أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-12-2014
3050
التاريخ: 13-10-2014
1719
التاريخ: 25-04-2015
3878
التاريخ: 25-04-2015
2089
|
أصول التفسير ومصادره
لا بدّ للمفسِّر في عمليّة التفسير من الرجوع إلى الأصول الآتية، بوصفها مصادر في التفسير ومنابع له، وهي:
الأصل أو المصدر النقليّ
ويُراد به القرآن الكريم والسنّة الشريفة. وينبغي للمفسّر في الأصل أو المصدر النقليّ أن يجري بحثاً سنديّاً وآخر دلاليّاً للاستفادة منه في عمليّة التفسير(1).
أ. القرآن الكريم:
- بحث سنديّ:
لا شكّ ولا ريب بأنّ القرآن قطعيّ الصدور ومتواتر جيلاً عن جيل، فالعلم بصحّة نقله، كالعلم بالبلدان، والحوادث الكبار، والوقائع العظام، والكتب المشهورة، وأشعار العرب المسطورة، حيث اشتدّت العناية به وتوافرت الدواعي على نقله وحراسته، وبلغت إلى حدٍّ لم يبلغه في ما ذُكِر، لأنّ القرآن معجزة النبوة، ومأخذ العلوم الشرعية، والأحكام الدينية. وقد بلغ علماء المسلمين مبلغاً في حفظه وحمايته، حتى عرفوا كلّ شيء اختُلِفَ فيه، من إعرابه، وقراءته، وحروفه، وآياته(2)...
- بحث دلاليّ:
لا بدّ للمفسّر من إجراء بحث دلاليّ للنصّ القرآنيّ يتوخّى من خلاله تحديد المراد الإلهيّ على نحو الدلالة الصريحة أو الدلالة الظاهرة، عن طريق الاستعانة بآيات أخرى، وعرض بعضها على بعضها الآخر، واستنتاج المعنى، كما في إرجاع المتشابه من الآيات إلى المحكم، والمجمل إلى المبيّن، والمنسوخ إلى الناسخ، والعام إلى الخاصّ، والمطلق إلى المقيّد، والمبهم إلى الواضح، والموجز إلى المفصّل، وغيرها من أنواع إرجاع الآيات إلى آيات أخرى لاستجلاء معانيها وبيان مرادها.
ولا شكّ ولا ريب في حجّيّة الدلالة الصريحة للنصّ القرآنيّ، لأنّه في هذه الحالة لا يوجد احتمال دلاليّ آخر مخالف لدلالة النصّ الصريحة، وأمّا حجّيّة الدلالة الظاهرة للنصّ القرآنيّ، وهي التي تحتمل دلالات أخرى مخالفة، فتكون من خلال التقريبات الآتية(3):
- إنّ المراد من الدلالة الظاهرة هو المعنى المتبادر إلى ذهن العارف باللغة العربية من اللفظ بأقلّ مؤونة من غيره من المعاني، ارتكازاً على القوانين الثابتة عند أهل العرف وأبناء اللغة في مقام التخاطب والتفهيم والتفاهم. وقد نزل القرآن الكريم نزل بلسانٍ عربيّ مبين، ليفهموا آياته ويعقلوها: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2] ، حتّى يتبعوا تعاليمه ويلتزموا بها اعتقاداً وعملاً، ليكتب لهم النجاة والفلاح: {فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ } [الأعراف: 2، 3]. ومن المعلوم أنّ الشارع المقدّس لم يخترع لنفسه طريقة خاصّة لإفهام مقاصده، بل خاطب الناس بالطريقة المألوفة المتداولة في فهم المقاصد من طريق الألفاظ والعبارات، وحينئذٍ فلا محيص عن القول بحجّيّة الاعتماد على ظواهر القرآن، جرياً على اعتبار ظواهر سائر الكتب الموضوعة للتفهيم والتفاهم وإرادة إيصال المقاصد للآخرين، على أنّ القرآن نفسه قد حثّ الناس على التدبّر في آياته، وذمّ المعرضين عن التدبّر!: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 24].
- إنّ القرآن الكريم هو المعجزة الخالدة على النبوّة والرسالة، ولو لم تكن العرب عارفة بمعاني القرآن، ولم تكن تفهم مقاصده من ألفاظه وآياته، بل لو كان من قبيل الألغاز وغير قابل للفهم، لم يكن وجه لاتّصافه بالإعجاز. ولم يكن وجه لتحدّي الباري عزّ وجلّ المشركين على الإتيان بمثل القرآن أو بعضه(4)، فلا معنى للتحدّي إلّا إذا فرض أنّ الّذين تحدّاهم القرآن كانوا يفهمون معانيه من خلال ظواهره.
- حديث الثقلين المتواتر تواتراً معنويّاً بين الفريقين، والقاضي بضرورة التمسّك بالقرآن والعترة الطاهرة عليهم السلام، ومعنى التمسّك بالقرآن ليس مجرّد الاعتقاد بأنّه قد نزل من عند الله تعالى، بل الأخذ به والعمل بما فيه من أوامر ونواهٍ والاستناد إليه في كلّ اعتقاد أو قول أو فعل.
- الروايات المتواترة، الدالّة على عرض الأخبار على الكتاب، وطرح ما خالف منها(5)، ومن هذه الروايات: ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ على كلّ حقٍّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فدعوه"، وعن الإمام الصادق عليه السلام: "كلّ شيء مردود إلى الكتاب والسنّة، وكلّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف"، فإنّ أخبار العرض على القرآن خير شاهد على إمكان فهم معانيه.
- الروايات الكثيرة الدالّة على لزوم التمسّك بالقرآن عند وقوع الفتن. ولازم ذلك إمكانية فهم القرآن ومقاصده(6).
ب- السنّة الشريفة:
إنّ قول المعصوم عليه السلام نبيّاً كان أو إماماً هو حجّة في مقام بيان مراد الله تعالى ومقاصده في القرآن، أمّا حجّيّة بيان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم، فلأنّ القرآن نفسه أعطاه هذه الحجّيّة بنحو صريح، كما في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] ، وأمّا حجّيّة قول الإمام عليه السلام فلأنّه أحد الثقلين، لما ورد من روايات متواترة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بضرورة التمسّك بالقرآن والعترة الطاهرة عليهم السلام، وما ورد من روايات مستفيضة في أنّهم معدن العلم والوحي والنبوّة، وأنّهم ورثة علم الأنبياء عليهم السلام والمرسلين عليهم السلام، وأنّهم أعلم الناس بالقرآن بعد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وورثة علمه(7)، فمع ثبوت قول المعصوم عليه السلام في مقام التفسير، ووضوح صدوره عنه عليه السلام لا شبهة في لزوم الأخذ به.
وأمّا قول الصحابة والتابعين، فقد اختُلِفَ في حجّيّة تفسيرهم، والصحيح عدمها، مع أرجحيّة الأخذ بقول الصحابيّ والتابعيّ في خصوص النكات اللغويّة ونقل أسباب النزول، في ما لو كان ما ينقله ليس ناشئاً عن اجتهاده الشخصيّ، مع توافر شروط الأخذ منه(8).
- بحث سنديّ:
ينبغي للمفسّر أن يجري بحثاً سنديّاً في الأحاديث لتحديد إمكانيّة الاستفادة منها ومجالها. ويمكن تقسيم الأحاديث باللحاظ المتقدّم إلى:
أ- الأحاديث المتواترة: وهي عبارة عن خبر جماعة (يفيد القطع بنفسه، وليس بانضمام القرائن) يمتنع تواطؤهم على الكذب، وفي النتيجة يوجب العلم بصدور الخبر. وبعبارة أخرى: هو نقل الروايات لإحدى القضايا بصور متعدِّدة وبطرق مختلفة بحيث يحصل الاطمئنان بعدم كذب مضمونها، لأنّه من غير الممكن عادة أن يتّفق جميع الرواة على الكذب. وتُعدّ الأحاديث المتواترة حجّة في التفسير، لأنّها تفيد العلم، فلا بدّ من الأخذ بها في التفسير والعمل بمضمونها(9).
ب- أخبار الآحاد: وهي الروايات الّتي لم تصل إلى حدّ التواتر (أي الروايات المنقولة بطريق أو بطريقين ونحو ذلك)، وتقسّم أخبار الآحاد إلى ثلاثة أقسام:
الأول: الخبر الواحد المحفوف بالقرائن: أي الخبر غير المتواتر والذي يصل عن طريق معتبر ومحفوف بقرائن وشواهد تفيد الصدق واليقين بصدوره عن المعصوم عليه السلام، أو تكون موافقة لظاهر القرآن، وهذا القسم حجّة في التفسير أيضاً.
الثاني: أخبار الآحاد الضعيفة: وهي الأخبار غير المتواترة وليس لها سند معتبر، ولذلك لا يوجد اطمئنان بصدورها عن المعصوم عليه السلام، وهذا النوع من الأحاديث يرِد كثيراً في الروايات التفسيريّة، وربما يكون موضوعاً أو من الإسرائيليات، وهذا القسم غير معتبر في التفسير ولا يعتبر حجّة.
ملاحظة: حاول بعض المفسِّرين دراسة هذه الأحاديث من ناحية المتن، والاستفادة منها كشاهد في التفسير، إذا كان هناك ما يدلّ على صدقها، كموافقتها لظواهر القرآن مثلاً، لأنّ المبنى عنده هو حجيّة الخبر الموثوق وقد يحصل الوثوق من المتن نفسه(10)، فيما ذهب البعض الآخر إلى حجيّة الأخبار القطعيّة في التفسير وعدم حجيّة الأخبار الضعيفة(11)، لأنّ المبنى عنده حجّيّة خبر الثقة.
الثالث: أخبار الآحاد المعتبرة: هي الأخبار التي تكون طريقاً معتبراً، بحيث تفيد الظنّ بالصحّة، ولا تورث اليقين.
وأمّا حجّيّة خبر الواحد في التفسير، فيمكن تلخيص الأقوال في المسألة إلى ثلاثة، هي:
- حجيّة خبر الواحد مطلقاً في التفسير.
- عدم حجّيّة خبر الواحد مطلقاً في التفسير.
- التفصيل بين حجّيّته في ما إذا كان مفاد الخبر حكماً شرعياً، وعدم حجّيّته في غير باب الأحكام الشرعيّة، كالاعتقادات - مثلاً -.
- بحث دلاليّ:
من خلال النظر في دلالة الرواية هل هي على نحو الدلالة الصريحة أو الظاهرة فيستفاد منها في التفسير، أو على نحو الدلالة الظنّيّة أو المجملة فتحتاج إلى قرائن قطعيّة تعيّن أحد احتمالات دلالات الرواية، حتى يُؤخذ بها، وإلا فلا؟
الأصل أو المصدر العقليّ
لا إشكال في أنّ حكم العقل القطعيّ، وإدراكه الجزميّ من الأمور الّتي تعدّ من أصول التفسير، فإذا حكم العقل بخلاف ظاهر الكتاب في موردٍ لا محيص عن الالتزام به، وعدم الأخذ بذلك الظاهر، ضرورة أنّ أساس حجّيّة الكتاب، وكونه معجزة كاشفة عن صدق الآتي به، إنّما هو العقل الحاكم بكونه معجزة خارقة للعادة البشرية، ولم يؤتَ، ولن يؤتَى بمثلها، فإنّه الرسول الباطنيّ الّذي لا مجال لمخالفة حكمه ووحيه.
ففي الحقيقة يكون حكمه بخلاف الظاهر وإدراكه الجزميّ لذلك بمنزلة قرينة متّصلة، موجبة للصرف عن المعنى الحقيقيّ، وانعقاد الظهور في المعنى المجازيّ. فمثلاً في قوله تعالى: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: 22] وإنْ كان ظهوره الابتدائيّ في كون الجائي هو الربّ نفسه، وهو يستلزم الجسميّة الممتنعة في حقّه تعالى، ولكنّ العقل القطعيّ يحكم باستحالة ذلك لاستلزام التجسّم للافتقار والاحتياج المنافي لوجوب الوجود وكونه غنيّاً بالذات، بما يمنع انعقاد ظهور في هذا المعنى، وهو اتّصاف الرّب بالمجيء.
وهكذا قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5] ، ومثله الآيات الظاهرة على خلاف حكم العقل القطعي(12).
وأمّا حكم العقل الظنّي فلا اعتبار له في التفسير، لأنّه لا يفيد القطع، وغاية ما يفيده الظنّ: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: 36].
الأصل أو المصدر اللغويّ
ينبغي للمفسّر الرجوع إلى المصدر اللغويّ في عمليّة التفسير، وذلك لأنّ القرآن الكريم نزل بلسان عربيّ مبين: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2] ، جارياً في مقام المخاطبة والتفهيم والتفاهم على القواعد والأساليب التي اعتمدها أهل اللغة العربية. ومن هذا المنطلق لا محيص للمفسّر في مقام فهم معاني القرآن وإدراك مقاصده من الرجوع إلى لغة العرب ومعرفة خصائصها وأساليبها وقواعدها، حتى يصل إلى المراد الإلهيّ من آيات القرآن الكريم.
وفي صدد تفسير القرآن، لا بدّ للمفسّر من الرجوع في عمليّة التفسير إلى المعاني المتفاهم عليها في عصر نزول القرآن الكريم، ولا يجوز له الرجوع إلى المعاني غير المستعملة أو غير المعروفة في بيئة النزول، فقد يحتمل أن يكون المعنى المتداول حالياً للفظ من الألفاظ هو غير ما كان متداولاً عليه في عصر النزول، ولا سيّما أنّ اللغة العربية، كغيرها من اللغات، قد خضعت لتغيّرات وتطوّرات على مستوى دلالات الألفاظ، تبعاً للأوضاع والاستعمالات على مرّ العصور والأزمان، لتأثّرها بعوامل وظروف مكانيّة وزمانيّة جديدة حادثة.
والمرجع في هذه الحالة، عند خفاء المعنى المتداول في بيئة النزول للفظ من الألفاظ، يكمن بالرجوع إلى المعاجم والقواميس اللغويّة القريبة من عصر نزول القرآن(13)، أو المعاجم والقواميس اللغويّة المتخصّصة والمتتبّعة للاستعمالات اللغويّة المختلفة للألفاظ وتطوّراتها(14)، وكذلك يمكن الرجوع إلى تفاسير الصحابة، بوصفهم قريبين من عصر النزول، بخصوص إيرادهم تحديد مدلول لغويّ للفظ ما، بشرط أن يكونوا بصدد نقل معنى متداول في عصر النزول، وليس إيرادهم له ناشئاً عن اجتهاد شخصيّ في الفهم.
وتجدر الإشارة إلى أنّه ليس بين آيات القرآن آية واحدة ذات إغلاق وتعقيد في مفهومها، بحيث يتحيّر الذهن في فهم معناها، وكيف، وهو أفصح الكلام، ومن شرط الفصاحة خلو الكلام عن الإغلاق والتعقيد؟ والقرآن كلام عربيّ مبين لا يتوقف في فهمه عربيّ ولا غيره ممّن هو عارف باللغة وأساليب الكلام العربيّ، وإنّما الاختلاف كلّ الاختلاف في المصداق الذي ينطبق عليه المفاهيم اللفظية من مفردها ومركبها، وفي المدلول التصوّريّ والتصديقيّ، ذلك أنّ الأنس والعادة يوجبان لنا أن يسبق إلى أذهاننا عند استماع الألفاظ معانيها المادية أو ما يتعلّق بالمادّة، فإنّ المادّة هي التي تتقلّب فيها أبداننا وقوانا المتعلّقة بها ما دمنا في الحياة الدنيوية، فإذا سمعنا ألفاظ الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والكلام والإرادة والرضا والغضب والخلق والأمر كان السابق إلى أذهاننا منها الوجودات المادّيّة لمفاهيمها. وكذا إذا سمعنا ألفاظ السماء والأرض واللوح والقلم والعرش والكرسيّ والملك وأجنحته والشيطان وقبيله وخيله ورجله إلى غير ذلك، كان المتبادر إلى أفهامنا مصاديقها الطبيعية. وإذا سمعنا: إنّ الله خلق العالم وفعل كذا وعلم كذا وأراد أو يريد أو شاء أو يشاء كذا قيدنا الفعل بالزمان حملاً على المعهود عندنا. وإذا سمعنا نحو قوله: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق: 35] ، وقوله: {لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا} [الفاتحة: 17] ، وقوله: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ} [آل عمران: 198] ، وقوله: {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 28] ، قيدنا معنى الحضور بالمكان. وإذا سمعنا نحو قوله: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا} [الإسراء: 16] ،
أو قوله: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ} [القصص: 5] ، أو قوله: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} [البقرة: 185] ، فهمنا: أنّ الجميع سنخ واحد من الإرادة، لما أنّ الأمر على ذلك فيما عندنا، وعلى هذا القياس. وهذا شأننا في جميع الألفاظ المستعملة، ومن حقنا ذلك، فإنّ الذي أوجب علينا وضع ألفاظ إنّما هي الحاجة الاجتماعية إلى التفهيم والتفهم، والاجتماع إنّما تعلّق به الإنسان ليستكمل به في الأفعال المتعلّقة بالمادّة ولواحقها، فوضعنا الألفاظ علائم لمسمياتها التي نريد منها غايات وأغراضاً عائدة إلينا. وكان ينبغي لنا أن نتنبّه: أنّ المسمّيات المادّيّة محكومة بالتغيّر والتبدّل بحسب تبدّل الحوائج في طريق التحوّل والتكامل، كما أنّ السراج أوّل ما عمله الإنسان كان إناء فيه فتيلة وشيء من الدهن تشتعل به الفتيلة للاستضاءة به في الظلمة، ثم لم يزل يتكامل حتّى بلغ اليوم إلى السراج الكهربائيّ، ولم يبق من أجزاء السراج المعمول أولاً الموضوع بإزائه لفظ السراج شيء ولا واحد. وكذا الميزان المعمول أولاً، الميزان المعمول اليوم لتوزين ثقل الحرارة مثلاً. والسلاح المتّخذ سلاحاً أوّل يوم، السلاح المعمول اليوم إلى غير ذلك. فالمسميات بلغت في التغيّر إلى حيث فقدت جميع أجزائها السابقة ذاتاً وصفة، والاسم مع ذلك باق، وليس إلّا لأنّ المراد في التسمية إنّما هو من الشيء غايته، لا شكله وصورته، فما دام غرض التوزين الاستضاءة أو الدفاع باقياً كان اسم الميزان والسراج والسلاح وغيرها باقياً على حاله. فكان ينبغي لنا أن نتنبّه إلى أنّ المدار في صدق الاسم اشتمال المصداق على الغاية والغرض، لا جمود اللفظ على صورة واحدة. ومن هنا، كان الاتّكاء والاعتماد على الأنس والعادة في فهم معاني الآيات يشوش المقاصد منها ويختلّ به أمر الفهم، كقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] ، وقوله: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ } [الأنعام: 103] "(15).
_____________________
1.انظر: معرفة، التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب، م.س، ج2، ص539-552، الرجبي، بحوث في منهج تفسير القرآن الكريم، م.س، ص229-270، الصغير، المبادىء العامّة لتفسير القرآن الكريم بين النظريّة والتطبيق، م.س، ص61-70. وسوف يأتي تفصيل الكلام في حجيّة المصدر النقلي في التفسير وتطبيقاته عند بحث منهج تفسير القرآن بالقرآن ومنهج تفسير القرآن بالسنّة في دروس لاحقة.
2.انظر: الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، م.س، ج1، مقدّمة التفسير، ص43.
3.مزيد من التفصيل، انظر، معرفة، التفسير والمفسّرون في ثوبه القسيب، م.س، ج1، ص74-98، السبحاني، المناهج التفسيريّة، م.س، ص52-62.
4.انظر: سورة الإسراء، الآية 88، سورة يونس، الآية 38، سورة هود، الآية 13، سورة الطور، الآيتان 33-34، سورة البقرة، الآيتان 23-24.
5.انظر: الكليني، الكافي، م.س، ج1، المقدّمة، ص8، كتاب فضل العلم، باب الأخذ بالسنّة وشواهد الكتاب، ح1-5، ص69.
6.انظر: الكليني، الكافي، ج2، كتاب فضل القرآن، باب في تمثّل القرآن وشفاعته لأهله، ح1-14، ص598-602.
7.انظر: الكليني، الكافي، م.س، ج1، كتاب الحجّة، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة، ح1-3، ص221، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام ورثة العلم يرث بعضهم بعضاً العلم، ح 1-8، ص221-223، باب أنّ الأئمّة عليهم السلام ورثوا علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجميع الأنبياء عليهم السلام والأوصياء عليهم السلام الذين من قبلهم، ح 1-7، ص223-226، باب أنّ الأئمة عليهم السلام عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله عزّ وجلّ وأنّهم يعرفونها على اختلاف ألسنتها، ح1-2، ص227-228، باب أنّه لم يجمع القرآن كلّه إلا الأئمّة عليهم السلام وأنّهم يعلمون علمه كلّه، ح1-6، ص228-229،...
8.انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج12، ص261.
9.انظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج12، ص262.
10.انظر: ، م.ن، ج3، ص184-185.
11.انظر: الخوئي، أبو القاسم: البيان في تفسير القرآن، ط4، بيروت، دار الزهراء للطباعة والنشر، 1395هـ.ق/ 1975م، ص397-399.
12.انظر: السبحاني، المناهج التفسيريّة، م.س، ص78-89، الصغير، المبادىء العامّة لتفسير القرآن، م.س، ص70-77. وسوف يأتي تفصيل الكلام في حجيّة المصدر العقلي في التفسير وتطبيقاته عند بحث المنهج العقلي في التفسير في درس لاحق.
13.من المعاجم والقواميس اللغويّة القريبة من عصر النزول: معاني القرآن لأبي زكريا الفرّاء ت: 207هـ.ق-، مجاز القرآن لأبي عبيدة المثنّى ت: 210هـ.ق-، مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ت: 502 هـ.ق-، وغيرها.
14.من المعاجم والقواميس اللغويّة المتخصّصة: ترتيب كتاب العين للخليل بن أحمد الفراهيدي 100-170 هـ.ق-، الصحاح لإسماعيل بن حمّاد الجوهري ت: 393هـ.ق-، ومعجم مقاييس اللغة لابن فارس ت: 395 هـ.ق-، وغيرها.
15.نظر: الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، م.س، ج1، ص9-11.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|