أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2014
3697
التاريخ: 11-10-2014
2589
التاريخ: 27-11-2014
2120
التاريخ: 27-11-2014
1746
|
قال سبحانه : { وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ }[ البقرة : 14ـ 18].
تفسير الآيات
الوَقود ـ بفتح الواو ـ : الحطب ، استوقد ناراً ، أو أوقدَ ناراً ، كما يقال : استجابَ بمعنى أجاب .
افتتحَ كلامه سبحانه في سورة البقرة بشرح حال طوائف ثلاث :
الأولى : المؤمنون ، واقتصر فيهم على آيتين .
الثانية : الكافرون ، واقتصر فيهم على آية واحدة .
الثالثة : المنافقون ، وذكرَ أحوالهم وسماتهم ضمن اثنتي عشرة آية .
وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على أنّ النفاق بؤرة الخطر ، وأنّهم يشكّلون خطورة جسيمة على المجتمع الإسلامي ، وقد مثّل بمَثلين يوقفنا على طبيعة نواياهم الخبيثة وما يبطنون من الكفر .
بدأ كلامه سبحانه في حقّهم بأنّ المنافقين هم الذين يُبطنون الكفر ويتظاهرون بالإيمان { وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَإِذا خَلَوا إلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِئُون } .
ثمّ إنّه سبحانه يردّ عليهم ، بقوله : { اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } والمراد : أنّه سبحانه يجازيهم على استهزائهم .
ثمّ وصفهم بقوله : { أُولئِكَ الَّذينَ اشْتَرَوا الضَّلالَةَ بِالهُدى فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَما كانُوا مُهْتَدين } ، أي أخذوا الضلالة وتركوا الهدى ، واستبدلوا الكفر بالإيمان ، فلم يكونوا رابحين في هذه التجارة والاستبدال ، ثمّ وصفهم بالتمثيل الآتي :
نفترض : أنّ أحداً ضلّ في البيداء وسط ظلام دامس وأراد أن يقطع طريقه دون أن يتخبّط فيه ، ولا يمكن أن يهتدي ـ والحال هذه ـ إلاّ بإيقاد النار ليمشي على ضوئها ونورها ويتجنّب المزالق الخطيرة ، وما أن أوقدَ النار حتى باغتته ريح عاصفة أطفأت ما أوقده ، فعاد إلى حيرته الأَولى .
فحال المنافقين كحال هذا الرجل ، حيث إنّهم آمنوا باديَ الأمر واستناروا بنور الإيمان ومشوا في ضوئه ، لكنّهم استبدلوا الإيمان بالكفر فعمَّهم ظلام الكفر لا يهتدون سبيلاً .
هذا على القول بأنّ المنافقين كانوا مؤمنين ثمّ عدلوا إلى الكفر ، وأمّا على القول بعدم إيمانهم منذ البداية ، فالنار التي استوقدوها ترجع إلى نور الفطرة الذي كان يهديهم إلى طريق الحق ، ولكنّهم أخمدوا نورها بكفرهم بآيات الله تبارك وتعالى .
والحاصل : أنّ حال هؤلاء المنافقين ـ لمّا أظهروا الإيمان وأبطنوا الكفر ـ كحال مَن ضلَّ في طريقه وسط الظلام في مكان حافل بالأخطار ، فأوقدَ ناراً لإنارة طريقه ، فإذا بريح عاصفة أطفأت النار وتركتهُ في ظلمات لا يهتدي إلى سبيل .
وهذا التمثيل الذي برعَ القرآن الكريم في تصويره يعكس حال المنافقين في عصر الرسالة ، ومقتضى التمثيل : أن يهتدي المنافقون بنور الهداية فترة من الزمن ثمّ ينطفئ نورها بإذن الله سبحانه ، وبالتالي يكونوا صُمّاً بُكماً عُمياً لا يهتدون ، فالنار التي اهتدى بها المنافقون عبارة عن نور القرآن ، وسنّة الرسول ، حيث كانوا يتشرّفون بحضرة الرسول ويستمعون إلى كلامه وحججه في بيانه ودلائله في إرشاده وتلاوته لكتاب الله ، فهم بذلك كمَن استوقد ناراً للهداية ، فلمّا أضاءت لهم مناهج الرشد ومعالم الحقّ تمرّدوا على الله بنفاقهم ، فخرجوا عن كونهم أهلاً للتوفيق والتسديد ، فأوكلهم الله سبحانه إلى أنفسهم الأمّارة وأهوائهم الخبيثة ، وعمّتهم ظلمات الضلال بسوء اختيارهم .
وعلى هذا ابتدأ سبحانه بذكر المَثل بقوله : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ } وتمّ المَثل إلى هنا .
ثمّ ابتدأ بذكر الممثّل بقوله : { ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُون } .
فإن قلت : فعلى هذا فما هو جواب ( لمّا ) في قوله : { فَلَمَّا أَضَاءتْ } ؟
قلت : الجواب محذوف ، لأجل الوجازة ، وهو قوله ( خَمدت ) .
فإن قلت : فعلى هذا فبِمَ يتعلّق قوله : { ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ } ؟
قلت : هو كلام مستأنف راجع إلى بيان حال الممثّل ، وتقدير الكلام هكذا : فلَمّا أَضاءَت ما حوله ، خَمدت فبقوا خابطين في ظلام متحيّرين متحسّرين على فوات الضوء ، خائبين بعد الكدح من إيقاد النار .
فحال المنافقين كحال هؤلاء ، أشعلوا ناراً ليستضيئوا بنورها لكن { ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُون } .
وبكلمة موجزة : ما ذكرنا من الجُمل هو المفهوم من الآية ، والإيجاز بلا تعقيد من شؤون البلاغة (1) .
فقوله سبحانه : { ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ } بمعنى : أنّ ذلك كان نتيجة نفاقهم وتمرّدهم وبالتالي تبدّد قابليتهم للاهتداء بنور الحقّ { فَتَرَكَهُمْ في ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُون } أي : في أهوائهم وسوء اختيارهم يتخبّطون في ظلمات الضلال ، لا يُبصرون طريق الحقّ والرشاد .
ترى أنّ التمثيل يحتوي على معاني عالية وكثيرة بعبارات موجزة ، ولو حاول القرآن أن يبيّن تلك المعاني عن غير طريق التمثيل يلزم عليه بسط الكلام كما بسطناه ، وهذا من فوائد المَثل ، حيث يؤدي معاني كثيرة بعبارات موجزة .
ثمّ إنّه سبحانه يصفهم بأنّهم لمّا عطّلوا آذانهم فهم صُمّ ، وعطّلوا ألسنتهم فهم بُكم ، وعطّلوا عيونهم فهم عُمي ، قال : { صُمّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُون }.
والمراد من التعطيل : أنّهم لم يكونوا ينتفعون بهذه الأدوات التي بها تُعرف الحقائق ، فما كانوا يسمعون آيات الله بجدٍ ، ولا ينظرون إلى الدلائل الساطعة للنبوة إلاّ من خلال الشك (2) .
إلى هنا تمّ استعراض حال المنافقين بحال مَن أوقدَ ناراً للاستضاءة ، ولكن باءت مساعيه بالفشل .
وممّا يدل على أنّ المنافقين آمنوا بالله ورسوله في بدء الأمر ثمّ طغى عليهم وصف النفاق ، قوله سبحانه : { ذلِكَ بأَنّهُمْ آمَنُوا ثمّ كَفَرُوا فَطُبِـعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُون }[ المنافقون : 3] .
وممّا يدل على أنّ الإسلام نور يُنوّر القلوب والأنفُس قوله سبحانه : { أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلام فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ في ضَلالٍ مُبِينٍ }[ الزمر : 22] .
وأمّا الظُلمة التي تحيط بهم بعد النفاق وتجعلهم صُمّاً بُكماً عُمياً ، فالمراد ظلمات الضلال التي لا يُبصرون فيها طريق الهدى والرشاد ، يقول سبحانه : { وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلياؤَهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصحَابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُون }[ البقرة : 257].
وبذلك ظهر أنّ تفسير الظُلمة التي يستعقبها إطفاء النور بظُلمة القبر ، وحياة البرزخ وما بعدها من مواقف الحساب والجزاء ، غير سديد ، وإن كان هناك ظُلمة للمنافق لكنّها من نتائج الظُلمة الدنيوية .
فاستشهاد صاحب المنار على كون المراد هو ظُلمة القبر والبرزخ بقوله سبحانه : { يَوْمَ يَقُولُ المُنافِقُونَ وَالمُنافِقاتُ لِلَّذينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِس مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالتَمِسُوا نُوراً... }[ الحديد : 13] ليس بأمر صحيح ، والآية ناظرة إلى حياتهم الدنيوية التي يكتنفها الإيمان والنور ، ثمّ تحيط بهم الظُلمة والضلالة ، ولا نظر للآية لِما بعد الموت .
سؤالٌ وإجابة
إنّ مقتضى البلاغة هو : الإتيان بصيغة الجمع حفظاً للتطابق بين المشبّه والمشبّه به ، مع أنّه سبحانه أفرد المشبّه به { كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً } ، وجمعَ المشبّه أعني قوله : { مَثَلُهُمْ } { ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ } ، فما هو الوجه ؟
أجاب عنه صاحب المنار بقوله : إنّ العرب تستعمل لفظ ( الذي ) في الجمع كلفظَي ( ما ) و ( مَن ) ، ومنه قوله تعالى : { وَخُضْتُمْ كَالّذِي خَاضُوا }[ التوبة : 69] وإن شاع في ( الذي ) الإفراد ؛ لأَنّ له جمعاً ، وقد روعي في قوله { اسْتَوْقَدَ } لفظه ، وفي قوله { ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ } معناه ، والفصيح فيه مراعاة التلفّظ أوّلاً ، ومراعاة المعنى آخراً ، والتفنّنُ في إرجاع الضمائر ضربٌ من استعمال البلغاء (3) .
ولنا مع هذا الكلام وقفة ، وهي : أنّ ما ذكره مبني على أنّ قوله سبحانه : { ذَهَبَ الله بنورهِمْ وَتَرَكهم في ظُلماتٍ لا يُبصرون } في تتمة المَثل ، وأجزاء المشبّه به ، ولكنّك قد عرفتَ خلافه ، وأنّ المثل تمّ في قوله : { فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ }
وذلك بحذف جواب ( لمّا ) ؛ لكونه معلوماً في الجملة التالية ، وهو عبارة عن إخماد ناره فبقى في الظلام خائفاً متحيّراً .
وإلاّ فلو كان قوله { ذَهَبَ الله بنورهِمْ } من أجزاء المشبّه به ، وراجعاً إلى مَن استوقد ناراً ، يلزم أن تكون الجملة التالية أعني قوله : { صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ } كذلك ، أي من أوصاف المستوقِد ، مع أنّها من أوصاف المنافق دون أدنى ريب ، ولو أردنا أن نصيغ المشبّه والمشبّه به بعبارة مفصّلة ، فنقول :
المشبّه به : الذي استوقدَ ناراً فلمّا أضاءت ما حوله أُطفأت ناره .
والمشبّه : المنافقون الذين استضاءوا بنور الإسلام فترة ثمّ ذهبَ الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يُبصرون ، صُمّ بُكم عُمي فهم لا يرجعون .
وأمّا وجه الإفراد ، فهو أنّه إذا كان التشبيه بين الأعيان فيلزم المطابقة ؛ لأَنّ عين كلّ واحد منهم غير أعيان الآخر ، ولذلك إنّما يكون التشبيه بين الأعيان إذا روعي التطابق في الجمع والإفراد ، يقول سبحانه : { كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ }[ المنافقون : 4] ، وقوله : { كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ }[ الحاقة : 7] .
وأمّا إذا كان التشبيه بين الأفعال ، فلا يشترطون التطابق لوحدة الفعل من حيث الماهية والخصوصيات ، يقال في المثل : ما أفعالكم كفعل الكلب ، أي : ما أفعالكم إلاّ كفعل الكلب .
وربّما يقال : إنّ الموصول ( الذي ) بمعنى الجمع ، قال سبحانه : { وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ }[ الزمر : 33] (4) .
__________________
1 ـ لاحظ الكشّاف : 1|153 .
2 ـ انظر مجمع البيان : 1|54 ؛ آلاء الرحمان : 1|73 .
3 ـ تفسير المنار : 1|169 .
4 ـ انظر التبيان في تفسير القرآن : 1|86 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|