أو المريض من أكل لحم الطير وأنواع الحلاوات اللطيفة، ولذا استعيذ من العلم الذي لا ينفع، كما في المعارف الحقّة، فإنّه كما تتحقّق باقتنائها السعادة الأبديّة، فكذا تحصل بأدنى خلل منها الشقاوة السرمديّة، وتصير باعثاً للخلود في النار مع المشركين والكفّار.
وأمّا الشرعيّات فكلّها محمودة، وأصلها الكتاب والسنّة المعصوميّة، ويتفرّع عليها ما يفهم منهما بأقسام الدلالات اللفظيّة والعقليّة.
فما يتعلّق منه بتنظيم مصالح الدنيا هو علم الفقه، فإنّ الدنيا من منازل الآخرة، خلقت ليتزوّد منها ما يصلح للوصول إليها، فلو تناولها الناس بالعدل انقطعت الخصومات، وتعطّلت الفقهيّات، لكن تناولوها بالشهوات فمسّت الحاجة إلى قوانين السياسات.
والفقيه هو العالم بها كما أشرنا إليه سابقاً، فهو وإن تعلّق بالدين لكن بواسطة، فكما أنّ الحج لا يتمّ الا ببدرقة تحرس الحاج عن اللصوص، لكن الحج شيء وسلوك الطريق إليه شيء ثانٍ، وحراسة الحاج عن اللصوص ثالث ومعرفة طرق الحراسة وحيلها وقوانينها شيء رابع، فكذا الحال في الدين، والفقه منه بمنزلة الرابع.
فإن قلت: لو سلّم ذلك في الحدود والديّات والقضايا والشهادات وكثير من المعاملات فلا يتمشّى في الحلال والحرام والعبادات.
قلت: أقرب ما يتكلّم فيه الفقيه إلى أعمال الآخرة الاسلام والصلاة والزكاة والصيام والحلال والحرام.
أمّا الاسلام فلا يلتفت الا إلى اللسان، والقلب خارج عن حكمه بعزل الرسول أرباب السيوف بمجرّد إقراره به، فيحكم بعصمة الرقبة والمال بإظهاره، وهذا لا ينفعه في الآخرة، وإنّما النافع هناك أنوار القلوب وأسرار الغيوب، وليس من فنّه وإن تكلّم فيه بالتبع، وكذا يحكم بصحّة الصلاة مع الاتيان بصورة الأعمال والشرائط، ولو كان غافلاً من أوّلها إلى آخرها، وفائدتها انقطاع القتل والتعزير في الدنيا، وليس فيها مزيد نفع كالمسلم لحقن الدم والمال ونحوه الصوم. وأمّا الزكاة فنظره في إبراء الذمّة ظاهراً بدفع السلطان الظاهري عنه، فلو أخذت منه قهراً حكم بالإبراء ظاهراً مع أنها لا تنفعه في الآخرة، وكما يتوسّل لتحليل كثير من المحرّمات بأنواع الحيل فإنّه يدفع التسلّط الظاهري مع كونه ضاراً في الحقيقة في الآخرة. وأمّا الحلال والحرام فسنذكر أنّ للورع مراتب، وإنّما نظر الفقيه في أدونها التي لا يخرج بها عن أهليّة الشهادة والولاية والقضاء أي الاحتراز عن المحرّمات الظاهرة، وهذه لا ينافي الاثم في الآخرة. فإذن نظر الفقيه مرتبط بالدنيا، وإن كانت الآخرة منوطة بها، لأنّها مزرعتها. لكنّه أشرف من سائر علوم الدنيا، كالطبّ والحساب وغيرهما، لكونه مستفاداً من النبوّة وناموساً إلهيّاً تنتظم برعايته أمور الدارين وبإهماله يختلّ نظام النشأتين، فلا يستغني عنه أحد في سلوك طريق الآخرة ولمجاورته بعلم الآخرة لاتّصال الجوارح بالقلب ومنشأ أعمال الجوارح الصفات القلبيّة، فمحمودها يصدر عن محمودها، ومذمومها عن مذمومها، ولورود الأمر به الحثّ عليه وعظم شأنه خطره في الأخبار وما يتعلق بالآخرة على ضربين:
أحدهما: وهو الأصل معرفة الله وصفاته وأفعاله، وأدنى ما يلزم منه على كافة الخلق عيناً معرفة أصول العقائد بدليل إجمالي يطمئنّ به نفسه ولو كان ضعيفاً في نفسه، ولا يكتفي فيها بالتقليد على الأظهر الأشهر، كما فصّلنا الكلام فيه في أصول الفقه.
ثم فوقه مراتب كثيرة متفاوتة بتفاوت الناس في البهمّة والاستعداد والسعي والاجتهاد، وأعلاها من حصل له يقين على مثل ضوء الشمس بحيث لو كشف الغطاء ما ازداد يقيناً، ولا يكفي في حصوله مجرّد التعلّم والتعليم والنظر، لما نرى من اختلافهم فيها مع اشتراكهم في التصديق بأصولها على مقامات، فبعضهم يرى كمال المعرفة في المعجز عنها، وبعضهم يدّعي فيها أموراً عظيمة، وبعضهم يحدّها بعقائد العوام، فيحتاج اتّضاح جليّة الحق على الطالب بحيث يجري له مجرى العيان إلى رياضة وتصقيل لمرآة القلب عن صفاته الذميمة، وهو ممكن كما أشرنا إليه، الا أنها لتراكم خبثها وصداها بالحواجب الجسمانيّة لا تدرك الا ألفاظاً مسموعة ومعاني مجملة غير متّضحة، وقد تقدّمت الإشارة إلى ما يشهد عليه من كلام أميرالمؤمنين عليهالسلام وسنزيدك تنبيهاً عليه في فصل اليقين، فمن لم يقدر على مخالفة نفسه واقتناء فضائلها وإزالة كدوراتها كما هو حقّه حتى تقتبس من الأنوار الحقّة الملكوتيّة نوراً إلهيّاً ينكشف به الحجب والأستار عن العقائد الحقّة والمعارف الحقيقيّة، كان اقتصاره على التصديق بظواهر الآيات والأخبار إجمالاً أسلم وأولى، لما عرفت من عظم خطرها وعدم استقلال العقول الناقصة بإدراكها، ولذا كان اهتمام الشيطان في تزليق أقدام طالبيها أشدّ من سائر الطلّاب، ودخوله من هذا الباب لتغرير الأذكياء أسهل من سائر الأبواب، حيث يظنّ كلّ أحد أنه يقدر على الخوض في غوامض المعارف الحقّة ومعرفة حقائقها وإدراك دقائقها، وأنّه قويّ فيه فيخوض في بحر الجهالات من حيث لا يعلم فيهلك ويهلك. ومن هنا ورد ذمّ الخوض في الكلام والمنع عنه عن الأئمّة عليهم السلام (5).
ولمّا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله أصحابه يخوضون فيه غضب حتّى احمرّت وجنتاه وقال: ((أفبهذا أمرتم، تضربون كتاب الله بعضه ببعض؟ انظروا فيما أمركم الله فافعلوا وما نهاكم عنه فانتهوا)) (6).
ومنه يظهر أيضاً سرّ ما ورد من الأخبار والآثار من المنع عن إفشاء دقائق الأسرار والمبالغة في كتمان جواهر المعارف وذوارف العوارف، حيث إنّه لا سبيل إلى التنبّه لها الا بعد تصفيه مرآة القلب وتزكيته عن ذمائم الأخلاق والأفعال والمجاهدة العظيمة وتحمّل المشاقّ والأخطار والأهوال حتّى يظهر جليّة الحال بعد السعي والاجتهاد بقدر القابلية والاستعداد وأنّى ذلك في النفوس الخسيسة العامة الملوّثة بالكدورات، والعقول الناقصة المغلوبة بالشهوات، فإذا كان أبو ذر مع جلالة قدره وعظم شأنه لا يقدر على تحمّل ما أفيض على قلب سلمان فما ظنّك بسائر الناس سيّما في مثل هذا الزمان؟ كما ورد عن سيّد الساجدين عليه السلام أنّه قال: ((والله لو علم أبو ذر ما في قلب سلمان لقتله، ولقد آخى رسول الله بينهما فما ظنّكم بسائر الخلق؟ إنّ علم العلماء صعب مستصعب لا يحتمله الا ملك مقرّب أو نبيّ مرسل، أو عبد مؤمن امتحن الله قلبه للايمان، وإنّما صار سلمان من العلماء؛ لأنّه امرؤ منّا أهل البيت، فلذلك نسبته إلى العلماء)) (7) أراد عليه السلام أهل بيت الحكمة والعرفان دون أهل بيت الصبيان والنسوان.
وقال الصادق عليه السلام: ((إنّ امرنا سرّ مستور في سرّ مقنع بالمشاق من هتكه أذلّه الله)) (8) والأخبار بهذا المضمون كثيرة.
وثانيها: علم الأخلاق ومعرفة ذمائمها عن محاسنها وأسبابها وثمراتها وعلاجها، ولهين القسمين من العلم خلق الإنسان وبهما تحصل السعادة الحقيقيّة، وبتركهما في النشأة الأخروية بحكمهم وحكم علماء الآخرة كما يهلك المعرض عن الأعمال الظاهرة فيها وفي الدنيا بحكمهم وحكم علماء الظاهر أيضاً، ولذا قيل: إنّ علماء الظاهر زينة الأرض والملك، وعلماء الباطن زينة السماوات والملكوت.
وأمّا علم الكلام فما ينتفع بها من الأدلّة قد اشتملت عليها الأخبار والخارج عنها إمّا جدال مبتدع أو تطويل بنقل المقالات والشبه والترّهات ممّا لم يكن مألوفاً في العصر الأوّل ولا متعلّقاً في الدين، وإنّما كان من بدع المبدعين الخارجين عن إطاعة الأئمّة المعصومين إضلالاً للخلق عن الدين المبين، كما تبيّن في محلّه، ولكنّه من فروض الكفاية إذا قصد به مقابلة المبتدع الداعي إلى الضلالة وحراسة قلوب الضعفاء عن تخيّلات أهل البدعة، فالحاجة إلى استئجار البدرقة للحج، فإذا ترك المبتدع هذيانه لم يفتقر إلى الزائد عمّا كان في العصر الأوّل، فلو تجرّد للمناظرة ولم يسلك سبيل علماء الآخرة لم يبق له من العقائد والأعمال الا ما للعوام من أعمال ظاهر القلب واللسان، وأمّا الاستنارة الباطنيّة وبرد اليقين والايمان، فلا يحصل للمتكلّم، بل ربّما كان حاجباً للقلب عنها، وإنّما تحصل من مجاهدة النفس، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69].
ثم الأخبار في مدح علم الآخرة وكون التشيّع والتقرّب إلى الله سبحانه موقوفاً عليه كثيرة. ثم لهذه العلوم فروع بعضها من قبيل المقدّمات الجارية منها مجرى الآلات، كالعلوم العربيّة، فإنها وإن لم تكن شرعية لكن لزوم الخوض فيها بسبب الشرع النازل بلغة العرب فلا تظهر معانيها الا بمعرفتها، كما أنّ من الآلات علم كتابة الخط لعجز الأغلب عن الاستقلال بحفظ جميع ما يسمع، وبعضها من قبيل المتمّمات كعلم القراءة والتفسير وأصول الفقه والرجال والدراية، فكلّها شرعيّات محمودة، بل من فروض الكفاية.
__________________
(1) مجمع البيان: 6 / 519، الآية 57 مريم.
(2) البحار: 58 / 235.
(3) روضة الكافي: الحديث 233.
(4) الجامع الصغير: 2 / 22، إلا أن فيه: "رؤيا المؤمن جزء.."
(5) راجع البحار: 1 / 136_138، والتوحيد للصدوق، وباب النهي عن الكلام.
(6) المحجة البيضاء: 6 / 321.
(7) الكافي: 1 / 401، كتاب الحجة، باب أنّ حديثهم صعب..، ح 2.
(8) بصائر الدرجات: ص 28، وفيه: "مقنّع بالميثاق".
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|