أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-12-04
1046
التاريخ: 2023-07-26
1352
التاريخ: 2023-07-23
896
التاريخ: 8-11-2020
1785
|
تشير تقنية التجميع الموضعي Positional Assembly (تعرف أيضا باسم التجميع الآلي أو الروبوتي Robotic Assembly) إلى تلك الأساليب المستخدمة للتحكم في البناء الذري للمادة من خلال التلاعب في طريقة ترتيب الذرات والجزيئات ومواضعها في الهيكل الداخلي للمادة. وتتيح تلك التقنيات للمستخدم أو الحرفي المتخصص في إعادة صياغة البناء الذري للمادة رؤية ومراقبة عمليات إعادة الهيكلة الذرية أو الجزيئية خطوة بخطوة، والتحكم في مجرياتها، وذلك على مستوى النانومتر الواحد، ووفقا لنموذج التصميم الذري الهيكلي المراد الوصول إليه. ويجري الآن تطوير تلك التقنية ورفع قدرتها ودقتها في بناء أجهزة وآلات دقيقة وصغيرة للغاية.
منذ أن بدأت البشرية رحلتها مع تكنولوجيا النانو بالعقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي، داعب خيال العلماء والباحثين وهيمنت عليه فكرة التلاعب الفردي بذرات وجزيئات المادة وترتيبها على هيئة نماذج وأشكال لتكوين البنية الداخلية Internal Structure لهياكل الأجهزة المراد إنتاجها، مهما بلغت أحجامها وكبرت مقاييس أبعادها أو صَغُرت. وإن جاز التعبير، فقد كانت هذه الفكرة بمنزلة الوحي الذي تمخض عنه فكرة التصنيع الجزيئي Molecular Manufacturing، ويعود الفضل في ترسيخ مفاهيم وأسس ذلك الأسلوب النانوي من التصنيع الجزيئي، إلى العالم الشهير ايرك دريكسلر Eric Drexler، وذلك في العام 1981(26).
ولا أدري، فيبدو لي – ولعلني أكون مخطئا في هذا الاستنتاج – أنه قد ساء لبعض من علماء الكيمياء في تلك المرحلة المبكرة لتكنولوجيا النانو، أن يروا أشقاءهم الفيزيائيين وأولاد عمومتهم من علماء الهندسة وهم يقودون العالم نحو ثورة حقيقية مؤكدة. كان هذا مُلاحظا وجليا لنا عند حضورنا لجلسات أعمال المؤتمرات العلمية الدولية منها وحتى المحلية، وذلك في فترة الثمانينيات من القرن الماضي. واستفحل هذا الأمر وتعمق حين أخذ البعض منهم يتهكم تارة من الفكرة التي تقوم عليها تقنية التصنيع الجزيئي، ويسخر تارة أخرى من أسلوب تنفيذها العقيم البالغ التكلفة ناسبين لأنفسهم السبق والفضل الأبدي الدائم منذ القدم، في التعامل مع ذرات المواد المختلفة لإنتاج جزيئات المئات بل الآلاف من المنتجات والمركبات الكيميائية المتنوعة.
وقد تجاوز الوسط العلمي العالمي الآن، ومنذ فترة، تلك المرحلة من النقاش العلمي الحاد، الذي وصل في كثير من الأحيان إلى حد «التراشق العلمي» بين علماء الكيمياء والأحياء من جهة، وبين علماء الفيزياء والهندسة من جهة أخرى. ومع النمو المتزايد لمنتجات تكنولوجيا النانو، ودخولها إلى ميادين التطبيقات الفعلية منذ نهاية القرن الماضي، هدأ النقاش بين الجبهتين حول «قضية النسب» هذه، وبدأ علماء الكيمياء والأحياء في التعاون المثمر البناء مع أشقائهم من علماء الفيزياء والهندسة، الأمر الذي يقود العالم إلى تحقيق إنجازات أسرع في مجال تطبيقات تكنولوجيا النانو، ومن الطريف أن هذا الجدل يبدو وكأنه قد صُدرَ من دول الريادة في عالم النانو، إلى الأوساط العلمية ببلدان العالم النامي، والتي دخلت حلبة «البحث العلمي النانوي» في السنوات الأخيرة الماضية. بيد أن هذا الجدل حتى في بلدان عالمنا النامي قد بدأ في الانحسار تدريجيا. وعلى المستوى الشخصي، أعتقد أن الكثيرين يشاركوني في هذا الرأي، فأنا من المؤمنين بأن علم وتكنولوجيا النانو أصبحا ملكا للجميع، فقد فتحت تكنولوجيا النانو الباب لنا، بتخصصاتنا المختلفة، للشراكة في البحث العلمي، انطلاقا من أن لكل دوره، صغُرَ هذا الدور أو تعاظم وكبر، وأن لكل منا تخصصا دقيقا ولا يوجد تخصص مهم وآخر غير مهم، فجميع التخصصات لها القدر نفسه من الأهمية، ولكن علينا كعاملين في مجال البحث العلمي أن نحترم ونقدر تخصصات الآخرين، قدر احترامنا وتقديرنا لتخصصاتنا. وأرى كذلك، أن نُحب العلم لذاته وأن نربأ بأنفسنا عن توظيفه لتحقيق أي مصالح شخصية أو فردية.
وأود هنا أن أوضح للقارئ الكريم الأسباب التي أدت إلى نشوب الخلاف بين العلماء المنتميين إلى أفرع العلوم الأساسية من الفيزياء والكيمياء والأحياء حول جدوى تكنولوجيا النانو وأحقيتها في أن توصف على أنها ثورة تكنولوجيا حديثة. لعلنا نتفق في البداية بأن مسألة تجميع ذرات المادة وجزيئاتها لتشكيل منتج ما بغض النظر عن حجمه أو مقاييس أبعاده هي وسيلة معروفة تقوم عليها كل طرق التصنيع الحديث منها والقديم وذلك لأن المواد الأولية الداخلة في تصنيع أي منتج، هي في الأساس مؤلفة من مجموعة من الذرات أو الجزيئات، تجمعت وتفاعلت بعضها مع بعض لتعطي في النهاية هيكل المادة المطلوب الحصول عليه. بيد أن كل هذه الطرق التقليدية، حتى الحديثة منها والمستخدمة في صناعة رقائق الأجهزة الإلكترونية على مستوى الإنتاج الصناعي، تعبر بشكل صارخ عن عجزها في فرض هيمنتها الكاملة على الترتيب أو النسق الذري داخل هيكل المنتج – وفقا لطموحات العلماء والباحثين – وعدم قدرتها على تأهيل تلك الذرات لأن تحتل مواقع محددة مرتبة ومنتظمة بداخل الهيكل الذري للمادة.
وكان للكيميائيين السبق في توظيف ذرات أو جزيئات المواد المختلفة من أجل تخليق Synthesis هياكل ذرية أو هياكل جزيئية مؤلفة من ذرات أو جزيئات تلك المواد. تقوم الطرق الكيميائية بتخليق تلك الهياكل النانوية عن طريق خلط Mixing المحاليل المختلفة المحتوية على ذرات أو جزيئات عناصر أو مركبات يُراد استخدامها كوحدات بناء الهياكل النانوية للمنتج. ويتيح هذا الخلط الفرصة لتلك الذرات أو الجزيئات في التحرك داخل المزيج، وتطوف هائمة فيه باحثة عن جزيئات المادة الأخرى، عسى أن تصطدم بها فتتفاعل معها أو تصادقها فتلتصق بها مكونة في ذلك جزيئات مركب مادة جديدة له هياكل ذرية محددة.
ويرى الفيزيائيون وعلماء هندسة المواد، في أن الجزيئات الناتجة عن تلك الطرق الكيميائية تحتل مواقعها في البنية النانوية للمادة الناشئة بأسلوب عشوائي Random Fashion تغلب عليه الفوضى ويغيب عنه الترتيب والنظام. ويرون كذلك، أن طرق التصنيع الجزيئي عن طريق التعامل المباشر مع ذرات المادة أو جزيئات المركب، تُتيح لنا التحكم المتقن في وضع Placing تلك الجزيئات بمواقع محددة ومختارة بالهيكل النانوي للمادة، وذلك بواسطة سلسلة من الخطوات فائقة الدقة.
وأود أن أشير هنا إلى أن طريقة التجميع الموضعي المستخدمة في ترتيب الذرات أو الجزيئات بهيكل المادة المراد الحصول عليها، يغيب عنها «شبح» وقوع تفاعلات أخرى غير مقصودة أو غير مرغوب فيها Undesired Reactions، كما يحدث في كثير من الأحيان عند مزج أو خلط مركبين أو أكثر بالطرق الكيميائية التقليدية. وتؤدي تلك التفاعلات غير المرغوب في حدوثها بطبيعة الحال إلى تكون جزيئات لمركبات غير مرغوبة، تخلق لأنفسها مواقع بالهيكل الجزيئي للمنتج، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث خلل في خواص المنتج واضطراب في أدائه عند التطبيق. بيد أن التقدم المستمر والتطوير في استخدام التقنيات والوسائل المتقدمة في عالم الكيمياء، قد أدى إلى انحسار تلك السلبيات القائمة، وزيادة في دقة الترتيب الجزيئي داخل الهياكل النانوية، علاوة على سهولة الأسلوب وانخفاض تكلفته الإنتاجية.
_______________________________________________________________________
هوامش
(26)Eric Drexler, Proc. Natl. Acad. Sci. USA, Vol. 78, No. 9, September .1981. pp. 5275–5278, Chemistry Section
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|