المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

التكلّف
17-8-2020
مصارع القرون عوامل انحطاط الأُمَم
20-4-2021
Conversion of IPP to Terpenoids
23-12-2019
Related Rates Problem
16-5-2018
نظريات نشوء الأهوار في جنوب العراق - النظرية السادسة
17-12-2020
لقاحات التخليل المخزونة Acetifying Stocks
2-4-2017


من شعر المقري الجد  
  
956   02:19 صباحاً   التاريخ: 2024-01-07
المؤلف : أحمد بن محمد المقري التلمساني
الكتاب أو المصدر : نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب
الجزء والصفحة : مج5، ص: 328-340
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاندلسي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-7-2016 8259
التاريخ: 2024-09-21 330
التاريخ: 2024-05-28 962
التاريخ: 2024-01-15 894

من شعر المقري الجد

ومن بديع نظمه رحمه الله تعالى ما في الإحاطة ونصه (1) : نقلت من ذلك قوله: هذه لمحة العارض، لتكملة ألفية ابن الفارض، سلب الدهر من فرائدها مائة وسبعة وسبعين، فاستعنت على ردها بحول الله المعين.

من فصل الإقبال:

رفضت السوى وهو الطهارة عندما ... تلفعت في مرط الهوى وهو زينتي

وجئت الحمى وهو المصلى ميمماً ... بوجهة فلبي وجهها وهو قبلتي

وقمت وما استفتحت إلا بذكرها ... وأحرمت إحراماً لغير تحلة

فديني إن لاحت ركوع، وإن دنت ... سجود، وإن لاهت قيام بحسرة (2)

 

328

على أننا في القرب والبعد واحد ... تؤلفنا بالوصل عين التشتت

وكم من هجير خضت ظمآن طاوياً ... إلهيا وديجور طويت برحلة

وفيها لقيت الموت أحمر والعدا ... بزرقة أسنان الرماح وحدة

وبيني وبين العذل فيها منازل ... تنسيك أيام الفجار ومؤتة

ولما اقتسمنا خطتينا فحامل ... فجار بلا أجر وحامل برة

خلا مسمعي من ذكرها فاستعدته ... فعاد ختام الأمر أصل القضية

وكم لي على حكم الهوى (3) من تجلد ... دليل على أن الهوى من سجيتي

يقول سميري والأسى سالم الأسى ... ولا توضع الأوزار إلا لمحنة

لو أن مجوساً بت موقد نارها ... لما ظل إلا منهلاً ذا شريعة

ولو كنت بحراً لم يكن فيه نضحة ... لعين إذا نار الغرام استحرت

فلا ردم من نقب المعاول آمن ... ولا هدم إلا منك شيد بقوة

فمم تقول الأسطقسات منك أو ... علام مزاج ركبت أو طبيعة

فإن قام لم يثبت له منك قاعد ... وإلا فأنت الدهر صاحب قعدة

فما أنت يا هذا الهوى ماء أو هوا ... أم النار أم دساس عرق الأمومة (4)

وإني على صبري كما أنا واصف ... وحالي أقوى القائمين بحجة

أقل الضنى أن عج من جسمي الضنى ... وما شاكه معشار بعض شكيتي

وأيسر شوقي أنني ما ذكرتها ... ولم أنسها إلا احترقت بلوعة

وأخفى الجوى قرع الصواعق منك في ... جواي (5) وأخفى الوجد صبر المودة

وأسهل ما ألقى من العذل أنني ... أحب أقلي (6) ذكرها وفضيحتي

وأوج حظوظي اليوم منها حضيضها ... بالامس، وسل حر الجفون الغزيرة

 

329

 

وأوجز أمري أن دهري كله ... كما شاءت الحسناء يوم الهزيمة

أروح وما يلقى التأسف راحتي ... وأغدو وما يعدو التفجع خطتي

وكالبيض بيض الدهر والسمر سوده ... مساءتها في طي طيب المسرة

وشأن الهوى ما قد عرفت ولا تسل ... وحسبك أن لم يخبر الحب رؤيتي

سقام بلا برء، ضلال بلا هدى ... أوام بلا ري، دم لا بقيمة

ولا عتب فالأيام ليس لها رضى ... وإن ترض منها الصبر فهو تعنتي

ألا أيها اللوام عني قوضوا ... ركاب ملامي فهو أول محنتي

ولا تعذلوني في البكاء ولا البكى ... وخلوا سبيلي ما استطعتم ولوعتي

فما سلسلت بالدمع عيني إن جنت ... ولكن رأت ذاك الجمال فجنت (7)

تجلى وأرجاء الرجاء حوالك ... ورشدي غاو والعمايات عمت

فلم يستبن حتى كأني كاسف (8) ... وراجعت إبصاري له وبصيرتي

ومن فصل الاتصال:

وكم موقف لي في الهوى خضت دونه ... عباب الردى بين الظبى والأسنة

فجاوزت في حدي مجاهدتي له ... مشاهدتي لما سمت بي همتي

وحل جمالي في الجلال، فلا أرى ... سوى صورة التنزيه في كل صورة

وغبت عن الأغيار في تيه حيرتي (9) ... فلم انتبه حتى امتحى اسمي وكنيتي

وكاتبت ناسوتي بأمارة الهوى ... وعدت إلى اللاهوت بالمطمئنة

وعلم يقيني صار عيناً حقيقة ... ولم يبق دوني حاجب غير هيبتي

وبدلت بالتلوين تمكين عزة ... ومن كل أحوالي مقامات رفعة

وقد غبت بعد الفرق والجمع موقفي ... مع المحو والإثبات عند تثبتي

 

330

وكم جلت في سم الخياط وضاق بي ... لبسطي وقبضي بسط وجه البسيطة

وما اخترت إلا دن سقراط زاهداً ... وفي ملكوت النفس أكبر عبرة

وفقري مع الصبر اصطفيت على الغنى ... مع الشكر إذ لم يحظ فيه مثوبتي

وأكتم حبي ما كنى عنه أهله ... وأكني إذا هم صرحوا بالخبية

وإني في جنسي ومنه لواحد ... كنوع، ففصل النوع علة حصتي

تسببت في دعوى التوكل ذاهباً ... إلى أن أجدى حيلتي ترك حيلتي

وآخر حرف صار مني أولاً ... مريداً وحرف في مقام العبودة

تعرفت يوم الوقف منزل قومها ... فبت بجمع سد خرق التشتت

فاصبحت أقضي النفس منها منى الهوى ... وأقضي على قلبي برعي الرعية

فبايعتها بالنفس داراً سكنتها ... وبالقلب منه منزلاً فيه حلت

فخلص الاستحقاق نفسي من الهوى ... وأوجب الاسترقاق تسليم شفعتي

فيا تفس لا ترجع تقطع بيننا ... ويا قلب لا تجزع ظفرت بوحدة

ومن فصل الإدلال:

تبدت لعيني من جمالك لمحة ... أبادت فؤادي من سناها بلفحة

ومرت بسمعي من حديثك ملحة ... تبدت لها فيك القران وقرت

ملامي بن، عذري استبن، وجدي استعن ... سماعي أعن، حالي أبن، قائلي اصمت

فمن شاهدي سخط، ومن قائلي رضا ... وتلوين أحوالي وتمكين رتبتي

مرامي إشارات، مراعي تفكر ... مراقي نهايات، مراسي تثبت

وفي موقفي والدار أقوت رسومها ... تقرب أشواقي تبعد (10) حسرتي

معاني أمارات، مغاني تذكر ... مباني بدايات، مثاني تلفت

وبث غرام، والحبيب بحضرة ... ورد سلام (11) ، والرقيب بغفلة

331

ومطلع بدر في قضيب على نقاً ... فويق محل عاطل دون دجية

ومكمن سحر بابلي له بما ... حوت أضلعي فعل القنا السمهرية

ومنبت مسك من شقيق ابن منذر ... على سوسن غض بجنة وجنة

ووصف اللآلي في اليواقيت كلما ... تعل بصرف الراح في كل سحرة

سل السلسبيل العذب عن طعم ريقه ... ونكهته يخبرك عن علم خبرة

ورمان كافور علته طوابع ... من الند لم تحمل به بنت مزنة

ولطف هواء بين حقف وبانة ... ورقة ماء في قوارير فضة

لقد عز عنك الصبر حتى كأنه ... سراقة لحظ منك للمتلفت

وأنت وإن لم تبق مني صبابة ... منى النفس لم تقصد سواك بوجهة

وكل فصيح منك يسري لمسمعي ... وكل مليح منك يبدو (12) لمقلتي

تهون علي النفس فيك، وإنها ... لتكرم أن تغشى سواك بنظرة

فإن تنظريني بالرضى تشف علتي ... وإن تظفريني باللقا تطف غلتي

وإن تذكريني والحياة بقيدها (13) ... عدلت لأمتي منيتي بمنيتي

وإن تذكريني بعدما أسكن الثرى ... تجلت دجاه عند ذاك وولت

صليني وإلا جددي الوعد تدركي ... صبابة نفس أيقنت بتفلت (14)

فما أم بو هالك بتنوفة ... أقيم لها خلف الحلاب فدرت

فلما رأته لا ينازع خلفها ... إذا هي لم ترسل عليه وضنت

بكت كلما راحت عليه وإنها ... إذا ذكرته آخر الليل حنت

بأكثر مني لوعة غير أنني ... رأيت وقار الصبر أحسن حلية

فرحت كما أغدو إذا ما ذكرتها ... أطامن أحشائي على ما أجنت

 

332

أهون ما ألقاه إلا من القلى ... هوى ونوى نيل الرضى منك بغيتي

أخوض الصلا، أطفي العلا والعلو لا ... أصل السلا، أرعى الخلا بين عبرتي

ألا قاتل الله الحمامة غدوة ... لقد أصلت الأحشاء نيران لوعة (15)

وقاتل مغناها وموقف شجوها ... على الغصن ماذا هيجت حين غنت

فغنت غناء أعجمياً فهيجت ... غرامي من ذكرى عهود تولت

فأرسلت الأجفان سحباً وأوقدت ... جواي الذي كانت ضلوعي أكنت

نظرت بصحراء البريقين نظرة ... وصلت بها قلبي فصل (16) وصلت

فيا لهما قلباً شجياً ونظرة ... حجازية لو جن طرف لجنت

وواعجباً للقلب كيف اعترافه ... وكيف بدت أسراره خلف سترة

وللعين لما سوئلت كيف أخبرت ... وللنفس لما وطنت كيف ذلت

وكنا سلكنا في صعود من الهوى ... يسامي بأعلام العلا كل رتبة (17)

إلى مستوى ما فوقه فيه مستوى ... فلما توافينا ثبت وزلت

وكنا عقدنا عقدة الوصل بيننا ... على نحر قربان لدى فبر شيبة

مؤكدة بالنذر أيام عهده ... فلما تواثقنا شددت وحلت

ومن فصل الاحتفال:

أزور اعتماراً أرضها بتنسك ... وأقصد حجاً بيتها بتحلة

وفي نشأتي الأخرى ظهرت بما علت ... له نشأتي الأولى على كل فطرة

ولولا خفاء الرمز من لا ولن ولم ... تجدها لشملي مسلكاً بتشتت

ولو لم يجدد عهدنا عقد خلة ... قضيت ولم يقض المنى صدق توبة

 

333

بعثت إلى قلبي بشيراً بما رأت ... على قدم عيناي منه فكفت

فلم يعد أن شام البشارة شام ما ... جفا الشام من نور الصفات الكريمة

فيا لك من نور لو أن التفاتة ... تعارض منه بالنفوس النفيسة

تحدث أنفاس الصبا أن طيها ... بما حملته من حراقة حرقة

وتنبئ آصال الربيع عن الربى ... وأشجاره أن قد تجلت فجلت

وتخبر أصوات البلابل أنها ... تغنت بترجيعي على كل أيكة

فهذا جمالي منك في بعد حسرتي ... فكيف به إن قربتني بخلة

تبدى وما زال الحجاب ولا دنا ... وغاب ولم يفقده شاهد حضرتي

له كل غير في تجليه مظهر ... ولا غير إلى ما محت كف غيرة

تجلي دليل، واحتجاب تنزه ... وإثبات عرفان، ومحو تثبت

فما شئت من شيء وآليت أنه ... هو الشيء لم تحمد فجار أليتي

وفي كل خلق منه كل عجيبة ... وفي كل خلق منه كل لطيفة

وفي كل خاف منه مكمن حكمة ... وفي كل باد منه مظهر جلوة

أراه بقلب القلب واللغز كامناً ... وفي الزجر والفال الصحيح الأدلة

وفي طي أوفاق الحساب وسر ما ... يتم من الأعداد فابدأ بستة

وفي نفثات السحر في العقد التي ... تطوع لها كل الطباع الأبية

يصور شكلاً مثل شكل ويعتلي ... عليه بأوهام النفوس الخبيثة

وفي كل تصحيف وعضو بذاته ... اختلاج، وفي التقويم مجلى لرؤية

وفي خضرة الكمون تزجي شرابه ... مواعيد عرقوب على إثر صفرة

وفي شجر قد خوفت قطع أصلها ... فبان بها حمل لأقرب مدة (18)

وفي النخل في تلقيحه واعتبر بما ... أتى فيه عن خير البرية واسكت

334

وفي الطابع السبي والأحرف (19) التي ... يبين منها النظم كل خفية

وفي صنعة الطلسم والكيمياء (20) وال ... كنوز وتغوير المياه المعينة

وفي حرز أقسام المؤدب محرز ... وحزب أصيل الشاذلي وبكرة

وفي سيمياء الحاتمي ومذهب اب ... ن سبعين إذ يعزى إلى شر بدعة

وفي الملل (21) الأولى وفي النحل الألى ... بها أوهموا لما تساموا بسنة

وفي كل ما في الكون من عجب وما ... حوى الكون إلا ناطقاً بعجيبة

فلا سر إلا وهو فيه سريرة ... ولا جهر إلا وهو فيه كحيلة

سل الذكر عن إنصاف أصناف ما انبنى (22) ... عليه الكلام من حروف سليمة

وعن وضعها في بعضها وبلوغ ما ... أتت فيه أمضى عدها وتثبت

فلا بد من رمز الكنوز لذي الحجى ... ولا ظلم إلا ظلم صاحب حكمة

ولولا سلام ساق للأمن خيفتي ... لعاجل مس البرد خوفي لميتي

ولو لم تداركني ولكن بعطفها ... درجت رجائي أن نعتني خيبتي

ولو لم تؤانسني عنا قبل لم ولم ... قضى العتب مني بغية بعد وحشي

ونعم أقامت أمر ملكي بشكرها ... كما هونت بالصبر كل بلية

ومن فصل الاعتقال:

سرت بفؤادي إذ سرت فيه نظرتي ... وسارت ولم تثن العنان بعطفة

وذلك لما أطلع الشمس في الدجى ... محيا ابنة الحيين في خير ليلة

يمانية لو أنجدت حين أنجدت ... لما أبصرت عيناك حياً كميت

 

335

لأصحمة في نصحها قدم بنى ... لكل نجاشي بها حصن ذمة

ألمت فحطت رحلها ثم لم يكن ... سوى وقفة التوديع حتى استقلت

فلو سمحت لي بالتفات وحل من ... مهاوي الهوى والهون جد تفلتي

ولكنها همت بنا فتذكرت ... قضاء قضاة الحسن قدماً فصدت

أجلت خيالاً إنني لا أجله ... ولم أنتسب منه لغير تعلة

على أنني كلي وبعضي حقيقة ... وباطل أوصافي وحق حقيقي

وجنسي وفصلي والعوارض كلها ... ونوعي وشخصي والهواء وصورتي

وجسمي ونفسي والحشا وغرامه ... وعقلي وروحانيتي القدسية

وفي كل لفظ عنه ميل لمسمعي ... وفي كل معنى منه معنى للوعتي

ودهري به عيد ليوم عروبة ... وأمري أمري والورى تحت قبضتي

ووقتي سهود في فناء شهدته ... ولا وقت لي إلا مشاهد غيبة

أراه معي حساً ووهماً وإنه ... مناط الثريا من مدارك رؤيتي

وأسمعه من غير نطق كأنه ... يلقن سمعي ما توسوس مهجتي

ملأت بأنوار المحبة باطن ... كأنك نور في سرار سريرتي

وجليت بالإجلال أرجاء ظاهري ... كأنك في أفقي كواكب زينة

فأنت الذي أعفيه عند تستري ... وأنت الذي أبديه في حين شهرتي

فته أحتمل، واقطع وأصل، واعل أستفل ... ومر أمتثل، واملل أمل، وارم أثبت

فقلبي إن عاتبته فيك لم أجد ... لعتبي فيه الدهر موقع نكتة

ونفسي تنبو عن سواك نفاسة ... فلا تنتمي إليك إلا بمنة

تعلقت الآمال منك بفوق ما ... أرى دونه ما لا ينال بحيلة

وحامت حواليها وما وافقت (23) حمى ... سحائب يأس أمطرت ماء عبرتي

فلو فاتني منك الرضى ولحقتني ... بعفو بكيت الدهر فوت فضيلة

 

336

ولو كنت في أهل اليمين منعماً ... بكيت على ما كان من أسبقية

وكم من مقام قمت عنك مسائلاً ... أرى كل حي كل حي وميت

أتيت بفاراب أبا نصرها فلم ... أجد عنده علماً يبرد غلتي

ولم يدر ما قولي ابن سينا سائلاً ... فقل كيف أرجو عنده برء علتي

فهل في ابن رشد بعد هذين مرتجى ... وفي ابن طفيل لاحتثاث مطيتي

لقد ضاع لولا أن تداركني حمى ... من الله سعي بينهم طول مدتي

فقيض لي نهجاً إلى الحق سالكاً ... وأيقظني من نوم جهلي وغفلتي

فحصنت أنظار الجنيد جنيدها ... بترك فلي من رغبة ريح رهبة

وكسرت عن رجل ابن أدهم أدهماً ... وأنقذته من أسر حب الأسرة

وعدت على حلاج سكري بصلبه ... وألقيت بلعام التافتي بهوة

فقولي مشكور، ورأيي ناجح ... وفعلي محمود، بكل محلة

رضيت بعرفاني فأعليت للعلا ... وأجلسني بعد الرضى فيه جلتي

فعشت ولا ضيراً أخاف ولا قلى ... وصرت حبيباً في ديار أحبتي

فها أنا ذا أمسي وأصبح بينهم ... مبلغ نفسي منهم ما تمنت

ومن نظمه أيضاً ما حكى عنه في الإحاطة إذ قال: وأنشدني قوله في حال قبض، وقيدتها عنه (24) :

إليك بسطت الكف أستنزل الفضلا ... ومنك قبضت الطرف أستشعر الذلا

وها أنا ذا قد قمت يقدمني الرجا ... ويحجم بي الخوف الذي خامر العقلا

أقدم رجلاً إن يضيء برق مطمع ... وتظلم أرجائي فلا أنقل الرجلا

ولي عثرات لست آمل إن هوت ... بنفسي أن لا أستقبل وأن أصلى

فإن تدركني رحمة أنتعش بها ... وإن تكن الأخرى فأولى بي الأولى

 

337

ومن نظمه رحمه الله تعالى (25) :

وجد تسعره الضلو ... ع وما تبرده المدامع

هم تحركه الصبا ... بة والمهابة لا تطاوع

أمل إذا وصل الرجا ... أسبابه فالموت قاطع

بالله يا هذا الهوى ... ما أنت بالعشاق صانع

وقال رحمه الله تعالى كما في " الإحاطة ": ومما كتبت به لمن بلغني عنه بعض الشيء (26):

نحن، إن تسأل بناس، معشر ... أهل ماء فجرته الهمم

عرب من بيضهم أرزاقهم ... ومن السمر الطوال الخيم

عرضت أحسابهم أرواحهم ... دون نيل العرض وهي الكرم

أورثونا المجد حتى إننا ... نرتضي الموت ولا نزدحم

ما لنا في الناس من ذنب سوى ... أننا نلوي إذا ما اقتحموا

وقال: مما قلته مذيلاً به قول القاضي أبي بكر ابن العربي:

أما والمسجد الأقصى ... وما يتلى به نصا

لقد رقصت بنات الشو ... ق بين جوانحي رقصا

قولي:

فأقلع بي إليه هوى ... جناحاً عزمه قصا

أقل القلب واستدعى ... على الجثمان فاستعصى

فقمت أجول بينهما ... فلا أدنى ولا أقصى

 

338

قال رحمه الله تعالى: ومما قلته في التورية بشأن راوي المدونة:

لا تعجبن لظبي قد دها أسداً ... فقد دها أسداً من قبل سحنون

ومن نظم مولاي الجد مما لم يذكره في الإحاطة قوله حسبما ألفي بخطه على ظهر نسخة من تأليفه القواعد:

ناديت والقلب بالأشواق محترق ... والنفس من حيرة الإبعاد في دهش

يا معطشي من وصال كنت آمله ... هل فيك لي فرج إن صحت واعطشي

ومن نظمه ما أسنده الونشريسي إليه:

خالف هواك وكن لعقلك طائعاً ... تجد الحقيقة عند طرف الناظر ومنه مما نسبه له المذكور، ورأيت من ينسبهما (27) لغيره:

لما رأيناك بعد الشيب يا رجل ... لا تستقيم وأمر النفس تمتثل

زدنا يقيناً بما كنا نصدقه ... بعد المشيب يشب الحرص والأمل

وفي الإحاطة في ترجمة شعره ما صورته قال: ومما قلته من الشعر، وبه نختم الكلام(28):

أنبت عوداً لنعماء بدأت بها ... فضلاً وألبستها بعد اللحا الورقا

فظل مستشعراً مستدثراً أرجاً ... ريان ذا بهجة يستوقف الحدقا

فلا تشنه بمكروه الجنى فلكم ... عودته من جميل من لدن خلقا

وانف القذى عنه واثر الدهر منبته ... وغذه برجاء واسقه غدقا

واحفظه من حادثات الدهر أجمعها ... ما جاء منها على ضوء وما طرقا

 

339

انتهى ما قصدته من ترجمة مولاي الجد على ما اقتضاه الوقت، ولو أرسلت عنان القلم في شأنه لضاق هذا الديوان عن ذلك، ويرحم الله شيخ شيوخ شيوخنا عالم المغرب سيدي أبا العباس الونشريسي ثم التلمساني نزيل فاس صاحب المعيار وغيره إذ قال في تأليفه الذي عرف فيه بمولاي الجد لما سأله بعضهم في ذلك، وذكر ما حضره، ما نصه: ولقد استوفى شيخ شيوخنا المحقق النظار أبو عبد الله ابن مرزوق الحفيد ترجمة المقري في كتاب سماه النور البدري في التعريف بالفقيه المقري وقد تقدمت الإشارة إلى أن اسم هذا التأليف مبني على أن المقري بفتح الميم وسكون القاف، وقد علمت ما في ذلك مما مضى.

قلت: وقد ملكت بفاس مجلداً ضخماً بخط مؤلفه، وهو أحد علماء مدينة فاس، ألفه برسم مولاي الجد، والثناء عليه، والتنويه بقدره، وذكر محاسنه، ولم يحضرني الآن لكوني تركته مع جملة كتبي بالمغرب، وقد تعلق بحفظي ما قاله في أوله من جملة أبيات:

إذا ذكرت مفاخر أهل فاس ... ذكرنا من أتى من تلمسان

وقلنا هل رأيتم في قضاة ... شبيهاً للفقيه العدل ثاني

إلى أن قال:

ونفس العلم إن شانت لشخص ... ما للمقري في العلم شاني

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإحاطة 2: 146.

(2) ص: بكسرة؛ ق: بحرة.

(3) ق: القضا.

(4) ق: الأموة.

(5) ق: في جوى نجي.

(6) ق: أقل.

(7) ق: فحنت.

(8) ق: حبي له كل كاشف.

(9) الإحاطة: حالتي.

(10) ق: وتبعد.

(11) ق: غرامي ... سلامي.

(12) ص ق: يبدي.

(13) ص ق: تعيدها.

(14) ق: بتعلة.

(15) ما وضعته بين قوسين صغيرين هو تضمين من قصائد تائية مختلفة بعضها لأعراب وبعضها من تائية كثير عزة.

(16) ق ص: فضل.

(17) ق ص: زينة.

(18) سقط البيت من ق.

(19) الإحاطة: في الأحرف.

(20) ق: والكيميا وفي.

(21) الإحاطة: المثل.

(22) الإحاطة: ابتنى.

(23) ق: وقعت؛ ص: واقعت.

(24) الإحاطة 2: 155.

(25) ص: قال: ومما قلته من الشعر، وانظر الإحاطة: 155.

(26) انظر هذه القطعة وما يليها في الإحاطة 2: 155 - 156.

(27) ق: نسبهما.

(28) الإحاطة 2: 156.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.