إن الكوسمولوجيا العلمية، بالنسبة لمن يهتم بالعلم، ليست علماً، إنها قصيدة العلم، إنها لعب العلم، إنها طموح العلم، لكنها ليست جزءاً مكملاً للعلم: لا يوجد حاليا كوسمولوجيا نستطيع الادعاء، بأنها علمية، بالمعنى الذي يوجد معه نظريات علمية كبرى، ومحاولة اينشتاين النسبية كانت مع عالم سكوني كروي ⁶⁸ وأضاف في بعض قوانينه الرياضية ثابتاً كونياً ثم اعترف بخطئه عندما أثبتت الأرصاد الفلكية بأن الكون يتسع والمجرات تبتعد عنا، وستتبع نفس المبدأ الذي أقره اينشتاين في بداية محاضرته بجامعة أكسفورد في حزيران عام 1933 حيث يقول: (إذا أردتم أن تتعلموا من منظري الفيزياء أي شيء كان عن المناهج التي يستخدمونها، فإنني أنصح كم بأن لا تتخلوا عن مبدأ واحد: لا تصغوا إلى ما يقولون وكونوا منتبهين إلى ما يفعلون) ⁶⁹، وكتب شرودنغر – صاحب التجربة الشهيرة واستنتاج العوالم المتعددة المتوازية – متسائلاً ما الحياة؟، وتحت عنوان "رأبي في العالم" ظهر شرودنغر في صورة صوفي متأثر جداً بالآراء الشرقية، فقال في نشرته الأولى عام 1925: (إن حياتك الشخصية التي تعيشها ليست مجرد قطعة من كامل هذا الوجود، لكنها "الكل" بمعنى ما، وكل ما في الأمر أن هذا الكل ليس مصنوعاً بما يتاح اكتشافه من لمحة واحدة، وهذا كما نعلم، هو ما عناه البراهميون في تلك العبارة الصوفية المقدسة التي هي مع ذلك بسيطة جداً وواضحة جداً: TAT TFAM ASI، إن هذا هو أنت، أو أيضاً في كلمات مثل: أنا في الشرق وفي الغرب، أنا تحت وفوق، أنا هذا العالم كله) ⁷⁰.

• فما العالم؟

في نظرية ميكانيك الكم العالم شبحي ومليء بالمفارقات والتناقضات التي تربط بين العقل والمادة، ولكن المشكلة الوحيدة هي أن الأشياء التي تطيع هذه القوانين ليست أجساماً بل أشباحاً وهذه الأشباح ذات مفارقات وخزعبلات بكل معنى الكلمة، إنها قادرة على أن تظهر في مكانين أو أكثر، مهما بلغ عدد الأمكنة، وفي وقت واحد، وعندما يحاول علماء الكم استخدام هذه الأشباح في توصيف المادة يطلقون عليها ما يشبه الأمواج ولهذا السبب أعطيت في بادئ الأمر اسم الأمواج المادية، والآن فتسمى توابع الموجة الكمومية (كمات) وهي تتعلق بالمكان والزمان إن الكمات تتغير، وتتغير بطرائق مرتبة جداً ما لم نتناولها بالرصد، فهي تشبه جداً سلوك العفاريت ⁷¹.

مبدأ الارتياب لهايزنبرغ "مبدأ اللاحتمية واللايقين" لا يمكن معرفة موضع وسرعة حركة الإلكترونات معاً، فالفوتون، الذي يريد هايزنبرغ بوساطة رؤية الإلكترون، سوف يصدم الإلكترون باندفاع عنيف.

الجدل بين بور واينشتاين في نظرتهما للظواهر الكونية والطبيعية، حيث قدم بور تفسير كوبنهاغن للميكانيك الكمومي برفض مسألة الحتمية وقبول الطبيعة الإحصائية والاحتمالية للواقع، بينما عارض اينشتاين بعناد هذا التفسير وقاومه ⁷².

يظهر تناقض الباحثين في نظرية الكم بقولهم: (إن ميكانيك الكم، ربما أكثر من أية ديانة أخرى، ينبئ عن وحدة العالم، إنه ينبئ أيضاً وراء العالم المادي، ولا يهم كثيراً التفسير الذي تختاره – عوالم متوازية، مسارات فاينمان، وعي خلاق، إن كل هذه التفاسير تشير إلى العالم المادي من تطلعات غير مادية) ⁷³، وهذا التناقض والضلال والضياع في المنهج والتفسير العلمي المعاصر للظواهر الكونية والطبيعية على مستوى الذرات والمجرات يحل بكل سهولة بالتوحيد والإيمان وبأن الله عز وجل خالق الكون.

((إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرِ)) القمر، 49.

((قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى)) طه، 50.

___________________________________________

هوامش

68– آينشتاين وتييار دي شاردان في الذكرى العاشرة " لقاءات اليونسكو " دراسات علمية " 28 "، تأليف مجموعة من العلماء، ترجمة: محمد حسن إبراهيم منشورات وزارة الثقافة، دمشق طبعة عام 1997، نحو كوسمولوجيا لوليونية، قول للباحث ليسنوروفيتش، ص 180 – 181.

69– آينشتاين وتييار دي شاردان في الذكرى العاشرة لقاءات اليونسكو" دراسات علمية" 28"، م.ن، ص 99.

70– مع القفزة الكمومية، كتاب يفلسف الفيزياء الجديدة لغير العلميين نال جائزة الكتاب الأمريكي، تأليف فريد آلان وولف، ترجمة: أدهم السمان سلسلة الثقافة المميزة، 8، دار طلاس للدراسات والنشر، دمشق – سوريا، والمعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا، ط 2، 2002، كسر العالم غير المكسور، ص168.

71– مع القفزة الكمومية، كتاب يفلسف الفيزياء الجديدة لغير العلميين نال جائزة الكتاب الأمريكي، م.ن، ص 170 (بتصرف).

72– الباحثون، العدد 0.19، كانون ثاني 2009، دار الشرق، دمشق، التنامية وعدم اليقين في العالم الذري د. جهاد ملحم، ص 26–38.

73– مع القفزة الكمومية، كتاب يفلسف الفيزياء الجديدة لغير العلميين نال جائزة الكتاب الأمريكي، م.س، ص 226.

74– آينشتاين وتييار دي شاردان في الذكرى العاشرة " لقاءات اليونسكو" دراسات علمية " 28 "، تأليف مجموعة من العلماء، م.س، ص 168.